ما حقيقة "مناورات" تركيا وقطر في منطقة القبائل الجزائرية؟

ما حقيقة "مناورات" تركيا وقطر في منطقة القبائل الجزائرية؟


18/07/2020

يشرح 4 محللين جزائريين حقيقة "مناورات" تركيا وقطر في منطقة القبائل الجزائرية، وفي تصريحات خاصة بـ "حفريات"، ينفي هؤلاء صدقية ما سعى سياسيون معارضون لتسويقه بشأن مآلات الوضع في المنطقة. 

بدايةً؛ يذهب الخبير السياسي الجزائري، هيثم رباني، إلى أنّ تصريحات سعيد سعدي، الرئيس السابق للحزب المعارض "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" (الأرسيدي) بشأن محاولات قطر وتركيا جرّ الجزائر إلى الفوضى، عبر بوابة منطقة القبائل المعروفة بنضالها من أجل هويتها الأمازيغية؛ هي "مزيدات لا محلّ لها من الإعراب".

الباحث عبد الله مجبري لـ"حفريات": قدماء سكان منطقة القبائل الجزائرية لم يكونوا يعترفون مطلقاً بسلطة الدولة العثمانية، ومن كانوا يمثلونها بالجزائر في زمن الإيالة

ويشير رباني إلى أنّ منطقة القبائل الجزائرية تشهد احتجاجات اقتصادية واجتماعية على منوال ما تعرفه كلّ من محافظتَي بجاية وتيزي وزو، مع بعض الجنوح إلى احتجاجات حول (الهوية) من طرف ما يُعرف بحركة (الماك) الانفصالية والمنبوذة محلياً.

 

وفي تصريح لـ "حفريات"، أبرز رباني أنّ "الحكومة الجزائرية تتعامل مع ذلك بحكمة وبراغماتية، تسييراً للوضع القائم، وتصريحات سعدي تنمّ عن فشل وتذرّع للتغطية على ما يرتكبه حزبه "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" من أخطاء، ومعاناته من فراغ واضح في قواعده، لدرجة استعانته بحركة "الماك" لملء فراغاته بالمناضلين".

ويتوقع رباني أن يتحوّل سعدي ومن معه إلى مرحلة أخرى، تشمل الاحتجاج العنيف، وبطبيعة الحال ستردّ السلطات وقوات الأمن بما يلزمهم قانونياً، وتابع: "هناك سنرى أنّ سعيد سعدي سيعود مجدداً لاتهام تركيا وقطر بجرّ الحكومة الجزائرية، وكأنّ الجهاز التنفيذي في الجزائر في حاجة إلى تركيا وقطر لفعل ما يفعل".

اقرأ أيضاً: ضربة لتركيا.. الجزائر تحدد موقفها من الصراع الليبي

ويخلص رباني: "من كان بيته من زجاج فلا يرمي الناس بالحجارة، فسعيد سعدي هو من يستعين بأوروبا على بلاده، وكأنّه ليس مواطناً جزائرياً مع أنّه كان له وزراء داخل الحكومة وتعاون، بشكل وثيق مع الرئيس المخلوع، عبد العزيز بوتفليقة، في فترته الرئاسية الأولى".

الأمازيغ لا يبالون بالأتـراك والقطريين

بدوره، يؤكّد البرلماني السابق عدة فلاحي: "طرح سعيد سعدي حول دور قطري تركي في منطقة القبائل غير منطقي وغير واقعي، فقطر والأتراك لهم حليف أيديولوجي واضح، هم الإخوان وطيف من أصحاب الإسلام السياسي، وأعتقد أنّ أبناء القبائل لا يرتاحون لا للقطريين ولا للأتراك، حتى يتحالفوا معهم، لذا يتوزعون إما مع فرنسا أو إيران، عبر التشيّع الذي وجد له تربة خصبة بمنطقة القبائل".

من جهته، يشير الباحث عبد الله مجبري إلى حقيقة تاريخية ثابتة، هي أنّ قدماء سكان منطقة القبائل الجزائرية لم يكونوا يعترفون مطلقاً بسلطة الدولة العثمانية، ومن كانوا يمثلونها بالجزائر في زمن الإيالة.

ويحيل مجبري إلى مذكرات وليام شالر، القنصل الأمريكي في الجزائر، بين عامَي 1816 و1824؛ حيث أفاد بأنّ زعماء قبائل الأمازيغ البربر لم يتعاملوا مع الدايات المتعاقبين، بل ورفضوا بشكل قاطع تنفيذ سياسات "الباب العالي"، وعليه يخلص مجبري إلى أنّه "أحفاد الأمازيغ ليسوا هم من يتعاطون بشكل مشبوه مع أيّ تحرّك تركي في منطقة يستمسك أبناؤها بالوطن الأمّ".

اقرأ أيضاً: الجزائر وتونس تضغطان لفرض أجندة دول الجوار في ليبيا

وفي طرح مغاير، قال الدكتور عبد الله طمين، الفاعل الحقوقي في الفضاءات الدولية: "لست مع الطرح أو الرؤية اللذين جاء بهما الدكتور سعيد سعدي، زعيم حزب الأرسيدي سابقاً، قد ألتقي معه في بعض الجزئيات، وقد أختلف معه في جزئيات أخرى، لكن لديّ رؤيتي وتصوري بخصوص الموضوع نفسه".

ويذهب طمين إلى أنّنا "نعيش اليوم في عالم متغير بعد نهاية الحرب الباردة، وتزايد الاتجاه نحو تدويل الحياة السياسية والاقتصادية بكاملها، وتسارع العلاقات فيما بين الدول في مجالات مختلفة، كلّ هذه التداعيات أفرزت دواعي توحيد التوجه الدولي وانصهاره في ثقافة كونية واحدة، أدّت إلى زيادة التكتلات الإقليمية التي استطاعت تغطية كافة أوجه الحياة المعاصرة".

ويتصوّر د. طمين؛ أنّ الطابع التنظيمي للعلاقات بين الدول من بين أهم الملامح الرئيسة، اليوم، خاصة بعد زيادة عدد الوحدات السياسية التي تبلورت فيها التكتلات الإقليمية كظاهرة؛ إذ إنّ هناك عدة تكتلات، كالاتحاد الأوروبي وغيره؛ حيث برزت ما تسمَّى "العالمية في مواجهة الإقليمية".

بين التوجّه العالمي والإقليمي

يضيف طمين: "هنا نجد أنّ أنصار "التوجه العالمي" يرون أنّ إقامة تنظيم عالمي يشمل جميع الدول، هي أحسن طريقة لتحقيق السلم والأمن الدوليَّين، في حين يرى أنصار "التوجه الإقليمي" أنّ تحقيق ذلك يتطلب إنشاء تنظيمات إقليمية، كما أشارت إلى ذلك المادة 21 من ميثاق الأمم المتحدة، رغم وجود صعوبة في تحديد تعريف عام للإقليمية، وهذا راجع لتعدّد جوانب ذلك نتيجة ارتباطه بمجموعة من المعايير والعلاقات الدولية التي تشير إلى معنى عام للهوية التي يقصد به توحيد وتجميع الأهداف، مع خلق مؤسسات تعبّر بشكل خاص وأدقّ عن الهوية والمشاركة الجماعية للفعل، ضمن الإقليم الجغرافي، ويمكن تصنيف الاتحاد الأوروبي مثلاً كنتيجة للإقليمية المبنية على العامل أو المعيار الجغرافي، العامل أو المعيار الثقافي الحضاري والعامل السياسي".

ويرى محدثنا أنّ مفهوم الإقليمية من المفاهيم الديناميكية المتفاعلة في بيئتها، التي برزت مع ظهور تكتلات إقليمية جديدة في مختلف مناطق العالم، التي يقصد بها تلك الموجة الحديثة من التفاعلات السياسية والاقتصادية والتجارية، المرتكزة على الأقالمية، والأقلمة، والتكامل الإقليمي، والتعاون الإقليمي، والجماعة الإقليمية، والمنظمة الإقليمية، والإقليم، أي تعدّدت تعاريف التكتلات الإقليمية، وأهم المفاهيم المرتبطة بها، وهو ما يدفع بنا إلى البحث عن عوامل نشأة التكتلات الإقليمية.

اقرأ أيضاً: هذا موقف الجزائر من مصر في الأزمة الليبية

ويرصّ طمين عدة أسباب ومبررات تدفع الدول لتفضيل مشروعات التكامل الإقليمي، نذكر منها: وجود روابط تاريخية قوية بين شعوب المجموعة، والقرب الجغرافي، والعامل السياسي، والعامل الاقتصادي، والدافع الأمني، والمتغيرات الدولية، وصعوبة إدراك واقع العلاقات الدولية، وحدوث تفاعلات إقليمية ذات تأثير عالمي.

وعلى صعيد الأهداف؛ يجد طمين أنّ التكتلات الإقليمية تمكّن المجموعة المتحدة، التي تشابه مصالحها من السعي معاً لتحقيق هذه المصالح، ومن ناحية أخرى تمثّل التكتلات الإقليمية ساحة مناسبة لتطوير أنماط جديدة للتعاون بين الدول حول القضايا الجديدة التي يطرحها النظام الدولي.

عاملان يؤججان محاصرة الجزائر

يلاحظ طمين أنّه يمكن اعتبار الاتحاد الأوروبي، كنظام إقليمي برز على الساحة الأوروبية والمتوسطية، ضمن ما تسمى "الإقليمية الجديدة"، المعبَّر عنها بظاهرة التكتلات، هذا على الصعيد المعلن، أكاديمياً ورسمياً وقانونياً، والمعروف لدى المهتمين بالموضوع، أما على الصعيد غير المعلن، فهناك تكتلات ثنائية وثلاثية ورباعية و ...إلخ، تستعمل أوراق الضعف للضغط على دول وكيانات أخرى قصد تحقيق مصالح خاصة، والجزائر اليوم محاصرة بسبب ثرواتها وانقساماتها السياسية من طرف هذه التكتلات، المختصة في الابتزاز بطريقة ذكية وغير مباشرة، تستغل أوراقاً مثل: التيار الجهوي القبائلي المتطرف، والتيار الديني الإسلاموي المتطرف، والتيار المتطرف المناهض لرموز الثورة التحريرية،... إلخ

البرلماني السابق عدة فلاحي لـ"حفريات": الحديث عن دور قطري تركي في منطقة القبائل غير واقعي، فقطر والأتراك لهم حليف أيديولوجي واضح، هم الإخوان وطيف من أصحاب الإسلام السياسي

فمثلاً؛ فرنسا عندما تريد الضغط على الجزائر في مسألة معينة، نجدها تستعمل "الماك" و"الحركي" (الجزائريون الذين خانوا وطنهم في حرب التحرير)، ودعاة الفرانكوفيلية، والإلحاد، والعلمانية، والماسونية، كأوراق للضغط على النظام السياسي القائم تحت غطاء الشرعية الدولية وحقوق الأقليات، وأشياء أخرى، قصد إلزامه بقبول الطلب، والشيء نفسه، يمكن قوله عن الدول والتكتلات الأخرى مع اختلاف في أوراق الضغط، بحسب الولاءات، كاستخدام ملف القبائل، وملف الإسلام السياسي، والمنظمات ووسائل الإعلام المقيمة في الخارج للمساومة، وهي أمور تستعملها أمريكا وبريطانيا وتركيا والاتحاد الأوروبي وغيرهم.

بيد أنّ الدكتور عبد الله طمين يركّز على أنّ "التيار الوحيد الذي ترفض كلّ التكتلات الإقليمية ومجموعات المصالح استغلاله في حالات من هذا القبيل بالجزائر، هو التيار الوطني، المكوَّن من العائلة الثورية، والمنتسبين لمختلف أسلاك الأمن، ماضياً وحاضراً.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية