ما هي تداعيات الأزمة الأوكرانية على العلاقات الأمريكية مع الفاعلين في الشرق الأوسط؟

ما هي تداعيات الأزمة الأوكرانية على العلاقات الأمريكية مع الفاعلين في الشرق الأوسط؟


14/02/2022

بمعزل عن احتمالات وقوع الحرب بين روسيا وأوكرانيا أو عدم وقوعها، فإنّ الأطراف الفاعلة في الأزمة الأوكرانية تتعامل مع تداعيات التصعيد المتزايد عبر سلسلة تصريحات أصبح حضور العسكر فيها أكثر وضوحاً، تحذر من مغبة وقوع كارثة الغزو الروسي، والتعاطي مع الأزمة وكأنّ الحرب قد وقعت فعلاً، بدلالة هذا الحشد غير المسبوق من قبل الجيش الروسي عبر جحافل وفيالق عسكرية على حدود أوكرانيا بالتزامن مع مناورات عسكرية واسعة، يقابلها دعم عسكري أمريكي- بريطاني لأوكرانيا وجوارها، فيما كان المتغير الجديد تزايد دعوات العديد من الدول لرعاياها ودبلوماسييها بمغادرة أوكرانيا، في إشارة إلى قرب انطلاق الغزو الروسي، رغم نفي موسكو لذلك، وهو ما يجعل احتمالات أن تكون هناك خطة غربية لقيام أوكرانيا بالبدء بإطلاق شرارة الحرب احتمالاً وارداً.

حشدت روسيا ما يزيد عن 100 ألف جندي بالقرب من الحدود الأوكرانية في الأسابيع الأخيرة

المواقف الدولية تجاه الأزمة ومواقف موسكو وواشنطن منها، تتراوح بين غالبية تؤيد الولايات المتحدة بالسر أو العلن، وعلى رأسها بريطانيا، كندا وأستراليا، وبعض دول أوروبا الشرقية التي تتطلع لعضوية كاملة في حلف الناتو تخشى عودة موسكو لاحتلالها، والدخول في منطقة اليورو اقتصادياً، وأخرى لديها مواقف من موسكو وسياساتها وأطماعها، تمثلها بعض دول أوروبا "ألمانيا وفرنسا" التي تحاول الحفاظ على مسافة بين مواقفها ومواقف واشنطن، ضمن حسابات مرجعياتها الاقتصادية والعسكرية، لا سيما مع علاقات وثيقة بين موسكو وبرلين وباريس تتجاوز قضية إمدادات الغاز من موسكو، وتصل الى شكوك وتقديرات بالأهداف الحقيقية لأمريكا من هذا التصعيد وأنه يستهدف أوروبا مع روسيا.

مواقف شرق أوسطية حذرة

ومن الواضح أنّ القوى الفاعلة في الشرق الأوسط غير بعيدة عن هذا التصعيد، وتتعامل غالبيتها بحذر مع هذه الأزمة، رغم توجيه كثير منها دعوات لرعاياها بمغادرة أوكرانيا، والتحذير من السفر إليها، إلا أنّ مواقفها السياسية بقيت محكومة لانحيازاتها السابقة "ما قبل الأزمة الأوكرانية" تجاه التنافس الروسي – الأمريكي في المنطقة، وفي ظل تقديرات متباينة حول إمكانية وقوع الحرب من عدمها، بالإضافة لصياغة مواقفها بمرجعيات "براغماتية" لكن القاسم المشترك فيما بينها قناعات بأنّ أمريكا تغادر الشرق الأوسط ولم تعد تقدم دعماً حقيقياً لحلفائها التاريخيين، وأنّ سيناريو الانسحاب الأمريكي قابل للتكرار في أية منطقة.

تناقض تركي واستثمار إيراني

وعند الحديث عن الشرق الأوسط تبرز مواقف أنقرة وطهران، ويبدو أنّ أنقرة تعيش أزمة تناقض جديدة في علاقاتها مع واشنطن والغرب من جهة وموسكو من جهة أخرى، فأنقرة الساعية لإعادة العلاقات مع واشنطن عبر بوابة الناتو، بما يرتب عليها التزامات تجعلها بالصف المقابل الى جانب أوكرانيا، وهو ما عبرت عنه برفض الغزو الروسي لأوكرانيا وتوقيع اتفاقيات دفاعية مع كييف ودعمها بالأسلحة بما فيها الطائرات التركية المسيرة، تتطلع للاحتفاظ بعلاقات مميزة مع موسكو، وهو ما عبرت عنه بانتقادات للغرب، عبر عنها الرئيس أردوغان خلال زيارته الى كييف ودعوته الرئيسين الروسي والأوكراني لعقد لقاء مصالحة في كييف، ومن الواضح أنّ لدى موسكو الكثير من التحفظات والشكوك حول دور تركيا في الأزمة الأوكرانية، مما يفقد وساطة أنقرة التأثير الذي تتطلع له، وربما يعمق فجوة قادمة بين موسكو وأنقرة، ستكون ترجماتها في سوريا ومناطق صراع لموسكو وأنقرة حضور فيهما، بما في ذلك البحر الأسود الذي سيزداد تعامل روسيا معه بوصفه بحيرة تابعة لها.

أما إيران التي تفاوض أمريكا على اتفاق نووي جديد، تدل الكثير من التسريبات من واشنطن وطهران على أنه أصبح قريباً، فهي ترى في الموقف الأمريكي في أوكرانيا دليلاً جديداً على ضعفها، بعد انسحابها من أفغانستان، وتستعيد مقولات إيرانية تصف أمريكا بـ "النمر الجريح"، وهو ما استثمرته بمزيد من التشدد في مفاوضات الصفقة الجديدة، بحصرها بالملف النووي، دون بحث ملفات البرنامج الصاروخي لطهران، وتدخلات الحرس الثوري الإيراني في الإقليم.

من الواضح أنّ القوى الفاعلة في الشرق الأوسط غير بعيدة عن هذا التصعيد، وتتعامل غالبيتها بحذر مع هذه الأزمة، رغم توجيه كثير منها دعوات لرعاياها بمغادرة أوكرانيا

لكن طهران بالتزامن مع تلك القناعات والمواقف، قدمت موقفاً عبر رسالة مشفرة لواشنطن باستعدادها لسد العجز في إمدادات الغاز الروسي لأوروبا في حال وقفها من قبل الجانب الروسي، وأنها تستطيع تغطية (20) بالمائة من حاجة السوق الأوروبي للغاز وذلك بعد رفع العقوبات الامريكية عنها، وهو موقف مؤكد أنّ موسكو ستتعامل معه بجدية في علاقاتها المقبلة مع طهران، وخاصة تجاه مستقبل الوجود الإيراني في سوريا، ويبرز هنا موقف إسرائيل أيضاً التي تحاول الحفاظ على علاقات وثيقة مع موسكو في ظل شكوك لدى تل أبيب بالموقف الأمريكي تجاه إيران واتجاهات الصفقة مع طهران، التي لا تلبي متطلبات الأمن القومي لإسرائيل، ولضمان استمرار التنسيق مع موسكو التي وفرت مظلة لتل أبيب لضرب أهداف إيرانية في سوريا.

ازدياد الشكوك العربية بواشنطن

العواصم العربية الفاعلة في الملفات الإقليمية "الرياض، القاهرة وأبوظبي" لم تبد مواقف مؤيدة لواشنطن أو لموسكو، في سياق علاقات عناوينها شكوك بتوجهات الإدارة الأمريكية لإبرام صفقة مع إيران ستكون على حسابها، وهو ما شكّل نقطة تقارب تستثمرها إسرائيل وتبني عليها، دفعت الإدارة الأمريكية لإعادة إثبات حسن نواياها تجاه حلفائها العرب عبر الإفراج عن صفقات أسلحة كانت موقوفة، وتأكيدات جديدة بالتزامها بالدفاع عن حلفائها في المنطقة، وهو ما لا تأخذه حكومات كثيرة في المنطقة على محمل الجد.

بايدن بحث مع بوتين خلال اتصال استمر ساعة، مستجدات الوضع في أوكرانيا

وفي الخلاصة وقعت الحرب وتم الاجتياح الروسي لأوكرانيا أم لم يقع، ففي كلا السيناريوهين فإنّ الشكوك بمواقف أمريكا لدى حلفائها في الشرق الأوسط ستزداد، وستقدم دليلاً جديداً على التزام الإدارة الأمريكية بمواصلة الدفاع عن حلفائها، لا سيما بعد الطريقة التي انسحبت فيها أمريكا من أفغانستان، وربما تدفع المنطقة لمزيد من التوتر وسباق التسلح، خاصة في حال التوصل لاتفاق نووي مع إيران لا يجيب على أسئلة وشكوك حلفاء أمريكا، وهو ما يعني فتح آفاق جديدة لعلاقات المنطقة مع موسكو وبكين وفي مجالات تتجاوز العلاقات الاقتصادية والتسليحية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية