مستقبل "داعش" بعد تنصيب الخليفة الثالث

مستقبل "داعش" بعد تنصيب الخليفة الثالث


20/03/2022

منير أديب

أعلن تنظيم "داعش" تنصيب خليفته الثالث بعد أربعين يوماً من مقتل الخليفة الثاني، أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا، وهو ما يطرح أسئلة عدة تتعلق بمستقبل التنظيم في ظل الخليفة "الجديد" وقدرته على إعادة "الخلافة" التي سقطت قبل مقتل الخليفة الأول أبو بكر البغدادي.

لم يخرج اختيار "داعش" من الأسماء المرشحة، كما أعلن أبو عمر المهاجر، المتحدث باسم التنظيم قبل أيام، فقد اختير من جانب القيادات العراقية ذا نسب قرشي، كما تقول الرواية الفقهية، ولذلك استبعدت قيادات التنظيم المنتمين إلى دول لا تعود أصولهم فيها إلى قريش، وبالتالي جنسيتهم غير عراقية، وهنا يظل العرق العربي هو المسيطر على التنظيم مهما تمدد ومهما شكل الأجانب نواته أو كانوا مقربين من قادته.

"داعش" ترى أن الولاية العامة لا تجوز إلا لـ"قرشي" كشرط من شروط الخلافة التي تتوافر في من يُسند إليه هذا المنصب، شرط لا يقل عن شروط الكفاءة، سواء العقلية أم الشرعية أم البدنية، وهنا يتم توظيف أغلب قادة التنظيم من الأجانب في النشاطات العسكرية أو الإدارية المتعلقة بالدواوين والحكم دون الولاية العامة، فقد يكون منهم المستشارون، وهذا لا يرشحهم لتولي المنصب مهما طال عليهم الزمن.

زيد العراقي هو الاسم الحقيقي لأبو الحسن الهاشمي، أتى من خلفية شرعية "عالم دين"، كما أنه قائد عسكري، شارك في العمليات الإرهابية التي قام بها التنظيم على مدار فترة سيطرته على الرقة والموصل، سواء قبل سقوط دولته أم بعدعا، وتولى من قبل ديوان القضاء والمظالم والمكتب المركزي لمتابعة الدواوين الشرعية، فضلاً عن ديوان التعليم، وهو كان مقرباً من الخليفة الأول للتنظيم، أبو بكر البغدادي.

ثلاثة خلفاء وثماني سنوات هو عمر التنظيم، الذي ما زال ينبض بالحياة. تولى خليفته الأول الأمر مع قيام دولة "داعش" في 29 حزيران (يونيو) من عام 2014، ليستمر خمس سنوات كاملة هو عمر الدولة التي أقامها واغتيل عام 2019. بعد شهر يتم تنصيب أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، أو عبد الله قرداش، ويستمر في منصبة قرابة ثلاث سنوات كاملة حتى يتم اغتياله هو الآخر بعد ثلاث سنوات، ليتم تنصيب أبو الحسن الهاشمي خلفاً للخليفتين السابقين.

مر قرابة عقد من الزمان على وجود التنظيم، وما زال قادراً على التواصل بين قياداته واختيار هذه القيادات. تنظيم نجح في التماسك رغم ما مر به ورغم ما يواجهه، وهو ما يدفعنا إلى إعادة التفكير في طريقة مواجهته وآليات هذه المواجهة التي لم تسفر عن نتائج ملموسه تتعلق باختفائه، فالتنظيم ما زال قادراً على صناعة مستقبله، وما زال قادراً على المناورة واللعب على الصراعات والتناقضات الدولية، وبالتالي الاستفادة من الحالة التي يعيشها المجتمع الدولي، وهنا خدمت الظروف والصراعات "داعش"، ولكنه كان قادراً على توظيف هذه الصراعات لمصلحته.

الخليفة الجديد لـ"داعش" سيستفيد حتماً من تجارب الخليفتين السابقين، ولعله يؤمن مكان وجوده بصورة يصعب معها اصطيادة كما حدث معهما، مستفيداً من الأخطاء التي وقعا فيها، ولعله يضع خطة للانتشار والتمدد يراعي فيها الأخطاء التي وقع فيها التنظيم من جانب، ويستفيد من المستجدات الدولية والمحلية التي فيها أتباعه في الولايات الأخرى من جانب آخر، مستثمراً هذه الظروف لمصلحته.

نحاول أن نقرأ هذه الخطة من خلال قراءة عقل الخليفة الجديد وتشريح هذا العقل، صحيح أنه تبدو المعلومات شحيحة عنه، ولكننا نخضع المؤكد منها للدراسة والتحليل والتوقع المدروس، حتى يمكننا أن نقرأ واقع التنظيم الجديد مع تنصيب خليفته الجديد.

فهمنا الدقيق للتنظيم منذ نشأته وآلية العمل داخل الهياكل العسكرية للتنظيمات المتطرفة، يجعلنا نتوقع مراجعة التنظيم لسلوكه العسكري والتكتيكي مع حلول العقد الأول من عمره، والذي يتزامن أيضاً مع قدوم الخليفة الثالث له، ولذلك سوف يبدو التنظيم مختلفاً في عهد الهاشمي مقارنة بالخليفتين السابقين.

مر التنظيم بمرحلة البيات الشتوي، واستخدم تكتيكاته العسكرية في الهجوم والتراجع خلال الفترة الماضية، ولعله أجاد في استخدام تكتيك التراجع، فحافظ من خلاله على ما تبقى من التنظيم. صحيح أن مواجهة "داعش" أتت بنتائج لا يمكن أن نغض الطرف عنها أو نقلل منها، ولكن من الخطأ أن نصفها بالنتائج المثالية، أو أن ندير ظهورنا للتكتيكات العسكرية التي استخدمها التنظيم للتخفيف من وقع ما تعرض له، وانتصار التنظيم هنا يبدو في تراجعه أو من خلال تحكمه في نفسه، فحافظ من خلال ذلك على نواة القوة التي مكّنته في النهاية من الحفاظ على وجوده.

سيتجه التنظيم إلى التمدد ناحية الغرب، في محاولة منه لاستنزاف هذا الغرب وتوظيف إمكاناته للبحث عن أرض جديدة يفتحها! وسيتخلى عن نظرية قتال العدو القريب مقابل الاستفادة من الظرف السياسي واستثماره. سيتخلى عن جزء من الصراع في منطقة الشرق الأوسط للتمدد ناحية أوروبا، سيذهب إلى الغرب وعينه ناحية الشرق، خليفة من الشرق ولكن بعينين زرقاوين تريان أن بقاء التنظيم بتمدده في أوروبا.

التنظيم لن يترك منطقة الشرق الأوسط إلى غيرها، مهما كان الصراع ومهما استمر ومهما كانت المغريات، ولكنه حتماً سيستفيد من هذا الصراع في أوروبا بتمدده من جانب وبتخفيف الضغط عليه من جانب آخر، فكل من روسيا والولايات المتحدة الأميركية مشغول بمواجهة قد تستمر فترة أطول، وكلٌ منهما مستنزف في هذه المواجهة، وبطبيعة الحال قد تخليا عن دوريهما في مواجهة "داعش"، ولعل هذا التنظيم هو المستفيد الأكبر من هذا الصراع.

سيتم استخدام ظاهرة استقدام المقاتلين الأجانب "المتطوعين" أو "المرتزقة" كوسيلة للقتال داخل أوكرانيا، سواء من طرف أميركا أم من طرف روسيا، كما نشر عن لسان كل منهما في كشف مخططات الخصم، وهنا نركز على أن "داعش" هو المستفيد الأول من وراء هذا الصراع بهذه الطريقة.

وصول الصراع إلى هذا المستوى سيؤدي إلى تشكيل تنظيم متطرف، ليس في أوكرانيا فقط، بل في شرق أوروبا بأكملها، فمعظم التقارير الإعلامية أكدت انضمام قرابة 20 ألف شخص من 52 دولة للقتال داخل أوكرانيا، حتى كتابة هذه السطور، مع افتراض جدلي يتمثل في عدم وجود اتفاق بين أميركا والغرب مع "داعش" على نقل نشاطه إلى الدولة الأوروبية.

بدأ "داعش" يحرك قواعده في أفريقيا، فشارك مقاتلون من السنغال ونيجيريا على سبيل المثال، وبالتالي بات ظهوره في المشهد لا يخفى على أي مراقب أو باحث مدقق. القصد الأميركي والغربي بات أكثر وضوحاً في تسهيل مرور "داعش" إلى أوكرانيا، ومحاولة أفغنة كييف حتى تصبح خزاناً للتيارات الجهادية في شرق أوروبا، وهي مواجهة أميركية قديمة للروس، تعود إلى مواجهة سابقة في أفغانستان عام 1979 وما بعده.

المواجهة الأميركية قادت روسيا في وقت سابق الى مواجهة الخصم بالسلاح نفسه، وهنا نذكر أن موسكو دعمت "الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبيين" التي شكلها هؤلاء المتطرفون في نهاية الثمانينات، رداً على الدعم والتأييد الأميركيين واستخدام المجاهدين العرب في مواجهتها، وهؤلاء هم من قاموا في ما بعد بتفجيرات 11 أيلول (سبتمبر) عام 2001 داخل الولايات المتحدة.

دخول متطوعين من منطقة الشرق الأوسط على خط الأزمة الأوكرانية، كما نشرت بعض وسائل الإعلام التي أشارت إلى أن أعدادهم قد تصل إلى 16 ألف مقاتل، يرجح فكرة الاستغلال والاستغلال المتبادل، سواء من الدول الكبرى ذات المصلحة أم من التيارات الجهادية التي ترى أن ذلك فرصة لإيجاد موطئ قدم لها في قلب القارة الأوروبية، وأن ذلك يُعدّ بمثابة بداية فتح جديد لأوروبا على يد "داعش" وفي عهد خليفته الثالث.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية