مصر بين حربين: مشاهد من تحولات المجتمع المصري بين هزيمة يونيو وانتصار أكتوبر

مصر بين حربين: مشاهد من تحولات المجتمع المصري بين هزيمة يونيو وانتصار أكتوبر


07/10/2021

حسن حافظ

دخل المجتمع المصري تجربة شديدة القسوة بعد هزيمة 5 يونيو 1967، التي كانت ساحقة بما يتجاوز حصرها في مفهوم النكسة. واستمرت التجربة حتى انتصار 6 أكتوبر 1973، الذي أعاد بعض التوازن للمجتمع المصري، لكنه ساهم في عملية التحول العميقة التي بدأت عقب هزيمة يونيو. ولم يكن التحول ممكنًا لولا هذه الهزيمة النكراء. لذا يمكن أن يؤدي استعراض بعض مشاهد ما جرى في هذه الفترة الخصبة إلى فهم طبيعة المتغيرات التي جرت في عمق المجتمع المصري، وحولته من تجربة جمال عبد الناصر بكل سلبياتها وإيجابياتها، إلى تجربة عصر أنور السادات في النصف الثاني من عقد السبعينيات التي مثلت قطيعة مع الميراث الناصري ونقلت الحراك الاجتماعي إلى مستويات أخرى، ولم يكن هذا ممكنًا إلا بعد المحنة التي دخلها المجتمع المصري ونظام عبد الناصر بفعل الهزيمة.

اقتصاد ومجتمع ما قبل النكسة

 وصل نظام عبد الناصر إلى قمة سلطته ونفوذه ظاهريًّا في النصف الأول من عقد الستينيات في القرن الماضي، فقد تم تدشين الرئيس المصري زعيمًا للعرب من المحيط والخليج، وأصبح أكثر زعماء المنطقة نفوذًا وشعبية، خصوصًا أن الخطاب العروبي اكتسح أية خطابات أخرى، ولم يخفت هذا الخطاب على واقع الأزمة الداخلية التي ضربت بنية النظام من داخله على أكثر من مستوى وأدخلته في أزمة عميقة، فمن ناحية انفرد عبد الحكيم عامر بشؤون الجيش ورفض حتى أن يكون لعبد الناصر أي إطلاع على إدارته للجيش وخطط تسليحه وتدريبه، بينما فشلت الخطة الخمسية الأولى (1960-1965)، وبدا أن الاقتصاد المصري سيواصل رحلة معاناته.

ويرصد الباحث سامح نجيب في بحث “هزيمة 1967 وفشل الدولة التنموية الناصرية”، ضمن كتاب “في تشريح الهزيمة.. حرب يونيو 1967 بعد خمسين عامًا”، عوامل فشل التجربة التنموية والتصنيعية في مصر عبد الناصر، إذ يرى أن الدولة فشلت في مواجهة عدد من التحديات كدولة تنموية، خاصة في مجال تطوير القطاع الزراعي، ودعم وتوجيه الاستثمار الصناعي بشكل مركزي، وتطوير القدرات التمويلية، خصوصًا الاحتياجات من النقد الأجنبي، لشراء السلع الرأسمالية والمواد الخام، وهو ما أدى إلى الاعتماد المتزايد على القروض والمساعدات الخارجية، ليخلص إلى أن مصر خضعت للتبعية السوفيتية في إمدادات السلاح، وللأمريكيين فيما يخص الغذاء، ففي 1961 كانت المساعدات الغذائية الأمريكية تشكل 77% من واردات مصر من القمح و38% من إجمالي استهلاكها، بعدها بعام واحد وصلت تلك النسب إلى 99% من واردات القمح و53% من إجمالي الاستهلاك. ولعل هذه العلاقة الغذائية بين مصر والولايات المتحدة، في أوج ما سمي بالاشتراكية العربية والشعارات المناهضة للإمبريالية الأمريكية، تظهر عمق الأزمة التي وصلت إليها تجربة الدولة التنموية في مصر، ليؤكد نجيب أن الدولة التنموية الناصرية فشلت في تحقيق أهدافها الاقتصادية، بل وكيف أفلست عمليًّا مع نهاية الخطة الخمسية الأولى عام 1965، أي قبل عامين من حرب يونيو 1967.

وسط الأزمة الاقتصادية الخانقة، سقط النظام المصري أسير خطابه السياسي الزاعق والذي دغدغ مشاعر الجماهير المصرية والعربية وجيشهم خلف حلم القضاء على الكيان الصهيوني، وإلقاء إسرائيل في البحر، وتحقيق وحدة العرب بعد تحقق الانتصار على العدو الإسرائيلي، وهو انتصار بدا من خطاب عبد الناصر وآلته الإعلامية في المتناول ومن السهل تحقيقه، لذا عندما جاءت أزمة مايو 1967، لم يستطع عبد الناصر تفادي الحرب -التي لم يكن مستعدًا لها في ظل انخراطه في حرب اليمن منذ العام 1962- بسبب خطابه التصعيدي الذي نسف أي إمكانية لتجنب الحرب، لتتحول الأخيرة إلى تجربة شديدة القسوة هزمت فيها جيوش مصر وسورية والأردن بكل قسوة، لكن الأهم أنها كشفت تآكل بنية نظام عبد الناصر وأمراضه وهشاشته من الداخل، وحجم الفساد الذي تخلل المؤسسة العسكرية بسبب فساد عبد الحكيم عامر ومن حوله.

على المستوى الشعبي كانت الهزيمة كاسحة، رغم محاولات النظام تخفيف الصدمة، لكن الشعب الذي حرم من الديمقراطية خرج إلى الشارع رافضًا خطاب تنحي عبد الناصر الشهير (9 يونيو 1967)، ويذهب شريف يونس في كتابه “الزحف المقدس.. مظاهرات التنحي وتشكل عبادة ناصر” إلى أن التظاهرات الشعبية العفوية كانت نتيجة عملية تربية للشعب المصري عبر أيديولوجية النظام الناصري التي قادت إلى تقديس عبد الناصر باعتباره بطل الأمة وتجسيدها الحي، لكننا نرى أن خروج الشعب المصري كان نوعًا من أنواع تحميل المسؤولية لعبد الناصر، لكن نتيجة عملية تجريف الساحة السياسية والشعبية، لم تجد الجموع الغاضبة والمصدومة بديلا عن عبد الناصر ليقود البلاد في مرحلة إعادة البناء على أسس اجتماعية وسياسية جديدة، وهو ما يفسر تحركات الطلاب والعمال على الأرض بعدها؛ عندما شعروا بعدم جدية عبد الناصر في اتخاذ إجراءات إصلاحية عميقة في بنية النظام المهترئ.

أصداء النكسة في الأدب

وقد عبر كبار الروائيين المصريين عن شعور الشارع بالهزيمة، بل نستطيع القول إن بعض الكتاب قد حذر بشكل أو بأخر من الأزمة التي تلوح في الأفق، مثلما فعل توفيق الحكيم في مسرحية “السلطان الحائر” 1960، والمسرحية الروائية “بنك القلق” 1966، بينما نشر نجيب محفوظ رواية “ثرثرة فوق النيل” 1966، التي حملت انتقادات للأوضاع السيئة التي تمر بها البلاد، لكن مع هزيمة يونيو تعاطت الأجيال الأدبية مع الهزيمة بأشكال مختلفة، وبحسب دراسة حمدي حسين “الرؤية السياسية في الرواية الواقعية في مصر 1956-1975″، فقد اختلفت زوايا تناول الحدث، فبينما استوقفت لحظة الهزيمة كاتبين هما: يوسف القعيد في روايته “الحِداد”، وإبراهيم عبد المجيد في روايته “في الصيف السابع والستين”، (والقعيد وعبد المجيد من أبناء جيل يوليو فكان وقع الهزيمة عليهما قاسيًا إذ اعتبرا أنفسهما -ضمن أبناء جيلهما- أبناء الثورة)، نجد أن عملين آخرين قد اهتما بالبحث عن أسبابها وهما: “أخبار عزبة المنيسي” للقعيد، و”زينب والعرش” لفتحي غانم، أما الآثار التي خلفتها الهزيمة فقد استأثرت باهتمام كل من: نجيب محفوظ في روايته “الحب تحت المطر”، وحسن محسب في روايته “العطش”.

وقد تلخصت رؤية كتاب الرواية من معاصري الهزيمة وآثارها في أن هزيمة يونيو كشفت الشعور بالضياع واليتم والعجز عن تجاوزها للعجز عن تحديد أسبابها، ثم محاولة البعض منهم كما فعل إبراهيم عبد المجيد، إلى التصريح بأن غياب الديمقراطية هو السبب الحقيقي للهزيمة الساحقة، بينما رصد نجيب محفوظ آثار الهزيمة وكيف أنها أجبرت كل مصري على الانكفاء على ذاته وأصيب بضعف الانتماء وعدم المبالاة كأثر سلبي للهزيمة.

سبيل الإصلاح بعد الهزيمة

توصل الروائيون الذين كتبوا عن الهزيمة وعاشوها، إلى أن غياب الديمقراطية أحد أهم أسباب الهزيمة إن لم يكن سببها الرئيس، لذا كان المشهد الأبرز في الشارع المصري بعد الهزيمة هو المطالبة بعودة حرية التعبير بعد سنوات من كتم الأصوات، فكانت فكرة المعارضة لنظام عبد الناصر والضباط الأحرار غير مفهومة للسلطة وتترجمها عادة لفكرة الخيانة، لكن القمع وتأميم الحركة السياسية انتهى مع هزيمة يونيو 1967 التي وضعت شرعية نظام عبد الناصر بأكمله على طاولة النقاش، وجعلت المطالبة بالإصلاح أمرًا مشروعًا، وقد تجلى هذا بصورة واضحة في تحركات الطلاب الذين خرجوا في تظاهرات أحرجت النظام وكشفت لأول مرة عن تراجع شعبيته، وذلك بعد أشهر قليلة من تظاهرات التنحي الشهيرة والتي طالبت عبد الناصر باستمراره في قيادة الدولة، وهو ما يكشف عن حجم الإحباط الشعبي من محدودية الإصلاح الذي أعقب الهزيمة.

ويقول أحمد عبد الله رزه في كتابه “الطلبة والسياسية في مصر”، إن انتفاضة فبراير 1968، كانت “رد الفعل الأول للطلاب على الهزيمة، وبداية تحديهم للنظام، الأمر الذي يعد تعبيرًا عن عجز منظمة الشباب الرسمية، بل وكل سلسلة التنظيمات السياسية الرسمية، في احتواء حركتهم. وترجع حدة هذه الانتفاضة إلى نطاق الهزيمة العسكرية نفسها. وكذلك إلى القيود المفروضة على حرية التعبير بين الطلبة والمثقفين منذ ما قبل الهزيمة بوقت طويل”. وبدأت التظاهرات في 21 فبراير على يد عمال حلوان، اعتراضا على أحكام المحكمة العسكرية المخففة على ضباط سلاح الطيران المتهمين بالإهمال والتسبب في هزيمة يونيو، فخرج العمال إلى الشارع اعتراضًا على الأحكام، فوقعت صدامات مع الشرطة، لتتصاعد الأحداث سريعا وينضم الطلاب إلى التظاهرات التي تحولت إلى انتفاضة جماهيرية واسعة خصوصا في القاهرة والإسكندرية، لتكشف عن استيقاظ الوعي الشعبي وتفهمه لحجم الهزيمة الساحقة، وعدم اقتناعه بمحاولات الإصلاح المحدودة التي بدأها عبد الناصر.

ورغم قمع الانتفاضة بعصا قوات الأمن، إلا أن عبد الناصر بدا وقد استوعب الدرس جيدا، إذ يرى عبد الله رزة إن الانتفاضة حققت “أثرًا سياسيًا رائعًا في البلد ككل وداخل الجامعات، فعلى المستوى القومي، اضطر عبد الناصر لأن يصدر أمرًا بإعادة محاكمة الضباط المتهمين بالإهمال، وتشكيل وزارة جديدة أغلبها من المدنيين –معظمهم من أساتذة الجامعات- وذلك لأول مرة في عهده. والأمر الأكثر دلالة، هو أنها جعلته يسعى لتجديد شرعية نظامه من خلال برنامج 30 مارس بما تضمنه من إصلاحات ليبرالية موعودة في النظام السياسي”. قدم عبد الناصر تنازلات في بيان 30 مارس 1968، واستجاب لضغط الشارع الذي بدأ يتململ من النظام الذي تسبب في الهزيمة، خصوصا أن المجتمع عاش أيامًا صعبة عقب الهزيمة أثرت على تفاصيل الحياة اليومية.

أجواء الهزيمة تهيمن على حراك المجتمع

تأثير الهزيمة كان قاسيًا على المجتمع المصري، ما ظهر بوضوح في تراجع معدل الزواج الخام (هو المرتبط بعدد حالات الزواج)، في سنة النكسة إلى 7.3 حالة زواج لكل 1000 نسمة، وهو أقل معدل مسجل في مصر منذ العام 1952، ولم تسجل مصر هذا المعدل المنخفض طوال الفترة التالية حتى العام 2001، عندما تم تسجيل معدل 7 حالات زواج لكل 1000 نسمة، بحسب إصدار “تحليل الوضع السكاني” لعام 2016، والصادر عن المجلس القومي للسكان وصندوق الأمم المتحدة للسكان، وهو تقرير يعتمد على تحليل إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وهو الجهاز الرسمي المصري المختص بمثل هكذا إحصاءات.

تجاوز معدل الزواج في مصر قبل عام النكسة أي في العام 1966، 9 حالات لكل 1000 نسمة، وكانت عدد حالات الزواج في عام 1962، وهو العام الذي دخلت فيه مصر حرب اليمن، أعلى من 8 حالات لكل 1000 نسمة، وهو أقل معدل زواج في مصر طوال عصر عبد الناصر باستثناء عام النكسة، في المقابل بلغ معدل الزواج في عام 1973 وهو عام حرب أكتوبر، 11 حالة زواج لكل 1000 نسمة، لكنه تراجع بفعل الحرب في العام التالي إلى نحو 10 حالات لكل 1000 نسمة، مع ملاحظة أساسية وهي أن حفلات الزواج في مصر تتم عادة في شهور الصيف (أي بعد نكسة يونيو وقبل انتصار أكتوبر في عامي 1967 و1973).

تتأكد هذه الأرقام برصد “تحليل الوضع السكاني” لحالات الطلاق، إذ انخفض معدل الطلاق في مصر خلال عام النكسة إلى 1.8 حالة لكل 1000 نسمة، وهو أقل معدل طلاق في كامل فترة حكم جمال عبد الناصر؛ فعلى ما يبدو أن ظروف الهزيمة تركت بصمتها في تجميد الحياة الاجتماعية للمصريين، فمن ناحية بدا أن الخلافات الزوجية أمور تافهة أمام عظم الخطر الذي تواجه الأمة المصرية، ما استدعى نوعًا من أنواع التكاتف ليس على المستوى الجماهيري والرسمي فقط كما تجلى في مشهد مظاهرات التنحي، بل وعلى مستوى التكاتف داخل الأسرة الواحدة.

 بل أن أجواء الهزيمة الساحقة وانهيار الحلم الناصري جثمت على أنفاس المصريين، فولدت مشاعر إحباط عامة سيطرت على الجميع تقريبا، ما انعكس بوضوح على تراجع معدلات الزواج بشكل ملحوظ، فأصابت النكسة المصريين بنوع من أنواع العزوف عن الحياة، فأصيب الجميع بحالة من الاكتئاب ما أدى إلى تأجيل مشاريع الزواج حتى تتضح الأمور من ناحية، ولظروف تجنيد الشباب على الجبهة من جهة أخرى؛ خصوصًا أن مصر دخلت حالة من التخبط وعدم وضوح الوجهة، بعد انهيار الخطاب الناصري القائم على الحشد وشحن بطارية الوطنية على أعلى مستوى، مع تنامي أحلام القومية العربية، ومناطحة القوى العظمى وقيادة العالم الثالث، والتصنيع والاكتفاء الذاتي، وهي خطابات تركز على العزة الوطنية، كانت سائدة في كل مؤسسات الدولة وعبر كل منابرها الإعلامية، لكن كل هذا تبدد على وقع هزيمة دمرت الجيش المصري، وانتهت باحتلال العدو الإسرائيلي لكامل شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة، لذا كان من الطبيعي أن يبحث المصريون عما يخرجهم من هذا الواقع الأسود حتى ولو كان عبر مشاهدة فيلم كوميدي مغرق في التفاهة.

ربما تكون صدفة وربما لا تكون، أن العديد من أفلام العام 1968 وما بعدها، ذات صبغة كوميدية واضحة لتخفيف صدمة الهزيمة وكآبة العيش في لحظة بلا أمل بعد تحطم عالم الأحلام الوردية، في محاولة –يبدو أن نظام عبد الناصر خلفها- لإلهاء الجمهور عن أوضاع البلاد والنظام الغارق في أزمته، لذا جاءت الأفلام الخفيفة لتكتسح دور السينما أمثال “حواء والقرد” و”أرض النفاق” و”شنبو في المصيدة” و”مطاردة غرامية” و”عفريت مراتي”، و”لصوص لكن ظرفاء”، و”نص ساعة جواز”، وكذلك اللجوء لأفلام أكثر إثارة مثل فيلم “أبي فوق الشجرة”، وهو وضع استمر في بداية عصر الرئيس أنور السادات، ففي وقت تعالى الجدل حول حالة اللا حرب واللا سلم اكتسح دور السينما فيلم “خلي بالك من زوزو” 1972. مع ملاحظة أن السينما المصرية شهدت في فترة ما بين الحربين مجموعة من الأفلام المهمة مثل “شيء من الخوف” و”ثرثرة فوق النيل” و”الأرض”، لكن الأفلام الكوميدية والجريئة ظلت هي الأكثر جماهيرية والأكثر انتشارًا.

اختناق ما قبل الحرب

شكل رحيل عبد الناصر (سبتمبر 1970)، نهاية مرحلة ارتبطت بشخص الزعيم الراحل الذي مثل تجسيدا لأحلام المصريين والعرب، وجاء تولي محمد أنور السادات لرئاسة البلاد في وقت كان الجميع يبحث عن إجابة للسؤال الأكثر إلحاحًا عن موعد حرب استرداد الأرض والكرامة، لذا كان الشعب المصري يضغط على السادات من أجل الحرب، خاصة أن الأخير تخلص من منافسيه على السلطة فيما وصف بتصفية مراكز القوى مايو 1971، ورفع شعار “ثورة التصحيح” للنظام السياسي بإعلان الدستور الدائم في العام ذاته، والحديث عن عام الحسم لتحرير سيناء المحتلة واسترداد الكرامة الوطنية.

بدأت الحركات الطلابية في تنظيم نفسها خلف هدف الحرب، والضغط على السادات من أجل خوضها في أقرب فرصة، لذا انفجرت الأوضاع -بحسب أحمد عبد الله رزة- في مطلع العام 1972، عقب خطاب السادات الذي حاول تبرير فشله في الوفاء بوعده لجعل العام الماضي “عام الحسم” بسبب اندلاع الحرب الهندية الباكستانية، بزعم أن العالم لا يتسع لاندلاع حربين كبيرتين في وقت واحد، وحديثه عن عدم وضوح الأمور وضبابيتها، وهو الخطاب الذي لم يقنع الطلاب والذين اعتبروه محاولة لخداعهم، وأن الرئيس الجديد لا رغبة لديه ولا استعداد للحرب، فاندلعت التظاهرات بداية من كلية الهندسة بجامعة القاهرة، سرعان ما تحولت إلى اعتصام، ما أجبر السادات على تقديم تنازلات سريعة بإجراء تعديل وزاري وكلف الحكومة بمهمة إعداد اقتصاد البلاد للحرب. لكن هذه القرارات لم تنل رضاء الطلاب ما أدى إلى صدام مع قوات الأمن، انتهى باعتقال نحو ألف طالب، فرد الطلاب بالاحتشاد في ميدان التحرير الذي شهد في 24 يناير 1972 احتشاد نحو 20 ألف طالب، بالتوازي مع تألق الثنائي الشيخ إمام والشاعر أحمد فؤاد نجم، عبر تحولهما لصف الطلاب، وكانت أغنيتهما المشتركة “أنا رحت القلعة” هي نشيد الطلاب، لكن الأمن استطاع في النهاية تفريق الطلاب واستعادة الهدوء مرة أخرى، لكن مظاهرات الطلاب كشفت عن مزاج شعبي جارف يريد الحرب، وقد استغل الرئيس السادات هذه الروح في إطار خطة الخداع الاستراتيجي للعدو الإسرائيلي، إذ بدا من خطاب السلطة أنها غير راغبة أو غير جادة في خوض الحرب، لكن الحقيقة أن الدولة المصرية بكل مؤسساتها كانت تستعد للحرب في هدوء منذ ما بعد هزيمة يونيو، وعندما استكملت القوات المسلحة استعداداتها كان قرار الحرب في 6 أكتوبر 1973، والذي حقق للمصريين استعادة الكرامة والأرض والثقة بالنفس.

عن "مركز الإنذار المبكر"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية