محاربة التطرف في أوروبا ـ إعداد وتدريب الأئمة والحد من التمويل الخارجي

محاربة التطرف في أوروبا ـ إعداد وتدريب الأئمة والحد من التمويل الخارجي

محاربة التطرف في أوروبا ـ إعداد وتدريب الأئمة والحد من التمويل الخارجي


23/03/2024

جاسم محمد

شهدت دول أوروبا خلال السنوات الأخيرة جدلًا كبيرًا بين الأوساط الأمنية والسياسية، كيف يكون الإسلام ملائمًا للبيئة الأوروبية؟، خصوصًا عقِب موجات الهجرة خلال عام 2015، بعد تهديدات الإسلام السياسي والجماعات الإسلاموية المتطرفة. وما بين تلك التحديات والخلافات داخل البرلمانات الأوروبية، كان هناك شبه إجماع لدى الحكومات الأوروبية، خصوصًا في ألمانيا وفرنسا، على ضرورة أن تكون هناك معاهد وجامعات أوروبية تتولّى تدريب الأئمة وفق المعايير الأوروبية، نظرًا لأن ذلك يعد أفضل من استقدامهم من الخارج.

ورأت دول أوروبا أن الأئمة لهم دور كبير في تعليم النشأ الإسلام الصحيح الذي لا يقوم فقط على الشريعة الإسلامية بل يقوم أيضًا على سلوكيات المسلم وحق المواطنة في أوروبا والتعايش السلمي داخل المجتمعات الأوروبية. وبدون شك، رغم أن هذه الخطوة جاءت متأخرة لكنها ضرورية، كونها ضمنت للطلاب في برامج التدريب أن يكونوا تحت تأثير الدول التي تتعهد بأرسالهم إلى أوروبا وتتكفل بمعاشاتهم. وترى الأوساط الأوروبية أن هذه الخطوة تساهم في الحد من التطرف بين أوساط الشباب المسلم الذي يعيش في أوربا، والذي يتأثر كثيرًا بخطاب الأئمة على المنبر، لكن يبقى التحدي أمام الجامعات والمعاهد الأوروبية، كيفية الموازنة ما بين الفقه والشريعة من جانب وما بين سلوكيات ومتطلبات المواطنة في المجتمعات الأوروبية.  محاربة التطرف في ألمانيا ـ أهمية تدريب الأئمة وتدريس الدين الإسلامي (ملف)

أولًا- مشروعات إعداد الأئمة في أوروبا

ينحدر أغلب الأئمة الوافدين إلى أوروبا من دول ذات أغلبية مسلمة مثل تركيا والمغرب والجزائر ومصر وغيرها من الدول، والتي تنتشر بها بعض الأفكار والتوجهات المتشددة لبعض الأئمة فضلًا عن وجود بعض التوجهات السياسية، لذا تحرص دول أوروبا على أن تكون برامج تدريب الأئمة بعيدة عن التأثير السياسي. ورغم ذلك هناك الكثير من الانتقادات لبرامج استقدام الأئمة ويعود ذلك إلى النقص في إتقان اللغة وثقافة المجتمع المضيف والتي يمكن اعتبارها غير كافية للتواصل مع أجيال من المسلمين المولودين في أوروبا. وتساهم بعض وسائل الإعلام في خلق صورة سلبية لما يسمى بـهؤلاء الأئمة والذين يطلق عليهم البعض “أئمة الاستيراد” وربطهم بالتمويل الأجنبي والتلقين العقائدي والتطرف بين الشباب. وعلى الرغم من أنه منذ السبعينيات كانت هناك مبادرات تعاونية مختلفة للمدارس الإسلامية في العديد من الدول الأوروبية مثل بريطانيا وفرنسا والنمسا وألمانيا، لكن يبدو أن عددًا قليلًا من خريجي هذه الدول كان موفقًا في ممارسة مهنة الأئمة المتعلمين. [1]

ثانيًا- هل تستطيع أوروبا تدريب رجال الدين المسلمين لديها؟

إن إعلان بعض الدول الأوروبية منذ عام 2018 أنها ستمول برامج تدريب الأئمة في عدد من الجامعات الحكومية هو جزء من جهد أوروبي أوسع لدمج المسلمين والحد من توسُّع التطرف والإرهاب من الداخل. وتسعى برامج تدريب الأئمة التي ترعاها الحكومات الأوروبية إلى معالجة مشكلة التطرف من جذورها، من خلال تدريب الأئمة على تعليم “الإسلام الأوروبي” والمقصود بالإسلام الأوروبي هنا هو التعايش السلمي وعدم رفض الآخر إلى جانب أركان الدين الإسلامي الثابتة.

وعلى سبيل المثال، أُطلق في أوروبا أول برنامج لتدريب الأئمة في جامعة “أوسنابروك” بتمويل عام من الحكومة، ويتضمن دورات في اللغة الألمانية ورحلات ميدانية إلى البرلمان الألماني.  ويتعين أيضًا على طلاب برنامج الماجستير لتدريب الأئمة في جامعة ليدن الهولندية كتابة أطروحاتهم حول الإسلام ضمن سياق أوروبي. وتقدم الجامعة الكاثوليكية الفرنسية دورات في مواضيع علمانية مثل القانون والتاريخ والسياسة الفرنسية للأئمة الذين يدرسون في المسجد الكبير في باريس.

وانتقدت منظمات إسلامية بارزة البرامج التي ترعاها الدولة، ورفض اتحاد المنظمات الإسلامية الفرنسية إرسال الطلاب إلى برنامج الجامعة الكاثوليكية، مفضلًا “إطارًا أكاديميًّا أكثر حيادية”. ولم يرسل الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية، وهو أكبر منظمة إسلامية في ألمانيا، أي ممثلين إلى برنامج تدريب الأئمة في جامعة أوسنابروك الألمانية والسبب هو أن البعض يعتبر دعم الدولة مشكلة وليس حلًّا. [2]

وغالبًا ما تعتبر وظيفة الإمام أو “الإمامة” المدخل الأكثر فعالية لتنظيم المجتمعات المسلمة، كما يشير البروفيسور ويلموت بويندر، من جامعة فريجي أمستردام، في مقال نُشر مؤخرًا في مجلة الأديان:” يُنظر إلى الأئمة في أوروبا على أنهم بناة جسور محتملة بين المجتمعات الإسلامية والمجتمعات ذات الأغلبية العلمانية … إذا كانوا يمتلكون المهارات المناسبة للقيام بذلك“.

ووفقًا للبروفيسور بويندر، فإن ذلك لا يعني فقط السيطرة على المصادر الدينية الإسلامية والتقاليد الأخلاقية القانونية وتوجيهات الطقوس – التي توفر لهم “السلطة المعرفية” – ولكن أيضًا الإلمام بالهياكل الاجتماعية والأطر القانونية والعادات واللغات المحلية من المجتمعات الأوروبية.

وأعربت عدة دول أوروبية عن قلقها إزاء قيادة الأئمة الأجانب وتمويل المساجد من مصادر خارجية، معتبرة أن هذا الوضع يعيق الاندماج، ويسمح للدول الأجنبية بممارسة النفوذ على المسلمين الأوروبيين أو حتى دفع التطرف. ولذلك فإن تدريب الأئمة لجعلهم مدركين للقيم الأوروبية “المحلية” كان محلَّ نقاش متكرر في العديد من المجتمعات الأوروبية. [3]

ومن الجدير بالذكر في هذا الإطار أن الأوسط الأوروبية تعتقد أن الأئمة والخطباء في المساجد يلعبون دورًا محوريًّا في المجتمع الإسلامي كونهم مجهزين بالمعرفة الإسلامية ويرشدون المسلمين في شؤونهم اليومية ولذلك فإن لهم تأثيرًا كبيرًا على عامة المسلمين. كما يقومون بإلقاء الخطب قبل صلاة الجمعة وفي المناسبات الدينية الخاصة خارج المساجد أيضًا. ومع ذلك، فإن العديد من الأئمة ينتمون إلى طائفة أو إيديولوجية معينة وغالبًا ما يستخدمون منصبهم كإمام لنشر إيديولوجيتهم بين المسلمين. في حين توجد في البلاد الإسلامية مدارس فكرية مختلفة، يؤمن البعض بالنهج الشامل والعلمانية بينما يؤمن البعض الآخر بتفسير عنصري وعنيف للإسلام.  وأصبح هذا الأخير مصدر قلق لحكومات الدول الأوروبية التي يعيش فيها المسلمون بأعداد كبيرة وأنشأوا مساجدهم ومؤسساتهم الدينية.[4] تدريب الأئمة و دعم المساجد ، تجربة المانيا، مراجعة نقدية

ثالثًا- أبرز مشروعات إعداد الأئمة في أوربا

افترقت الدول الأوروبية، كل وفق سياقه، برامج لتدريب الأئمة وتوطينهم وفق سياق الدولة، في مشاريع متباينة، بحيث تعمل على تلبية الاحتياجات الاجتماعية، في إطار اتجاه دول الاتحاد الأوروبي نحو منع استجلاب أئمة المساجد من خارج الاتحاد، لا سيما من تركيا، في إطار حملة أوروبية، هي الأقوى من نوعها، ضد تيارات الإسلام السياسي، ويمكن تحديد أبرز برامج إعداد الأئمة في أوربا على النحو التالي:

1- برامج لتدريب الأئمة في ألمانيا

بدأت الحكومة الألمانية منذ عام 2018 بتنفيذ برنامج لتدريب الأئمة المسلمين في ألمانيا. وتنظيم مؤسسة تعليمية بدعم من وزارة الداخلية الألمانية. يشارك في جمعية التدريب الجديدة عدة منظمات إسلامية بينها المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا. وتقول وزارة ولاية ساكسونيا السفلى للعلوم والثقافة إن الخطة تتضمن “إنشاء جمعية مسجلة بالتعاون مع المنظمات الإسلامية ومجتمعات المساجد المهتمة بالبرنامج”. وأكدت أن خبراء الدراسات الإسلامية سيكونون جزءًا من الجمعية الجديدة. كما اقترحت الوزارة أن الطريقة يمكن أن “تطبق كنموذج” لتعليم الأئمة في أماكن أخرى. وأعدت الحكومة الألمانية مشروعًا يقترح ضرورة تعلم اللغة الألمانية إلى الأئمة القادمين من خارج ألمانيا قبل السماح لهم بدخول البلاد.[5]

افتتحت ألمانيا بشكل رسمي يوم 15 يونيو 2021 برنامجًا حكوميًّا ألمانيًّا لإعداد الأئمة المسلمين. وباشر نحو أربعين رجلًا وامرأة هذا الإعداد الذي يستمر لسنتين ويوفره معهد الإسلام في “أوسنابروك“Osnabrück  في شمال غرب ألمانيا. وكانت المحاضرات تلقي في المكتبة الواسعة التي تضم 12 ألف مؤلف تم شراؤها من مصر. وهذا الإعداد متاح لحاملي شهادة في الفقه الإسلامي أو شهادة موازية ويتضمن فترات تدريب محورها الجانب العملي وتثقيف سياسي أيضًا. وتدعم السلطات الفيدرالية ومقاطعة ساكسونيا السفلى خصوصًا هذا البرنامج ماليًّا في بلد يراوح عدد المسلمين فيه بين 5,3 و5,6 مليون إنسان، أي 6,4 إلى 6,7 % من إجمالي السكان.[6]

وكان المشروع، بتمويل من وزارة الداخلية الألمانية، مفتوحًا للمتقدمين الذين تختارهم المجتمعات الإسلامية أو أولئك الذين لديهم شهادة ذات صلة في هذا المجال. المشروع الذي وفر فرص عمل لـ 20 إلى 30 طالبًا، استمر لمدة عامين، وضم عشرة معلمين.  وبحسب صحيفة “نويه أوسنابروكر تسايتونج” الألمانية، فإن الميزانية التي قدمتها الحكومة تبلغ 400 ألف يورو.[7]  محاربة التطرف في أوروبا ـ توسيع الصلاحيات وتأهيل الأئمة

2- برامج تدريب الأئمة في فرنسا

أعلن الرئيس الفرنسي عن خطوة استباقية مطلع شهر أكتوبر 2020 تتعلق بإنشاء “المعهد العلمي لعلوم الإسلام”، لتدريب أئمة وباحثين متخصصين في دراسة الإسلام والمعرفة الإسلامية الدينية. هذا وقد قدم أعضاء مجلس الديانة الوثائق التأسيسية للمجلس الوطني للأئمة، ليكون مسؤولًا عن إصدار الاعتمادات لأئمة المساجد والخطباء في البلاد أو سحبها منهم، إلى الرئيس إيمانويل ماكرون خلال اجتماع جمعهم.

وطلب ماكرون تنفيذ “ميثاق للقيم الجمهورية” بحيث يتعين على المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية الالتزام به، تضمن الميثاق تأكيدًا على الاعتراف بقيم الجمهورية، وحدد أن الإسلام في فرنسا هو “دين وليس حركة سياسية”، ونص على إنهاء التدخل أو الانتماء لدول أجنبية، واستنادًا لتقرير لمجلس الشيوخ الفرنسي، يوجد نحو 120 إمامًا مبتعثين من الجزائر و30 من المغرب. وتقوم رئاسة الشؤون الدينية التركية (ديانات) بتوظيف 151 إمامًا تركيا في المساجد الفرنسية، وتدفع أجورهم مباشرة من تركيا، كما يتلقون تدريبًا وتعليمًا في مدارس دينية تركية. [8]

3- تدريب الأئمة في بلجيكا

شهدت بلجيكا أيضًا مشروع التدريب المستمر في “العلوم الدينية ـ الإسلام” الذي نظمته الجامعة الكاثوليكية في “لوفان” بين عامي 2007 و2015. وهنا، كانت الرغبة هي المساهمة في تطوير “فكر تأملي للإسلام على المستوى الجامعي” ويقوم على التقارب والتلاقح بين العلوم الإنسانية والعلوم الإسلامية، وليس مجرد تجاورهما، ويعتمد في تدريسه في جامعة لوفان الكاثوليكية (نظيرة لوفان الفلمنكية)، على الأساليب النقدية الحديثة، خاصة عند تناول النص القرآني. [9]

رابعًا- الجهود الأوروبية لتجفيف مصادر تمويل التطرف

نجح المجلس والبرلمان داخل الاتحاد الأوروبي في 29 يونيو 2022، في التوصل إلى اتفاق مؤقت بشأن تحديث لائحة الاتحاد الأوروبي بشأن المعلومات المصاحبة لتحويل الأموال. وذلك في إطار خطتها لتجفيف مصادر تمويل التطرف، وتفرض القواعد الجديدة التزامًا على مقدمي خدمات الأصول المشفرة بجمع معلومات معينة وإتاحتها لمرسلي ومستفيدي عمليات نقل الأصول المشفرة التي يديرونها من أجل ضمان تتبع عمليات نقل الأصول المشفرة والتمكن من تحديد المعاملات المشبوهة المحتملة بشكل أفضل وحظرها.

وقد وافق المجلس الأوروبي في 7 ديسمبر 2022، على تشريعين رئيسيين في كتاب قواعد الاتحاد الأوروبي المعزز لمكافحة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب. واعتمادها، تجعل القواعد الجديدة غسل الأموال القذرة في أي مكان في الاتحاد الأوروبي أكثر صعوبة. اللائحة تعمل على تقييد إخفاء الهوية لتداول الأصول المشفرة، ويكون جميع مزودي خدمات الأصول المشفرة ملزمين بإجراء العناية الواجبة على عملائهم للمعاملات التي تصل إلى 1000 يورو أو أكثر. هذا يعني أنه سيتعين على مقدمي الخدمة التحقق من الحقائق والمعلومات حول عملائهم. [16]

وتوصل الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق مؤقت بشأن شفافية تحويلات الأصول المشفرة خلال شهر يونيو 2022. يجعل من الصعب على المجرمين إساءة استخدام العملات المشفرة لأغراض إجرامية. وتوصل المفاوضون من رئاسة المجلس والبرلمان الأوروبي إلى اتفاق مؤقت بشأن اقتراح تحديث قواعد المعلومات المصاحبة لتحويلات الأموال من خلال توسيع نطاق تلك القواعد لتشمل عمليات نقل الأصول المشفرة.

إن إدخال “قاعدة السفر” هذه سيضمن الشفافية المالية في بورصات الأصول المشفرة وسيزود الاتحاد الأوروبي بإطار متين ومتناسب يتوافق مع المعايير الدولية الأكثر تطلبًا بشأن تبادل الأصول المشفرة، ولا سيما التوصيات 15 ورقم 16 لمجموعة العمل المالي (FATF)، الهيئة الدولية لمراقبة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

ويأتي هذا في الوقت المناسب بشكل خاص في السياق الجيوسياسي الحالي. الهدف من إعادة الصياغة هذه هو تقديم التزام لمقدمي خدمات الأصول المشفرة بجمع وإتاحة معلومات معينة حول المنشئ والمستفيد من عمليات نقل الأصول المشفرة التي يقومون بتشغيلها. هذا ما يفعله مقدمو خدمات الدفع حاليًّا للتحويلات البنكية. والذي من المقرر أن يضمن إمكانية تتبع عمليات نقل الأصول المشفرة حتى تتمكن من تحديد المعاملات المشبوهة المحتملة بشكل أفضل وحظرها.[17]

يعتمد المجلس قواعد من شأنها أن تجعل عمليات نقل الأصول المشفرة قابلة للتتبع ويزيد الاتحاد الأوروبي من صعوبة التحايل على قواعد مكافحة غسيل الأموال عبر العملات المشفرة على المجرمين. واعتمد المجلس خلال شهر مايو 2023 قواعد محدثة بشأن المعلومات المصاحبة لتحويلات الأموال من خلال توسيع نطاق القواعد لتشمل عمليات نقل الأصول المشفرة.[18]

لقد تراجع تركيز الاتحاد الأوروبي على تمويل الإرهاب، لكن التهديد لم يتلاشَ، لذا ينبغي أن تكون مكافحة تمويل النشاط الإرهابي في صلب الاستجابة الأمنية رغم ما حققته أجهزة الاستخبارات الأوروبية من النجاحات في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف. وقد استجاب الاتحاد الأوروبي في البداية لهذه الأحداث بنشر “خطة عمل لتعزيز مكافحة تمويل الإرهاب” في عام 2016، والتي ركزت على موضوعين رئيسيين: أولًا، حول كيفية اكتشاف ومنع المنظمات الإرهابية وداعميها من نقل الأموال والتأكد من استخدام أي تحركات مالية لمساعدة أجهزة إنفاذ القانون في تعقب الإرهابيين ومنع الجرائم. وثانيًا، كيفية تعطيل مصادر إيرادات المنظمات الإرهابية من خلال استهداف قدرتها على جمع الأموال في المقام الأول. [19]  تعرف على تأهيل الأئمة وقضايا الأندماح الأجتماعي في ألمانيا

خاتمة

اعتمدت غالبية دول أوروبا إجراءات متشددة في استقبال الأئمة من الخارج، بعد أن وجدت أن استقدام الأئمة من الخارج يمكن أن يساهم في التطرف، ويعود ذلك إلى الاختلاف في الثقافات والمفاهيم، ناهيك عن أن بعض الأئمة يمثلون سياسات ممنهجة إلى الدول “الأم”. كذلك البعض منهم لا يدرك جيدًا ظروف المجتمعات الأوروبية وسلوك الأفراد خاصة من الشباب، إلى جانب عدم إجادتهم لغة ذلك البلد.

وتحصل غالبية المساجد والمراكز الدينية على التمويل، بعضها من الحكومات الأوروبية وبعضها تحصل على التمويل من دول غير أوروبية، وهذا ما يثير الكثير من الشكوك وعدم الفصل بين ممارسة العقائد الدينية وبين نشر الأيدولوجيات والأفكار التي تخدم الدول التي أرسلتهم.

وجدت أوروبا أن الكثير من الأئمة والمساجد والمراكز الدينية وقعت تحت تأثير الدول الممولة أو الدولة “الأم”. وهذا التأثير يعتبر أمرًا طبيعيًّا طالما أنها تقوم بتقديم التمويل والرعاية، لذا أن تتبنى دول أوروبا مشروعاتها برعاية هذه المراكز والمساجد الدينية، سيعمل كثيرًا على إيجاد مقاربات جيدة في قواعد محاربة التطرف والإرهاب وخاصة الخطاب المتطرف عبر المنابر وعبر منصات الإنترنيت.

الأهم في هذه البرامج هو المناهج والمراجع الدينية التي تعتمدها هذه الجامعات والمؤسسات الأوروبية، ويبدو في الغالب أنها جاءت من مصر، ومن المرجح أنها جاءت بتنسيق مع مشيخة الأزهر، وربما التنسيق مع بعض المراكز في دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية المعنية بمعالجة الخطاب المتطرف.

هناك ضرورة أن تكون المقاربة في برامج الأئمة تجمع بين السلوك في المجتمع وبين الشريعة الإسلامية، وتقديم التفسيرات الصحيحة، حتى لا يكون هناك “انزلاق” في المفاهيم أو أن تكون هناك اجتهادات خارجة عن الدين الإسلامي.

تحتاج دول أوروبا إلى توسيع برامج تدريب الأئمة أكثر ليكون عدد الأئمة يتناسب مع حجم المسلمين في أوروبا، وأن يمتد نشاط الأئمة إلى المدارس ومؤسسات الدولة خاصة الأمن والدفاع لتقديم المحاضرات والمشورة إلى العاملين من أصول إسلامية.

وفي هذا السياق أيضًا هناك ضرورة إلى تدريس مادة الدين الإسلامي للتلاميذ في المدارس الأوروبية والمقصود هنا المسلمين، ليكون بديلًا من المدارس الخاصة “الإسلامية” التي كثيرًا ما تمثل “أيدولوجيات” الجماعات التي تمولها وفي الغالب تكون ذات مصالح سياسية أو شخصية.

إن متابعة هذا الحجم من المراكز والمساجد والجمعيات الدينية يعتبر أمرًا صعبًا على الحكومات الأوروبية، الأمر لا يتعلق فقط بالتمويل ولكن في إعداد الأئمة، وكذلك بالفهم الصحيح من قبل الحكومات إلى حقيقة الفصل بين المسلمين وبين الإسلام السياسي أو الجماعات الإسلاموية المتطرفة، ويبدو أن دول أوروبا أدركت هذه الحقيقة.

رغم جميع الإجراءات التي تتخذها دول أوروبا في المعالجات والمقاربات في محاربة التطرف مجتمعيًّا فإنها تحتاج للتعاون مع المجالس الإسلامية في أوروبا، وكذلك مع بعض المراجع الدينية المعروفة في دول المنطقة التي تتبنى الخطاب المعتدل.

يشهد العالم الآن الكثير من الحروب والتوترات والأزمات الأمنية والسياسية وهذا ينعكس على دول أوروبا، يمكن أن يمثل “ارتداد”. ما يحصل من تطورات أمنية على سبيل المثال حرب غزة وحرب أوكرانيا والتوترات في القوقاز والبلقان والخليج العربي وإفريقيا يمكن أن ينعكس على أمن أوروبا.

عن "المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية