تتسارع الخطى باتجاه تشكيل أكبر قاعدة للمتطوعين المساندين لروسيا في أوكرانيا، فيما يترافق ذلك مع تصريحات متواترة عن سماح الجانب الروسي لهؤلاء "المتطوعين" من الانخراط في الحرب الدائرة في أوكرانيا منذ بداية الهجوم الروسي في الرابع والعشرين من الشهر الماضي.
أول من أمس حمل تصعيداً ملحوظاً، عندما أكد زعيم الشيشان رمضان قديروف أنه موجود في أوكرانيا إلى جانب القوات الروسية.
الحرب في أوكرانيا بدأت تأخذ منحى تمردياً، مع تحوّل المعارك إلى مواجهات بين جيش روسي ومجموعات شعبية أوكرانية تسعى بكل قدراتها إلى التصدي للهجوم الروسي
وسبق أن وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على قرار يسمح بانتقال الأجانب للقتال إلى جانب القوات الروسية في أوكرانيا، فيما أكد الكرملين فتح الباب أمام السوريين للتوجه إلى ساحات القتال.
وبفتحها المجال أمام مشاركة متطوّعين سوريين وشيشانيين في القتال في أوكرانيا، تسعى موسكو إلى تعزيز صفوف قواتها وتمكينها من السيطرة على مدن كبرى. فبعد مرور ثلاثة أسابيع على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، باتت غالبية القوات التي حشدتها روسيا عند الحدود الأوكرانية وبلغ عديدها 150 ألفاً منتشرة داخل الأراضي الأوكرانية.
ونشر قديروف، الذي تندد منظمات دولية غير حكومية بانتهاكات خطرة لحقوق الإنسان في بلاده، مقطع فيديو على تلغرام يظهر فيه بزي عسكري خلال مراجعته خططاً وهو يجلس إلى طاولة مع جنود داخل غرفة.
وأكد أنّ هذا الفيديو التقط في مطار غوستوميل القريب من العاصمة الأوكرانية كييف، والذي استولت عليه القوات الروسية في الأيام الأولى لهجومها. غير أنه لم يتسن التحقق من هذه المعلومة من مصدر مستقل، حسبما نقل موقع راديو مونتي كارلو.
قديروف: أيها النازيون في كييف
وكتب قديروف "قبل أيام كنا على بعد نحو 20 كلم منكم أيها النازيون في كييف والآن أصبحنا أقرب"، داعياً القوات الأوكرانية إلى الاستسلام "وإلا فسينتهي أمرها". أضاف "سنريكم في شكل ملموس أنّ الممارسة الروسية تُعلّم الحرب أفضل من النظرية الأجنبية ومن توصيات المستشارين العسكريين".
وفي بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا، انتشرت صور على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر ساحة في غروزني عاصمة الشيشان تعج بجنود زعموا أنهم في طريقهم إلى أوكرانيا.
وعلى درب قديروف و"رفاقه"، تستعد ميليشيات سورية مؤيدة وتابعة للنظام، للتوجه إلى أوكرانيا في إطار حملة ينشرها الإعلام الموالي، عنوانها "الوفاء وردّ الجميل لروسيا"، في إشارة لتدخل موسكو في سوريا وإنقاذ النظام السوري ومحاربتها فصائل المعارضة.
اقرأ أيضاً: إخوان اليمن متهمون بتمويل متشددين للذهاب إلى أوكرانيا ... ما حقيقة الأمر؟
وأكدت روسيا، الجمعة، أنّ 16 ألف متطوع سوري مستعدون للمشاركة في المعارك الدائرة في أوكرانيا. وفي حال تأمن هذا الدعم الميداني فعلياً، فإنه سيتيح لروسيا الالتفاف على عزلتها على الساحة الدبلوماسية.
المرتزقة السوريون
وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها إقحام مرتزقة سوريين في نزاع خارج بلادهم، فقد زجّت موسكو وأنقرة بسوريين في ليبيا، كما أقحمت تركيا سوريين في إقليم ناغورني قره باغ.
وبحسب إفادات متطوّعين سوريين جمعتها منظمة "سوريون من أجل الحرية والعدالة" شرط عدم كشف هوياتهم، طلبت موسكو من أجهزة سورية إطلاق حملة تطوع في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام لتجنيد رجال لديهم خبرة في قتال الشوارع.
وقال قائد "قوات الدفاع الوطني" في مدينة السقيلبية شمال غربي حماة، نابل عبد الله إنه لا يزال في سوريا وينتظر "التعليمات" للذهاب إلى أوكرانيا والقتال بجانب القوات الروسية.
وأكّد عبد الله في منشور على "فيسبوك"، أنه بانتظار التعليمات من "القيادة السورية والقيادة الروسية" للسفر إلى أوكرانيا. وقال إنّ الميليشيا التي يقودها "جاهزة لتقديم أشياء جديدة لم يروا مثلها سابقاً من قتال شوارع، وطرق حربية"، كما أبدى استعداده لـ"إلغاء أحادية القطب، وتسجيل التاريخ الجديد".
وأضاف "نحن انتصرنا على هذه الحرب في سوريا، والإرهابيون الذين حاربوا في سوريا، وداعموهم هم النازيون الجدد الموجودون الآن في روسيا، ويقاتلون الإقليمين المستقلين".
قائد ميليشيا سورية: جاهزون لتقديم أشياء جديدة لدعم روسيا لم يروا مثلها سابقاً من قتال شوارع، وطرق حربية، ومستعدون لـ"إلغاء أحادية القطب، وتسجيل التاريخ الجديد"
وتشهد مدينتا محردة وسقيلبية بريف حماة وسط سوريا، منذ أيام، مسيرات شعبية وفعاليات واحتفالات أمام الكنائس، شارك فيها رجال دين مسيحيين وقادة "قوات الدفاع الوطني" بقيادة سيمون الوكيل ونابل العبد الله، وعبروا خلالها عن مواقفهم الداعمة لروسيا في حربها ضد أوكرانيا، من خلال صور للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وشعارات وكتابات مؤيدة لروسيا، حسبما أفادت جريدة "الشرق الأوسط".
وقالت مصادر للصحيفة إنّ "حملة ترويج واسعة يقودها كل من أحمد الدرويش أحد أعضاء البرلمان السوري للنظام ومقرب من روسيا، وخالد الضاهر متزعم إحدى الميليشيات المساندة لقوات النظام بريف إدلب الشرقي، لتشجيع الشبان السوريين في مناطقهم على التسجيل والالتحاق بالقتال في أوكرانيا لصالح روسيا، وتكفلوا بحماية من يرغب بالالتحاق من الملاحقات الأمنية والقضائية، ومنح ذويهم بطاقات شرف".
ميليشيا القاطرجي
وفي سياق متصل، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، أول من أمس الاثنين، إنّ ميليشيا القاطرجي التابعة للنظام السوري أصدرت تعميماً لعناصرها يسمح لهم بالتطوع للقتال إلى جانب القوات الروسية في أوكرانيا. ونقل المرصد عن مصادر قولهم إنّ عملية التطوع تجري في مقر قيادة القوات الروسية بحي الفيلات بمدينة دير الزور.
وقال إن قيادة "القاطرجي" سمحت لسائر منتسبيها وعناصرها العاملين في الحقول النفطية بريف دير الزور، بتسجيل أسمائهم ضمن طلبات انتساب للقتال في أوكرانيا إلى جانب القوات الروسية، وذلك في مقرات القيادة التابعة للميليشيا في مناطق سيطرة النظام بمحافظة دير الزور.
وميليشيا "القاطرجي" مدرجة على لائحة العقوبات الدولية، ومتهمة بتزويد النظام بأسلحة متنوعة، كما أنها "عراب الصفقات بين تنظيم داعش والنظام، بالإضافة لصفقات النفط والقمح أمام أعين التحالف الدولي في مناطق شمال وشرق سوريا".
اقرأ أيضاً: هل تُفضي الحرب في أوكرانيا إلى تجديد واشنطن علاقتها بدول الخليج؟
ونقل المرصد عن مصادر أنّ أعضاء الفرق الحزبية في حزب البعث السوري الحاكم أرسلوا أخباراً للمقاتلين السابقين ممن كانوا في صفوف الفصائل وآخرين ممن أتموا الخدمة الإلزامية بجيش النظام، مفادها أنّ من يريد الذهاب للقتال في أوكرانيا عليه تسجيل اسمه في مقرات الفرق الحزبية. وقال إن هناك إقبالاً كبيراً من الشبان على تسجيل أسمائهم، هرباً من الفقر وسوء الأوضاع المعيشية ضمن مناطق النظام.
وأضاف المرصد أنّ مندوبين من شعبة الاستخبارات العسكرية التابعة للنظام بدأوا بإشاعة أنّ الرواتب التي سيتقاضاها المقاتل في حال جرى الموافقة على خروجه للقتال في أوكرانيا ستكون نحو 1000 يورو، أو 1500 دولار.
وأضاف أنّ المناطق التي شهدت تسجيل أسماء في ريف دمشق هي "ببيلا – بيت سحم" بإشراف عسكريين سابقين وفي الغوطة الشرقية تجري في بلدات عين ترما وكفربطنا وزملكا بإشراف أعضاء ضمن الفرقة الحزبية "كتائب البعث" ومندوبين من "شعبة الاستخبارات العسكرية".
حرب شوارع
ولترجيح الكفة في حرب الشوارع، يجب أن يكون ميزان القوى بواقع عشرة لواحد، وفق مصدر عسكري فرنسي، لأنّ الأفضلية هي دوماً للجهة المدافعة، لأنها أكثر دراية بطبيعة الميدان ويمكنها أن تتحرك سريعاً من نقطة إلى أخرى وتسيطر على الأماكن المرتفعة والإستراتيجية على غرار المباني.
وقال مصدر أمني غربي إن بوتين "بحاجة إلى عديد أكبر مما كان يعتقد. وبحاجة إلى قوات غير نظامية، لأنّ هذه الحرب بدأت تأخذ منحى تمردياً"، مع تحوّل المعارك إلى مواجهات بين جيش روسي ومجموعات شعبية أوكرانية تسعى بكل قدراتها إلى التصدي للهجوم الروسي.
وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلت عن مسؤولين أميركيين قولهم "إن تقويماً أمريكياً خلص إلى أنّ روسيا جندت مقاتلين سوريين على أمل أن تساعد خبراتهم القتالية بالمناطق الحضرية في السيطرة على العاصمة كييف". ونقلت الصحيفة عن زميلة لشؤون الأمن القومي في معهد دراسة الحرب في واشنطن جينيفر كافاريلا قولها، "إنه مع تدفق المتطوعين من دول أخرى على أوكرانيا يمكن أن يصبح الصراع مركز ثقل جديداً للمقاتلين الأجانب". وأضافت، "نشر روسيا لمقاتلين أجانب من سوريا في أوكرانيا يؤدي إلى تدويل حرب أوكرانيا، وبالتالي يمكن أن يربط الحرب في أوكرانيا بوضع إقليمي أوسع، لا سيما في الشرق الأوسط".