محاولة أردوغان اليائسة ليصبح أتاتورك الجديد

محاولة أردوغان اليائسة ليصبح أتاتورك الجديد

محاولة أردوغان اليائسة ليصبح أتاتورك الجديد


04/02/2023

ألون بن مئير

لو كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد واصل إصلاحاته الاجتماعية والاقتصادية والقضائية والسياسية الأكثر إثارة للإعجاب التي بدأها ونفذها خلال سنواته الأولى في السلطة، لكانت تركيا اليوم دولة عظيمة ومزدهرة وتتمتع في نفس الوقت بنفوذ إقليمي وعالمي هائل تحت قيادته. ولكن بدلاً من ذلك، عكس أردوغان إنجازاته على جميع الجبهات المحلية والدولية في سعيه لبناء نظام استبدادي يمكن أن يرضي تعطشه الذي لا ينضب للمزيد من السلطة. لن يتوقف أردوغان عن تحقيق أي شيء للفوز في الانتخابات المقبلة في شهر مايو. إنه يأمل بالتأكيد أن يترأس في التاسع والعشرين من أكتوبر الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية على يد مصطفى كمال أتاتورك، وأن يتم الاعتراف به باعتباره أتاتورك (الأب) الجديد لتركيا الحديثة. يجب على الشعب التركي أن يحرمه من هذا الشرف بسبب انتهاكاته المروعة والمستمرة لحقوق الإنسان.

ولتوضيح سبب عدم استحقاق أردوغان رئاسة الذكرى السنوية ورفضه في انتخابات مايو، من الضروري أولاً تقديم تقرير موجز عن دعمه المتواصل للإرهاب وحملته المستمرة لمضايقة ونزع الشرعية عن الشعب وأحزاب المعارضة لتحقيق هدفه المشؤوم.

في أعقاب الانقلاب الفاشل في شهر يوليو 2016 اعتقل أردوغان عشرات الآلاف من الأبرياء، بمن فيهم المئات من المسؤولين الأمنيين والأكاديميين والعسكريين المشتبه في انتمائهم لحركة حزمت (غولن) واتهمهم بالمشاركة في الانقلاب. إنه يستخدم المادة 301 من قانون مكافحة الإرهاب لقمع المعارضة وحتى تجريم انتقاد “الهوية التركية”.

اعتقل أردوغان المئات من الصحافيين متهمًا إياهم بنشر دعاية مناهضة للحكومة، وأغلق العشرات من المحطات التلفزيونية والإذاعية، وفرض قيودًا على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. تم سجن ما يقرب من 200 صحافي منذ عام 2016؛ ولا يزال 40 معتقلا حاليًا قابعين في سجون غير إنسانية تتحدى بشكل صارخ اتفاقية حرية الصحافة، لاسيما في دولة عضو في حلف شمال  الأطلسي “الناتو”، ويغادر الآلاف من خريجي الجامعات البلاد بحثًا عن فرص عمل وتحرير أنفسهم من قيود أردوغان. وتتسبب مغادرتهم في نزيف أكاديمي ينذر بالخطر ويؤثر على كل نوع من الصناعة تقريبًا.

وأفاد مجلس أوروبا وجامعة لوزان أن تركيا بها أكبر عدد من السجناء المدانين بتهم تتعلق بالإرهاب. ويقول في هذا السياق الصحافي التركي أوزاي بولوت “يُظهر التقرير الذي تم تحديثه في أبريل 2021 أنه في ذلك الوقت كان هناك ما مجموعه 30 ألفا و524 نزيلًا في الدول الأعضاء في مجلس أوروبا الذين حُكم عليهم بالإرهاب؛ ومن بين هؤلاء كان 29827 في السجون التركية”. وفي كتابه “الحرب والسلام”، يقول ليو تولستوي “على المرء فقط أن يعترف بأن الهدوء العام في خطر وأي إجراء بعد ذلك يجد مبررًا له.. كل أهوال عهد الإرهاب كانت قائمة فقط على الاهتمام بالهدوء العام”.. وتحقيقا لهذه الغاية، يعلن أردوغان أنه رجل تقي، لكنه لا يستخدم الإسلام إلا كأداة سياسية لإبراز قوته وتأكيد نزواته الدكتاتورية.

وذكرت المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب (OMCT) أن أردوغان يستخدم بشكل ملائم قانون مكافحة الإرهاب رقم 3713 والذي تم سنه من قبل البرلمان الذي يقوده حزبه، أي حزب العدالة والتنمية، لخنق الحريات وإسكات أصوات أولئك الذين يدافعون عن حقوق الإنسان. ويسمح القانون له بتصنيف المدافعين عن حقوق الإنسان السلميين على أنهم “مجرمون إرهابيون”. وتنص المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب على أن “البيانات الرسمية تظهر أنه في عام 2020 تمت محاكمة 6551 شخصًا بموجب قانون مكافحة الإرهاب، في حين تم التحقيق مع عدد مذهل وهو 208833 شخصًا على خلفية “العضوية في منظمة مسلحة”، وهم عادةً أولئك المتورطون في حركة غولن.

ويواصل أردوغان حملته القمعية ضد مجتمعه الكردي الذي يمثل ما يقرب من 20 في المئة من السكان، ويحرمهم من حقوق الإنسان الأساسية. ويبدو أن اضطهاده المنهجي للأكراد ليس له حدود، حيث يتهم الآلاف على أنهم من المؤيدين لحزب العمال الكردستاني الذي يعتبره منظمة إرهابية والذي تقاتله الحكومات التركية المتعاقبة منذ أكثر من 50 عامًا بكلفة بشرية ومادية باهظة.

ويطالب أردوغان باستمرار دول البلقان والاتحاد الأوروبي المختلفة بتسليم المواطنين الأتراك الذين يتهمهم بأنهم إرهابيون لمحاكمتهم أمام محاكمه الفاسدة، حارما إياهم بذلك من الإجراءات القانونية الواجبة وتعريضهم للتعذيب الوحشي من أجل انتزاع الاعترافات بجرائم لم يرتكبوها قط.

إنه يمنع فنلندا والسويد من الانضمام إلى الناتو ما لم تسلم السويد حوالي 130 لاجئًا سياسيًا، معظمهم من الأكراد الأتراك لمحاكمتهم في تركيا. رفضت السويد مطلبه علما منها أنه بمجرد وصولهم إلى الأراضي التركية سيكون ذلك بمثابة قبلة الموت. هذا مع التأكيد أن سيادة القانون في تركيا تحت حكم أردوغان قد تم تفكيكها بشكل فعال.

ولتحسين فرص إعادة انتخابه، يريد أردوغان ضمان حرمان الأحزاب السياسية الكردية من التمثيل في البرلمان. ولهذا الغرض قام بسجن 56 عضوًا من حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد وأبعد أعضاءه الباقين من العملية التشريعية؛ إنه مصمم على إغلاق الحزب بالكامل. وبالإضافة إلى ذلك، ألقى أردوغان القبض على العديد من أعضاء حزب المناطق الديمقراطي (DBP) متهما إياهم بارتكاب جرائم لا أساس لها تتعلق بالإرهاب واستبدلهم بشكل غير قانوني من خلال الأمناء المعينين من قبل الحكومة.

ويطلب أردوغان من إدارة جو بايدن إصدار بيان لدعم سياساته لمساعدته في محاولته لإعادة انتخابه، بينما هو في الواقع على خلاف مع الرئيس بايدن حول مجموعة من القضايا الحاسمة، بما في ذلك انتهاكاته الفاضحة لحقوق الإنسان، ورفضه السماح للسويد وفنلندا بالانضمام إلى الناتو، وشرائه نظام الدفاع الجوي الروسي الصنع S-400، وغسيل الأموال، وفساده المستمر. وفي عام 2019 حاول عرقلة خطة الناتو للدفاع عن بولندا ودول البلطيق ما لم يصنّف حلف الناتو قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد على أنها إرهابية.

قد يعتقد المرء أنه إذا كان أردوغان جادا للغاية لإعادة انتخابه في شهر مايو، فسوف يقدم تنازلات كبيرة على الصعيدين المحلي وفي علاقاته مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. فلماذا لا يقوم بالعفو عن جميع المعتقلين السياسيين، والإفراج عن الصحافيين، والتوقف عن مضايقة وسجن زعماء أحزاب المعارضة، والالتزام الكامل بحقوق الإنسان وسيادة القانون؟

لماذا لا يتنازل عن معارضته لانضمام السويد إلى الناتو؟ ولماذا لا يلغي شرائه لمجموعة ثانية من S-400 وإيقاف تشغيل تلك المستخدمة حاليًا التي لا تتوافق تمامًا مع أنظمة الدفاع الجوي لحلف الناتو؟ وأخيرًا، لماذا لا يعيد المبادئ الديمقراطية التي يجب على كل دولة عضو في الناتو الالتزام بها؟

لكن هوس أردوغان بالسلطة المطلقة أعماه عن رؤية محنة شعبه والشعور بها، الأمر الذي يظهر فقط جهله وقصر نظره. وكما لاحظ خورخي لويس بورخيس، فإن “الدكتاتوريات تعزز الاضطهاد، والدكتاتوريات تعزز العبودية، والدكتاتوريات تعزز القسوة؛ والأمر الأكثر بغضًا هو حقيقة أنهم يرعون الحماقة”.

أخبرني منذ عدة سنوات رئيس وزراء أردوغان السابق أحمد داود أوغلو أنه بحلول عام 2023 ستستعيد تركيا المجد والنفوذ العالمي والهيبة التي كانت تتمتع بها الإمبراطورية العثمانية في أوجها. وغني عن القول إن نبوءة داود أوغلو لم تتحقق. فعلى العكس من ذلك، فإن اقتصاد تركيا ونظامها الاجتماعي والسياسي والديمقراطية في حالة فوضى تامة. تركيا بعيدة كل البعد عن كون لديها “صفر مشاكل مع جيرانها”، ولا تزال بعيدة عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

إذا تمكن أردوغان من إعادة انتخابه من خلال الغش وحرمان أحزاب المعارضة من حق التصويت، فسوف يحتفل بالذكرى المئوية بينما يترأس دولة متراجعة مع مواطنين محبطين ويائسين وتراجع في مكانتها الإقليمية والدولية. لن يكون أردوغان أتاتورك الجديد على الرغم من أنه يريد بشكل محموم تصوير نفسه على أنه مصلح عظيم يقود قوة بناءة وعظيمة على المسرح العالمي.

ولكن بدلاً من ذلك، سيذكر التاريخ أردوغان بازدراء واحتقار لأنه أهدر إمكانات تركيا الهائلة مع حطّه من قدر الذكرى السنوية التي كان من الممكن أن تكون بمثابة أعظم احتفال لتركيا منذ مئة عام.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية