ما قصة سفينة الخضروات التركية إلى تل أبيب؟... ولماذا تغير خطاب أردوغان من إسرائيل؟

سفينة خضروات تركية إلى تل أبيب... كيف كشفت حرب غزة خطاب أردوغان من إسرائيل؟

ما قصة سفينة الخضروات التركية إلى تل أبيب؟... ولماذا تغير خطاب أردوغان من إسرائيل؟


01/11/2023

تبدو تحركات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مرتبطة جميعها بالمصالح، تحكمها البراغماتية السياسية في المقام الأوّل، دون ثوابت أو خطوط واضحة، ويبدو ذلك واضحاً في موقف أردوغان الأخير تجاه الأحداث في غزة، فبعد أعوام من المتاجرة بالقضية الفلسطينية، كان الخبر الأبرز المتعلق بتركيا ورئيسها، خلال الأسابيع الـ (3) الماضية، يتعلق بإرسال سفينة تركية تحمل أطناناً من الخضروات لمساندة تل أبيب. 

تقول (BBC): "وسط الكمّ الكبير من التقارير الإخبارية حول ما يجري في قطاع غزة المحاصر، وجد خبر يزعم توجه سفينة تحمل أطناناً من الخضروات التركية لتقديم الدعم إلى إسرائيل مكانه بين عناوين الحدث الذي يشغل الساحة العالمية".

تحدثت تقارير عبرية عن وصول سفينة دعم تركية رست في ميناء حيفا محملة بـ (4500) طن من الخضراوات على حدّ قولها، وهو ما نفته أنقرة

ونشرت وكالة أنباء تركيا مساء الثلاثاء 17 تشرين الأول (أكتوبر) بياناً تنفي فيه إرسال أنقرة سفينة مساعدات إلى إسرائيل، لكنّ النفي التركي جاء عقب تقارير إسرائيلية تحدثت عن وصول سفينة دعم تركية رست في ميناء حيفا محملة بـ (4500) طن من الخضراوات، 80% من حمولتها كانت من الطماطم، على حدّ قولها.

مهادنة تل أبيب

السفينة التي تحدثت عنها مواقع عبرية، ونفت تركيا وجودها من الأساس، قد لا تكون محملة بالخضار بقدر ما تحمله من تساؤلات حيال الموقف التركي ممّا يحدث في غزة، والشكل الذي باتت عليه العلاقة بين أنقرة والحكومة الإسرائيلية، بحسب الموقع البريطاني. 

السفينة التي تحدثت عنها مواقع عبرية، ونفت تركيا وجودها من الأساس، قد لا تكون محملة بالخضار بقدر ما تحمله من تساؤلات حيال الموقف التركي ممّا يحدث في غزة، والشكل الذي باتت عليه العلاقة بين أنقرة والحكومة الإسرائيلية

وهذه التساؤلات حركتها لهجة خطاب الرئيس التركيأردوغان، الذي أجرى اتصالات مع قادة في المنطقة بشأن وقف التصعيد في غزة، إلّا أنّ كلماته ليست ذاتها، مقارنة بما كانت عليه في السابق من هجوم كلامي على إسرائيل ودعم لحماس. 

فمنذ الساعات الأولى من الهجوم الذي شنته حماس، لجأت أنقرة لاستخدام لهجة وصفت بأنّها "محايدة"، حيث لم توجه خلالها أصابع الاتهام إلى إسرائيل، ولا إلى حماس، واكتفى الخطاب التركي خلال الأيام الأولى بإدانة الخسائر في أرواح المدنيين، والتأكيد على الاتصال مع جميع الأطراف المعنية للمساعدة في إنهاء النزاع.

تحول الخطاب 

في السياق، تشير دراسة حديثة صادرة عن مركز (رع) للدراسات الاستراتيجية، للباحثة وردة عبد الرازق، إلى حدوث تغير ملحوظ في لهجة الخطاب التركي الرسمي حول التطورات في غزة، خاصة بعدما حاول أردوغان قدر المستطاع تبنّي خطاب محايد خلال الأيام الأولى للحرب.

ولكن مع المجازر التي تشهدها غزة، ومع ضغط الشارع التركي والأحزاب القومية، بدأت تأخذ تصريحات الرئيس التركي منحى جديداً مناهضاً لتجاوزات الاحتلال الإسرائيلي.

شهد خطاب أردوغان تغيراً حول التطورات في غزة لأسباب عديدة منها الضغط التركي الداخلي

وتقول الدراسة: إنّه منذ بداية الحرب كان الخطاب التركي بوجه عام مكتفياً بمجرد إدانة الخسائر في صفوف المدنيين، وضرورة إيصال المساعدات، والدعوة إلى ضبط النفس، إلى أن تصاعدت اللهجة التركية تجاه العدوان الإسرائيلي عقب مذبحة المستشفى الأهلي المعمداني، والتي اتهمت إسرائيل حينها بممارسة التطهير العرقي والإبادة الجماعية. 

وأوردت الدراسة مجموعة تصريحات لأردوغان أثارت حالة من الغضب لدى القوى الغربية، وعبّرت عن تحول واضح في موقفه، أبرزها تأكيده دعم حماس، فقد قال أردوغان: إنّ "حماس ليست جماعة إرهابية، بل حركة تحرر وطني تخوض معارك لحماية أراضيها"، وذلك بهدف تأكيد موقف تركيا من حماس، اللتين تجمعهما علاقات مميزة، وقوبل هذا التصريح بتنديد دولي، فوصفته إيطاليا على سبيل المثال بأنّه "مثير للاشمئزاز".     

 كان الخطاب التركي بوجه عام مكتفياً بمجرد إدانة الخسائر في صفوف المدنيين، وضرورة إيصال المساعدات، والدعوة إلى ضبط النفس، إلى أن تصاعدت اللهجة التركية تجاه العدوان الإسرائيلي عقب مذبحة المستشفى الأهلي المعمداني

وجاء خطاب أردوغان بعد يومين تقريباً من ادعاءات وسائل إعلام إسرائيلية أنّ تركيا طالبت قيادات حماس بمغادرة أراضيها، وبعد اتصال هاتفي بين أردوغان وإسماعيل هنية، بهدف نفي تلك الرواية، واجتماع وزير الخارجية التركي مع  بعض قيادات حماس في إسطنبول للتأكيد على الموقف التركي الداعم للحركة، وبالتزامن أيضاً مع مساعٍ أمريكية فرنسية لتشكيل تحالف دولي لمحاربة حماس وداعش.

وقد تكون بذلك خطوة استباقية حال لاقى مقترح أردوغان وجود ضامنين دوليين لإسرائيل وحماس رواجاً كبيراً، قد يسعى من خلالها للحصول على تأييد حماس في هذا الشأن، لكي يكون لتركيا اليد الطولى في المفاوضات القادمة، وكله سيصب في الأخير في صالح استعادة تركيا لدورها الإقليمي الحيوي.

وقد وصف أردوغان سياسة إسرائيل بـ "المريضة"، و"العنصرية"، وتصرفات إسرائيل وداعميها بـ "الجنون"، كما وصف أيضاً الجيش الإسرائيلي والمستوطنين بـ "اللصوص"، ووجّه اتهامات للغرب بأنّهم "فتحوا الباب للعنف عبر التنظيمات الإرهابية التي أقاموها"،  وقتلوا من خلالها ملايين السوريين والأفغان، وانتقد سياسة الكيل بمكيالين التي تعامل بها الغرب مع غزة وأوكرانيا.

 

وبذلك، توقف أردوغان عن التصريحات التي اتسمت بالميوعة تجاه طرفي النزاع، وتبنّى النبرة المعتادة بانتقاد إسرائيل والغرب الداعم لها، لإعادة تلميع الدور التركي الذي خفت بعض الشيء، بعد تضاؤل الحديث عن الحرب الأوكرانية حالياً، وتصدر غزة المشهد.

أيضاً لوح أردوغان بإمكانية اللجوء إلى الحل العسكري؛ فقد أشار إلى أنّ "تركيا مستعدة لاستخدام الوسائل السياسية والدبلوماسية، وإذا تطلب الأمر العسكرية، من أجل وقف هذه الحرب"، دون أيّ توضيح حول ماهية هذه الوسائل، وخصوصاً العسكرية، وكان ذلك التصريح هو الأخطر.

دوافع تحول الموقف التركي 

بحسب الدراسة، جاء موقف أردوغان في إطار مزايدات داخلية، ففي وقت سابق حث زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي تركيا على "ألّا تكتفي بالتفرج"، فإذا "استمرت أعمال القصف، فإنّ على تركيا التدخل بسرعة، وعليها أن تضطلع بمسؤولياتها التاريخية والإنسانية والإيمانية، واعتبر أنّ تأدية تركيا دور الضامن للحل، هو اقتراح "عقلاني واستراتيجي"، ولهذا قد يكون تلويح أردوغان بالحل العسكري استجابة لتأييد داخلي. 

يسعى أردوغان لاستعادة الزخم للموقف التركي، بعدما لم يلقَ موقفه الحيادي الذي ركز على إيصال المساعدات والتفاوض حول الأسرى الزخم المرجو منه، فاضطر لاستعادة نبرة التصعيد المعتادة

وتشير الدراسة إلى أنّ حزبي المستقبل والسعادة التركيين رحبا باقتراح التدخل في غزة، وعلى ما يبدو أنّ المقصود بالتدخل هو التدخل العسكري، على اعتبار أنّ الجانب الدبلوماسي قائم بالفعل، باتصالات أردوغان بأطراف إقليمية ودولية لبحث المستجدات والحلول. 

وكل هذه الدعوات، وفق الباحثة، جاءت استرضاء للرأي العام الداخلي، الذي تسيطر على غالبيته النزعة القومية، خاصة أنّ الأحزاب في تركيا تتجهز للانتخابات البلدية.

وذلك إلى جانب المزايدات الإقليمية، بالتزامن مع ردود الفعل العربية الحادة مؤخراً مع استمرار أعمال القصف الهستيرية من قبل جيش الاحتلال، وبعد سلسلة اتصالات دبلوماسية تركية مع الجانب العربي، كان آخرها جولة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بين عدد من العواصم العربية، لأنّ الدائرتين العربية والإسلامية هما الأكثر توافقاً مع الرؤية التركية على المستويين الرسمي والشعبي.

وعليه، يسعى أردوغان لاستعادة الزخم للموقف التركي، بعدما لم يلقَ موقفه الحيادي الذي ركز على إيصال المساعدات والتفاوض حول الأسرى الزخم المرجو منه، فاضطر لاستعادة نبرة التصعيد المعتادة، لا سيّما بعدما أثار موقفه الأوّل انتقادات في الشارع الفلسطيني الذي اعتاد تصريحات أردوغان الرنانة المناصرة للقضية الفلسطينية، والتي أوصلت العلاقات التركية الإسرائيلية إلى القطيعة لأعوام.

مواضيع ذات صلة:

ما دلالات تضامن تركيا مع غزة في الذكرى المائة لتأسيس الجمهورية؟

ما حقيقة توتر العلاقات بين أردوغان و"حماس"؟

 

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية