ما مآلات عملية الانسداد السياسي في العراق؟

ما مآلات عملية الانسداد السياسي في العراق؟


05/05/2022

سلّطت دراسة صدرت حديثاً عن مركز "تريندز" للبحوث والاستشارات، الضوء على حالة الانسداد السياسي التي يعيشها العراق منذ عدة عقود، ومآلاتها المستقبلية في ضوء التعقيدات المحيطة بالمشهد السياسي بشكل عام والأفق المسدود أمام محاولات القوى السياسية لتشكيل الحكومة بشكل خاص.

ويرى الدكتور إحسان الشمري، الكاتب والخبير السياسي في الشؤون العراقية، أنّ "ظاهرة الانسداد السياسي في تشكيل الحكومات العراقية ليست وليدة العملية السياسية الحالية أو الانتخابات الأخيرة؛ بل ارتبطت بشكل دائم مع مفاوضات تشكيل أغلب الحكومات العراقية خلال العقد الأخير".

ويشير إلى أنه "رغم الانسداد السياسي تجلى في عدة ملفات، قد يتضمنها البرنامج الحكومي، منها: قضية التعامل مع الوجود الأمريكي، وسحب الأسلحة من الميليشيات، وإعادة هيبة القوات المسلحة العراقية، ومكافحة الفساد، وشكل العلاقات الخارجية خصوصاً مع إيران. فإنّ هذه الملفات في طياتها تخفي الكثير من حيثيات الصراع الحقيقي بين الزعامات السياسية العراقية حول مساحة النفوذ في السلطة التنفيذية، ومقدار الهيمنة على مصادر التمويل الحكومي، والحفاظ على المستقبل السياسي لتلك الزعامات وأحزابها أيضاً".

مصطلح حديث وتداعيات قديمة

وفي دراسته المنشورة تحت عنوان: "الانسداد السياسي: صراع الإرادات التقليدية في العراق"، أوضح الشمري أنّ "مصطلح الانسداد السياسي في العراق ظهر مع تشكيل الحكومة عام 2010، إذ كان لفوز القائمة العراقية برئاسة إياد علاوي رئيس الوزراء الأسبق بعدد (91) مقعداً في الانتخابات التي جرت في 7 آذار (مارس) 2010، وبداية للالتفاف على الديمقراطية أيضاً، مصدر قلق كبير لإيران وحلفائها الذين كان يمثلهم نوري المالكي، آنذاك، في الداخل العراقي الذي أعلن رفضه النتائج، لاسيما أنّ علاوي عرف بتوجهاته نحو الدول العربية، وقربه للدول الغربية في علاقاته الخارجية وابتعاده عن إيران، التي انخرطت بقوة في العملية السياسية العراقية لضمان استمرار التفوق الشيعي، وضغطت على مختلف الاتجاهات، الأمر الذي أسفر عن قرار بتفسير المحكمة الاتحادية لمفهوم الكتلة الأكبر، التي غيرت من خلاله مفهوم الكتلة الأكبر الذي نصت عليه المادة (76 أولاً) من الدستور العراقي، والقائلة، "يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً بتشكيل مجلس الوزراء خلال 15 يوماً من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية".

إحسان الشمري: مصطلح الانسداد السياسي في العراق ظهر مع تشكيل الحكومة عام 2010

وبحسب الدراسة: شهدت العملية السياسية في عام 2014 انسداداً كبيراً، الأمر الذي تطلب أشهراً طويلة لتشكيل حكومة جديدة بعد رفض المالكي التنحي عن منصب رئاسة الوزراء، الذي قام بإنزال الجيش والدبابات إلى شوارع بغداد لوقف أي محاولة لتغيير معادلة السلطة. وقد كان لانعدام الأمن، والظروف غير المستقرة، وانتشار مقاتلي تنظيم داعش، المحفز لدفع حزب الدعوة الحاكم، آنذاك، إلى الذهاب لإيجاد حل أو مخرج لحالة الانسداد السياسي عن طريق اللجوء المرجع الشيعي "السيستاني"، الذي أشار بضرورة تنحي المالكي عن حكم العراق.

العوامل المعطّلة لتشكيل الحكومة الحالية

تحت هذا العنوان الفرعي، يعدد الكاتب مجموعة من العوامل أدّت بدورها لتعطيل تشكيل الحكومة وتعميق الأزمة السياسية في البلاد مؤخراً، أهمها "نتائج الانتخابات وتكوين التحالفات المتقاربة"؛ حيث يرى الكاتب أنّها "أساس الخلافات السياسية، التي أنتجت حالة الانسداد السياسي، يعود بالأساس إلى نتائج الانتخابات المبكرة في تشرين الأول (أكتوبر) 2021، حيث حصلت الكتلة الصدرية على عدد مقاعد يفوق القوى السياسية الأخرى وخصومة من الشيعة، فضلاً عن تباين النتائج التي أعلنت دفعت إلى انسداد أولي لعدم وجود كتلة حققت أغلبية المقاعد".

الصراع الشيعي

السبب الثاني بحسب الدراسة يتمثل في "الصراع الشيعي – الشيعي"، كعرف سياسي تم العمل به بعد عام 2003، يفيد بتقاسم السلطة على مبدأ التوافق، وتشكل القوى الشيعية الكتلة الأكبر في البرلمان، التي عليها اختيار رئيس للحكومة لكن ما حدث مؤخراً هو أنّ مقتدى الصدر أراد الانقطاع عن هذا العرف وجاء بخطوات جديدة لتشكيل حكومة أغلبية وطنية.

يؤكد الباحث على أهمية المسار السياسي، كحل للأزمة، من خلال إعادة تشكيل التحالفات باختراق الكتلة الصدرية صفوف "الإطار التنسيقي"

وقد اتخذ الصدر هذا القرار بعد تحولات في الشارع العراقي الرافض لمبدأ المحاصصة في تشكيل الحكومات، التي لم تنتج سوى الفساد والمزيد من التدهور في الحياة العامة. وقد يكون لاحتجاجات تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2019، وإعلانها الرفض للطبقة السياسية الحالية وأدائها في إدارة الدولة دور مهم وهو أحد أهم الأسباب التي دفعت الصدر نحو طرح فكرة تشكيل الحكومة وفق مبدأ الأغلبية أيضاً، لاستعادة ثقة الشارع بالنظام السياسي.

ويشير الباحث إلى المحكمة الاتحادية العليا كجزء من حالة الانسداد، مشيراً إلى أنها اشترطت تحقق "أغلبية الثلثين من أعضاء مجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية القادم وأصدرت تفسيراً للمادة (70 أولاً) من الدستور لبيان الأغلبية الواجب توافرها للشروع بالتصويت على انتخاب رئيس الجمهورية، وذلك استجابة لطلب الرئيس العراقي برهم صالح".

 اتخذ الصدر هذا القرار بعد تحولات في الشارع العراقي الرافض لمبدأ المحاصصة في تشكيل الحكومات

أما السبب الرابع، وفق الدراسة فيتمثل في "الخلاف الكردي – الكردي" على مرشح رئاسة الجمهورية، "الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل طالباني؛ إذ يصر حزب بارزاني على أن يدفع بأحد مرشحيه للمنصب ويزاحم حزب عائلة طالباني التي استحوذت على المنصب منذ عام 2005".

احتجاجات تشرين الأول 2019، وإعلانها الرفض للطبقة السياسية الحالية وأدائها في إدارة الدولة أحد أهم الأسباب التي دفعت الصدر نحو طرح فكرة تشكيل الحكومة وفق مبدأ الأغلبية

في حين يكمن السبب الخامس في التدخلات الإقليمية، حيث يعول على التدخلات الإيرانية التي جعلت من العراق ساحة لتصفية حساباتها ومحاولتها تثبت مبدأ أنّ العراق ضمن مجالها الحيوي واستمراره كدولة تابعة لها ورئة اقتصادية لمواجهة أي عقوبات أو تحديات دولية، فضلاً عن تصريف مشروعاتها المدرّة للأرباح المالية والمنافع السياسية. فطموحات إيران ومصالحها القومية تتسع إلى أبعد المستويات في العراق، باعتبارها أحد أهم الأسباب في المأزق الراهن، فضلاً عن التدخلات التركية، وفقاً للدراسة.

ما الحل؟ 

وفي خلاصة بحثه، يؤكد الكاتب على أهمية المسار السياسي، كحل للأزمة، "من خلال إعادة تشكيل التحالفات باختراق الكتلة الصدرية صفوف "الإطار التنسيقي" وتقوم إما باستقطاب بعض القوى إلى طرفها، وإما بقيام الإطار الشيعي بخطوة مماثلة، وهذا السيناريو من الصعب أن يتحقق.

ويضيف: "كذلك فإنّ العودة إلى تشكيل الحكومة وفق مبدأ التوافقية، ممكن أن يكون الحل المثالي لحالة الانسداد السياسي، ولكن مقتدى الصدر سيكون الخاسر الأكبر فيه. وقد تكون الـ 40 يوماً، التي منحها مقتدى الصدر للإطار التنسيقي الشيعي لتشكيل حكومة مع حلفائهم الفرصة الأخيرة، لكن الإطاريين يدركون أنّ هدف الصدر منها أن أصبح الثلث المعطل مانعاً أمام عملية تحقيق مشروع الأغلبية، وهو الأمر الذي دفعه إلى النأي بنفسه عن موضوع التعطيل ورمي الكرة في ملعب الإطار التنسيقي، خصوصاً في ظل الاستياء الشعبي من تأخر تشكيل الحكومة، ومن ثم فهم يدركون أنها محاولة إحراج أطراف الإطار التنسيقي أمام الرأي العام العراقي أيضاً، مع صعوبة إمكانية حصوله على أغلبية برلمانية، لذلك هم لا يمتلكون القدرة والأدوات لتشكيل الأغلبية مع إدراكهم بأنّ ذهاب مقتدى الصدر للمعارضة سيكون ثمنه حل البرلمان وسقوط حكومتهم خلال أشهر".

كذلك يشير الباحث إلى أهمية المسار الدستوري كمخرج من عنق الزجاجة، موضحاً أنه "في حال تواصل الانسداد السياسي، قد يتم اللجوء إلى حلّ البرلمان والذهاب لانتخابات مبكرة جديدة، وهذا قد يكون من خلال تقديم أحد الكتل البرلمانية طلباً وفق المادة (64 أولاً) من الدستور التي تنص على "يُحل مجلس النواب، بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناءً على طلبٍ من ثلث أعضائه، أو طلبٍ من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية".

والمتوقع، حسب الدراسة، أن تقوم بتقديم هذا الطلب الكتلة الصدرية كرد فعل سياسي لعدم قدرتها على تشكيل حكومة الأغلبية التي تتبنّاها، أو تقوم به كتلة برلمانية جديدة كحركة امتداد، القريبة من تشرين، ولكن لن تحصل على العدد المطلوب من الأصوات، لعدم قناعة أغلب القوى بهذا الخيار.

 مواضيع ذات صلة:

ما الدلالات الإستراتيجية لعمليات تركيا وإيران في العراق؟

مخالب تركيا تنهش سيادة العراق... فهل من رادع لأنقرة؟

فراغ دستوري في العراق بعد عجز الفرقاء عن اختيار الرئيس



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية