ما العجب في أن تيمّم السلطة الفلسطينية شطرَ دمشق؟

ما العجب في أن تيمّم السلطة الفلسطينية شطرَ دمشق؟


11/01/2022

لم يكن "الغزل" الذي تدفق على لسان أمين اللجنة المركزية في حركة "فتح" جبريل الرجوب بخصوص النظام في سوريا، جديداً، ولم تكن التهاني الحارة بـ"انتصارات" الأسد منقطعة الصلة عن "تاريخ" من العلاقة الدافئة بين سلطة الرئيس الفلسطيني محمود عباس ونظيره السوري، رغم ما فعله الأخير بالفلسطينيين في سوريا، وبخاصة في مخيم اليرموك أيام الحرب الأخيرة.

لقد كانت حماسة الرجوب متوقعة، فقوله إنّ وجود سوريا خارج الجامعة العربية "عار على العرب"، وإنّ "سوريا دولة مؤسسة للجامعة العربية ويجب أن تستعيد عضويتها"، متسق مع السياق العام للسلطة الفلسطينية، فقد أيد محمود عباس في تصريحات سابقة عودة نظام الأسد إلى الجامعة العربية، وظلت خطوطه مفتوحة مع دمشق، وكان آخر تواصل علني بين السلطة الفلسطينية مع النظام السوري خلال تهنئة محمود عباس الأسد بمناسبة "فوزه" في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في سوريا في 2021 ورفضها المجتمع الدولي.

كانت حماسة جبريل الرجوب في دمشق متوقعة، فقوله إنّ وجود سوريا خارج الجامعة العربية "عار على العرب.. ويجب أن تستعيد عضويتها"، متسق مع السياق العام للسلطة الفلسطينية

إذاً، لا غرابة في كلام الرجوب، الذي كان يتحدث في مؤتمر صحفي عُقد في فندق الشام في العاصمة السورية دمشق أمس الإثنين، معرباً عن الأمل أنّ "زيارته إلى دمشق والوفد المرافق له ستشكل انطلاقة حقيقية لصياغة الوضع الفلسطيني في ظل تصعيد الاحتلال الإسرائيلي غير المسبوق لإنهاء القضية الفلسطينية"، معلناً عن "زيارة قريبة للرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى سوريا".

إقرأ أيضاً: مستقبل السوريين في تركيا.. من يُغذي مشاعر الكراهية والعنصرية؟

وكان وفد من حركة "فتح" قد وصل مساء الخميس إلى دمشق برئاسة الرجوب الذي سلّم وزير الخارجية السوري فيصل المقداد رسالة من الرئيس الفلسطيني إلى الرئيس  بشار الأسد، بحسب ما ذكرت وكالة أنباء "سانا".

الأسد أهدى محمود عباس مصحفاً مكتوباً بماء الذهب

وقالت "سانا" إنّ المقداد استقبل في دمشق الرجوب والوفد المرافق، وبحثا الأوضاع في سوريا وفلسطين والمنطقة، مضيفةً أنّ الرجوب هنأ الأسد على ما سمّاها بـ "الانتصارات التي حققها"، وطالب بـ"رفع العقوبات الغربية المفروضة على النظام".

وفيما لم تكشف "سانا" عن فحوى الرسالة التي حملها الوفد الفلسطيني إلى الأسد، قال عضو اللجنة المركزية في حركة "فتح" أحمد حلس في حديث مع صحيفة "الوطن" السورية الموالية للحكم، إنّ الرسالة تتضمن "التأكيد على رغبة القيادة الفلسطينية في تعزيز العلاقات بين السلطة الفلسطينية ونظام الأسد".

ما معاني زيارة الرجوب؟

وقال عضو اللجنة المركزية في حركة "فتح" وسفير فلسطين لدى النظام السوري سمير الرفاعي في حديثٍ إلى إذاعة "صوت فلسطين"، إنّ لهذه الزيارة "أكثر من محور، الأول حضور المهرجان المركزي لإحياء الذكرى ال57 لانطلاقة الحركة في مخيم اليرموك، حيث سيلقي الرجوب كلمة في هذا المهرجان".

الزيارة بمعانيها السياسية تعني تطبيعاً كاملاً مع النظام السوري، وهي ترجمة لمواقف سابقة توّجها عباس، الذي يعد الرئيس العربي الأول الذي يبدي رغبة بلاده علناً في إعادة سوريا إلى الجامعة العربية.

إقرأ أيضاً: ما الرسائل السياسية المضمَرة للاعتداءات الإسرائيلية على سوريا؟

وكانت السلطة الفلسطينية افتتحت في كانون الثاني (يناير) 2019 مكتب تلفزيون فلسطين في دمشق، في خطوة لمنح الشرعية للنظام. وتواصلت المواقف الداعمة للأسد حتى في اللحظات الحرجة التي كان أكثرها مدعاة لاستغراب المراقبين في نيسان (أبريل) الماضي، حين صوت مندوب السلطة الفلسطينية في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية ضد قرار لتعليق عضوية سوريا في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، وحرمانه من حق التصويت أو الترشح باسم سوريا لشغل أي منصب داخل المنظمة.

خنقاً بالغازات السامة

وعلق على ذلك موقع "أورينت نت" بأنّ هذا التصويت "يعني فعلياً محاولة لتبرئة بشار الأسد من جرائم قتل السوريين خنقاً بالغازات السامة والأسلحة الكيماوية، (خصوصاً) بعد انتشار سجلات ووثائق تثبت انتهاك نظام أسد لحقوق الإنسان في سوريا، وعلى رأسها استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين. إذ يبرّئ القرار بشار الأسد من كافة جرائمه التي توثق استخدامه للأسلحة الكيماوية والغازات السامة في قتله للمدنيين كوسيلة لتطويع المعارضة السورية المسلحة في عدد من المناطق المحررة في البلاد".

وأثار موقف السلطة الفلسطينية سخطاً لدى مغردين فلسطينيين وسوريين متهمين السلطة بـ"مناصرة نظام الأسد والتناقض الفج في موقفها المناهض لأي احتلال".

تتخذ غالبية القوى والتنظيمات والأحزاب اليسارية الفلسطينية موقفاً مؤيداً وداعماً للنظام السوري، وهي تشعر الآن أنّ موقف الرئيس عباس يتماهى مع مواقفها رغم التناقضات العميقة بين الطرفين

والذين عبروا عن سخطهم من موقف السلطة الفلسطينية، يتجاهلون أنّها لم تكن لتتخذ موقفاً آخر، فهي متسقة مع نفسها منذ فترة بعيدة. ويكفي التذكير بتصريحات أعلنها أواخر تموز (يوليو) 2019، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، عزام الأحمد الذي قال إنّ "الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، على تواصل دائم مع الرئيس السوري، بشار الأسد، ويرغب بزيارة سوريا قريباً".

ورغم أنّ الـ"قريباً" هذه طالت أكثر من سنتين، إلا أنّ الأحمد في تصريحاته السابقة عزا التأخير آنذاك إلى "زحمة الأحداث"، كما أبلغ صحيفة "الوطن".

وجاءت زيارة الأحمد لدمشق قبل أكثر من سنتين من زيارة الرجوب، والتقى على رأس وفد من حركة "فتح" بمسؤولين في السلطة السورية.

مصحف مكتوب بماء الذهب

ومن الجدير ذكره، وتحديداً لتنبيه أولئك المستغربين من التطبيع الفلسطيني السوري، أنّ الأسد أهدى عباس مصحفاً مكتوباً بماء الذهب، تسلمه أنور عبد الهادي، مدير عام الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

جاء ذلك خلال لقاء جمع عبد الهادي مع وزير الأوقاف السوري، محمد عبد الستار السيد، في 1 تموز (يوليو) 2019، في مكتب الأخير بالعاصمة دمشق. وذكرت منظمة التحرير الفلسطينية ذلك عبر موقعها الرسمي، آنذاك.

وعمد النظام السوري إلى تقوية علاقته مع حركة "فتح" في بداية الحرب في سوريا، بعد انقطاع العلاقة مع حركة "حماس" لرفضها اتخاذ موقف واضح إلى جانبه.

إقرأ أيضاً : أبو هواش ينتصر رغم تغيير قواعد التعامل مع إضرابات الأسرى الفلسطينيين

وتتخذ العديد من التنظيمات الفلسطينية مقرات في سوريا، في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، منها، كما ذكر موقع "الشبكة" لتحليل السياسات الفلسطينية، حركة "فتح" والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وحزب الشعب الفلسطيني، والاتحاد الوطني الفلسطيني "فدا" وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، وجبهة التحرير الفلسطينية "فصيل أبو عباس".

بالإضافة إلى ذلك، هناك تحالف قوى المقاومة و"الممانعة" الفلسطينية، التي تشكلت لمعارضة اتفاقات أوسلو في 1993. وتحظى هذه المجموعة بالدعم السوري، وقد أسستها حركة حماس والجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية، وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، والجبهة الشعبية- القيادة العامة، ومنظمة الصاعقة، وفتح الانتفاضة، وجبهة التحرير الفلسطينية "فصيل أبو نضال الأشقر" وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، والحزب الشيوعي الفلسطيني. وفي 1998، انشقت الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية عن التحالف.

وتتخذ غالبية، إن لم يكن كل القوى والتنظيمات والأحزاب اليسارية الفلسطينية، موقفاً مؤيداً وداعماً للنظام السوري، وهي تشعر الآن أنّ موقف الرئيس عباس يتماهى مع مواقفها رغم التناقضات العميقة بين الطرفين.

الحياد الأخلاقي والفلسفي

ولا ترضي هذه المواقف الفلسطينية، المؤيدة لنظام يصفه المجتمع الدولي بأنه متورط في أعمال إبادة ضد شعبه، النخب السياسة الفلسطينية التي تدعو، كما قالت الباحثة الفلسطينية سمر بطراوي في موقع "الشبكة"، إلى الحياد الأخلاقي والفلسفي تجاه ما يجري في سوريا.

وترى أنه "من أكثر الأفكار السائدة ضمن الحركة الفلسطينية هو أن يصدع الفلسطينيون بالحق، ويقفوا في وجه الظلم، ويدعوا إلى تقرير المصير في مواجهة القمع. وينبغي ألا تكون سوريا استثناءً ولا سيما بعد مأساة حلب، وبخاصة بينما تكافح روح الثورة المستنيرة من أجل النجاة من الاستبداد والتخريب".

إقرأ أيضاً: من يحمي نساء فلسطين من عنف العقلية الذكورية؟

وينبغي لمنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، بحسب البطراوي "إنْ أرادتا اتخاذَ موقف أكثر إنصافاً، أن تعيدا النظر في موقفهما المحايد إزاء الفظائع الجماعية التي يرتكبها النظام السوري بحق مواطنيه وبحق الفلسطينيين في سوريا. يمكن لحركات التضامن الفلسطينية أن ترفض استيلاء النظام السوري على القضية الفلسطينية، وأن تؤكد التزام شبكات التضامن بحقوق الإنسان والعدالة في كل مكان. وبإمكانها أيضاً أن تضخِّم أصوات الفلسطينيين السوريين، وأن تدافع عن حقهم في نيل العدالة، وجبر ما وقع عليهم من ضرر في سوريا، وحقهم غير القابل للتصرف في العودة إلى ديارهم في فلسطين (...) ولن نهتدي إلى تلك الوجهة إلا باتباع بوصلاتنا الأخلاقية.

الصفحة الرئيسية