ما لم يقله علانيةً اجتماع مجلس الدفاع الوطني المصري

ما لم يقله علانيةً اجتماع مجلس الدفاع الوطني المصري


22/07/2020

في ظلّ التصعيد الميداني الذي شهدته ليبيا، الأيام القليلة الماضية، من جانب الميليشيات المسلحة، التابعة لحكومة الوفاق في ليبيا، برئاسة فائز السراج، والمدعومة من أنقرة التي حشدت مجموعة من العناصر المسلحة، والمرتزقة التابعين لها، بهدف محاولة التقدم نحو مدينة سرت؛ جاء اجتماع مجلس الدفاع الوطني، في القاهرة، بحضور الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الذي سبق أن أكّد على أنّ المدينة الواقعة في منتصف الساحل الليبي بين بنغازي وطرابلس "خطّ أحمر"، بينما هدّد الأطراف التي تسعى إلى تجاوزه، ولا تمتثل للحلول السياسية التفاوضية بالتدخل العسكري المصري، لجهة حماية الأمن القومي المصري والعربي.

المجلس الوطني في القاهرة أكّد على ضرورة الالتزام بالحلّ السياسي كسبيل لإنهاء الأزمة الليبية، وبما يحقق الحفاظ على السيادة والوحدة الوطنية والإقليمية للدولة الليبية

كما اجتمع، الإثنين، البرلمان المصري، للتصويت على تفويض للرئيس عبد الفتاح السيسي، بنشر قوات عسكرية في ليبيا؛ وذلك في حال تحرّكت القوات المدعومة من تركيا هناك، والمتحالفة مع الحكومة في طرابلس، للسيطرة على مدينة سرت الساحلية الإستراتيجية.

ليبيا على قائمة أولويات السياسة المصرية

يعكس الاجتماع الذي ترأسه السيسي أهمية وحساسية بالغتَين، على مستوى التوقيت من ناحية، ودلالته السياسية من ناحية أخرى؛ إذ تتركز الاتجاهات الإقليمية والدولية أمام محاولات تركيا "الاستعراضية" نحو منتصف الساحل الليبي، والتي قامت بتسيير نحو 75 سيارة عسكرية، قادمة من مصراتة، التي حولتها أنقرة إلى قاعدة لإدارة عملياتها العسكرية، إلى سرت، بينما كانت تقل 300 مقاتل، من بينهم مرتزقة سوريون وتونسيون، فضلاً عن 200 مركبة عسكرية، تحركت إلى مدينة تاورغاء القريبة من سرت.

جاء الاجتماع في أعقاب تلك التحركات العسكرية "المشبوهة" في ليبيا

كما جاء الاجتماع في أعقاب تلك التحركات العسكرية "المشبوهة" في ليبيا، بحسب مراقبين، وبحضور وفد القبائل الليبية للقاهرة، وقد تشكّل من رئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء، ووزير الدفاع والإنتاج الحربي، ورئيس أركان حرب القوات المسلحة، ورئيس المخابرات العامة، وقائد قوات الدفاع الجوي، وقائد القوات الجوية، ورئيس هيئة عمليات القوات المسلحة، ومدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع، بالإضافة لعدد من الوزراء.

اقرأ أيضاً: هكذا استقبلت تركيا قرار البرلمان المصري حول ليبيا

لذا؛ فإنّ ثمة رسائل مهمة للغاية حملها اجتماع مجلس الدفاع الوطني، بحسب ما يرى الباحث والكاتب السياسي المصري، هاني قربة، الذي يرى أنّه تزامن مع مرحلة حساسة ودقيقة تحيط بالدولة المصرية؛ حيث عكس تأكيد القيادة السياسية على أولويات الأمن القومي المصري، ومن ثم التصدي لمحاولات المساس به، الأمر الذي يبرزه مستوى التمثيل الرفيع للاجتماع بحضور الرئيس المصري، كما كشف الثقل في صناعة القرار، وجاهزية مؤسسات الدولة لكافة السيناريوهات، والمتابعة الدقيقة للموقف الليبي، أمنياً وسياسياً وإقليمياً.

اقرأ أيضاً: كيف استقبل المصريون نبأ تفويض البرلمان الجيش بالتحرك خارجياً؟

وأفاد قربة لـ "حفريات" بأنّ المجلس أكد في اجتماعه على "إعطاء القيادة المصرية الأولوية لتفادي التصعيد والصدام، وهو الخطّ الذي تتبعه الإدارة المصرية، منذ البداية، وفق مبادرتها السياسية؛ حيث تهدف إلى تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي للدولة الليبية، إضافة إلى ضرورة تثبيت الموقف الميداني الراهن، وعدم تجاوز الخطوط المعلنة، لإحلال العملية السياسية محلّ الصراع المسلح، وكذا السلام بين جميع الفرقاء والأطراف الليبية، ما يحمل رسائل غير مباشرة لتركيا، وحكومة الوفاق، بمسؤوليتها عن التصعيد وعواقبه".

لا مساس بالخطوط الحمراء

اجتماع مجلس الدفاع، في القاهرة، أكد كذلك على محورية الملف الليبي لدى الإدارة المصرية، بحسب الباحث والكاتب السياسي المصري؛ الذي يرى أنّ ليبيا تعدّ امتداداً حيوياً وإستراتيجياً للأمن القومي، من جهة، وإحدى الأولويات القصوى للسياسة الخارجية المصرية، من جهة أخرى، كما جاءت نتائج الاجتماع متضمنة محاور ورؤى مهمة، تبدو مكملة لإعلان مبادرة القاهرة، وتتبنى تصوراتها القائمة على عدة مبادىء واعتبارات متفق عليها إقليمياً؛ أبرزها وحدة ليبيا وتماسكها، وحماية جغرافيتها من التقسيم والتجزئة على أساس التبعية لقوى ومحاور خارجية؛ وهو ما يشكّل إحراجاً لتلك القوى والأطراف الداعمة لها، التي تنضوي على نوايا وأطماع ومصالح ضيقة.

اجتماع مجلس الدفاع الوطني، في القاهرة، كشف عن متابعة حثيثة لما يجري ميدانياً في ليبيا

ومن ناحيته، صرّح الناطق الرسمي بلسان رئاسة الجمهورية، السفير بسام راضي، بأنّ "المجلس تناول مجمل الأوضاع السياسية والأمنية والعسكرية على كافة الاتجاهات الإستراتيجية للدولة، في إطار تطورات التحديات الراهنة المختلفة على الساحتين الإقليمية والدولية؛ حيث ناقش مجمل الأوضاع في ليبيا على الاتجاه الإستراتيجي الغربي، وذلك في ظلّ سعي مصر لتثبيت الموقف الميداني الراهن، وعدم تجاوز الخطوط المعلنة، إضافة إلى التأكيد على أنّ القاهرة لن تدّخر جهداً في دعم ليبيا، ومساعدة شعبها في تجاوز الأزمة الحرجة الحالية، استناداً إلى أنّ الملف الليبي هو أحد الأولويات القصوى للسياسة الخارجية المصرية، آخذاً في الاعتبار أنّ الأمن الليبي يشكّل جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري والعربي.

أردوغان ولعبة الحرب الكاذبة

وتابع الناطق الرسمي بلسان رئاسة الجمهورية المصرية: "في هذا السياق؛ أكّد المجلس الوطني على ضرورة الالتزام بالحلّ السياسي، كسبيل لإنهاء الأزمة الليبية، وبما يحقق الحفاظ على السيادة والوحدة الوطنية والإقليمية للدولة الليبية، واستعادة ركائز مؤسساتها الوطنية، والقضاء على الإرهاب، ومنع فوضى انتشار الجماعات الإجرامية، والميليشيات المسلحة المتطرفة، وكذا وضع حدّ للتدخلات الخارجية غير المشروعة، التي تساهم بدورها في تفاقم الأوضاع الأمنية، وتهدّد دول الجوار، والسلم والأمن الدوليين".

الباحث والكاتب السياسي المصري هاني قربة لـ"حفريات": ثمة رسائل مهمة للغاية حملها اجتماع مجلس الدفاع الوطني، لأنّه تزامن مع مرحلة حساسة ودقيقة تحيط بالدولة المصرية

وفي تصريحه لـ "حفريات"، يرى الصحفي المصري، المتخصص في الشأن الليبي، جرجس فكري؛ أنّ "التحرّك والحشد من جانب تركيا قائم منذ فترة، بيد أنّ إعلانه جاء في الأيام القليلة الماضية، لكنه، في الوقت نفسه، لا يعكس بالضرورة رغبة أكيدة في الصدام والمواجهة العسكرية الحتمية؛ إذ إنّ أردوغان يستهدف الضغط من أجل الوصول لمكاسب سياسية عند لحظة التفاوض، خاصة أنّه لا يعتمد على قواته، إنّما على عناصر مرتزقة يقوم بتسليحهم، ويدعمهم بالطائرات المسيَّرة".

اقرأ أيضاً: ما هي أبعاد تفويض البرلمان المصري للجيش بالتحرك خارجياً؟

اجتماع مجلس الدفاع الوطني، في القاهرة، كشف عن متابعة حثيثة، على المستوى ذاته، لما يجري ميدانياً في ليبيا، والتعامل معه بالدرجة نفسها، دون أن تترَك المسألة لمجرد تخيمنات أو استبعاد لأيّة سيناريوهات قائمة؛ إذ تبرز في حضور عدد من قادة الأفرع العسكرية المصرية، خاصة الدفاع الجوي، إشارة لافتة ومهمة على جاهزية الإدارة المصرية للمواجهة مع تركيا، والتي تعتمد فيها الأخيرة على الطائرات المسيرة والصواريخ، بالتالي؛ سيكون اعتماد القاهرة على الأسلحة المضادة لذلك.

اقرأ أيضاً: كيف جاءت ردود الفعل على تفويض برلمان مصر إرسال قوات للخارج؟

يتفق والرأي ذاته، العميد خالد المحجوب، مدير التوجيه المعنوي بالجيش الوطني الليبي؛ حيث أكّد على أنّ تركيا تتخوف من تداعيات الهجوم على سرت والجفرة، وما قد يترتب على ذلك من دعم عسكري قد يتلقاه الجيش الوطني لوقف أيّ تقدم تركي، كما شدّد، في لقاء له مع "سكاي نيوز عربية"، على جاهزية قوات الجيش لصدّ أيّ هجوم تركي.

وأضاف: "الأتراك في غرفة عملياتهم يدرسون الهجوم بشكل دقيق، ويشعرون بالخوف من تداعياته؛ حيث من الممكن أن تكبر مساحة المعركة، وتخرج عن دائرة سرت والجفرة"، ولفت إلى أنّ "النصيحة التي قدِّمت لأردوغان أن يكون هناك هجوم كاسح وسريع على أساس أن يتحقق مبتغى الأتراك بأسرع وقت، لكن هذا لن يتحقق كون قوات الجيش الليبي متمركزة بقوة إضافة إلى الدعم العربي".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية