ماذا يفعل رئيس وزراء إثيوبيا في إسرائيل؟

إثيوبيا

ماذا يفعل رئيس وزراء إثيوبيا في إسرائيل؟


04/09/2019

كانت روح "سولومون تاكا"، الشاب الإثيوبي الذي قُتل بطلق ناري في بلدة كريات حاييم، شمال حيفا، حاضرة بقوة في لقاء رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، ونظيرة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى جانب استدعائهما لأرواح الأسلاف من عهود سحيقة إلى منصة الخطابة؛ حيثُ أكّد كلّ منهما على تاريخية العلاقة بين بلديهما، التي تعود إلى (زمن) سبأ، ملكة إثيوبيا، والنبي سليمان، وهذا اعتقاد راسخ لدى الطرفين.

كانت روح تاكا الشاب الإثيوبي الذي قُتل على يد شرطي إسرائيلي حاضرة في لقاء آبي أحمد ونتنياهو

وكان تاكا قتل قبل نحو شهرين، على يد شرطي إسرائيلي، فقط لأنّ بشرته سوداء، ما دفع اليهود الإثيوبيين (الفلاشا) إلى تنظيم تظاهرات ضخمة وغير مسبوقة هزّت إسرائيل.
لم تكن زيارة آبي أحمد لتلّ أبيب هي الأولى من نوعها، فقد زارها سلفاه، الأسبق والسابق؛ ملس زيناوي، وهايلي مريام ديسالين، 2003 و 2017 على التوالي، إلّا أنّ زيارة آبي تكتسب زخماً مختلفاً، لجهة الشعبية الكبيرة التي يحظى بها في بلده، وفي عموم إفريقيا، وقدرته على التأثير في الأحداث  والسياسات في المنطقة، إلى جانب توقيت الزيارة؛ حيث تستعدّ الأحزاب الإسرائيلية لخوض انتخابات الكنيست خلال الشهر الجاري؛ فيما الكل ينظر إلى (الفلاشا) ليُرجِّح كفته، خاصّة بعد الأحداث العنيفة الأخيرة؛ إثر مقتل سلمون تاكا، علاوة على الأوضاع الإقليمية والدولية المتأزمة والسائلة؛ ما يعطي الزيارة أهمية مضاعفة. 
 لقاء رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، ونظيرة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو

رسمياً وشعبياً.. موقفان نقيضان
بالنسبة إلى شاكيرا آدم، المحللة السياسية الإثيوبية؛ فإنّ العلاقة الإثيوبية الإسرائيلية علاقة "تاريخية ودينية، تعود إلى ما قبل الميلاد، فضلاً عن أنّ الشراكة الإستراتيجية والتكامل الاقتصادي والمنافع المتبادلة، لم تنقطع منذ إعلان دولة إسرائيل 1948، لكنّها ظلت قائمة على أربعة محاور رئيسة؛ السياسي، والأمني العسكري، والتجاري الاقتصادي، والفنّي، وتبادل الخبرات، أما فيما يتعلق بالمحور الدبلوماسي، فقد بدأ  1955 بالعلاقات القنصلية، إلى أن افتتحت البلدان سفارات لهما في كلّ من أديس أبابا وتل أبيب، عام 1961، إلّا أنّ تلك العلاقة لم تخلُ من فتور ووهن في بعض مراحلها، وقد مرّت بمنعطفات كثيرة، ناتجة عن تعاقب وتوالي بعض الأحداث الإقليمية والدولية، إلى أن بدأت في التحسّن التدريجي مجدداً، منذ عام 1992".

اقرأ أيضاً: هل يكرّر يهود إثيوبيا في إسرائيل تجربة جنوب إفريقيا للتخلّص من العنصرية؟
تعتقد شاكيرا آدم؛ أنّ الحدث الأبرز في العلاقات الإثيوبية الإسرائيلية خلال الأعوام القليلة الماضية، هو زيارة وزير خارجية إسرائيل الأسبق، سيلفان شالوم، إلى أديس أبابا، عام 2004، وقد كانت الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات بين البلدين، وقد مهّدت لزيارة أخرى أكثر أهمية؛ حيثُ حلّ في العام نفسه، رئيس الوزراء الإثيوبي الأسبق، ملس زيناوي، ضيفاً على أرئيل شارون، بدعوة منه، وبحثا أوجه التعاون الاقتصادي بين البلدين.
جانب من الاحتجاجات التي عقبت مقتل الشاب الإثيوبي سولومون تاكا على يد جندي إسرائيلي

حضور السلاح الإسرائيلي
وأشارت آدم، في حديثها لـ "حفريات"، إلى أنّ إسرائيل تعدّ حالياً من أهم مورّدي السلاح إلى إثيوبيا، وقد بدأ السلاح الإسرائيلي يتدفق على إثيوبيا، بحسب شاكيرا، منذ وصول الجنرال منغستو هايلي ماريام، إلى الحكم، عام 1977، ثم عاد السلاح الإسرائيلي مرة أخرى بعد وصول الجبهة الثورية، بقيادة ملس زيناوي، إلى الحكم، مطلع التسعينيات، بعد أن تمّ إسناد مهمة تطوير القوات المسلحة الإثيوبية إلى إسرائيل. 
من الناحية الاقتصادية؛ كشفت آدم، أنّ إجمالي رأس المال الإسرائيلي المُستثمر في إثيوبيا بلغ نحو 100 مليون دولار، موزَّعة على 100 مشروع اقتصادي في مختلف المجالات، بما في ذلك: السلم، والأمن ومكافحة الإرهاب، والتكنولوجيا، والتعليم، والصحة، وتحديث الزراعة، والثروة الحيوانية، ومشاريع التنمية، وبحوث علوم الفضاء.

اقرأ أيضاً: بعد مرور عام على اتفاقية السلام التاريخية.. كيف تبدو الأوضاع بين إريتريا وإثيوبيا؟
لكنّ شاكيرا تعود لتؤكّد أنّ موقف عموم الشعب الإثيوبي "ثابت تجاه القضية الفلسطينية، ولن يتغير، فيما العلاقات الرسمية تنشأ دوماً وفق تقديرات الدولة (الحكومة) وسياساتها؛ طالما أنّ الطرف الآخر لا يتدخل في شأنها الداخلي، ولا يضرّ بمصالحها، ولا يستهدف أمنها واستقرارها، فالسياسية الخارجية لإثيوبيا تقوم على مبدأ المعاملة بالمثل، والاحترام المتبادل، ومراعاة المصالح المشتركة، ولا أعتقد أنّ ذلك سيؤثّر في العلاقة الأزلية مع جيراننا العرب، ولا على أمنهم القومي، ولا على موقف الإثيوبيين الداعم لعدالة القضية الفلسطينية؛ حيث تدعم إثيوبيا الرسمية والشعبية حلّ الدولتين، وفق الاتفاقات المبرمة بين الطرفين؛ الإسرائيلي والفلسطيني، وقرارات الأمم المتحدة، والقوانين الدولية".
تأتي الزيارة في سياق إقليمي ودولي شديد التشابك والتعقيد

في سياق معقَّد ومتشابك
من جهته، رأى الباحث السياسي السوداني، المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، عثمان ضو البيت؛ أنّ زيارة آبي أحمد علي لإسرائيل يُمكن تفسيرها وتحليلها وفق عدة معطيات وحيثيات، خاصة أنّها تأتي في سياق إقليمي ودولي شديد التشابك والتعقيد، وواقع إسرائيلي داخلي يتأهب لانتخابات الكنيست، المقرَّرة في 17 أيلول (سبتمبر) الجاري.

إجمالي رأس المال الإسرائيلي المُستثمر في إثيوبيا 100 مليون دولار، وتعدُّ إسرائيل من أهمّ موردي السلاح إلى أديس أبابا

ويسعى نتنياهو وحزب الليكود، وعموم اليمين الإسرائيلي، إلى كسب أصوات الناخبين، بمن فيهم كتلة اليهود الإثيوبيين "الفلاشا"، الذين تعرضوا إلى أنواع من العنصرية، ما أدّى إلى أحداث عنف، قبل نحو شهرين، لم تشهدها إسرائيل في تاريخها؛ حيث هزّت مظاهرات الفلاشا صورة إسرائيل وخلخلت اليمين الإسرائيلي، ووضعت نتنياهو، في موقف لا يحسَد عليه، لذلك ربما يعوّل نتنياهو واليمين على زيارة آبي أحمد لاستمالة الفلاشا، الذين يمثلون 2% من سكان إسرائيل.
في المقابل، يسعى رئيس الوزراء الإثيوبي لتحقيق أكبر قدر من المكاسب الداخلية في ظلّ الأوضاع الهشّة في بلاده، ودول القرن الإفريقي المجاورة لها، خاصّة أنّ بلاده، وهو شخصياً، يلعبان دوراً كبيراً في التحولات الجارية في المنطقة، ولإثيوبيا دور مهمّ في مكافحة الإرهاب في الصومال (حركة الشباب المجاهدين)، كما لعبت دوراً محورياً في التوفيق بين الفرقاء السودانيين، ومكّنتهم من التوصل للاتفاق السياسي الأخير.
من المحاور المهمة لهذه الزيارة المحور الاقتصادي

لن تؤثر على العلاقات العربية
يضيف ضو البيت، من المحاور المهمة لهذه الزيارة، المحور الاقتصادي؛ حيثُ ترى إثيوبيا في إسرائيل شريكاً في النهضة الاقتصادية التي تشهدها؛ إذ استفادت من الدعم الإسرائيلي التقني في الري والزراعة والأمن والاستخبارات والتدريب، وخلافها من أوجه التعاون الاقتصادي والعسكري المشترك.
ويرى ضو البيت، أنّ العلاقات الإسرائيلية الإثيوبية لن تؤثر سلباً في علاقتها بجوارها العربي؛ "حيث إنّ كثيراً من الدول العربية تنحو نحو التطبيع سراً أو جهراً، علاوة على أنّ العلاقات بين البلدين ليست وليدة زيارة آبي أحمد، وإنما هي علاقة ضاربة بجذورها في عمق التاريخ، تزدهر أحياناً وتضمحل أحايين".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية