"الثلج يشتعل": من ينقذ الكوكب من تحديات التغير المناخي؟

"الثلج يشتعل": من ينقذ الكوكب من تحديات التغير المناخي؟


11/08/2021

في العام 1981 صدرت رواية "الثلج يشتعل" لمؤلفها الفرنسي ريجيس دوبريه، وقام بترجمتها الأديب اللبناني المعروف سهيل إدريس، الذي يصف الرواية بأنها "بمثابة أغنية حب في مأساة عصرنا، وتأكيد إرادة الحياة والنضال".

ويحيل عنوان الرواية إلى الحرائق التي تعصف بالعالم في الأوقات الراهنة، حتى إنها أشعلت الغابات في سيبيريا التي يذكرها الناس باعتبارها مكسوة بالثلوج ودرجات الحرارة الباردة جداً، ويقال إنّ المعارضين السياسيين في زمن الاتحاد السوفييتي كانوا يعتقلون في تلك المناطق.

الحرائق تواصلت في غابات سيبيريا، أول من أمس، الإثنين، إلى حد أنّ الدخان وصل إلى القطب الشمالي، بحسب وكالة الفضاء الأميركية "ناسا".

وإحدى المناطق الأكثر تضرراً هي ياكوتيا، وهي منطقة شاسعة وغير مأهولة في شمال سيبيريا، حيث يواصل الوضع التفاقم مع اتجاه لارتفاع عدد ومساحة حرائق الغابات، كما كشفت وكالة الأرصاد الجوية الروسية "روسغيدرومي".

وبحسب قولها، فإنّ أكثر من 3,4 مليون هكتار من الغابات تحترق هناك حالياً، بينها مناطق يصعب الوصول إليها ونائية. وأضافت "ينتشر دخان كثيف على مناطق واسعة".

سابقة في التاريخ الموثق

من جهتها، أفادت "ناسا" بأنّ الدخان الناجم عن حرائق ياكوتيا اجتاز أكثر من ثلاثة آلاف كلم ليبلغ القطب الشمالي، وهو ما يبدو سابقة في التاريخ الموثق.

صورة جوية لمنازل محاطة بالنيران بالقرب من بلدة مانافجات في تركيا في 29 تموز (يوليو) الماضي

وفضلاً عن سيبيريا، تعتبر مدينة إيركوتسك واحدة من أبرد المناطق في روسيا، واعتاد سكانها على الشتاء البارد، ولكن في كانون الثاني (يناير) الماضي انخفضت درجة الحرارة إلى 60 درجة تحت الصفر، وحينها وجه حاكم المنطقة إيغور كوبزيف بعدم الخروج من المنازل إلا للضرورة.

ووفقاً لموقع "إنشورانس جورنال" الأمريكية، شهدت المنطقة أشد تساقط للثلوج منذ 25 عاماً، حيث غطت الثلوج سيبيريا والشرق الأقصى ووسط روسيا، وفي نهاية آذار (مارس) عندما بدأت درجات الحرارة في الارتفاع، حذرت وزارة حالات الطوارئ من أنّ ذوبان الثلوج قد يسبب فيضانات خطيرة.

وقالت آنا رومانوفسكايا، مديرة معهد "يو إيه إيزرايل" للمناخ العالمي والبيئة ومقره موسكو: يؤدي النظام غير المستقر إلى زيادة الانحرافات المناخية بما في ذلك الأحداث الخطيرة".

صحيفة: تحدي التغير المناخي لا يعترف بحدود وطنية، بل يهدد الحياة على كوكب الأرض. وتحقيق التنمية المستدامة يتطلب منهجية شاملة، لذا يجب التكيف مع الواقع المناخي الجديد

وروسيا هي واحدة من الدول الأكثر عرضة لتغير المناخ، حيث يقع جزء كبير من أراضيها في القطب الشمالي، والذي ترتفع درجة حرارته أكثر من ضعف سرعة الارتفاع في بقية العالم، وفق صحيفة "الرؤية" الإماراتية.

وتجسد هذه التغيرات ارتفاعَ الحرارة بشكل غير عادي في سيبريا العام الماضي، وحرائق الغابات القياسية التي حدثت في سنتين متتاليتين، وذوبان الجليد الذي يغطي مساحات شاسعة من البلاد.

وتسببت الكوارث المناخية التي حدثت في روسيا بالعديد من الأضرار الجسيمة، وفي حزيران (يونيو) 2019 اندلعت فيضانات على حدود روسيا مع الصين، كلفت البلاد أكثر من 460 مليون دولار، بينما تسبب إجمالي الكوارث التي حدثت في روسيا في العام ذاته بخسائر تقدر بحوالي مليار دولار.

اقرأ أيضاً: الأمم المتحدة تحذر من الاحتباس الحراري.. والدول الأكثر تضرراً ترد

الحرائق تستعر الآن في 5 قارات هي آسيا وأوروبا وأفريقيا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية. وتمتد الحرائق من سيبيريا شرقاً إلى بوليفيا وولاية كاليفورنيا الأمريكية، مروراً بالجزائر وتونس في شمال أفريقيا، واليونان وتركيا في أوروبا.

وجاء في دراسة نشرت هذا العام تحت عنوان "فهم التغيرات في الحرائق في جنوب أوروبا"، أنّ سياسات مكافحة حرائق الغابات الحالية في معظم مناطق البحر المتوسط "تركز بشكل كبير على إخماد الحرائق، لكنها لم تتطور لتتكيف مع التغير العالمي الجاري" خاصة ما يتعلق بظاهرة التغير المناخي.

حرائق الغابات مسؤولة عن مقدار كبير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على مستوى العالم


وتقول صحيفة "البيان" الإماراتية في افتتاحيتها أمس إنّ "التغير المناخي حقيقة علمية، وليس مجرد حدث عابر في حياة البشر، حيث لم تبقَ أي قارة في منأى عن هذه الكوارث، إذ صارت موجات الحر الشديد والحرائق والأعاصير بجميع أنواعها تجتاح عدداً من دول العالم، وقد شارف تغير المناخ على مراحل لا يمكن العودة منها، ولذلك لا مناص من العمل الدولي المتكاتف لتخفيف آثاره الضارة وانعكاساته الخطيرة على كوكب الأرض، والذي يتطلب الوفاء بأهداف اتفاق باريس، المتمثلة بإبقاء الاحترار العالمي لهذا القرن إلى أقل من درجتين مئويتين".

اقرأ أيضاً: طرق مبتكرة لمواجهة الاحتباس الحراري

وترى الصحيفة أنّ "تحدي التغير المناخي لا يعترف بحدود وطنية، بل يهدد الحياة على كوكب الأرض بالكامل. وتحقيق التنمية المستدامة يتطلب منهجية شاملة، لذا يجب على الدول أن تكثف إجراءاتها على وجه السرعة للتكيف مع الواقع المناخي الجديد، والعمل على تأسيس تحالف عالمي حقيقي للالتزام بصافي انبعاثات صفرية، مع قرب اجتماع غلاسكو حول المناخ في نوفمبر، من خلال توسيع استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وإنتاج الهيدروجين الأخضر، كمصادر طاقة صديقة للبيئة".

ما مدى تأثير المناخ على الحرائق الراهنة؟

عزت وكالة البيئة الأوروبية (EEA) انخفاض مساحة المنطقة المحترقة في منطقة البحر المتوسط بشكل طفيف خلال الأربعين عاماً الماضية، إلى جهود مكافحة الحرائق التي كانت أكثر فعالية في إخماد حرائق الغابات. بيْد أنّ ارتفاع درجات الحرارة في العالم أدى إلى زيادة قوة وتكرار أحوال الطقس المسببة لحرائق الغابات حول العالم، كما حدث في حرائق الغابات غير المسبوقة في أستراليا وولاية كاليفورنيا الأمريكية في السنوات الأخيرة.

وقد أدت ظاهرة التغير المناخي بشكل حتمي إلى زيادة مخاطر اندلاع حرائق الغابات في كافة أنحاء القارة الأوروبية، حتى في المناطق غير المعرضة لحرائق الغابات عادة كمناطق شمال ووسط أوروبا.

إذا تسببت حرائق الغابات في تدمير مساحات كبيرة من غطاء الغابات خلال العام الجاري، فإن النتيجة الناجمة عن تراجع انخفاض انبعاث الكربون ستكون أكثر تدميراً على المناخ

وأضافت الوكالة أنّ اللافت في موجات الجفاف الحالية التي وصلت إلى معدلات قياسية وموجات الحر في منطقة البحر المتوسط، أنها تحمل في طياتها تشابها في الأحداث التي وقعت عام 2018 عندما "عانى عدد أكبر من البلدان من حرائق غابات شديدة أكثر من أي وقت مضى".

ففي عام 2018، قتل في اليونان أكثر من 100 شخص جراء ما عُرف بـ "حرائق أتيكا" في إشارة إلى منطقة أتيكا اليونانية، وكانت بمثابة ثاني أخطر حريق غابات في هذا القرن عقب حرائق "السبت الأسود" في أستراليا عام 2009 التي تسببت في مقتل 173 شخصاً وخسائر بلغت 4,4 مليار دولار في ولاية فكتوريا الأسترالية.

الحرائق تستعر الآن في 5 قارات هي آسيا وأوروبا وأفريقيا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية

وأضافت وكالة البيئة الأوروبية، بحسب تقرير لموقع (DWأنه كان من المتوقع اتساع رقعة المناطق المعرضة لخطر حرائق الغابات وأيضاً زيادة فترة موسم هذه الحرائق في معظم المناطق الأوروبية. كذلك فإنّ معدل انبعاثات الكربون لا يشهد انخفاضاً كافياً من أجل الحد من تسخين الهواء، وذلك رغم وجود اتفاقيات مناخية أبرزها "الاتفاقية الخضراء الأوروبية" و"اتفاقية باريس للمناخ".

وفي هذا السياق، يقول مجيب لطيف، الباحث المتخصص في المناخ بمركز هيلمهولتس الألماني لأبحاث المحيطات، "وضعنا الخطط وقمنا بتحديد الأهداف، لكنهم لا يتصرفون فعلياً". ويضيف بأنه "منذ عام 1990، ارتفع معدل انبعاثات الكربون على مستوى العالم بنسبة 60 بالمائة. وسترتفع الانبعاثات مرة أخرى خلال هذا العام عقب التباطؤ المرتبط بوباء كورونا خلال العام الماضي".

ما هي تداعيات ظاهرة التغير المناخي؟

الجدير بالذكر أنّ حرائق الغابات مسؤولة عن مقدار كبير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على مستوى العالم، فيما تقول منظمة (Carbon Brief) الخاصة بالمناخ إنّ حرائق الغابات تتسبب في ما بين 5 إلى 8 بالمائة من إجمالي حالات الوفيات المبكرة سنوياً الناجمة عن تلوث الهواء والبالغة 3,3 مليون حالة وفاة.

العقود الأخيرة شهدت انخفاضاً في انبعاثات الكربون الناجمة عن حرائق الغابات، ويرجع ذلك إلى التحسن في أساليب الوقاية من الحرائق. ورغم ذلك، تظل المشكلة في قوة وشدة حرائق الغابات التي تؤثر بشكل كبير على عزل الكربون، حيث إنّ الغابات المحترقة بشكل كبير لا تنمو مرة أخرى.

اقرأ أيضاً: الاحتباس الحراري يميز بين السلاحف ويختار الإناث

يشار إلى أنه في عام 2017 كانت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن حرائق الغابات الكبيرة في جنوب غرب أوروبا التي تشمل شبه جزيرة إيبيريا وجنوب فرنسا وإيطاليا هي الأعلى منذ عام 2003، إذ وصلت الانبعاثات إلى ما يقرب من 37 تيراغرام من ثاني أكسيد الكربون.

ولتقريب الأمر، فإنّ حرائق الغابات التي اندلعت على نطاق كبير وبشكل غير مسبوق في شبه جزيرة إيبيريا وساحل البحر المتوسط عام 2003 كانت تمثل نفس مستوى الانبعاثات الناجمة عن النشاط البشري في كل مناطق غرب أوروبا في ذلك العام.

وإذا تسببت حرائق الغابات في تدمير مساحات كبيرة من غطاء الغابات خلال العام الجاري، فإن النتيجة الناجمة عن تراجع انخفاض انبعاث الكربون ستكون أكثر تدميراً على المناخ، كما يتوقع تقرير (DW).


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية