كيف لم يستوعب الإخوان مفهوم الدولة الوطنية؟ عنف الجماعة يجيب

كيف لم يستوعب الإخوان مفهوم الدولة الوطنية؟ عنف الجماعة يجيب

كيف لم يستوعب الإخوان مفهوم الدولة الوطنية؟ عنف الجماعة يجيب


20/04/2025

شهدت مصر في الثالث من تمّوز (يوليو) من العام 2013 تحولًا سياسيًا بارزًا، حيث تم عزل الرئيس السابق محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، عقب مظاهرات شعبية حاشدة طالبت برحيله. لم تكن هذه الاحتجاجات رفضًا للشرعية الانتخابية بقدر ما كانت تعبيرًا عن استياء من سياسات الجماعة التي أظهرت خلال عام من الحكم رغبة في الهيمنة.

 أدى هذا الحدث إلى دخول البلاد في مرحلة جديدة اتسمت بانتشار العنف الإخواني، ممّا يتناقض مع شعار الجماعة "سلميتنا أقوى من الرصاص"، فقد تسبب قرار عزل محمد مرسي في اندلاع أزمة عنف كبيرة، غرق معها المجتمع في دوامة من الاضطرابات والعنف المستمر نتيجة لنهج الجماعة العنيف.​

قبل إقالة محمد مرسي سارعت جماعة الإخوان المسلمين إلى تعبئة وحشد مؤيديها في الشوارع تحت شعار: "الدفاع عن الشرعية الدستورية"، مطالبة بعودة الرئيس المعزول. ونظم أنصار الجماعة اعتصامات وقطعوا الطرق، وتحولت هذه التجمعات إلى بؤر للعنف، أبرزها اعتصاما رابعة العدوية بالقاهرة والنهضة بالجيزة.

ورغم رفع شعارات السلمية ظهرت أسلحة بين المعتصمين، وتحولت المنصات إلى منابر تحريض طائفي، ممّا هدد نسيج المجتمع والدولة. ومثلت هذه الأحداث نقطة تحول في علاقة الدولة بالجماعة، ودفعها إلى اعتماد العنف كوسيلة لرفض نتائج العزل واستعادة ما تعتبره "شرعيتها".​

وفي تصريح لافت ألقى القيادي الإخواني محمد البلتاجي من منصة رابعة تصريحًا يتضمن اعترافًا صريحًا بالتحالف مع الإرهابيين من تنظيم ولاية سيناء إذ قال: "ما يحدث في سيناء سيتوقف في اللحظة التي يعود فيها مرسي إلى الحكم". ومع اشتداد الحملات الإخوانية، سرعان ما اندلعت مواجهات عنيفة بين مؤيدي الجماعة ومعارضيها، أو مع قوى الأمن في مختلف المدن، فصارت المظاهرات الإخوانية أشبه بمعارك يومية، حيث طالت الاعتداءات أقسام الشرطة، وأُحرقت دور العبادة المسيحية وبعض المساجد، وسقط عشرات القتلى. وشهدت البلاد سلسلة تفجيرات وعمليات انتحارية، حاولت من خلالها الجماعة زعزعة أركان الأمن والاستقرار.

 القيادي الإخواني: محمد البلتاجي

العنف الطائفي والإرهاب في سيناء

خلال ليلة واحدة بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة في 14 آب (أغسطس) 2013، أُحرقت أكثر من (60) كنيسة في محافظات متعددة، في عمل طائفي غير مسبوق، وحمّلت الشرطة المسؤولية المباشرة للإخوان. وأظهرت التحقيقات تورط خلايا إخوانية في التخطيط والتنفيذ، في محاولة لإشعال فتنة دينية تهدد السلم المجتمعي.

وبحسب هيومن رايتس ووتش، هوجمت الكنائس في أنحاء البلاد، ففي محافظة المنيا، هاجم الإخوان كنيسة مارجرجس، ودير العذراء الأثري، وكنيسة الأمير تادرس، والكنيسة الإنجيلية، وكنيسة الأنبا موسى الأسود، وكنيسة العذراء والأنبا إبرام بقرية دلجا، وغيرها، وفي أسيوط هاجمت الجموع الإخوانية الغاضة كنيسة مار يوحنا المعمدان، وكنيسة الإدفنست، والكنيسة الرسولية، وكنيسة مار جرجس للأقباط الأرثوذكس. وطالت الهجمات كنائس: الشهيدين بصول وكنيسة العذراء بالصف، ودير كرم الرسل وغيرها في محافظة الجيزة. كما هاجم الإخوان كنائس السويس والفيوم وطنطا وسوهاج والأقصر.

ولم تكن الاعتداءات الإرهابية في سيناء بعد الإطاحة بمرسي مجرد أحداث عابرة؛ فالمنطقة تحولت إلى ساحة حرب فعلية: شهدت تفجير مقار أمنية، وكمائن وتزامن ذلك مع بروز فصائل مسلحة مثل "أنصار بيت المقدس"، التي أعلنت ولاءها لتنظيم داعش ورفعت لافتات "الثأر لمرسي"، متخذة من الإخوان غطاء سياسياً، رغم أن الجماعة لم تعلن رسمياً تبنيها. وأكدت تقارير أمنية لاحقة وجود تنسيق لوجستي ومعلوماتي بين عناصر إخوانية ومقاتلين جهاديين، ممّا يبرهن على تداخل غير بريء بين الجماعة وتنظيمات العنف.

سياسة الإنكار والانتحار السياسي

في ظل تصاعد الإجراءات الأمنية داخل البلاد، كثّفت قيادات إخوانية مقيمة في الخارج خطاب التحريض من خلال قنوات فضائية ومنصات رقمية، أبرزها: "مكملين" و"الشرق" من تركيا، حيث دعت إلى إسقاط النظام بالقوة، وتحفيز الشباب وتحريضهم على الخروج إلى الشوارع.  

وبرز إعلامي الجماعة محمد ناصر وهو يلوّح بخيار السلاح، بل وصل بعض القادة في الخارج إلى اعتبار المقاومة المسلحة "حقاً مشروعاً" لمواجهة ما وصفوه بـ "الانقلاب"، وعلى رأسهم معتز مطر.

 إعلامي الجماعة: محمد ناصر

ومع مطلع 2014 باشرت الجماعة تشكيل ما يُسمّى "اللجان النوعية"، وهي خلايا صغيرة تنفذ عمليات دقيقة ضد أهداف أمنية واقتصادية: تضمنت تفجير أبراج الكهرباء، وقطع الطرق، وزرع عبوات ناسفة. من بين أبرز تلك العمليات اغتيال النائب العام هشام بركات في حزيران (يونيو) من العام 2015، التي تبنّتها لاحقاً جماعة قريبة من الإخوان رغم نفي رسمي منهم.

بعد كل هذه السنوات، فشلت الجماعة في إجراء مراجعة جادة لنهجها، وتمسّك قادة الجماعة التي أصبحت دون غطاء شعبي أو شرعي، بخطاب الإنكار. ووفقًا لتحليل نشره مركز EMET الأمريكي، لم تتمكن الجماعة، رغم تاريخها الطويل، من بلورة نظرية سياسية واضحة أو تصور مؤسسي للدولة، مكتفية بالشعارات والرموز الإسلامية دون تقديم برنامج سياسي متكامل. هذا القصور أدى إلى فقدانها ثقة قطاعات واسعة من المجتمع، خاصة الشباب الذين توجه بعضهم نحو التيارات السلفية، أو انسحبوا من العمل السياسي تمامًا.​

وفي مقال بمجلة (تايم) الأمريكية، فإنّ الجماعة، بدلًا من الاعتراف بأخطائها خلال فترة حكم مرسي، اختارت التمسك بخطاب المظلومية، معتبرة نفسها ضحية لمؤامرة، دون تقديم اعتذار أو مراجعة حقيقية لأدائها. هذا الموقف زاد من عزلتها، خاصة بعد أن فقدت دعم الحلفاء العلمانيين الذين كانوا شركاءها في ثورة 2011.​

في كتاب "الإخوان المسلمون على محك السلطة"، أشار الباحثان الفرنسيان سارة بن نفيسة وبيير فيرمرين، إلى أنّ الجماعة لم تستوعب مفهوم الدولة الوطنية، وسعت إلى السيطرة على مؤسسات الدولة والمجتمع من خلال أعضائها، بدلًا من تقديم سياسات عامة تخدم جميع المواطنين. هذا النهج أدى إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، خاصة في مصر وتونس، حيث فشلت الجماعة في تقديم حلول فعالة للمشكلات القائمة.​

أدت هذه الإخفاقات إلى انقسامات داخلية في صفوف الجماعة، وظهرت تيارات إصلاحية تطالب بمراجعة شاملة، بينما تمسكت القيادة التقليدية بخطابها القديم. هذا التباين أدى إلى تراجع تأثير الجماعة في المشهد السياسي، خاصة بعد تصنيفها منظمة إرهابية في بعض الدول، وتعرضها لحملات قمعية واسعة.​

تُظهر التجربة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين أنّ غياب المراجعة الذاتية والتطوير الإيديولوجي، والاعتماد على خطاب المظلومية دون تقديم بدائل حقيقية، أدى إلى تراجعها وفقدانها للثقة الشعبية. وإذا أرادت الجماعة استعادة دورها في المستقبل، فإنّها بحاجة إلى مراجعة شاملة لأفكارها واستراتيجياتها، والاعتراف بأخطائها، وتقديم رؤية سياسية تتماشى مع تطلعات المجتمعات الحديثة.​




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية