لماذا تجرّم إسرائيل قطف الزعتر والميرمية والعكوب؟

لماذا تجرّم إسرائيل قطف الزعتر والميرمية والعكوب؟


02/07/2020

تحدياً للملاحقة الإسرائيلية لقاطفي النباتات البرية والطبيعية في الضفة الغربية المحتلة، اعتاد مصطفى أبو سير من قرية دير شرف قضاء نابلس على جمع نبات الزعتر والميرمية والعكوب البري والتي تنمو في أعلى جبال نابلس، وبيعها على بسطته في سوق البصل الشهير بالمحافظة.

جرى اعتقال البائع صبري الشملة عدة مرات أثناء قطف النباتات البرية في المناطق القريبة من المستوطنات الإسرائيلية والتي تتوفر فيها هذه النباتات بكثرة لصعوبة الوصول إليها

ويضيف أبو سير ( 47 عاماً) أنّ "قطف ثمار العكوب والزعتر والميرمية تعترضها صعوبات كبيرة، تتمثل في ملاحقة سلطات الاحتلال ومستوطنيه للفلسطينيين فوق المرتفعات الجبلية، وإطلاق الأعيرة النارية الحية عليهم ومصادرة محصولهم ودوابهم، وفرض غرامات مالية باهظة عليهم، بذريعة حماية الطبيعة والمحافظة على النباتات البرية".

ويُجرّم القانون الإسرائيلي داخل فلسطين المحتلة عام 1948، قطف العكوب والزعتر البري والميرمية ونباتات أخرى، ضمن ما يعرف بقانون "النبات المحمي" بحجّة أنّ قطفها يسبب أضراراً للطبيعة، وفُرضت بموجب ذلك على كل مَن يقطف أو يحوز أي كمية كانت من تلك النباتات، عقوبات وغرامات كبيرة.

يُلاحَق قاطفو العكوب والزعتر والميرمية من قبل السلطات الإسرائيلية كمجرمين

ويُلاحَق قاطفو العكوب والزعتر والميرمية من قبل السلطات الإسرائيلية كمجرمين ويُحتجزون بطريقة مهينة وتُصادَر نباتاتهم وأحياناً يتم حرقها، ومن ثم يجرّمون بفرض غرامات باهظة وعقوبات قد تصل إلى السجن المشروط، وكل ذلك تحت شعار حماية الطبيعة.

ووفقاً لبيانات نشرت على موقع مركز عدالة لحقوق الأقلية العربية في (إسرائيل)، فإنّ الفترة ما بين 2016 وحتى 2018 تم تقديم لائحة اتهام "مخالفات" تتعلق بقطف وحيازة أعشاب، كما تم فرض 151 غرامة باهظة على فلسطينيين وصلت إلى آلاف الشواقل.

فرض غرامات مالية باهظة

ولفت أبو سير خلال حديثه لـ "حفريات" إلى أنه "تعرض وزوجته مرات عديدة للاعتقال من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي أثناء قيامهم بجمع هذه النباتات البرية، وذلك بهدف السيطرة على حياة الفلسطينيين، وتفكيك علاقتهم بأرضهم وفق وصفه، مبيناً أنّ محكمة سالم العسكرية قامت بفرض غرامة مالية باهظة عليه مطلع شباط (فبراير) الماضي، قدرت بأكثر من 7 آلاف شيكل إسرائيلي (زهاء 2000 دولار أمريكي) بذريعة انتهاك قوانين حماية البيئة والطبيعة الإسرائيلية".

اقرأ أيضاً: العلاج أونلاين: إسرائيل تفاقم معاناة الأسرى الفلسطينيين

ولم تمنع الغرامات المالية أبو سير عن مواصلة عمله في قطف الزعتر والعكوب والميرمية من كافة أرجاء الضفة الغربية لكسب قوت يومه وإعالة أسرته، موضحاً أنّ السلطات الإسرائيلية بمساعدة جنودها تسعي إلى تسخير الطبيعة ومواردها لمستوطنيها فقط، لتسويق هذه النباتات في داخل دولة الاحتلال، في حين تحرم أصحاب الأرض الأصليين من التنعم بخيرات بلدهم".

سيطرة إسرائيل على الأراضي الجبلية

قطف النباتات البرية هي مصدر الدخل الوحيد لأبو سير الذي يعتاش منه وعائلته المكونة من ثمانية أفراد، مع توقف عمله في داخل الأراضي المحتلة عام 1948م بسبب جائحة كورونا، مشيراً إلى أنّ "سعر بيع كيلو جرام الواحد من العكوب يبلغ 16 دولاراً أمريكياً، ويبلغ ثمن كيلو الزعتر البري 13 دولاراً، ويبلغ ثمن الكيلوجرام الواحد من الميرمية 14 دولاراً، موضحاً أنّ ارتفاع أسعار هذه النباتات العشبية عائد بشكل رئيسي لسيطرة قوات الاحتلال ومستوطنيه على مساحات شاسعة من الأراضي الجبلية التي تنمو فيها هذه النباتات بكثرة".

قطف النباتات البرية هي مصدر الدخل الوحيد لبعضهم

ونوه أبو سير بأنّ "هناك إقبالاً كبيراً من قبل سكان محافظة نابلس على شراء الزعتر والميرمية ونبتة العكوب بشكل خاص لفوائدها الصحية الكبيرة، وقصر موسم حصادها والذي لا يتعدى ثلاثة أسابيع، مما يدفع بالسكان لتخزين العكوب بكميات هائلة بداخل منازلهم لتزين موائدهم طيلة العام".

مهنة أشبه بالكابوس

ولم يكن حال البائع المتجول صبري الشملة ( 38 عاماً) من قرية كفر ثلث قضاء قلقيلية بأفضل من غيره، كما أبلغ "حفريات  فهو منذ ما يزيد عن 15 عاماً يعمل بائعاً متجولاً لبيع الزعتر والعكوب والميرمية لتوفير قوت أسرته، إلا أنّ مهنته باتت خلال السنوات الأخيرة "أشبه بالكابوس وجريمة تعاقب عليها السلطات الإسرائيلية، بذريعة حماية الطبيعة".

أستاذ الإنتاج النباتي في جامعة القدس توفيق عريقات لـ "حفريات": الزعتر والميرمية والعكوب ومجموعة كبيرة من النباتات البرية كالسوسن والبطم وعروس الغاب والزعرور، متجذرة بالمفاهيم الاستعمارية للحركة الصهيونية

ولفت إلى أنّ "النباتات البرية متوفرة بكثرة على السفوح الجبلية لعدم حاجتها إلى عناية أو ريّ واعتمادها على مياه الأمطار فقط لنموها، واليوم أصبح الوصول إلى تلك المناطق لقطف الزعتر والميرمية والعكوب، والتي لا تخلو منها موائد الفلسطينيين في محافظة قلقيلية أمراً خطراً للغاية، لتعرضنا لهجمات مباشرة من قبل جنود الاحتلال والمستوطنين".

وجرى اعتقال الشملة عدة مرات أثناء قطف النباتات البرية في المناطق القريبة من المستوطنات الإسرائيلية والتي تتوفر فيها هذه النباتات بكثرة لصعوبة الوصول إليها، وتم التحقيق معه في مستوطنة "متان يرحاف" ومستوطنة "زاماروت" وتحويله إلى محكمة سالم العسكرية والتي قامت بالحكم عليه بالسجن لمدة ثلاثة أشهر وتغريمه مبلغ 1900 شيقل إسرائيلي (550 دولار أمريكي).

نبات العكوب

العيش بحياة كريمة

واعتاد الشملة كل عام بمساعدة زوجته وأبنائه على قطف الزعتر والميرمية والعكوب وتنظيفها من الأشواك والأعشاب الضارة، وخاصة في ظل الطلب المتزايد على شراء هذه النباتات، لتدر عليه دخلاً مالياً جيداً تمكنه من شراء احتياجات أسرته الملحة، وكذلك تسديد أقساط أبنائه الجامعية.

اقرأ أيضاً: موسم قطف الزيتون في الضفة الغربية إذ يصبح مسيّجاً بالخطر

ولمواجهة الملاحقات والمضايقات الإسرائيلية المستمرة له أثناء قطف النباتات البرية، وفي محاولة لتجنب مشقة الصعود إلى الجبال المرتفعة، قام الشملة باستئجار أرض لا تتجاوز مساحتها 180 متراً لزراعة أشتال من الزعتر والعكوب والميرمية، آملاً في جني محصول جيد لهذه النباتات من حيث الحجم والجودة".

اقرأ أيضاً: لماذا يعد الضمّ الإسرائيلي للمحميات الطبيعية في فلسطين جريمة حرب؟

وأشار إلى أنّ "الزراعة اليدوية للزعتر والميرمية والعكوب تختلف عن مثيلاتها البرية، حيث تتطلب هذه النباتات عناية كبيرة أثناء زراعتها لحاجتها لبيئة مناسبة، متوقعاً حصاد ما يزيد عن 450 كيلوجراماً من هذه النباتات سنوياً، وهو الأمر الذي سيحقق له مردوداً جيداً يمكنه من العيش وعائلته حياة كريمة".

قمع الفلسطينيين

وفي تعليقه على الإجراءات الإسرائيلية، يقول أستاذ الإنتاج النباتي في جامعة القدس توفيق عريقات لـ "حفريات" إنّ "السلطات الإسرائيلية تلاحق قاطفي النباتات البرية في مختلف أنحاء الضفة الغربية وتنظر إليهم كمجرمين"، مبيناً أنّ المحاكم الصهيونية تقوم بتقديم تبريرات بيئية واتهامات بحق الفلسطينيين لا تتعلق بحماية البيئة والمحافظة عليها حسب ادعائها، "وإنما لقمعهم وتعميق السيطرة على أراضيهم ونباتاتهم البرية، والتي تحتل مكانة كبيرة في الهوية والثقافة الفلسطينية".

النباتات البرية متوفرة بكثرة على السفوح الجبلية لعدم حاجتها إلى عناية أو ريّ

ولفت عريقات إلى أنّ "الزعتر والميرمية والعكوب ومجموعة كبيرة من النباتات البرية كالسوسن والبطم وعروس الغاب والزعرور، بقيت تنبع من المفاهيم الاستعمارية المتجذرة بالحركة الصهيونية منذ احتلالها لفلسطين في العام 1948، من خلال مخالفة الفلسطينيين الذين يقطفونها بحجج واهية تتعلق بإدراجها إسرائيلياً ضمن قائمة النباتات المحمية وفق القانون الإسرائيلي الذي يتم تطبيقه فقط على الفلسطينيين، ويسمح للمستوطنين بقطف وإحراق هذه النباتات دون توجيه أي تهم لهم أو تقديمهم للعدالة".

فوائد صحية كبيرة

وبعد متابعة مراكز حقوقية بداخل المحاكم الإسرائيلية لتعديل القوانين المتعلقة بقطف النباتات البرية، وافقت مؤخراً سلطة البيئة الإسرائيلية على السماح للفلسطينيين بشكل شفوي ودون قرار رسمي بقطف 250 جراماً فقط من الزعتر الأخضر والميرمية من المناطق التي تصفها إسرائيل بأنها محميات طبيعية، و 2 كيلوجرام في المناطق التي تقع خارج هذه المحميات، وكذلك السماح بقطف ستة كيلوجرامات من العكوب في مناطق المحميات الطبيعية و50 كيلوجراماً في خارجها".

وأكد عريقات أنّه على الرغم من السماح الإسرائيلي للفلسطينيين بقطف النباتات البرية، إلا أنّ السلطات الإسرائيلية واصلت اعتقال وفرض الغرامات المالية الباهظة على قاطفي هذه النباتات.

 يذكر أنّ "الزعتر والميرمية والعكوب تضم العديد من الفوائد الصحية، وتحتوي على نسبة كبيرة من الأملاح المعدنية والماغنيسيوم والبوتاسيوم، بالإضافة إلى قدرتها على الوقاية من فقر الدم وأمراض الكبد، وكذلك المساعدة على التخلص من السموم وتحسين عملية الهضم".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية