كيف حاول حلمي الجزار استثمار نتائج الانتخابات الأردنية؟

كيف حاول حلمي الجزار استثمار نتائج الانتخابات الأردنية؟

كيف حاول حلمي الجزار استثمار نتائج الانتخابات الأردنية؟


30/09/2024

أعلنت الهيئة المستقلة للانتخابات الأردنية في 11 أيلول (سبتمبر) الجاري عن تقدم حزب جبهة العمل الإسلامي على كافة الأحزاب الأخرى، وذلك بحصوله على (31) مقعداً في البرلمان الأردني من أصل (138) مقعداً، وهي نسبة غير قليلة تجعل للحزب حضوراً كبيراً وقوياً في البرلمان. ويُعدّ هذا أول انتصار سياسي للجماعة منذ هزيمتها السياسية الكبرى في مصر وتونس والمغرب ولفظها اجتماعياً من قبل الأطر الاجتماعية والقوى السياسية. 

وقد رفع هذا الانتصار السياسي من آمال الإخوان وتطلعاتهم للعودة إلى المشهد السياسي مرة أخرى، وهذا ما أوضحه حلمي الجزار رئيس القسم السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، في لقائه ببرنامج بلا قيود على قناة BBC عربي، حين بدأ كلامه بتهنئة الشعب الأردني والحكومة الأردنية على هذه الانتخابات النزيهة، التي أفضت إلى تصدّر حزب جبهة العمل "الذراع السياسية للإخوان" في البرلمان الأردني، وأردف بعد ذلك أنّ هذا هو الوضع الطبيعي الذي يجب أن تسير عليه مصر، وليس مصر وحدها، بل كافة الدول العربية. 

الإخوان ومبادرة التسوية السياسية 

في آب (أغسطس) الماضي أعلن الإعلامي ماجد عبد الله، المعروف بانتمائه لجماعة الإخوان المسلمين، أنّ القيادي الإخواني حلمي الجزار طلب منه رسمياً أن ينقل رسالة عبر قناته يطالب فيها السلطات المصرية بالعفو عن الجماعة، مقابل الاعتزال السياسي، وإطلاق سراح المعتقلين من عناصرها بالسجون المصرية.

وحسب ما ذكر عبد الله، فإنّ "الجزار طلب منه أن ينقل على لسانه أنّ الجماعة جاهزة للتصالح مع السلطات والقوى السياسية في مصر، وقبول مبادرتها في الصلح، متعهداً بأن تتخلى الجماعة عن العمل في السياسية مدة تتراوح ما بين (10 و15) عاماً، ونسيان ما فات خلال (11) عاماً مضت منذ الإطاحة بحكم الجماعة في صيف 2013."

وفي لقاء حلمي الجزار على BBC راوغ في الإجابة عن وجود مبادرة، وقال: إنّه قال بانفتاح الإخوان على تسوية سياسية، وهي ليست لصالح الإخوان فقط، ولكنّها لصالح المجتمع المصري كله، وزعم أنّ أولى خطوات هذه التسوية خروج كافة المعتقلين السياسيين، وليس الإخوان فقط، على حدّ قوله. وبشكل وعظي بطولي يضع نفسه في إطار المدافع عن العقيدة والمجتمع كالمعتاد من أفراد الجماعات الإسلامية، قال: "كفى مصر ظلماً لأبنائها واعتقالاً لهم، وإنّ هذه التسوية هدفها الخروج من حالة الفشل التي تعانيها الدولة المصرية".

ومقابل خروج المعتقلين تتعهد الجماعة بعدم النزاع على السلطة مدة بين (10 و 15) عاماً، ولا يختلف هذا عمّا أعلنه الإعلامي ماجد عبد الله، غير أنّ ماجد عبد الله لم يكن بالمراوغة التي كان بها حلمي الجزار، فقد قال التخلي عن العمل السياسي، وليس النزاع على السلطة، وهو أمر مفهوم. بيد أنّ الجزار قال: إنّ التخلي عن العمل السياسي أمر ينافي الدستور المصري، وإنّ الجماعة ستمارس عملها السياسي، ولكنّها لن تدخل في النزاع على السلطة. وليس العمل السياسي غير النزاع على السلطة، ولم توجد جماعة الإخوان بالأساس إلا للنزاع على السلطة، وهذا ما أوضح مراوغته ومحاولته فتح باب خلفي لتعود منه جماعة الإخوان إلى المشهد السياسي مرة أخرى. 

تقدم الإخوان في الأردن وحلم عودة الجماعة في مصر

بدأ حلمي الجزار حواره في الـ (بي بي سي) بالإصرار على تهنئة الأردن على انتخاباتها النزيهة، وتقدم حزب جبهة العمل الإسلامي "الذراع السياسية للإخوان في الأردن"، بالرغم من خروجها شبه التام عن سياق الحديث، وأردف بعد ذلك مطالباً مصر والدول العربية الاحتذاء بها، وحسب ما صرحت به المذيعة، وأقرّه الجزار، فقد أصر على أن يكون مسمّاه "رئيس القسم السياسي لجماعة الإخوان المصرية"، في ظل عدم اعتراف الدولة المصرية والعديد من الدول بالجماعة ووضعها على قائمة الإرهاب. 

وإصرار حلمي الجزار على هاتين النقطتين يُعبّر عن الحلم الإخواني بالعودة مرة أخرى إلى المشهد السياسي، أو إن صح القول التوهم بفرض أنفسهم، وبمواجهة الجزار بعدم قبولهم داخل الأطر الاجتماعية قبل السياسية، زعم أنّ هناك من يقبلهم، وأنّ هناك من يرغب في وجودهم، ومن لا يرغب في وجودهم من أحزاب المعارضة، وأنّ سبب رفضهم للوجود الإخواني هو اجتياح الإخوان للانتخابات وحصولهم على نسب عالية من المقاعد، ومن ثم فإنّهم يخافون من المنافسة السياسية أمام الإخوان. 

والواقع أنّ الإخوان كان لهم حضور لا يمكن إنكاره، ولكنّ عدتهم في هذا لم تكن الديمقراطية والبرنامج السياسي المُرضي بقدر ما كانت سياستهم المتاجرة بأعمالهم الخيرية، ومحاولة سد أيّ فرغ تتركه الدولة تحت مسمّى الأعمال الخيرية، ومن خلال التبرعات التي تحصل عليها باسم الجمعيات الخيرية، ممّا أدى إلى اللفظ الاجتماعي لهم بعد ظهور تناقضاتهم عند وصولهم إلى السلطة، وصناعة إدارة موازية، بل دولة موازية تقف عند حدّ المنتمين للإخوان. وعلى الرغم من ذلك نجد في خطاب الجزار نزعة المظلومية الإخوانية المعهودة، بقوله: "تركيا فتحت أبوابها أمام المظلومين من سوريا والعراق ودول مختلفة، وليس مصر فقط"، وبالحديث عن التقارب المصري التركي قال الجزار: إنّه باركه والإخوان كذلك لأنّه يصبّ في مصلحة الشعبين التركي والمصري، وجماعة الإخوان لا تقف ضد مصالحهما، بل تقف معها. 

المراوغة باسم الشعب والدين 

اعتاد الخطاب الإخواني على التخفي وراء إرادة الشعب والدين، فلا يتحدث بوصفه فصيلاً سياسياً ضمن الفصائل السياسية، بقدر ما يتحدث بوصفه حامي إرادة الشعب والدين، وكثيراً ما يزعم أنّه الاختيار المعتاد للشعوب، ويتغافل بدهاء عن ممارسات الضغط المعنوية والدينية التي يمارسها على الشعب، من خلال الأعمال الخيرية التي تجعل الشعب مداناً له، وتقديم خطابه في صورة دفاعية عن الدين تجعل أيّ رفض أو خصومة مع رفض وخصومة للدين، ولم يخرج خطاب الجزار عن النمط المعتاد للخطاب الإخواني. 

"السنوات الصعبة ولّت، وسوف تأتي أيام أفضل"، هذا ما أجاب به الجزار عن سؤال المذيعة، حول ما إذا كان تقدم حزب جبهة العمل الإسلامي "الذراع السياسية للإخوان" في انتخابات الأردن، أعطى بصيص أمل للإخوان والتنظيمات الإسلامية لعودتها مرة أخرى بعد السنوات الصعبة. وزعم الجزار أنّ صعود الإخوان في الأردن يرجع لعاملين مهمّين؛ أوّلهما وقوف الإخوان والإسلاميين بوجه عام خلف المقاومة بعد عملية "طوفان الأقصى"، ممّا صنع لها زخماً شعبياً كبيراً، والعامل الثاني هو العامل المعتاد؛ إصرار الحكومة الأردنية على نزاهة الانتخابات، وأردف أنّ الانتخابات تمّت بنزاهة وشفافية بالفعل. 

وقال الجزار تعليقاً على تقدّم الإخوان في الانتخابات الأردنية: "هذا يشير إلى مؤشر مهم، هو أنّ الشعب، أي شعب، إذا أعطي الحرية في الاختيار، فسوف يختار من ينحازون إليه، وقد انحاز حزب جبهة الإخوان المسلمين إلى ما يريده الشعب"، وهو تعبير إخواني معهود، ويعطي مؤشراً على أنّ الإخوان لم يغيروا حتى أبجديات خطابهم، حتى في ظل الفشل السياسي واللفظ الاجتماعي لهم، يتحدثون باسم الشعب والدين. 

في نهاية اللقاء قال الجزار: إنّ مستقبل الإسلام السياسي مشرق، مع رفضه لتسمية الإسلام السياسي، والزعم بأنّ الإخوان يعبّرون عن الإسلام الذي يدين به حوالي ملياري مسلم حول العالم يريدون من يعبّر عنهم، والإسلام لا ينحصر في السياسة فقط، والإخوان المسلمون أحد الذين يعبّرون عن هؤلاء المسلمين حول العالم، ويعبّرون عن الإسلام السنّي الوسطي. 

وهذا الخطاب المعهود من الإخوان الذي يعرف من الإقصاء أكثر ممّا يعرف من الالتقاء، يجعل ما يطرحونه باسم التسوية السياسية ما هو سوى باب خلفي تحاول جماعة الإخوان الدخول منه في النزاع السياسي، بشكل يجعلها ممثلة للدين، ومفروضة على هذه المجتمعات، والممثل الأوحد له، وذلك ما يجعل قبولها قبول الفصائل الأخرى بالإقصاء من النزاع، ووجود الإخوان بوصفهم ممثلين للدين والوطن والشعب، وباقي الفصائل دخيلة تعمل ضد الشعب والدين، وتضع نفسها في حالة تضاد مع هذه الفصائل، وهو ما يجعل قبولها أمراً غير مقبول. 

 

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية