مصر: الطّابور الخامس ينشط مجدداً

مصر: الطّابور الخامس ينشط مجدداً

مصر: الطّابور الخامس ينشط مجدداً


18/07/2023

محمد صلاح

معروف الطابور الخامس، فالتعبير تجاوز التناول في أدبيات العلوم السياسية والاجتماعية، ووصل إلى حد القطاعات الشعبية والبسطاء بفعل كثرة ترديده ضمن مفردات وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي، للإشارة إلى هؤلاء الذين يقدمون العون للأعداء بطرق وأشكال مختلفة، سواء بالتواطؤ معهم، أم حتى دون دراية ولمجرد تمسكهم بمواقفهم وآرائهم وقناعاتهم الخطأ.

يشار هنا إلى الجنرال إميليو مولا أحد قادة "القوات الوطنية" الزاحفة على مدريد أثناء الحرب الأهلية الإسبانية عام 1936 التي كانت تتكون من أربعة طوابير من المحاربين، قال حينها إن هناك طابوراً خامساً يعمل مع جيش الجنرال فرانكو وحكومة الجمهورية التي كانت ذات ميول يسارية من داخل مدريد، ويقصد به مؤيدي فرانكو من الشعب، وبعدها ترسخ هذا المعنى في الاعتماد على الجواسيس في الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي، وانتشر المصطلح جماهيرياً أثناء كوارث الربيع العربي وبعدها، حين ظهر أن ناشطين خضعوا لدورات تدريبية في دول غربية لتثوير الناس وتحريضحم ودفعهم إلى تنظيم الاحتجاجات عن طريق ترويج الشائعات وتزييف الأخبار وفبركة الصور والفيديوهات، ووجد الناس في مصر، كمثال، بعض المصريين ينفذون توجهات لا يمكن أن تخدم بلدهم بل هي بنود لأجندات أجنبية خصوصاً، وأيقن المواطنون، بفعل تداعيات الحوادث، أن أعداء الدولة المصرية استغلوا الغضب المتنامي ضد حكم مبارك لتأجيج المشاعر والدفع في اتجاه الفوضى.

يدرك المصريون أن "الإخوان المسلمين" يسعون للثأر من السيسي والانتقام من الجيش والتنكيل بكل شخص أو جهة، أو حتى دولة، لم تساند الإخوان وقبلت خلع محمد مرسي من المقعد الرئاسي، ولا يعوّلون على ما يصدره لهم الإعلام الإخوانجي أو المنصات التابعة لذلك التنظيم الإرهابي من معلومات مفبركة أو أخبار كاذبة أو تقارير مغلوطة، وهم لا يستغربون مشاعر الكراهية والغضب الشديد التي تسود الإخوان الذين ينتمون إلى جماعة نشأت في مصر وانطلقت منها إلى العالم، وإصرار التنظيم على تبني خطاب سياسي وإعلامي يقوم على رفض كل حدث مهم واغتيال كل أطرافه معنوياً، إذا تسببوا في فرحة للشعب أو بهجة للبسطاء، حتى إذا كان الحدث فنياً بحصول ممثل أو مطرب على جائزة دولية، أو حدثاً رياضياً كوصول منتخب كرة القدم أو فريق رياضي مصري إلى منافسات عالمية، فبمنتهى الجسارة يجري التسويق لمفردات تدّعي أن عهد السيسي لا علاقة له بأي إنجاز رياضي أو أن المنتخب المصري خاض منافسات سهلة فوصل من دون عناء إلى منافسات البطولة!!

ويبدو أن بقايا الطابور الخامس ما زالوا يصطفون لتحقيق الأهداف نفسها التي عجزوا، في أجواء الربيع العربي، عن الوصول إليها وتقديمها هدايا لأعداء الوطن، فهم يناضلون بشدة لإظهار مشاعر الغضب كلما وقع حدث يسرّ المصريين أو يسعد شعباً عانى لعقود ظروفاً صعبة في مجالات مختلفة، فربما تنتقل تلك المشاعر إلى القطاعات الجماهيرية.

لا ينتمي عناصر الطابور الخامس فقط إلى تنظيم الإخوان بل هناك أيضاً المتعاطفون مع ذلك التنظيم الإرهابي وأصحاب الولاء لدول أخرى والكارهين للسيسي والجيش والدولة الوطنية، إضافة إلى أصحاب مصالح أطاحها الحكم أو لم يحافظ لهم عليها، هم أيضاً لا يعنيهم الضرر الذي يلحق بالبلد جراء أفعالهم وغير معنيين بجرائم الإخوان وكوارثهم ولا ينظرون إلى تلك الجماعة من الزاوية نفسها التي يراهم من خلالها الشعب كتنظيم ظل على مدى عقود يهدم أسس الدولة ويخرب كل بناء فيها، ويعمد فقط إلى تقوية هياكله وفروعه.

المهم كلما ابتسمت الدنيا في وجوه المصريين، هجم عليهم عناصر الطابور الخامس دعاة الإحباط وناشرو اليأس ومروّجو الطاقة السلبية ليسلبوا الفرحة ويطفئوا الأنوار، ويشيعوا النكد حتى لو كان الحدث المبهج لا علاقة له بالسياسة أو الحكم أو السيسي أو الجيش؛ فالمهم لدى هؤلاء أن يبكي المصريون فراق الإخوان وأن يحزن الشعب لأنهم خلعوا محمد مرسي ، وأن يرثي الجميع أحوال المصريين ما دام المرشد يرتدي زي الإعدام، وأن تظل الكآبة سائدة بعدما فر الإرهابيون من سيناء!!

صار الأمر اعتيادياً بالنسبة إلى المصريين وتكرر كثيراً، وبمجرد الإعلان عن مشروع جديد يسهّل حياة الناس ويخفّف من وطأة المعاناة وضيق الأحوال سريعاً تُنصب منصات الطابور الخامس والإعلام الإخوانجي، وينشط ثوار مواقع التواصل الاجتماعي، وتُجيّش الاستديوات في الفضائيات التي أدمنها أعضاء الطابور، لتشويه الحدث والإساءة إلى كل طرف له علاقة به، فيكون التركيز على المصائب "والبلاوي" من دون الحديث عن فوائد ذلك المشروع أو الأرباح من ورائه، فإذا كان ممكناً الادعاء أن المشروع كان ضمن "أجندة" الإخوان فلا مانع، وإن كان متاحاً الزعم أن مرسي ابتكره وأن الجيش سرقه وقدمه إلى الناس ليخدع به الشعب!! فأهلاً وسهلاً، أما إذا ظهر المشروع فجأة فالعزف سيعتمد على أن لا طائل منه أو أن الجيش سيربح من ورائه أو أن السيسي يلهي المصريين بمشاريع وهمية، أو سيكون الكلام عن السجادة الحمراء التي سار عليها السيسي أو ساعة اليد التي في معصمه أو نوع القميص الذي يلبسه أو ربطة العنق التي يرتديها!! وبالطبع لا يفوت الإخوان التنويه إلى أن السيسي يستخدم الحوادث الفنية ليشغل الناس، والمنافسات الرياضية ليلهي شعبه، وأن الرجل يستثمر مشاجرات مسؤولي الأندية ليخفي أعداد المعتقلين في السجون!! أو لينسى الناس محاكمات الإخوان والإسلاميين!! 

سينشط عناصر الطابور الخامس في الفترة المقبلة، وكلما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية، لكنهم يخشون ضياعهم وسط التيار المؤيد للدولة المصرية، وعقولهم تدرك أن الناس يرون في أفعالهم وسلوكهم وجرائمهم أسباباً لزيادة الهوة معهم، وغابت عنهم حقيقة أن أفعالهم تجعلهم يحفرون أكثر تحت أقدامهم، وأن المصريين فطنوا إلى أن الواقفين في ذلك الطابور يصابون بالكآبة ويخيم علىهم الحزن ويدخلون في محنة كلما نجح نموذج، ولذلك ستجدهم دائماً يرصدون ما يكتبه هؤلاء على مواقع التواصل الاجتماعي ويلهثون خلف الآراء المعارضة للإخوان ودعاة الفوضى والإرهابيين للرد عليها وسب أصحابها وتسفيه صمودهم وتكذيب معلوماتهم واغتيالهم معنوياً، ومعهم كل من يدحض ادعاءات الإخوان وأكاذيب منصاتهم الإعلامية وفبركات مواقعهم.

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية