لماذا الاهتمام الإيراني الاستثنائي بسوريا؟

لماذا الاهتمام الإيراني الاستثنائي بسوريا؟

لماذا الاهتمام الإيراني الاستثنائي بسوريا؟


06/07/2023

ناصر زيدان

تشير كل المعطيات المُعلنة، أو المُجمَّعة من مصادر مختلفة؛ إلى وجود اهتمام إيراني استثنائي بسوريا، لا يقتصر على طموحات مشروعة بتوظيف السياسة الخارجية لتعزيز التعاون للمنفعة المتبادلة، كما هي الحال في سياق العلاقات بين الدول.

ويتبين من خلال المتابعة؛ أن هناك أسباباً عقائدية وجيوسياسية وثقافية واستثمارية تحرّك الاهتمام الإيراني. والجهد الذي بذلته طهران من أجل بقاء النظام في سوريا، كبيرٌ جداً، وهو لا يمكن أن يحصل لولا وجود أهداف تساوي هذه التضحيات، وقد يكون أبرز هذه الأهداف الحفاظ على تواصل جغرافي يبدأ من إيران مروراً بالعراق وسوريا وصولاً إلى لبنان، لما لهذه المنطقة من مكانة وتأثير على المستوى الدولي. وطهران ربما تعتقد أن المعطيات والظروف تسمح لها بتثبيت واقعة تعاون دائم بينها وبين هذه الدول أو "الساحات" يخدم ما تُطلق عليه محور "الممانعة".

تجهد إيران منذ ما قبل بداية الحرب في عام 2011 إلى مضاعفة نفوذها في سوريا، وقد استعملت لتنفيذ سياستها طرقاً عسكرية ودبلوماسية، كما لجأت إلى تأطير منظمات موالية لها، واستخدمت وسائل ثقافية متعددة لتحشيد تعبئة دينية تهدف إلى زيادة عدد الذين يعتنقون المذهب الإسلامي الشيعي.

ومنذ عام 2017 كثفت إيران من حراكها في سوريا، مباشرةً، أو من خلال منظمات عسكرية أو مدنية، بعدما اطمأنت إلى أن النظام في سوريا تحصَّن في مواجهة المعارضة، ولم يعد الخطر يهدده بالسقوط كما كان عليه الوضع في السنوات السابقة.

واستمرار النظام في سوريا بصيغته الحالية بقيادة الرئيس بشار الأسد، مناسبٌ للسياسة الإيرانية، لأسباب دينية وعقائدية، ولأن التركيبة الحالية تسمح لإيران بالتغلغل أفقياً في المفاصل الأساسية للدولة، على المستويين الأمني والاقتصادي، إضافة إلى السماح لها بتسويق أفكارها الفقهية (التشيّع) وإنشاء جامعات ومدارس تابعة لها في سوريا.

وقد كان المحور الأساسي في المحادثات التي جرت بين المملكة العربية السعودية وإيران برعاية صينية؛ هو طلب إيران عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، ودعوة الرئيس بشار الأسد إلى القمة العربية التي عقدت في مدينة جدة السعودية في 19 أيار (مايو) 2023، وقد نجحت في ذلك رغم التعقيدات الكبيرة التي واجهتها.

تعتمد إيران على منظمات عسكرية وجمعيات مدنية لتنفيذ سياستها في سوريا، على اعتبار أنها ترغب في التمدّد الأفقي الذي يحفظ لها حضوراً على المستوى الشعبي والميداني، ويكفل لها ممارسة عوامل ضغط قد تواجه سياستها من أي جهة كانت (خارجية أو داخلية)، وإيران لا ترغب عادة بتقوية نفوذ أجهزة الدولة، لأنها تعتمد على ثنائية، أو ازدواجية في ممارسة السلطة وفي تعاطيها السياسي حتى داخل إيران ذاتها، فهناك المؤسسات الحكومية الرسمية، وهناك في المقابل المجموعات التي تدور في فلك قيادة النظام، كالحرس الثوري وغيره.

ما هي أهم المنظمات الإيرانية ذات الطابع العسكري التي تعمل في سوريا:

1_ مجموعات تابعة لفيلق القدس ولقوات "الباسيج" الأمنية؛ وهي تتألف من عناصر إيرانية بالكامل، وتتبع قيادتها للوحدات النظامية الإيرانية، وغالباً لا تتدخل ميدانياً مباشرةً، أي أنها لا تقاتل في أرض المعركة، بل تشرف على عمل المنظمات الرديفة التي ينتمي عناصرها إلى جنسيات مختلفة، وهذه المجموعات تشرف على تنظيم القوى الحليفة لإيران، بما في ذلك تأمين التمويل لها، وتدريب عناصرها.

2_ مجموعات شيعية من جنسيات غير عربية، خصوصاً: منظمة "فاطميون" وهي تتألف من عناصر أفغانية. ومنظمة "زينبيون" وينتمي عناصرها إلى الجنسية الباكستانية. وهؤلاء موثوقون من الحرس الثوري الإيراني إلى درجة متقدمة، وليس لهم أي مراجع داعمة غير إيران، ولا يستطيعون العودة إلى بلادهم في الوقت الحاضر.

3_ مجموعات من جنسيات عربية مختلفة، وأهمها "حزب الله" اللبناني الذي يقدر عدد عناصره في سوريا حالياً بما يزيد عن 10000 مقاتل مدربين أفضل تدريب، و"كتائب أبو الفضل العباس" الشيعية العراقية، و"فيلق بدر" العراقي أيضاً، و"جيش الإمام المهدي" و"لواء بدر" و"منظمة الوعد الصادق" و"لواء مختار الثقفي" (وهم شيعة عراقيون أيضاً) كما لدى إيران مجموعات مختلطة (سورية – عراقية) من الشيعة والسنَّة، مثل "فيلق العشائر" و"لواء محمد الباقر". ولإيران نفوذ على مجموعات الدفاع الوطني التي تدور في فلك حزب البعث العربي الاشتراكي، لا سيما في المحافظات السورية الجنوبية (السويداء ودرعا والقنيطرة).

وقد لجأت إيران إلى تغطية العجز المالي الذي تعانيه المنظمات الفلسطينية في سوريا، خصوصاً بعدما طُردت من معاقلها في مخيم اليرموك جنوب دمشق، وأصبحت غالبية هذه المجموعات تتقاضى مخصصاتها المالية من الجانب الإيراني، لا سيما منها: جمعية البستان ولواء القدس الفلسطيني.

العدد الإجمالي التقريبي للعناصر الأمنية والعسكرية التي تدور في الفلك الإيراني في سوريا – بحسب تقديرات متابعين على معرفة كبيرة بالوضع السوري – بما بين 90 إلى 100 ألف مقاتل. ولدى هؤلاء مقار عسكرية مستقلة في عدد من المدن والبلدات، كما أن قسماً منهم متغلغل في صفوف القوى العسكرية السورية النظامية، كالفرقة الرابعة ولواء الحرس الجمهوري والمخابرات الجوية وقوات الدفاع الوطني.

أهم المنظمات المدنية التي تعمل لمصلحة إيران في سوريا: 

هناك ما يقارب 35 جمعية مدنية تعمل لمصلحة تنفيذ السياسة الإيرانية في سوريا، منها إيرانية بالكامل، ومنها تتشارك فيها عناصر إيرانية وسورية أو من جنسيات عربية أخرى. وتهدف هذه الجمعيات لتنفيذ مشاريع استثمارية، أو شراء أراض، أو بناء جوامع وحسينيات، أو تأسيس مدارس وجامعات. 

وينتشر عمل هذه الجمعيات في مدينة دمشق ومحيطها، وفي مدينة حلب ومدينة حمص ومدينة حماه، ومدينة دير الزور، وهذه المدن تسكنها غالبية من العرب السنّة، كما لهذه الجمعيات حراك في محافظتي درعا والقنيطرة الجنوبيتين، وفي محافظة السويداء (الدرزية) على درجة أقل تأثيراً.

 أبرز هذه الجمعيات الإيرانية: "جمعية الزهراء" و"جمعية نور" و"مركز الثقلين"، وهي بغالبيتها تجهد لإنشاء مدارس وجامعات (كجامعة آزاد الإسلامية في حلب) كما تقوم هذه الجمعيات بالترويج لثقافة التحوُّل إلى المذهب الشيعي، وهي تقدم تبرعات مالية سخية لبناء المساجد والحوزات العلمية، كما تقدم تبرعات للمدارس والجامعات السورية، ومساعدات عينية، ومنها تجهيزات مكتبية وغير ذلك.

 أما "جهاد البناء" فهي جمعية قوية وواسعة الانتشار، تعمل كشركة استثمارية متعددة المهام، لا سيما في مجال استخراج الفوسفات في حمص، والاستثمار في قطاعات النفط والطاقة والمياه والكهرباء والهاتف، وشعارها المساهمة في إعادة بناء ما هدمته الحرب في سوريا، لكنها تقيم مشاريع مربحة في مجال البناء والصناعة والزراعة.

ولدى "جهاد البناء" فرع يهتم بشراء الأراضي – لا سيما في جنوب دمشق – في محيط مقام السيدة زينب، بحيث أصبحت المنطقة بغالبيتها ملكاً لإيران بواسطة جمعيات أو شركات مختلفة.

ومن أهداف "جهاد البناء" وضع خطط لإعادة الأموال التي أنفقتها إيران دعماً للحكومة السورية، من خلال الحصول على استثمارات في قطاع الهاتف والكهرباء والنفط وغير ذلك، وأيضاً عبر شراء بعض المرافق الخدماتية السورية أو استثمارها لفترات زمنية طويلة، كالمياه والبريد ومعامل تصنيع الإسمنت التي تملكها مؤسسة الإسكان العسكرية التابعة للجيش العربي السوري، وتؤكد المعلومات كما التحقيقات التي حصلت في الأردن خصوصاً؛ أن جماعات موالية لإيران على اطلاع واسع بما يجري في مجال صناعة الممنوعات وترويجها، وبعض العائدات تستخدم لتمويل منظمات تدور في فلكها.

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية