مع نجاح الثورة على نظام عمر البشير، وسقوط الأذرع الإخوانية التابعة لنظام الإنقاذ بالتتابع، شرع مجلس السيادة الانتقالي في تفكيك التمكين الإخواني، وهو الأمر الذي قابله الإخوان وفلولهم بمقاومة عنيفة، بلغت حد القيام بأعمال تخريبة، كتلك التي جرت في دارفور، وكذلك محاولة اقتحام مقار لجنة تفكيك الإخوان، ومع تصاعد العنف المحلي، أغلقت السلطات عدداً من الجمعيات الإخوانية، منها نحو 131 جمعية، في جنوب دارفور وحدها، إثر تأكّد السلطات من ضلوعها في ممارسة أعمال العنف، وتلقي أموال من الخارج.
طلبت لجنة إزالة التمكين، وبشكل عاجل من حكام الولايات ورؤساء لجان التفكيك، الإسراع نحو اتخاذ إجراءات قانونيّة، في مواجهة مرتكبي الأعمال التخريبية ومناشدة النيابة العامة التدخل بحزم
لجنة إزالة التمكين كمطلب ثوري
استهلّ مجلس السيادة الانتقالي أعماله، بإصدار قرار بتشكيل لجنة لتفكيك نظام الإخوان البائد، برئاسة الفريق ياسر العطا، ومنح القرار أعضاء اللجنة السلطات والصلاحيات المنصوص عليها، ضمن قانون تفكيك نظام الإخوان وإزالة التمكين، الذي أجازه الاجتماع المشترك الذي جمع أعضاء مجلسي السيادة والوزراء، مطلع كانون الأول (ديسمبر) من العام 2019، ومن بين هذه الصلاحيات "الحق في الملاحقة القانونية، ومصادرة الممتلكات لصالح الحكومة، أو تحديد طريقة التصرف فيها لأيّ جهة حكومية".
وبالفعل باشرت اللجنة عملها، حيث نجحت في استرداد مليارات الدولارات من كيانات الإخوان المتعددة، ومن ضمنها أصول منظمة الدعوة، التي تم حظرها، وكذلك استردت اللجنة أموال الشعب السوداني من شركات ومنظمات وأفراد، يعملون كواجهات للجماعة، مع تتبع المسارات الجديدة لأموال التنظيم، وقطع الأذرع الاقتصادية للجماعة، في محاولة للقضاء على أكبر عملية فساد في تاريخ السودان، والذي يقدر حجمه بنحو تريليون دولار، ما أحدث دماراً هائلاً في بنية الاقتصاد الوطني، كما أنهت اللجنة في أواخر العام 2020، عمل 209 مستشارين قانونيين بوزارة العدل، و30 سفيراً بسبب علاقاتهم التنظيمية بجماعة الإخوان، وفي كانون الثاني( يناير) الماضي، أصدرت رئيسة القضاء السوداني، نعمات عبد الله محمد خير، قراراً بإعادة تشكيل اللجنة، ما مثل صدمة مضاعفة للجماعة، التي قدمت عدداً كبيراً من الطعون لوقف عملها.
وكرد فعل على إعادة تشكيل اللجنة، تصاعدت التهديدات الإخوانية، وتواصلت أعمال العنف والتخريب، مع الضغط على مراكز صنع القرار، في ظل تواتر أنباء عن وجود خلافات حادة بين صلاح مناع، عضو لجنة إزالة التمكين، ورئيس مجلس السيادة، ونائبه، والنائب العام، ما دفع فلول الجماعة إلى اتباع سياسة الضغط القصوى، لاقتناص قرار بحل اللجنة، وهو الأمر الذي ألمحت إليه بعض الجهات النافذة، والتي حاولت امتصاص أحداث العنف.
في المقابل، خرجت عاصفة من البيانات المنددة بنوايا حل اللجنة، وهددت لجان المقاومة الثورية، وتجمع المهنيين وعدد من الجهات الحقوقية وقوى الحرية والتغيير، بالتصعيد الثوري، باعتبار اللجنة خطاً أحمر، لا يجوز الاقتراب منه، ما دفع مجلس السيادة إلى نفي تلك الأنباء، لتواصل اللجنة عملها، وسط حالة من الاحتقان الشديد.
الإخوان المسلمون وسياسة الفوضى والعنف
جاء رد فلول الإخوان وعناصر حزب المؤتمر سريعاً، بانتهاج نوع من التحريض والتلويح باستخدام القوة، حيث طلب الإخوان من الشعب "الخروج وإسقاط حكومة العملاء.. وقيادة ثورة الشعب السوداني، ضد الظلم والوضع المعيشي المتردي"، وفي محاولة لخلق نوع من الانقسام بين مؤسسات الحكم، حاول الإخوان استقطاب المؤسّسة العسكرية، بالمطالبة بـ"تفويض القوات المسلحة، لقيادة فترة انتقالية"، وأوعز التنظيم إلى عناصره التخريبية بإشاعة الفوضى في ولايات البلاد المختلفة، مع التهديد بأعمال عنف في العاصمة، حيث قال البيان صراحة: "موعدنا الأكبر في ولاية الخرطوم".
من جانبها طلبت اللجنة، وبشكل عاجل من حكام الولايات ورؤساء لجان التفكيك، "الإسراع نحو اتخاذ إجراءات قانونيّة، في مواجهة مرتكبي تلك الأعمال، ومناشدة النيابة العامة التدخل بحزم، بموجب قانون تفكيك نظام الإنقاذ، ومكافحة الإرهاب".
ولفت بيان اللجنة إلى أنّها "امتلكت معلومات كافية، عن نشاط أعضاء حزب البشير المنحل، وتنظيمهم لأعمال حرق ونهب، وإرهاب للمواطنين العزّل".
اقرأ أيضاً: تنظيم مسلح في السودان.. ما القصة؟
من جهته، قال الإعلامي والباحث المصري، رامي شفيق، إنّ لجنة إزالة التمكين، وتفكيك نظام الإخوان، تندرج ضمن قائمة أولويات ثورة كانون الثاني (ديسمبر)، التي اقتلعت نظام الرئيس السوداني عمر البشير، وباعتبار عمل اللجنة هو نوع من الالتزام الدستوري للسلطة الجديدة، فإنّها تظلّ حاضرة وفاعلة، حتى الوصول إلى نهاية تلك المهمة، رغم محاولات بعض قيادات وقواعد الجماعة، العمل على عرقلة عمل اللجنة.
وأكد شفيق، في تصريحات خصّ بها "حفريات"، على أنّ مؤشرات تأييّد الشارع السوداني لتفكيك قواعد جماعة الإخوان المسلمين في السودان، تبدو استناداً لارتباط الأخيرة طيلة عقود مضت، بنظام الحكم والتحالف مع حزب المؤتمر، ما أفضى إلى توغل الفساد، الأمر الذي منح اللجنة حق مصادرة الأموال والأصول، التي حصل عليها بعض رموز النظام السابق، واستردادها لصالح وزارة المالية السودانية.
وأضاف شفيق، أنّ منهج لجنة تفكيك الإخوان، يتوافق مع سياق عمل تنظيم الإخوان، فالجماعة دأبت خلال عقود نظام البشير، على المضي قدماً نحو بسط هيمنة قياداتها، وتمكين كوادره من السيطرة على أغلب المناصب القيادية في دولاب الدولة، فضلاً عن تحركاتها الإقليمية مع تركيا، التي توجت مساعيها خلال حكم البشير، بشراء جزيرة سواكن، من خلال أوكتاي أرغان، والذي صدر بحقه قرار توقيف، رغم هروبه من البلاد، مع مصادرة جميع ممتلكاته.
وحذر شفيق من صعوبة عمل لجنة تفكيك الإخوان، دون الاشتباك مع التنظيم، ولكون ذلك نقطة مركزية، في سد مساحات عمل الثورة المضادة، وفرص سيناريوهات إعادة طرح بعض قواعد وقيادات الإخوان مرة أخرى، نحو الشارع السياسي في السودان، الأمر الذي يثير مخاوف الثوار في السودان، من احتمالات الانقلاب على مبادئ الثورة، وبالتالي فعلى الجميع أن يدرك طبيعة محاولات الجماعة لإظهار نفسها مرة أخرى على الساحة، حيث تعمل أذرع التنظيم في خطوط متوازية، منها التحالفات التي تتم مع القوى الإسلامية المتشددة، مثل حزب التحرير، لتنظيم مسيرات شعبية احتجاجية، صاحبتها أحداث عنف وتخريب، بتحريض من المراقب العام للإخوان، عوض الله حسن، وعلى الجهة الأخرى، يعمل الطرف الآخر المدعوم من التنظيم الدولي، بقيادة عادل على الله إبراهيم، على ضرب مفاصل الدولة، لعدم قدرته على تكوين كيان سياسي فاعل.
شفيق: مؤشرات تأييّد الشارع السوداني لتفكيك قواعد الإخوان في السودان تستند لارتباط الجماعة طيلة عقود مضت، بنظام الحكم والتحالف مع حزب المؤتمر، ما أفضى إلى توغل الفساد
وكشف الإعلامي محمد شمس الدين، مؤخراً عن معلومات، أفادت بتمويل عصابات إخوانية، تقوم بأعمال الحرق والتخريب أثناء الاحتجاجات التي خرجت في الأيام الماضية، ولفت إلى أنّ "تأخر الاستجابة الأمنية، كان له دور كبير في تكرار المشهد، على مدار أيام في مدن مختلفة، بسبب عدم الانسجام بين المدنيين من رؤساء اللجان الأمنية في الولايات، والقوات الأمنية التي تعودت تلقي القرارات من القيادات المركزية".