لماذا يختبئ الإسلاميون خلف الألقاب والكنى؟

لماذا يختبئ الإسلاميون خلف الألقاب والكنى؟

لماذا يختبئ الإسلاميون خلف الألقاب والكنى؟


10/05/2020

 

إنّ ظهور الحالة الإسلاموية في المجتمعات العربية والمسلمة، يحتاج إلى فهم المكون الإسلامي، وتحديد الأنماط الإنسانية التي تميل للانضمام إليه، أو الأفكار الحاكمة التي تحدّد سلوكيات المنتمين لهذا المكون، كما يجب فهم سلوكياتهم الشخصية، والسلوك الجماعي، ومدى تطابق الفردي مع المجموع، ونحاول تفسير سلوكياتهم من خلال منظور ثلاثي (اجتماعي- سياسي- ديني)، وإذا استكشفنا العوامل التي تساهم في صناعة الحالة الإسلاموية، يجب علينا وضع برنامج لوقف الآثار السلبية لنشوء هذه الظاهرة، وفي طريقنا لتتبع الحالة الإسلاموية، علينا ألّا نغفل التفاصيل الصغيرة؛ فهي دليل نتبعه يوصلنا للحقيقة، وأول ما نلاحظه في قيادات التنظيمات الإسلامية، المنبثقة من القاعدة، حرصهم على اتخاذ ألقاب وكنى مثل: (أبو بكر البغدادي، أبو عمر البغدادي، أبو حمزة المهاجر، ...إلخ)، فما دلالة هذه الألقاب؟ وما الدوافع لاستخدامها؟ وهل يمكن أن تكون تعبيراً عن رؤيتهم لأنفسهم؟

 

أصبح للألقاب وظيفة اجتماعية سياسية تستهدف تمكين حاملها من تعزيز نفوذه وإضفاء الشرعية على طموحه وانتصاره

أولاً: الألقاب ظاهرة اجتماعية سياسية، ظهرت مع الخلفاء العباسيين؛ فالملاحظ أنّ الحكام في العصر الأموي لم يكونوا في حاجه إليها، وعندما تبرّم العوام من الحكام أطلقوا لقب مروان الحمار، على آخر الخلفاء الأمويين، لهذا عندما استولى العباسيون على الحكم، فاتخذوا ألقاباً ذات هيبة مثل: لقب السفاح، الذي لقب به عبد الله بن محمد، أول الحكام العباسيين، تخوفوا من نقمة العوام عليهم، واستهزائهم بهم، كما فعلوا مع سابقيهم، ثمّ توالت الألقاب التي دلّت على رؤية الحاكم لنفسه ولعصره، مثل: المنصور، والمهدي، والهادي، والرشيد، والأمين، والمأمون، ..إلخ، ومرّت الدولة العباسية بمراحل متعددة، فبعد مرحلة التأسيس للدولة واستقرارها، بدأ الضعف يدبّ في الدولة، وكثر الخارجون عليها، فلجأ الحكام العباسيون إلى الألقاب، لتضفي عليهم قدسية، فتلقبوا بألقاب تنتهي بلفظ الجلالة (الله) مثل: المتوكل على الله، والمنتصر بالله، المستعين بالله، والمعتز بالله، ...إلخ، ومنهم انتقلت إلى سلاطين الإمارات الواقعة تحت سلطة الخليفة العباسي، وقادة الجيوش والمتنفذين في الدولة، فحملوا ألقاباً مثل: معز الدولة، ناصر الدولة، عضد الدولة، ركن الدولة، سيف الدولة، جلال الدولة، ...إلخ، حتى العلماء تلقبوا بألقاب مختلفة مثل: الإمام، المتمكن، الثقة، الحافظ، المتين، الجهبذ، سلطان العلماء، ...إلخ، أصبح للألقاب وظيفة اجتماعية سياسية تستهدف تمكين حاملها من تعزيز نفوذه، وإضفاء الشرعية على طموحه، وانتصاراً على المخالفين، وتوثيقاً للعلم الذي حصل عليه، والحصول على حقّ الفتوى، أو حقّ التحدث إلى الناس، وصلت درجة التنافس على حمل اللقب، يستدعي أحياناً دفع أموال طائلة، وأصبح الحكام يتلقبون بمثل هذه الألقاب من غير الدولة العباسية؛ فالدولة الفاطمية نحت نحو ذلك أيضاً؛ لذا يمكننا القول إنّ الألقاب في تاريخ المسلمين كانت ذات دلالة مهمّة، وعندما ورث أبناء الحركة الإسلامية فكرة استعادة الخلافة الإسلامية، قرروا أن يستلهموا الألقاب أيضاً، كنوع من إظهار التميز الإسلامي.

الألقاب في تاريخ المسلمين كانت ذات دلالة مهمّة وعندما ورث أبناء الحركة الإسلامية فكرة استعادة الخلافة قرروا استلهام الألقاب

بدأ أول الأمر مع الإخوان المسلمين؛ حيث حرص المؤسس حسن البنا على تسمية مشروعاته بأسماء إسلامية، مثل؛ مدرسة حراء، والمؤسسة الإسلامية للطباعة والنشر، ...إلخ، ثمّ استخدم الإخوان الأسماء الحركية، مع ظهور التنظيم السري، وقيامه بأعمال عنف احتاج أعضاء التنظيم إلى أسماء وهمية للتخفي فقط، وفي ظروف استثنائية، لكنّ هذه الأسماء لم تكن تحمل هوية بعينها، ولا دلالة خاصة، وإن كانت هناك حالات حملت أسماء بديلة، إلّا أنّها كانت في نطاق ضيق مثل: مؤلف كتاب "الدعوة إلى الله ضرورة بشرية وفريضة شرعية"، الذي تسمى باسم صادق أمين، وكذا أهم منظري الإخوان الحاليين؛ الأستاذ محمد أحمد الراشد، له اسم حقيقي هو عبد المنعم صالح العلي العزي، وفي فترة السبعينيات والثمانينيات، لم تشهد الحالة الإسلاموية بحثاً عن هوية في الألقاب، إلّا ما كان كنية؛ مثل أن يتكنّى العضو بأحد أبنائه، مثل: أبو عبد الرحمن أبو عبد الله، وكانت في نطاق التأسّي بالرسول، لم تكن لها دلالة أبعد من ذلك، ولم  تمثل ظاهرة، لكن مع بداية انتقال العمليات المسلحة في أفغانستان، بدت الحاجة إلى التمايز؛ ففي عام 1984، ظهر بيت الأنصار في بيشاور، وكانت عبارة عن فيلا ضخمة تقع بالقرب من حيّ "حياة أباد"؛ الذي تكثر فيه الفيلات الفخمة، وكانت معدّة لاستقبال المقاتلين العرب، كمحطة نزول أولي لاستقبال مؤقّت للقادمين للجهاد، قبل توجههم للتدريب، ومن ثم للمساهمة في الجهاد، ولأنّهم كانوا من دول مختلفة، وتنظيمات متعددة. الإسلاميون لم يكن أحد منهم يستخدم اسمه الحقيقي، وكان الجميع يتعامل بالكنى، خوفاً من أن يكون من بينهم مندسون يشوا بأسمائهم الحقيقية للأجهزة الأمنية، ثم تطور، وأصبح أمراً ملازماً لكثير من أعضاء الحركات الإسلامية؛ فمشاهير القادة الإسلاميين كانوا يحرصون على الكنية إلى جوار الاسم، وليس بديلاً عنه، ولا طمساً له، أسامة بن لادن، كانت كنيته أبو عبد الله، وأيمن الظواهري، كان يكنَّى بأبي محمد، ويلقَّب بعبد المعز، وأحياناً بنور الدين، تيمناً بنور الدين زنكي، لكن بقي اسمه معروفاً، ولم تطغَ الكنية، أو اللقب على الشخص، ثمّ تطور استخدام الألقاب والكنى لإضفاء الشرعية الدينية لأمراء الجماعات الإسلامية، حماية شرعية لأفعالهم المخالفة للإسلام، ولم تكن استجابة لأسلمة مزعومة، ولا إفرازاً لقيمة إسلامية مطلوبة، ثم تطور دور الألقاب، فمع أزمة الهوية عند الجماعات المسلحة، أصبح البحث عن ذات واضحة، بدلاً من الذات الباهتة، ضرورة كبرى، فمثلت الألقاب، مثل؛ المهاجرين والأنصار، ذاتاً جديدة وانتماءً وعنواناً، وهوية مغايرة ذات دلالة فارقة، وأحياناً يُستخدَم لقب مكاني، بحسب ورود العضو من مكانه، مثل: الكابلي، البغدادي، الحلبي، المقدسي.

تطور استخدام الألقاب والكنى لإضفاء الشرعية الدينية لأمراء الجماعات الإسلامية كحماية شرعية لأفعالهم المخالفة للإسلام

في هذه المرحلة، وبعد دخول السلفية الجهادية للمكون الإسلامي، أصبحنا أمام ألقاب وكنى أقوى من اسم صاحبها؛ فالحركة الإسلامية كلّها لا تعرف من هو (أحمد فاضل نزال الخلايلة)، لكن لو قلت لقبه وكنيته، فالكلّ يعرفه (أبو مصعب الزرقاوي)، مؤسس قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين، مثل: أبو عبيدة البنشيري، واسمه الحقيقي علي أمين الرشيدي، وهو قيادي كبير من قادة القاعدة قتل في بحيرة فكتوريا، وأبو مصعب السوري، هو (مصطفى عبد القادر ست مريم)، وأبو حفص المصري (محمد عاطف أبو ستة)، الذي قتل في قندهار عام 2001.

واستمرّ استخدام الألقاب والكنى لقادة الحركة الإسلامية، حتى بعد قيام الدولة الإسلامية في العراق وسوريا؛ فلم يكن بهدف التخفّي، لكنّه احتماء بهوية وإعلان لها، والهوية التي تستمَدّ من لقب، هي في الحقيقة هوية ضعيفة وزائفة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية