لماذا لا تتحول بيوت المبدعين العرب إلى متاحف؟

لماذا لا تتحول بيوت المبدعين العرب إلى متاحف؟

لماذا لا تتحول بيوت المبدعين العرب إلى متاحف؟


30/04/2023

زيد قطريب

مصير بيوت المبدعين العرب الراحلين، ما زال خارج أجندات وزارات الثقافة العربية. وكلما هُدم بيت أو تحول إلى مكان مهمل، ثارت وسائل الإعلام لفترة من الزمن، ثم عادت لتهدأ، كأن القضية طارئة أو هامشية، مع أنها تتكرر في معظم الدول العربية التي تتذرع مؤسساتها بانعدام الميزانيات الكافية لتحويل تلك المنازل إلى متاحف تعرض فيها مقتنيات المبدع!

هُدم منزل أبي القاسم الشابي في تونس، ولم تستطع وزارة الثقافة إنقاذه من أيدي الورثة. كذلك الأمر بالنسبة إلى بيت رائد المسرح العربي أبي خليل القباني، بدمشق، الذي تحول إلى خرابة، وتهدمت أسطحه والعديد من جدرانه، ولم يُحل موضوع ملكيته بين وزارة الثقافة ووزارة السياحة التي طرحته للاستثمار؛ بهدف تحويله إلى مطعم!

بيت عبدالحليم حافظ، بقي مهملاً ولم يتحول إلى متحف، رغم أن عائلته حافظت على غرفته وأشيائه الخاصة. كذلك الأمر بالنسبة إلى فيلا أم كلثوم التي اشتراها أحد التجار، وقد عانت أسرتها كثيراً في الحفاظ على مسقط رأسها في الدقهلية. وأيضاً منزل الشاعر نزار قباني في الشام القديمة، الذي تغنى به وسمَّاه “قارورة العطر”، تم بيعه لمالك جديد، ولم تتدخل المؤسسات من أجل شرائه وتحويله إلى معلم ثقافي. ولم ينج من الإهمال بيت الشاعر محمد الماغوط، المغلق منذ وفاته بانتظار مبادرة ما من المؤسسات الثقافية الرسمية أو الخاصة.

يقول الشاعر المصري محمد نصر، لـ”كيوبوست”: “للأسف لم يدرك العرب مدى تأثير القوة الناعمة التي تعبر عنها الثقافة، مثلما يحصل في بقية دول العالم المحتفية بمبدعيها والحريصة على تحويل منازلهم إلى متاحف بعد رحيلهم”.

 ولا يخفى على أحد، ما تقيمه وزارات الثقافة العربية من مناسبات ومؤتمرات ومسابقات مكلفة، في حين تتذرع بعدم توفر الميزانية الكافية عندما يتعلق الأمر بالمحافظة على بيوت المبدعين وتحويلها إلى متاحف. يقول الكاتب المسرحي السوري سامر محمد إسماعيل، لـ”كيوبوست”: “موقف وزارات الثقافة العربية من بيوت المبدعين غير مفهوم؛ فمن غير المعقول مثلاً أن يتحول بيت منزل رائد المسرح أبي خليل القباني، إلى مطعم فول وحمُّص؛ وهو الذي احتضن بواكير المسرح الغنائي العربي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى كثير من المبدعين”.

في حين يرى الشاعر السوري محمد عضيمة، مدرِّس الأدب العربي في جامعة طوكيو، أن الحال المزرية لبيوت المبدعين العرب الراحلين، تتفق مع ما يعانيه المبدعون أثناء حياتهم من شظف العيش والإهمال. ويضيف عضيمة لـ”كيوبوست”: “ربما يبدو الحديث عن بيوت المبدعين الراحلين، نوعاً من الترف، في هذه المرحلة التي تعاني فيها الأمة الفقرَ والتخلفَ والانقسامات، فنحن خرجنا من التاريخ للأسف؛ فكيف سنطرح قضية من هذا النوع، بينما الثقافة العربية تتعرض للخطر، والشخصية العربية للاضمحلال؟”.

ويعارض الشاعر المصري محمد نصر، تلك النظرة التشاؤمية للشاعر عضيمة، فيقول: “يفترض بنا صناعة آثارنا الحديثة مثلما نحتفي بآثارنا القديمة. ولا شك أن ذلك يتطلب النظر إلى الإبداع كقوة فاعلة وليس كمسألة هامشية”.

ويعتبر بيت الموسيقار سيد درويش، الكائن في الإسكندرية، مثالاً صارخاً على الإهمال؛ فقد تحول إلى خرابة ومنشر غسيل للجيران، ولم يشفع لصاحبه الذي لحَّن “زوروني كل سنة مرة”، والكثير من الأغنيات الوطنية، أن يطرق باب منزله المتهالك أحد، أو أن تبادر وزارة الثقافة أو المؤسسات الأهلية لإنقاذه وتحويله إلى متحف.

يقول الشاعر محمد نصر: “يعتبر المكان أحد قطبَي المبدع، إلى جانب الزمان، وجميع الدول تحتفي ببيت المبدع وتحرص على تحويله إلى أثر يُزار، ومثال ذلك بيت همنغواي وتولستوي وجوته.. وغيرهم كثير؛ لكن الأمر مختلف بالنسبة إلى العرب الذين لم يقدِّروا بعد أهمية المبدعين وآثارهم”.

وعن غياب دور المؤسسات الرسمية العربية، يقول سامر محمد إسماعيل: “هذا الغياب غير مقبول لوزارة الثقافة التي لم تحافظ أيضاً على بيت الشاعر بدوي الجبل، فتحول المنزل إلى بنك بعد أن كان منتدى اجتماعياً مفتوحاً لكل المبدعين العرب. كذلك الأمر بالنسبة إلى بيت ممدوح عدوان ومحمد الماغوط، وغيرهما كثير”.

ومن القصص التي تُروى عن مبدعين عالميين تحولت أشياؤهم وبيوتهم إلى معالم أثرية؛ كرسي بيكاسو في أحد مقاهي هولندا عندما زار صديقه توم سخيلبروت، وقد أُهدي هذا الكرسي للمتحف بعد سنوات طويلة من الاحتفاظ به من قِبل أصحاب المقهى. أما في مقهى بوسط مدريد، فهناك طاولة محجوزة بشكل دائم، كُتب عليها: “الرجاء عدم الجلوس.. إن السيد همنغواي قادم”. منزل سلفادور دالي في إسبانيا، تحول إلى متحف، وكذلك منزل ألبرت أينشتاين في برن بسويسرا، ومنزل شارلوك هولمز في لندن، وفريدا كاهلو في مكسيكو..

المطالبة بتحويل بيوت المبدعين إلى متاحف، ليست حالة رومانسية بالتأكيد، رغم مطالبة الكثيرين بالتركيز على حقوق الأحياء منهم كأولوية بالنسبة إلى المؤسسات الثقافية الرسمية والخاصة. فالحرص على صناعة تاريخ حديث يعتز به الأحفاد ويستلهمون منه، لا يختلف عن اعتزازنا اليوم بالتاريخ القديم، الذي لم يكن ليصلنا لولا عناية الأجداد به. فهل نورِّث الجيل القادم زوادة من الجماليات تحافظ على انتمائه وشخصيته، أم نتركه وحيداً في عراء التكنولوجيا وثقافة السوشيال ميديا؟ أسئلةٌ تنتظر الحل!

عن "كيوبوست"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية