لماذا يحرص إخوان باكستان على أسلمة المعركة مع الهند؟

لماذا يحرص إخوان باكستان على أسلمة المعركة مع الهند؟

لماذا يحرص إخوان باكستان على أسلمة المعركة مع الهند؟


14/05/2025

أظهرت الجماعة الإسلامية في باكستان استراتيجية الإخوان التي تتغذى على الصراعات العسكرية، دون أن تكترث لإراقة الدماء أو سقوط الأبرياء، فبعد إطلاق الهند عملية سندور، والردّ الباكستاني بعملية البنيان المرصوص، عملت الذراع الإخوانيّة على تأطير النزاع باعتباره حربًا بين الإسلام والهندوسية. ووصف أمينها العام حافظ نعيم الرحمن الهجوم الهندي بأنّه استهداف جبان للمساجد والأطفال، ووجّه نعيم الرحمن بـ "إيقاظ روح الجهاد" في الشارع الباكستاني. 

منهجية الجماعة الإسلاميّة ارتكزت على استغلال الرموز والشعارات الدينية، وأشار مسؤولوها إلى أنّ المواجهة ليست عسكرية وحسب بل أيضًا دينية، إذ دعا الإخوان إلى إيقاظ روح الجهاد، والقصاص من الهند.

بدوره، كلّف حافظ نعيم الرحمن شباب الجماعة الإسلامية بالانخراط كـ "مجاهدين متطوعين" لدعم الجيش، وحضّ الحكومة على الردّ بحسم عبر حرب مفتوحة، مع انتشار دعوات جهادية تحت شعار: "روح الجهاد وحبّ الشهادة"، للدعوة إلى "معركة وجود" بين الإسلام والهندوسية.

أسلمة المعركة

صدرت عن قيادات الجماعة تصريحات صريحة حول الصراع، وقد ركّزوا على تصويره كمعركة إسلامية. وعلّق حافظ نعيم على الغارات الهندية بقوله: إنّ "الأمّة الباكستانية تنتظر فقط الثأر لشهدائها، ولا تطلب سوى الانتقام". مضيفاً: "الشهادة هي غايتنا". واتهم الهند باستخدام حادثة الهجوم المسلح الذي استهدف سُيّاحًا قرب بلدة باهالغام السياحية في كشمير ذريعة لمهاجمة باكستان، مبيّنًا أنّ الحكومة الهندية الحالية هي من يرفع شعارات الكراهية.

 من جهتها، أعلنت الجماعة في كراتشي نفير الوحدة والشهادة، وسيّرت الجماعة مسيرات حاشدة في كراتشي، في 9 أيّار (مايو) الجاري، وأعلن منعم ظفر خان، أمير الجماعة في كراتشي، أنّ "الشعب مفعم بروح الجهاد والرغبة في الشهادة". 

أمير الجماعة الإسلامية: حافظ نعيم الرحمن

كما استغلّ خطباء الجماعة الاشتباكات من أجل تصعيد المضامين الدينية، حيث أعلنت الجماعة نفير الجهاد وقتال العدو، وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي عبارات الاستعداد للشهادة، في مواجهة "التحالف الصهيو-أمريكي/ الهندي" ضدّ المسلمين، على غرار وصف ظفر خان للهند والولايات المتحدة وإسرائيل بـ "المثلث الشيطاني" الذي يستهدف الأمّة الإسلامية.

الجماعة الإسلاميّة طالبت الحكومة الباكستانية بعدم التردد في شن حرب واسعة على الهند، وأبدت دعمًا غير مشروط للرد العسكري الباكستاني، وأكدت الجماعة أنّها ستقف إلى جانب مؤسسات الدفاع الوطني بكل طاقتها.

وطالب منعم ظفر خان بعقد مؤتمر وطني واسع، للتوافق على موقف موحد، مسجّلًا بذلك حضور الجماعة كفاعل سياسي رئيسي في إدارة الأزمة.

الشعارات الدينية والجهادية وتعبئة الجماهير

اعتمدت الجماعة الإسلامية على استخدام شعارات إسلامية وجهادية عديدة، لكسب التأييد الشعبي ورفع منسوب التحشيد. فسيّرت مظاهرات في مختلف المدن، ورفع المتظاهرون رايات كتب عليها: "لا إله إلا الله"، و"الله أكبر". وفي چترال مثلًا اعتلى قادة الجماعة منصة كبيرة داعين إلى الاستشهاد دفاعًا عن حدود الأمّة.

على الأرض، كان المتظاهرون يهتفون بحماسة شديدة، وسط حضور مكثف للشعارات الدينية، وظهرت لافتة كبيرة كتب عليها: "حرب من أجل الله". وعززت الجماعة ذلك المشهد بتعبئة دينية مكثفة على صفحاتها وفي كل تظاهراتها، وحثّت أنصارها على اعتبار الصراع "معركة وجود إسلامية". كما تداخل خطابها مع قضايا إسلامية خارجية، فاستخدمت الجماعة خطابًا يشير إلى التضامن مع غزة والفلسطينيين، وربطته بمعركة الهند ضدّ باكستان. وزعمت الجماعة أنّ سلاح الهند المُستخدم هو نفسه السلاح الإسرائيلي. هذا الخلط ساعد بالتبعية على رفع منسوب لهجة الجهاد الإسلامي المستخدمة في خطاب الجماعة للتعبئة.

التأثير السلبي للخطاب الإخواني

واجهت هذه الخطابات الدينية المتصاعدة انتقادات داخلية وخارجية عديدة، لتداعياتها على قضية كشمير السياسية وسلامة المسلمين في الهند. فداخليًا، تؤدي هذه الأساليب إلى إضعاف الموقف السياسي الباكستاني دوليًا؛ فخطاب الصراع الديني يُسهِّل على الهند تصوير القضية على أنّها مواجهة ضد التشدد والإرهاب الجهادي، ممّا يقلل من تضامن المجتمع الدولي مع مطالب الحل السياسي في كشمير، بناءً على حق تقرير المصير. كما أحدثت نبرة الجماعة الإسلامية ردود فعل عنيفة ضدّ المسلمين في الهند؛ فتعرّضت الصحفية الهندية المسلمة عارفة خنوم شرواني إلى حملة عنصرية وتهديدات من متطرفين هندوس، استشهدوا بخطاب الجماعة الإسلامية في باكستان، لتبرير الحملة الشعواء التي استهدفت شرواني. كما ازداد عدد الاعتداءات الطائفية على مساجد ومؤسسات للمسلمين في الهند إثر هذه الأزمة؛ إذ سجلت حوادث قتل وتهديد ضدّ عشرات المسلمين بذريعة الرد على تهديدات الجماعة الإسلامية. فقتل تاجر مسلم في أغرا بولاية أتر برديش، كما أصبح مسلمو ولايات أخرى، مثل: هاريانا ومهاراشترا وأتراكند، أهدافًا لمظاهر عنف وتصفية حسابات مسيّسة. هذا التصعيد أثار مخاوف دولية من ازدياد موجة "الإسلاموفوبيا" في الهند، حيث وجّهت منظمة التعاون الإسلامي (OIC) انتباهها لهذه التطورات، مُعربة عن قلقها الشديد إزاء الحملات التحريضية ضدّ المسلمين والعنف الطائفي والانتهاكات الحقوقية التي تمارسها عناصر قومية في الهند

واجهت الخطابات الدينية المتصاعدة انتقادات داخلية وخارجية عديدة، لتداعياتها على قضية كشمير السياسية وسلامة المسلمين في الهند

ويمكن القول إنّ خطاب الجماعة الإسلامية في باكستان عمل على جعل الصراع دينيًا، الأمر الذي ينقل النزاع إلى مستوى بات يهدّد أمن المسلمين في الهند، ويعقّد إمكانية التوصل إلى حل سياسي لقضية كشمير.

الاستغلال الدعائي للأزمة

استغلت الجماعة الإسلامية هذه المواجهة لتعزيز حضورها السياسي والدعوي في المشهد المحلي. فقد أعلنت الجماعة عن يوم احتجاجي في 9 أيّار (مايو) الجاري، بمبادرة من أمير الجماعة حافظ نعيم الرحمن، ودعت الجماعة أنصارها إلى التظاهر في كافة المدن الباكستانية. وشملت خططها تنظيم تظاهرات حاشدة من أجل توحيد النخب الحزبية على أجندة إسلامية. 

وقد بثّت الجماعة أنشطتها على وسائل الإعلام والحسابات الرقمية الخاصة بها، مستغلة التغطية الإعلامية للمعارك العسكرية في إبراز دورها الوطني والإسلامي. من الناحية الأخرى، ظهرت الجماعة كبديل لمؤسسات الدولة في تعبئة الشارع، إذ وعدت بسد الفراغ خلف أيّ تقاعس حكومي، وربطت دورها بالعمل العسكري، داعية أعضاءها ليكونوا رديفًا للجيش الباكستاني. 

وحرصت الجماعة الإسلاميّة على إبراز التضامن الوطني في خطابها، وهو ما أكسبها نوعًا من الزخم الدعائي. وقد أدّى هذا الاستخدام للأزمة دورًا في تعزيز صورة الجماعة الإسلامية كقوة مهيمنة في الشارع الباكستاني، تجمع في خطاب واحد بين الوطنية والإسلام. 

واستثمرت الجماعة الإسلاميّة بانتهازيّة صارخة معاناة المسلمين من أجل تضخيم قاعدتها، وأغفلت الحلول السياسية لصالح التصعيد الديني. وفي المجمل، يوضح تحليل الخطاب أنّ الجماعة الإسلامية سعت لتحويل الأزمة إلى حرب مقدسة، لاستغلالها دعائيًا، رغم الأضرار المحتملة لذلك على القضايا الوطنية والسلام الإقليمي.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية