لماذا تسعى الجماعات الإسلاموية للحصول على الطائرات المسيرة؟

لماذا تسعى الجماعات الإسلاموية للحصول على الطائرات المسيرة؟

لماذا تسعى الجماعات الإسلاموية للحصول على الطائرات المسيرة؟


03/01/2023

بات من الواضح لجوء الجماعات المتطرفة والتنظيمات المسلحة لاستخدام الذخيرة المتسكعة (الطائرات المسيّرة الانتحارية، أو ما يُسمّى أيضاً الذخيرة الجوالة) في عدد من أماكن الصراع، كما هو الحال في نيجيريا، وإندونيسيا، وسوريا، والعراق، وليبيا، واليمن، ممّا دفع الأمم المتحدة في منتصف عام 2019 للتأكيد على أهمية بذل مزيد من الجهود للتصدي للمخاطر والتهديدات التي من الممكن أن تنتج عن وقوع ذلك السلاح في أيدي الإرهابيين والجماعات المسلحة.

وأكدت الأمم المتحدة، أيضاً، على التصدي لتوظفيها من قبل دول لتحقيق ودعم أهدافها الاستراتيجية، كما هو الحال بالنسبة إلى إيران التي تزوّد حزب الله والحوثيين بأنواع متطورة من الطائرات المسيّرة الانتحارية، وهو الأمر الذي يبرهن على تطبيق واسع لتكنولوجيا الطائرات بدون طيار من قبل جماعات الإسلام السياسي، وخصوصاً الشيعية منها حتى الآن.

هذا الاستخدام المتزايد للذخيرة المتسكعة، وتوظيفها من قبل الجماعات الإسلاموية، تحدث عنه الباحث في برنامج دراسات الإسلام السياسي وائل صالح في دراسة، منشورة على  موقع مركز "ترندز للبحوث والاستشارات"، تحت عنوان "الإسلاموية و"الذخيرة المتسكّعة"... تماهي الإيديولوجيا والسلاح"، حيث أشارت الدراسة إلى مدى التماهي بين الإيديولوجيا والسلاح الذي من الممكن أن تصل إليه الإسلاموية.

الطائرات المسيرة والذهنية الإسلاموية

أرجع الباحث أسباب ذلك، فضلاً عن تقنيتها، ووجود دول منتجة لها ذات توجّهات إسلاموية مثل تركيا وإيران، إلى أنّ اللجوء لاستخدام الطائرات بدون طيار الانتحارية أو "كاميكازي" أو "الجوالة" أو "الذخيرة المتسكعة" يتناسب مع النفسية والذهنية الإسلاموية.

طائرة مسيّرة انتحارية

وأشار إلى أنّ ميزتها الرئيسية هي أنّها يصعب اكتشافها، وهكذا يسلك الإسلاموي في معظم الأحيان، في وقتنا الحالي، وذلك بعد بداية أفول نجمهم وحظر أو محاصرة أو مراقبة أنشطتهم وتجفيف منابع تمويلهم. فاختلفت آليات تجييشهم للناس وتأليبهم على الحكومات العربية، حيث يدور العنصر الإخواني بعض الوقت في منطقة أو في مجتمع معين تم تحديده للتأثير عليه وبث سمومه بمجرد عثوره على شخص أو مجموعة قابلة للتأثير عليها، وبمجرد أن تكون الظروف مواتية لذلك، ويسهل من مهمة العنصر عدم انتمائه المباشر للجماعة في كثير من الأحوال، ممّا يصعب من اكتشاف أهدافه.

الباحث لفت أيضاً إلى اختلاف آليات تنفيذ العمليات الإرهابية في الآونة الأخيرة، حيث إنّها عادة ما تتم إمّا عبر عمليات الدهس القاتل بالشاحنات، وإمّا من خلال الطعن العشوائي في الدول الغربية، ويمكن أن يُفهم أنّ التنظيمات الإسلاموية تحاول تغيير استراتيجيتها الإرهابية بتوسيع مساحة المناطق وقائمة الدول المستهدفة من عملياتها بتقنيات تشبه الأسلحة المتسكعة.

اللجوء لاستخدام الطائرات بدون طيار الانتحارية أو "كاميكازي" أو "الجوالة" أو "الذخيرة المتسكعة" يتناسب مع النفسية والذهنية الإسلاموية

واعتبر الباحث أنّ الإرهابي بات يحوم في المنطقة أو الدولة المستهدفة، حتى يختار أيّ هدف يمكن أن يكون متاحاً، حتى ولو لم يكن مخططاً استهدافه بشكل مسبق، مثل تفجير معهد الأورام القومي بالقاهرة في آب (أغسطس) عام 2019، الذي يمكن أن يبيّن ما نستطيع تسميته بالإرهاب المتسكّع. فالعملية الإرهابية نُفذت دون تخطيط مسبق للهدف المراد تفجير السيارة فيه، واختيار الهدف كان وليد اللحظة، حيث كان الإرهابي يتجول بالسيارة المفخخة، وحين شعر باحتمالية كشفه فجر الانتحاري الإخواني السيارة في معهد الأورام بالقاهرة، الذي أسفر عن استشهاد (22) شخصاً وإصابة (47) آخرين.

وخلص تبعاً لذلك إلى أنّه من الطبيعي أن تسعى الجماعات الإسلاموية للحصول على هذه الطائرات لتنفيذ هجمات إرهابية أو عمليات تجسس، "لكنّ الأخطر من ذلك هو قدرة هذه الجماعات على إجراء عمليات تعديل وابتكار على تلك الطائرات، وربما هي المرة الأولى في التاريخ التي تمتلك فيها جهات غير حكومية وجماعات متطرفة وإرهابية أسلحة جوية خاصة بها".

خبرة الإسلاموية في مجال "الذخيرة المتسكعة"

وبحسب الدراسة، تحاول التنظيمات الإسلاموية الشيعية والسنّية العثور على أسلحة فارقة تحسم بها معاركها وتحقق بها أهدافها الاستراتيجية، والتي من أهمها تقويض وإرغام خصومها من حكومات الدول العربية، وإجبارهم على تقديم تنازلات أو التجسس عليهم وجمع المعلومات الاستخباراتية عنهم.

ومن أجل ذلك لجأت الإسلاموية، بشقّيها السنّي والشيعي، إلى الطائرات الانتحارية المسيّرة، فيستخدمها حزب الله اللبناني الموالي لإيران وحركة أنصار الله اليمنية (الحوثيون) كما استخدمتها حركة حماس الفلسطينية وتنظيم داعش. ولذلك استقرّ في الأدبيات أنّ المنطقة العربية تُعتبر الوجهة الأكثر سخونة للطائرات المسيّرة بجميع أنواعها، وعلى رأسها الذخيرة المتسكعة.

وائل صالح: من الطبيعي أن تسعى الجماعات الإسلاموية للحصول على هذه الطائرات لتنفيذ هجمات إرهابية أو عمليات تجسس

استندت الدراسة أيضاً على تنفيذ جماعة الحوثي بداية من عام 2018 حتى عام 2022 عدداً من الهجمات باستخدام الطائرات بدون طيار ضد المطارات ومستودعات الذخيرة ومنشآت إنتاج النفط وعدد من المواقع الحيوية داخل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

ففي تشرين الأول (أكتوبر) 2019 كمثال فقط، تمّ تنفيذ ما يقارب (115) هجمة بطائرات بدون طيار؛ من بينها (62) هجمة إرهابية ضد المطارات المدنية أو البنية التحتية الحيوية، و(27) ضربة ضد القواعد العسكرية والقوات المسلحة، و(26) هجمة موجهة ضد أهداف غير معروفة.

وفي منتصف تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، شنّت طائرات مسيّرة تابعة للحوثيين هجمات على السفينتين (hana) و(التاج بوت بليو ووتر) في ميناء "رضوم" اليمني، كما تم استهداف الباخرة (Nissos Kea) الراسية في ميناء "الضبة" النفطي دون تسجيل أيّ خسائر مادية وبشرية.

تحاول التنظيمات الإسلاموية الشيعية والسنّية العثور على أسلحة فارقة تحسم بها معاركها وتحقق بها أهدافها الاستراتيجية، من أهمها إرغام خصومها من حكومات الدول العربية على تقديم تنازلات أو التجسس عليهم وجمع المعلومات الاستخباراتية عنهم

وعلى مستوى الصراع في أفغانستان، قامت حركة طالبان عام 2018 باستخدام الطائرات المسيّرة على نطاق واسع لمراقبة مواقع وتحركات القوات الأمريكية، كما فعلت ذلك ولاية غرب أفريقيا ـ التابعة لتنظيم داعش في نيجيرياـ لجمع المعلومات الاستخباراتية التكتيكية والتخطيط لهجمات.

ولجأ لذلك السلاح حزب الله في أحيان كثيرة، من بينها عندما استخدم الطائرات بدون طيار لتعطيل سفينة حربية إسرائيلية في تموز (يوليو) 2006.

الدراسة أكدت، في السياق، أنّ إيران تغرق المنطقة بأسراب من الطائرات المسيّرة، وأنّها تلهي العالم بقصة السلاح النووي بينما هي تطوّر أسراباً من الطائرات المسيّرة يبلغ مداها آلاف الكيلومترات، وهي تُعتبر من أهم الأدوات التي تستخدمها والجماعات الموالية لها في الصراعات بالشرق الأوسط.

وفي سياق الإسلاموية السنّية، بدأ تنظيم داعش من عام 2014 استخدام الطائرات المسيَّرة لتصوير مقاطع الفيديو الدعائية من الجو، ثم أصبح يستعين بها فيما بعد للاستطلاع وجمع الأخبار، وكان لافتاً توسع التنظيم الإرهابي في استخدام الطائرات المسيّرة كاستراتيجية جديدة؛ لكونها وسيلة سهلة تتيح له تنفيذ هجمات إرهابية في العمق، ووظف التنظيم تلك الطائرات أيضاً في استهداف شبكات الكهرباء ومحطات توليد الكهرباء.

إيران تغرق المنطقة بأسراب من الطائرات المسيّرة

وفي تركيا، يحتكر سلجوق أوزديمير بيرقدار، السياسي والمهندس ورجل الأعمال التركي وصهر الرئيس التركي الحالي أردوغان، والمتزوج من ابنته سمية، يحتكر صناعة الطائرات المسيّرة من خلال نظام طائرات "بيرقدار" المسيّرة بدون طيّار التي طورتها شركته التي تحمل اسم "بايكار"، تلك الطائرات التي استخدمتها تركيا في كل من سوريا وشمال العراق وليبيا وأذربيجان، ومؤخراً في أوكرانيا.

الإخوان والطائرات المسيّرة

هذا، وأكدت الدراسة أنّ أول مؤشر يكشف الخبرة التي وصلت إليها جماعة الإخوان المسلمين كان قد ظهر في مجال الطيارات المسيّرة عندما تمّ اغتيال المهندس التونسي المنتمي لحركة النهضة وعضو كتائب عز الدين القسام (الجناح العسكري لحماس) محمد الزواري عام 2016، الذي كان يشرف على مشروع تطوير صناعة الطائرات المسيّرة في وحدة تصنيع كتائب القسام "أبابيل1"، والتي كانت قد ظهرت أول مرة في المعارك التي دارت في قطاع غزة عام 2014.

وبعد ما يُسمّى "الربيع العربي" أسس الزواري مع آخرين جمعية للطيران في صفاقس لتدريب الشباب التونسي على صناعة الطائرات بدون طيار. وعقب اغتيال الزواري ترحّم عليه يوسف القرضاوي، الذي كان وقتها يشغل منصب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ووصفه بالبطل الذي يعمل في صمت، وأصدرت حركة النهضة بياناً لإدانة هذا الاغتيال.

وخلصت الدراسة إلى أنّ الطائرات المسيّرة الانتحارية تُعتبر سلاحاً هجومياً فعالاً يمكن أن يلجأ إليه، أو حتى أن يتمكن من تقنياته المزيد من جماعات الإسلام السياسي في المستقبل، مشدّدةً على أنّ تحسين خصائص الطائرات بدون طيار الانتحارية، أو تطويرها من قبل جماعات الإسلام السياسي لخدمة أغراضهم، سيشكل خطراً حقيقياً على الأمن العالمي في المستقبل القريب.

وتوقع الباحث أن يكون لذلك تداعيات على ساحة الصراعات المستقبلية، وعلى أمن واستقرار المنطقة على حدٍّ سواء.

مواضيع ذات صلة:

إيران تدرب ميليشياتها بسوريا على استخدام الطائرات المسيرة... ما الجديد؟

حرب الطائرات المسيّرة بين إسرائيل وإيران: حان وقت التصعيد

الطائرات المسيرة تهدد أمن أفريقيا.. لماذا؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية