أردوغان وتنظيم الإخوان... ازدواجية في المعايير وتناقض في المواقف

أردوغان وتنظيم الإخوان... ازدواجية في المعايير وتناقض في المواقف

أردوغان وتنظيم الإخوان... ازدواجية في المعايير وتناقض في المواقف


29/01/2024

تتأسس العلاقة بين تركيا وجماعة الإخوان المسلمين على روابط تتجاوز الإطار السياسي إلى النسق الإيديولوجي الذي يجعل الجانبين ينتميان إلى تيار عقائدي واحد، فهي لا تقوم فقط على الروابط القوية التي تجمع النخبة السياسية الحاكمة في تركيا مع مختلف جماعات الإسلام السياسي في المنطقة العربية.

ورغم أنّ تركيا وظفت قضايا جماعة الإخوان لاستنساخ استراتيجية طهران في رعاية التنظيمات الشيعية، من أجل خدمة نفوذها الإقليمي، وتمدد قواتها العسكرية خارج حدودها الجغرافية، غير أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قلّل درجة الدعم المقدّمة للجماعة، بسبب أنّهم ربما باتوا يمثّلون عبئاً عليه وعلى مستقبله السياسي وعلى المصالح التركية بصورة أكبر، بحسب ما يعتقده مراقبون.

وقد باتت تركيا في علاقاتها بالإسلام السياسي حريصة على ألّا تكون مشبوهة، ولكنّها في الوقت نفسه لا تتخلى عن الجماعة كلّيّة.

أردوغان وازدواجية المواقف

وحسب قانون المصالح، فإنّ تركيا لم تتخلَّ عن التنظيم "الإخواني" بشكل كامل، ولكنّ العلاقة محدودة للغاية وليست معدومة، ويأتي هذا واضحاً فيما صرّح به الكاتب والباحث المتخصص بالجماعات المتطرفة طارق أبو السعد لموقع (الحل نت)، زاعماً أنّ تركيا لم تقطع علاقتها بتنظيم جماعة الإخوان.

وما يزال يوجد رأس التنظيمات "الإخوانية" هناك، مثل محمود حسين و(جبهة إسطنبول)، ولم تتخلَّ تركيا عن تبنّي المشروع "الإخواني" في المنطقة، فكلّ ما حدث أنّها لم تعد تستثمر في الجماعة ولم تعد لاعبها المفضّل وحصانها الذي تراهن عليه، واقتربت كثيراً من قيادات الدولة الوطنية بحثاً عن مصالحها الاقتصادية، وليس لعمقها السياسي وأمنها القومي، ولكن لعلاقات تحكمها المصالح الاقتصادية والسياسية.

على الرغم من صعود نبرات الإسلام السياسي بعد عملية "طوفان الأقصى" في قطاع غزة ومساعيه للعودة إلى المشهد السياسي العالمي من جديد، إلا أنّه في الوقت عينه يصرّ على عدم حصره في تنظيم (الإخوان المسلمين)، بل يتبرأ منه.

طارق أبو السعد: تركيا لم تقطع علاقتها بتنظيم جماعة (الإخوان) الإسلاموية

كما أنّ الموقف التركي تجاه الحرب الحالية في غزة جاء براغماتياً استغلالياً إلى أبعد حدّ، فقد استهلك أردوغان القضية في خطاباته الرنانة ومحاولة بناء شعبية له في المشرق العربي بوصفه زعيم الشعوب المقهورة، في حين لم يتعدَّ دعمه في هذه الحرب "الخطابات العنترية" لا أكثر، بحسب (الحل نت).

 

تركيا وظفت قضايا جماعة الإخوان لاستنساخ استراتيجية طهران في رعاية التنظيمات الشيعية، من أجل خدمة نفوذها الإقليمي وتمدد قواتها العسكرية

 

ولئن شكلت جماعة الإخوان محدداً في سياسات تركيا الخارجية حيال الدول العربية، غير أنّها لم تبدُ كذلك حين أقدمت أنقرة على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وذلك على نحو دفع الجماعة إلى إصدار بيان رسمي يحاول إعادة تلوين الحدث، وذلك عبر استغلال قضية الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة للتغطية على عودة العلاقات الإسرائيلية - التركية إلى مسارها التعاوني، بحسب ورقة بحثية أصدرها (مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية).

الموقف ونقيضه تجاه مصر وإخوانها

ولفت المركز إلى أنّ الرئيس التركي، رغم أنّه لا يعبّر عن ذاته بحسبانه مرشد الجماعة أو خليفة المسلمين، غير أنّ تصريحاته ومواقفه حيال العديد من التطورات تشير ضمنياً إلى أنّه يعتبر نفسه المرشد لجماعات الإخوان عبر الإقليم.

وثمّة العديد من الأدبيات التي تشير إلى أنّ ذلك لا ينسجم مع إيديولوجيا الحكم التركي وحسب، وإنّما يجسد أيضاً فكرة أنّ هذه الجماعة تحولت خلال العقد الأخير لتغدو إحدى أدوات تركيا لشرعنة دورها كدولة قائدة لدول العالم الإسلامي.

وتحدثت وسائل إعلام تركية عن تناقض رغبة تركيا في رؤية علاقات أفضل مع مصر، ورفضها وصف جماعة الإخوان المسلمين بأنّها جماعة إرهابية، كما يفعل المصريون وحلفاؤهم الخليجيون.

 

لم تتخلَّ تركيا عن تبنّي المشروع "الإخواني" في المنطقة، وكلّ ما حدث أنّها لم تعد تستثمر في الجماعة، ولم تعد لاعبها المفضّل وحصانها الذي تراهن عليه

 

وقد أثار استقبال أردوغان في آب (أغسطس) وفداً من اتحاد علماء المسلمين، الواجهة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، جدلاً جديداً في مصر بشأن التزام تركيا بالتفاهمات، التي مثلت أرضية لعودة العلاقات بين البلدين، ومن بين هذه التفاهمات، كما تقول القاهرة، رفع أنقرة يدها عن الإخوان.

وفرضت تركيا في الفترة الماضية قيوداً على أنشطة جماعة الإخوان وأفرادها المقيمين في أراضيها منذ الشروع في إجراء محادثات مع القاهرة، بما اعتبر مؤشراً على أنّ أنقرة رفعت دعمها عن الإخوان، حيث شنت حملة مداهمات ضد قياديين في الجماعة وكوادر إخوانية، وقررت وقف منح الجنسية لعدد كبير منهم.

علاقات تربطها المصالح في تونس

كذلك، أثار لقاء جمع رئيس البرلمان الجديد في تونس إبراهيم بودربالة بالسفير التركي شاغلار فهري شاكير ألب تأويلات واسعة النطاق، خصوصاً أنّ أنقرة كانت الدولة الوحيدة التي انتقدت علناً قرار الرئيس قيس سعيّد بحل البرلمان السابق.

وكان البرلمان المنحل في تونس تسيطر عليه (حركة النهضة)، الذراع السياسية لـ"الإخوان المسلمين"، التي حظيت لأعوام بدعم من تركيا.

ولم تفصح تركيا عن تغير في موقفها من التطورات السياسية المتسارعة التي تعرفها تونس، على رغم أنّها أول دولة أدانت على مستوى رفيع وعلني قرار الرئيس سعيّد في عام 2022 بحل البرلمان السابق بعد تجميد أعماله لأشهر.

وكان أردوغان قد عقد لقاءات مثيرة للجدل مع رئيس حركة النهضة الإخوانية، الذي كان يرأس كذلك البرلمان السابق، راشد الغنوشي، وهو ما فجّر سجالات مستمرة في تونس بين الحركة وخصومها.

 

الموقف التركي تجاه الحرب الحالية في غزة جاء براغماتياً استغلالياً إلى أبعد حدّ، فقد استهلك أردوغان القضية في خطاباته الرنانة

 

في المقابل، يرى محللون أنّ هناك حاجة متبادلة إلى تجاوز الخلافات السابقة بين تونس وتركيا، باعتبار أنّ كلا البلدين يرزح تحت وطأة أزمة اقتصادية حادة، وسط تعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بالنسبة إلى تونس التي تعاني أيضاً تراكم الديون.

ويتفق مراقبون، في تصريحات مختلفة لـ (الحل نت)، على أنّ تحديد الدعم التركي لجماعة "الإخوان" يأتي ضمن إطار السياسة التركية الساعية إليها وهي "صفر مشاكل"، وذلك بعد تورّط تركيا لـ (10) أعوام في صراعات كثيرة في أذربيجان، وليبيا، ومصر، والعراق، وسوريا، وغيرها من المناطق، وهذا ما دفع الموقف التركي لمحاولة تصفير مشاكله الإقليمية والدولية، نتيجة لتأثّر الاقتصاد التركي الكبير بسبب هذه الصراعات، ولكنّه لم يتخلَّ عن الطموح والمساعي في بناء الإمبراطورية العثمانية.

مواضيع ذات صلة:

زيارة أردوغان المرتقبة إلى ليبيا بين تطلعات التوسع وحتمية تسوية الأزمة

بوتيرة متسارعة... لماذا يسعى أردوغان لتحسين علاقات بلاده مع دول الخليج؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية