لماذا يخشى الغرب التقارب الروسي - الصيني؟

لماذا يخشى الغرب التقارب الروسي - الصيني؟


23/02/2022

أسعد عبود

هيمنت الأزمة الأوكرانية على خطب المتحدثين في مؤتمر ميونيخ للأمن، من دون إغفال مسألة أخرى تشكل قلقاً جدياً لدى الغرب، ألا وهي قيام تحالف روسي - صيني يمكن أن يغيّر من قواعد النظام الدولي السائد منذ انتهاء الحرب الباردة قبل 30 عاماً. 

وزادت شكوك الغرب بنيات موسكو وبكين، عقب إعلان الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جينبينغ بعد لقائهما مطلع شباط (فبراير) الجاري على هامش افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في العاصمة الصينية، إطلاق ما سمياه بـ"الحقبة الجديدة" في العلاقات الدولية.   

ويرصد الغرب بكل عناية وحذر شديدين، كل ما يصدر عن بكين حول الأزمة الأوكرانية. وكان لكلام الرئيس الصيني شي جينبينغ قبل أيام عن معارضته توسيع حلف شمال الأطلسي، وقع سيئ لدى الحلف. ورد أمينه العام ينس ستولتنبرغ معتبراً أن هذا الموقف هو بمثابة "محاولة للتحكم بمصير أمم حرة ولإعادة كتابة الأنظمة الدولية". 

وزاد كلام زير الخارجية الصيني وانغ يي أمام مؤتمر ميونيخ للأمن من توتر الغرب، عندما اعتبر أن "أمن منطقة ما لا يمكن تحقيقه بتعزيز التكتلات العسكرية".    

ووزير الخارجية الصيني لا يلمح بذلك فقط إلى الأزمة الأوكرانية ومطالب روسيا الأمنية بوقف زحف حلف الأطلسي شرقاً، بل إنه يقصد أيضاً التكتلات العسكرية والاقتصادية التي تقيمها واشنطن في منطقة المحيطين الهادئ والهندي لاحتواء الصين، التي تعتبرها واشنطن خطراً استراتيجياً يهدد المصالح الحيوية للولايات المتحدة، بما لا يقل عن التهديد الذي تشكله روسيا. 

وجدير بالذكر أن الرئيس الأميركي جو بايدن أعلن في أيلول (سبتمبر) الماضي اتفاق شراكة أمنية مع أستراليا وبريطانيا (أوكوس) لتعزيز التعاون العسكري بين الدول الثلاث في المحيطين الهادئ والهندي. وعمدت واشنطن إلى تزويد أستراليا بغواصات تعمل بالطاقة النووية بدلاً من الغواصات الفرنسية التي تعمل بالديزل والتي تسبب إلغاء عقدها بأزمة بين الولايات المتحدة وفرنسا. 

كما أن بايدن يعمل على تفعيل حلف "كواد" الأمني - الاقتصادي الذي يضم إلى الولايات المتحدة، كلاً من اليابان والهند وأستراليا. وتنشر الولايات المتحدة أكثر من خمس حاملات للطائرات في المحيطين الهادئ والهندي، وزادت من مساعداتها العسكرية لجزيرة تايوان، بما يشكل استفزازاً للصين، التي تعتبر الجزيرة جزءاً لا يتجزأ من أراضيها. لكنّ المسؤولين الأميركيين لطالما حذروا بكين من الإقدام على ضم الجزيرة، وتعهدوا الدفاع عنها.

وإذا كانت الولايات المتحدة والغرب عموماً يشعران بالقلق من التقارب الروسي - الصيني، فإن السياسة الأميركية نفسها كانت من العوامل التي شجعت موسكو وبكين على التقارب، بهدف التصدي للولايات المتحدة التي تجاهر بأنها تعمل على احتواء المحاولات الروسية والصينية لخلق توازن دولي جديد يلغي الآحادية التي تتمتع بها أميركا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.  

ومن أوكرانيا إلى تايوان، تجد موسكو وبكين أن الولايات المتحدة تقترب من حدودهما أكثر وتحاول تطويقهما استراتيجياً، أملاً في أن تبقى هي القوة العظمى الوحيدة في العالم. 

وتخشى الولايات المتحدة أن يؤدي التقارب الروسي - الصيني إلى تحالف يجمع بين ثاني اقتصاد وثاني جيش في العالم، فضلاً عن أن التكامل الاقتصادي والعسكري بين الصين وروسيا من شأنه تقويض أي عقوبات تفرضها واشنطن على موسكو وبكين. 

وتبرز التطورات العالمية الجارية الآن من أوكرانيا إلى تايوان، أن ثمة توازناً عالمياً آخذاً في التبلور، وأن الأحادية الأميركية واستطراداً الغربية هي على المحك.    

وهذا سر القلق الذي عبّر عنه المتحدثون في مؤتمر ميونيخ للأمن. وهؤلاء كانوا يرون أن المستقبل يوشك أن يتكشف عن معادلات دولية جديدة غير تلك التي كان معمولاً بها في أوروبا وفي منطقة المحيط الهادئ. 

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية