لعبة الروليت الليبية لا تتوقف: حكومة تأتي وأخرى تغادر

لعبة الروليت الليبية لا تتوقف: حكومة تأتي وأخرى تغادر

لعبة الروليت الليبية لا تتوقف: حكومة تأتي وأخرى تغادر


05/06/2023

تشبه الأحداث المتسارعة التي تشهدها ليبيا لعبة "الروليت"، يقف المتابعون حول طاولة تدور بلا توقف منذ أكثر من 12 عاماً، لمعرفة أي الأرقام هو الرابح. كل يوم تظهر متغيرات جديدة تعيد ترتيب الحسابات، وكان آخرها إيقاف مجلس النواب لرئيس الحكومة التي كلفها فتحي باشاغا عن العمل وإحالته إلى التحقيق، ثم تكليف وزير المالية في الحكومة أسامة حماد بتولي مهام رئاسة الحكومة.

أثارت تلك الخطوة الشهية أمام التحليلات السياسية، التي تتمثّل في عدة أسئلة؛ ما هي أسباب إقالة باشاغا؟ هل يفتح تولية حماد بدلاً منه الباب أمام تسوية بين الشرق والغرب لتشكيل حكومة موحدة؟ ما هو موقف رئيس مجلس النواب عقيلة صالح من إيقاف الرجل المقرب؟ وهل تحول الصراع في ليبيا إلى معسكرين عابرين للمناطق؛ الدبيبة - حلفاء من الشرق في مواجهة عقيلة صالح - رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري؟

ما بعد باشاغا

في جلسة مجلس النواب التي لم يحضرها رئيس المجلس عقيلة صالح، أقرّت الجلسة في 16 أيار (مايو) الماضي، وقف رئيس الحكومة المُكلفة من المجلس فتحي باشاغا عن العمل وإحالته للتحقيق، وتكليف وزير المالية والتخطيط في الحكومة أسامة حماد برئاسة الحكومة. لم تلقَ تلك الخطوة الرضا من عقيلة صالح، الذي وصفها بأنّها متسرعة، ليعود الرجل ليلتقي بعدها أسامة حماد، فيما يشبه بمنحه المباركة والثقة.

أثار ملموسة لتقارب القاهرة وأنقرة في الملف الليبي

لا يمكن فهم خطوة إقالة باشاغا وفقاً لبيان مجلس النواب فقط، الذي اتّهم الأول بارتكاب مخالفات، فمثل تلك الأمور لا تعتبر العامل الأساسي لتحريك الأحداث في بلد لا يسلم أحدٌ من مسؤوليه من تلك الشبهات. كان مجلس النواب بناءً على تفاهم مع مجلس الدولة، كلف باشاغا بمهمة تشكيل حكومة، بعد أشهر من سحب الثقة من حكومة الوحدة المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة. ومنذ حصل باشاغا على ثقة مجلس النواب في آذار (مارس) العام الماضي لم يستطع دخول العاصمة طرابلس لممارسة مهام عمله، بسبب رفض الدبيبة تسليم السلطة إلا عبر انتخابات على حد قوله، وكذلك لرفض المجتمع الدولي تشكيل حكومات موازية والتركيز على الذهاب إلى الانتخابات.

ورغم عدة محاولات لدخول العاصمة عسكرياً، لم تنجح التشكيلات المسلحة الموالية لباشاغا في السيطرة على العاصمة، وخسر بعضها مناطق نفوذه لصالح التشكيلات الموالية لعبد الحميد الدبيبة.

لا يحظى مسار إنتاج سلطات تنفيذية بقبول من المجتمع الدولي الذي يضغط بشدة على المجلسين (النواب والدولة) لإنتاج القاعدة الدستورية

يرى رئيس مكتب الاستشارات السياسية بالحزب الاتحادي الوطني سعد الدينالي، بأنّ قرار إيقاف باشاغا لا يتعدى كونه قفزة في الهواء، ومناورة لا تؤثر ولا تغير شيئاً، ولا تمثل انقساماً سياسياً حقيقياً كون أسامة حماد من الشرق. وتوقع لـ"حفريات" بأنّ يكون مصير حكومة حماد الإخفاق مثل باشاغا؛ لأنّها غير مُعترف بها دولياً، ولا تملك سلطة على مصادر الأموال العامة، فهي حكومة صورية تُستخدم فقط للضغط على الدبيبة في مفاوضات متوقعة سواء لتوحيد الحكومة أو تشكيل أخرى جديدة موحدة.

بدوره، قال الباحث السياسي والدستوري محمد محفوظ، بأنّ الأسباب المعلنة لإيقاف باشاغا مثل شبهات الفساد والتصرف غير الصحيح بالمخصصات المالية، سواء كانت صحيحة أم لا فليست المحرك لما حدث معه. وأضاف لـ"حفريات" بأنّ تقارير متعددة تحدثت عن خلافات بين باشاغا من جانب وبلقاسم نجل خليفة حفتر ونواب تابعين له من جانب آخر حول كيفية صرف المخصصات المالية، فضلاً عن السبب الآخر المهم وهو مسألة المشاورات التي جرت في القاهرة بين مجموعة من الأطراف العسكرية ممثلة عن الغرب والدبيبة وصدام حفتر حول الاتفاق على سلطة تنفيذية موحدة.

منذ تكليف باشاغا حتى إقالته شهد المشهد الليبي تغيرات كبرى؛ بدايةً بحدوث تفاهم وتقارب بين القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية (الجيش الوطني في الشرق والجنوب) بقيادة خليفة حفتر، ورئيس الحكومة المؤقتة في طرابلس عبد الحميد الدبيبة، بوساطة إقليمية، قامت على تأمين إنتاج النفط مقابل دفع مستحقات ورواتب قوات القيادة العامة. تجلى ذلك في الاتفاق على تعيين المقرب من القيادة العامة فرحات بن قدارة على رأس المؤسسة الوطنية للنفط بمباركة الدبيبة، في تموز (يوليو) العام الماضي. كما أنّ المشاريع الكبرى التي تشهدها مدينة بنغازي خلال الفترة الأخيرة لن تكون بعيدة عن توافق بين الطرفين لتأمين المخصصات المالية التي يتحكم فيها المصرف المركزي في طرابلس.

سيولة الأزمة

وإقليمياً تكونت حالة من التفاهم بين أهم فاعلين في الملف الليبي؛ مصر التي تدعم القيادة العامة ومجلس النواب، وتركيا التي تدعم عبد الحميد الدبيبة والمجلس الأعلى للدولة. أدت تلك الحالة التي توازت مع انفتاح متبادل بين القاهرة وأنقرة إلى تسوية غير معلنة تستند على تجاوز احتمالات العودة إلى الصراع المسلح بين معسكري البلاد، والتطبيع بين القاهرة والدبيبة بعد أن سبق وتبنت الأولى حكومة باشاغا، فضلاً عن التقارب بين أنقرة والشرق الليبي.

محمد محفوظ: الاتفاق على سلطة تنفيذية موحدة

ودولياً أدى الصراع الروسي - الغربي بعد غزو موسكو لأوكرانيا في شباط (فبراير) 2022 إلى عودة قوية للدور الأمريكي في ليبيا، وفق عدة محددات، ومنها؛ ضمان إمدادات الطاقة من ليبيا، والعمل على إخراج فاجنر التي تتواجد في مناطق الشرق والجنوب، وتنظيم الانتخابات العامة.

تُرجم الدعم الأمريكي بتعيين مبعوث أممي جديد إلى ليبيا، وهو السنغالي عبد الله باتيلي الذي تسلم مهامه في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. وبدعم من الغرب والاتحاد الأفريقي ودول إقليمية قاد باتيلي جهوداُ حثيثة لتحقيق هدف تنظيم انتخابات عامة؛ رئاسية وبرلمانية، قبل نهاية العام الجاري 2023، أو مطلع العام المقبل على أقصى تقدير. ولتحقيق هذا الهدف هدد باتيلي الجسمين المنوط بهما الاتفاق على القاعدة الدستورية التي تُجرى الانتخابات وفقاً لها (مجلس النواب، المجلس الأعلى للدولة)، بالاستبدال حال عرقلتهما لهذه المهمة.

السياسي الليبي سعد الدينالي لـ"حفريات": استبدال باشاغا خطوة من خطوات الاتفاق على صفقة سياسية بين بعض القوى السياسية في الشرق والدبيبة

وفي ظل هذه المتغيرات يمكن القول إنّ فتحي باشاغا بات ورقةً محروقة؛ حيث أخفق في فرض نفسه كسلطة أمر واقع، كما أنّ وجوده كرمز سياسي كبير بات عائقاً أمام التسويات غير المعلنة بين أطراف من المعسكرين المتصارعين. ولهذا فإنّ تكليف حماد لا يمكن فهمه فقط بالأسباب المعلنة؛ لو كانت هي الوحيدة لكان الحاضرون في الجلسة كلفوا نائب رئيس الحكومة علي القطراني بدلاً من الوزير حماد، اتباعاً لإجراءات وتراتبية عمل الحكومة، لكن الأخير مقرب من القيادة العامة، وهي دلالة لفهم ما حدث.

في سياق ذلك، يشير الباحث محمد محفوظ إلى احتمال أنّ يكون قرار إيقاف باشاغا جاء من فريق القيادة العامة السياسي كبادرة حسن نية تجاه عبد الحميد الدبيبة، ضمن مسارهما المشترك لتوحيد السلطة التنفيذية، عبر مقترحات منها منح حصة من المناصب السيادية لفريق خليفة حفتر، وهو أمر لن يكون من اليسير الاتفاق عليه بحسب محفوظ.

بدوره يؤكد السياسي سعد الدينالي على أنّ استبدال باشاغا خطوة من خطوات الاتفاق على صفقة سياسية بين بعض القوى السياسية في الشرق والدبيبة، سواء لتشكيل حكومة جديدة برئاسة شخصية جديدة يختارها الدبيبة، بعد حصوله على ضمانات تمكنه من الدخول والمنافسة في الانتخابات الرئاسية القادمة، أو توسيع حكومته بعد دمج حكومة الشرق.

تحالف صالح - المشري

هذا المسار يتصادم مع مسار آخر أسبق يقوده رئيسا الجسمين الأساسيين في الاتفاق السياسي لعام 2015 (اتفاق الصخيرات)؛ مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح، والمجلس الأعلى للدولة برئاسة خالد المشري. وبحسب الاتفاق يرتبط مصير المجلسين معاً؛ فهما المسؤولان عن الاتفاق على قاعدة دستورية للانتخابات، وينتهي عملهما معاً.

كان ذلك المسار من أنتج حكومة باشاغا، بعد سحب مجلس النواب الثقة من حكومة الدبيبة، لكنّ المشري وقتها تراجع عن دعمه لباشاغا، قبل أنّ يعود مؤخراً للحديث عن حكومة موحدة بعدما تأزمت علاقته بالدبيبة.

سعد الدينالي: صفقة سياسية

ولمواجهة مسار القيادة - الدبيبة أعلن صالح عن ضرورة تشكيل حكومة موحدة، تتولى الإشراف على إجراء الانتخابات، بينما تعمل لجنة (6+6) المشكلة من المجلسين بالتوازي لإنتاج القاعدة الدستورية. ولا يحظى مسار إنتاج سلطات تنفيذية بقبول من المجتمع الدولي، الذي يضغط بشدة على المجلسين لإنتاج القاعدة الدستورية، التي تعني من جانب آخر كتابة بداية النهاية لوجودهما في المشهد الليبي.

لكن مثل جميع القوى السياسية والعسكرية في ليبيا، لا أحد يريد الخروج من المشهد. وأمام الضغط الخارجي الكبير لعقد الانتخابات يسعى الفاعلون إلى التوافق لدخول المشهد الجديد، وما مسار صالح - المشري ببعيد عن ذلك.

يرى الباحث الليبي محمد محفوظ، بأنّ صالح والمشري ضد صفقة القيادة - الدبيبة لأنّها تقصيهما من المشهد. وأفاد بأنّ صالح يستخدم ورقة باشاغا وسيلةً للضغط ليكون حاضراً في مسار تعديل الحكومة، بإعادة الأخير الذي لم يُقل وإنما عُلق عمله حتى الآن. وتابع بأنّ ورقة الضغط الأهم بيد عقيلة صالح هي الدفع مع شريكه المشري للخروج بالقاعدة الدستورية بأي شكل، لقطع الطريق على أي تسويات تتعلق بالسلطة التنفيذية؛ لأنّه فور خروج القاعدة الدستورية لن يقبل المجتمع الدولي بأي تسويات، وسيدفع بقوة نحو الانتخابات.

وبحسب مخرجات ملتقى الحوار السياسي في جنيف أواخر العام 2020، كان من المفترض إجراء الانتخابات العامة في 24 كانون الأول (ديسمبر) 2021، ولهذا السبب تشكلت سلطة تنفيذية جديدة بواسطة انتخابات أجراها الملتقى، وهي المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية. ولم تنجح جهود إقامة الانتخابات في موعدها السابق بسبب عدم الاتفاق على القاعدة الدستورية بين المجلسين، والخلافات الواسعة حول المرشحين للرئاسة.

مواضيع ذات صلة:

هل تقود لجنة (6+6) ليبيا إلى الانتخابات أم تقوضها؟

توحيد المسار العسكري في ليبيا خطوة حاسمة نحو إنجاز الانتخابات



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية