توفيق حميد
حين نقرأ قصص القرآن الكريم، علينا أن نقرأ ما وراء الكلمات لنفهم العبرة من القصص القرآني، فالقصة فى القرآن ليست بهدف سرد أحداث تاريخية وحسب، ولكن هي في الأساس لأخذ العبرة منها كما ذكرنا في عنوان المقال {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ}.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، حين نقرأ قصة الهدهد والنبي سليمان، نتعلم منها الاستماع إلى الطرف الآخر قبل إصدار الأحكام عليه، فها هو سليمان ينتظر ليسمع من طائر صغير قبل أن يصدر حكما نهائيا عليه فيقول:
(مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ)- قرآن كريم.
فانتظر سليمان الهدد وهو الطائر الضعيف حتى يستمع إلى رأيه أو يسمع حجته، فما بالنا نرى اليوم أناسا يحكمون على غيرهم دون حتى محاولة الاستماع إلى آرائهم؟!
وحين نقرأ قصة فرعون نتعلم منها أن أبشع جريمة تغضب الله عز وجل هي استضعاف الأقليات الدينية والعرقية، فكما رأينا فى القصة فكان السبب الرئيسى لغضب الله على فرعون أنه استضعف بني إسرائيل كما ذكر القرآن {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ} - فالقصة ليست ببساطة انفلاق البحر بعصا فرعون، ولكن هي قضية كيف ينتصر الله ويقف في صف المستضعفين في الأرض.
وأيضا حينما نقرأ قصة خليل الرحمن إبراهيم نرى أن قومه كادوا أن يعترفوا بأنهم هم المخطئون حينما كلمهم إبراهيم بالمنطق والعقل، فحين قال لهم {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ} فكان ردهم على ذلك هو:
(فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُؤوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ)- قرآن كريم.
وعلى العكس من ذلك تماماً فلما هاجمهم إبراهيم بقوله {أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} كان رد فعلهم على ذلك بأن قالوا {حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ}. ومن ذلك نتعلم أن أفضل طريقة للحوار مع الآخرين هي استخدام الحجة والمنطق وليس التهجم على الآخرين بالكلمات وقد تعلم إبراهيم نفسه الدرس من قصته، فحين خاطب النمرود بعد سنين عديدة خاطبه بالمنطق والحجة كما جاء فى الآية:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.
أما قصة نوح عليه السلام، فنتعلم منها أن الله لا يقبل الواسطة أو محاباة أحد بسبب أنه إبن لفلان أو علان كما يقولون. فنوح طلب من الله بصورة غير مباشرة أن يستثني إبنه من الهلاك في الطوفان العظيم، وكان رد الرحمن عليه برفض ما طلبه قاطعاً كما جاء في قوله تعال في سورة هود: "وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ - قَالَ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ - قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ)- قرآن كريم.
ولا ننسى في هذا السياق العبرة في قصة سيدنا يوسف عليه السلام، وهي عدم اليأس حتى بعد مرور سنين صعبة، فمثلا جاء على لسان يعقوب أو نبي الله إسرائيل عليه السلام مايلي "يَٰا بَنِىَّ ٱذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَاْيْـَٔسُواْ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ ۖ إِنَّهُۥ لَا يَيْئـَٔسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلْقَوْمُ اٱلْكَٰافِرُونَ"- سورة يوسف.
فالقرآن يريد شيئا آخر ممن يقرأونه غير الفهم السطحي التقليدي، فما يريده القرآن هو فهم العبرة أو الهدف من سرد القصة أو من القصص القرآني وليس فقط الاهتمام بمفهومها الحرفي.
وللحديث بقية!
عن "الحرة"