ما علاقة تغيّر المناخ بالصحة العقلية؟

ما علاقة تغيّر المناخ بالصحة العقلية؟


24/03/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

إنّ أكبر تهديد في عصرنا هو تغيّر المناخ؛ فهل نقاوم، أم نهرب، أم نتجمّد؟ المقاومة، والهروب، والتّجمّد ردود الفعل البشريّة الأساسيّة على أيّة تهديدات متصوّرة. المقاومة أو الهروب أمران منطقيّان، لكنّ التّجمّد غير منطقيّ، يتركنا التّجمّد بلا حراك في مواجهة الخطر.

وبروحٍ مقاوِمة حقيقيّة، عرض مهرجان السّدر للأفلام البيئيّة في أبو ظبي مؤخّراً العديد من الأفلام الحائزة على جوائز حول جوانب من أزمة المناخ.

تُعدّ زيادة الوعي بمشكلة ما الخطوة الأولى نحو الاستجابة لها، تسلّط الأفلامُ الضّوءَ على تلوّث المياه، وفقدان الموائل، ونزوح السّكان وغير ذلك. وقد دفعني أحد الأفلام، على وجه الخصوص "The Magnitude of All Things" (فداحة كلّ شيء)، إلى التّفكير في آثار تغيّر المناخ على الصّحّة العقليّة.

عام 1991، قُرب نهاية الحرب الباردة، كان الخوف الأكبر هو اندلاع حرب نوويّة، كانت الجمعيّة الأمريكيّة للطبّ النفسيّ قَلِقة بشأن الآثار المترتّبة على الصّحّة العقليّة لهذا التّهديد الوجوديّ، ولذا قامت بتشكيل فريق عمل لاستكشاف "الآثار النّفسيّة والاجتماعيّة للتطوّرات النوويّة".

لقطة من فيلم "الباتروس" البيئي الذي افتتح مهرجان السدر السينمائي في أبو ظبي بعرضه

ركّز جزء كبير من الدّراسة على الأطفال. وفي التّقرير النّهائيّ، خلص فريق الجمعيّة إلى أنّ خطر الحرب النّوويّة يضرّ بنموّ شخصيّة الأطفال والمراهقين، والصّحّة العقليّة، ورأى الأطباء النّفسيّون أنّ شكوك الأطفال في استمراريّة الوجود البشريّ أدّت إلى مستويات أعلى من الاندفاعيّة والنّزعة الهروبيّة، وتنبّأ الأطباء النّفسيّون بأنّ الأجيال قد تحاول العيش في عوالم خياليّة تُغذّيها المخدّرات والكحول؛ لأنّ العالم الحقيقيّ سيكون مؤلماً للغاية.

كان تقرير تاريخيّ نشرته الأمم المتّحدة عام 2019 أشار إلى أنّ حوالي مليون نوع من الحيوانات والنّباتات معرّضة لخطر الانقراض، وقد رحل كثير منها إلى الأبد

نحتاج أن نطرح الأسئلة نفسها حول الأزمة البيئيّة؛ ما تأثير خطر تغيّر المناخ، وانقراض الأنواع، وفقدان الموائل على العقول النّامية لأطفال اليوم؟ هل هناك ارتباط بين أزمة الصّحّة النّفسيّة وأزمة المناخ؟

أزمة صحّة عقليّة

من المؤكّد أنّنا في خضم أزمة صحّة عقليّة تُلحِق خسائر فادحة بالأطفال والشّباب: في تشرين الثّاني (نوفمبر) 2019، قبل أن يبدأ وباء فيروس كورونا، أصدرت الأمم المتّحدة بياناً صحافيّاً شدّدت فيه على الحاجة الملحّة لمعالجة الزّيادة في مشكلات الصحّة العقليّة للأطفال والمراهقين.

وهذا يشمل، في بعض الدّول، زيادة علاج الأطفال والمراهقين من مشكلات الصحّة العقليّة الحادّة في المستشفيات. في اليابان، عام 2020، أبلغت وزارة التّعليم عن أعلى معدّل لانتحار الأطفال منذ بدء تسجيل هذه المعدّلات، وهناك، السّبب الرّئيس لوفاة الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و14 عاماً هو الانتحار، وتلك أزمة صحّة نفسيّة حقيقيّة للغاية.

هناك عدّة طرق يبدو فيها أنّ أزمة المناخ تؤثّر على الصحّة النفسية.. نشرت جمعيّة علم النّفس الأمريكيّة تقريراً، عام 2009، بعنوان "الارتباط بين علم النّفس وتغيّر المناخ العالميّ". يصف التّقرير كيف يؤدّي تغيّر المناخ إلى قلق بيئيّ، وغضب بيئيّ، وشعور بيئي بالذّنب.

تتميز المبزرة الخضراء عند قاعدة جبل حفيت في العين بالحدائق والينابيع الساخنة التي تصب في بحيرة المبزرة

القلق والغضب والشّعور بالذّنب كلّها أعراض شائعة للاكتئاب، هناك أيضاً نقاش حول تطوّر "اضطراب كرب ما بعد الصّدمة" بعد وقوع أحداث طقسيّة قاسية، مع زيادة تواتر مثل هذه الأحداث، من المرجّح أن ترتفع معدّلات اضطراب كرب  ما بعد الصّدمة.

بالإضافة إلى هذه الرّوابط الواضحة إلى حدّ ما، هناك أيضاً فكرة "السّولستالجيا" (solastalgia)، التي صاغها الفيلسوف البيئيّ جلين ألبريشت، والتي تمزج بين كلمتَي "العزاء" (solace) و"الحنين إلى الماضي" (nostalgia).

"السّولستالجيا"

أصبحت "السّولستالجيا" تعني الألم النّفسيّ الذي نشعر به استجابةً للتّغير البيئيّ، خاصّة في البيئات التي نرتبط بها شخصيّاً، تخيّل كيف يمكن أن يشعر أحد سكّان مدينة العين إذا جفّت عيون الماء، أو كيف يمكن أن يشعر أحد سكّان أبوظبي إذا انقرض الظّبي.

غالباً ما يرتبط إحساسنا بالذّات بالبيئات الطّبيعيّة التي نشأنا فيها؛ إذا تعرّضَت للإيذاء نتأذّى.

هناك رابط دقيق آخر بين الصّحّة العقليّة وأزمات المناخ؛ هو فكرة "الوحدة بين الأنواع"، وكان تقرير تاريخيّ نشرته الأمم المتّحدة عام 2019 أشار إلى أنّ حوالي مليون نوع من الحيوانات والنّباتات معرّضة لخطر الانقراض، وقد رحل كثير منها إلى الأبد، منذ ذلك الحين.

هناك نقاش حول تطوّر "اضطراب كرب ما بعد الصّدمة" بعد وقوع أحداث طقسيّة قاسية، ومع تواتر ذلك، من المرجّح أن ترتفع معدّلات اضطراب كرب ما بعد الصّدمة

نعلم من عقود من البحث أنّ التّعرّض للتّنوّع البيولوجيّ مفيد للرّفاهية؛ كلّما زاد التّنوّع كان ذلك أفضل. ومع ذلك، قد يكون العكس صحيحاً أيضاً.

بالنّظر إلى أن أجزاء من كوكبنا أصبحت أقلّ تنوّعاً بيولوجيّاً بشكل متزايد، فقد أصبحنا أكثر عزلة كنوع وربما أكثر تعاسة، تتزامن عزلة النّوع أيضاً مع المخاوف المتزايدة بشأن العزلة الاجتماعيّة والوحدة الفعلية. على سبيل المثال، عام 2018، عيّنت حكومة المملكة المتّحدة أوّل وزير لها للوحدة استجابةً لتأثير "وباء الوحدة" على الصّحّة العامّة.

العلاقة بين تغيّر المناخ وزيادة مشكلات الصّحّة العقليّة للأطفال والمراهقين مرجّحة، وتتطلّب كلتا المشكلتين اهتماماً فوريّاً ومستمرّاً.

القتال والهروب والتّجمّد ردود فعل عاطفيّة تأخذنا بعيداً، وفي بعض الأحيان قد تضرّ أكثر ممّا تنفع.

 إنّ قضايا اجتماعيّة معقّدة، مثل أزمات المناخ والصّحّة العقليّة، تتطلّب استجابات مدروسة وإبداعيّة، بدلاً من ردود الفعل البدائيّة.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

جاستن توماس، ذي ناشونال، 10 آذار (مارس) 2022

https://www.thenationalnews.com/opinion/comment/2022/03/10/is-mental-health-linked-to-the-climate-crisis/




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية