كيف تشكلت ظاهرة الجهاديين في البلقان؟ وما مستقبلها؟

كيف تشكلت ظاهرة الجهاديين في البلقان؟ وما مستقبلها؟


11/02/2020

ترجمة: علي نوار


"تفرز منطقة البلقان تاريخاً أكثر مما تستطيع استيعابه"، كانت هذه عبارة صرّح بها رئيس الوزراء البريطاني السابق وينستون تشرشل ويبدو أنّها على قدر من الصحة خاصّة إذا نظرنا إلى الأحداث التي شهدتها المنطقة وانتهت بتقسيمها. ولطالما كانت أنماط النزاع المسلّح الذي نشب في الإقليم على حدّته، وكانت كمظلّة تخفي تحتها ظاهرة لم تحظ وقتها بالاهتمام الكافي ألا وهي ظهور مقاتلين من دول أخرى يُطلق عليهم مصطلح المجاهدين في مسرح العمليات. وصل هؤلاء الأفراد للبلقان يجمعهم البحث عن القتال ومدفوعين بتفسير مشوّه ومتشدّد من الإسلام، الذي لم يختف من المنطقة بعد انتهاء الاقتتال. وبطريقة غير محسوسة، وصل التيار الجهادي إلى أوروبا. حجبت غابة الحرب الرؤية عن شجرة الفكر الجهادي.

اقرأ أيضاً: الجهاديون العائدون... جبهة مشتركة تجمع الجيران الفرقاء في البلقان

ارتبطت كلمة الجهاد على مدار التاريخ بالدفاع عن الإسلام. وحصل الخليفة الأندلسي الثاني الحكم الثاني من بن حزم على لقب "المجاهد الأعظم" بفضل مآثره في القتال ضد المسيحيين في شبه جزيرة إيبيريا. ووفقاً لأستاذة الدراسات العربية والإسلامية في جامعة مدريد أوتونوما، لوث جوميث جارثيا، فإنّ الكلمة اكتسبت زخماً خلال الحرب التي خاضها الأفغان ضد الغزو السوفييتي في الفترة بين 1979 و1989 وبدأ استخدامها في وسائل الإعلام يزداد أثناء عقد التسعينيات.

 


وقرّر أحد هؤلاء "المجاهدين" في أفغانستان، وهو السعودي أبو عبد العزيز، مغادرة البلد الآسيوي كي ينتقل إلى "دار حرب" جديدة وهي غرب البلقان بعد اندلاع الأزمة في البوسنة، وبالفعل بدأ أبو عبد العزيز في نيسان (أبريل) من العام 1992 في نقل المقاتلين من بيشاور إلى البوسنة لتتشكل ما تُعرف باسم "كتيبة المجاهدين" والتي اشتهرت بصبغ أفرادها لشعر رأسهم ولحاهم بالحناء وأطلق البعض عليهم اسم (ذوو اللحى الحمراء)، وهو اللقب الذي منحته أوروبا لخير الدين بربروس أحد أشهر قادة الأسطول العثماني والذي يُنسب له نجاحه في تحقيق أكبر انتصار عسكري للإمبراطورية العثمانية عام 1538 خلال معركة بروزة "أو بريفيزا" في اليونان، وتمكّنه من إغراق أسطول مكوّن من سفن حربية من إسبانيا والبرتغال وفينيسيا ومالطا والفاتيكان.

 

بعد إعلان البغدادي "دولة الخلافة" أكدت الأنباء أنّ 30 مواطناً من دولة الجبل الأسود في صفوف تنظيم داعش

وأكّد أبو عبد العزيز خلال مقابلة معه في آب (أغسطس) 1994 أنّه اجتمع بعدد من الأئمّة مثل؛ نصر الدين الألباني وعبد العزيز بن باز ومحمد بن عثيمين، وأنّهم جميعاً منحوه موافقتهم على الجهاد في البوسنة. ووصل الأمر لدرجة أنّ الألباني اعتبر الجهاد فريضة دينية. وكان أفراد كتيبته "المجاهدين" يقاتلون ضمن قوة اللواء السابع من الجيش البوسني. وكان عبد العزيز يحمل رتبة "قائد" بل ووصل لأن كان جزءاً من "القيادة المسلّحة الموحّدة العامة" والتي كشف عبد العزيز أنّها كانت "تريد رؤية نتائج فقط بعيداً عن أي استراتيجية أو طريقة عمل".

وبعد قليل من وصول عبد العزيز إلى البوسنة، في آب (أغسطس) من العام 1992، بعث أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة بجمال أحمد الفضل من الخرطوم وصولاً إلى زغرب في كرواتيا عبر العاصمة المجرية بودابست. وخلال تلك الفترة، أجرى اتصالات مع الأصوليين الإسلامويين الموجودين بالمنطقة وكان من بينهم أبو عبد العزيز.

وفي 1993، نُشرت مقابلة مع أسامة بن لادن الذي كان يوصف وقتها بـ"المناضل المناهض للسوفييت". وكان رأي زعيم تنظيم القاعدة حيال النزاع في منطقة البلقان أنّ "الوضع هناك لا يوفّر نفس الفرص مثل أفغانستان. توجّه عدد محدود من المجاهدين للقتال في البوسنة والهرسك، لكن الكروات لن يسمحوا بعبورهم عبر أراضيهم، تماماً كما فعل الباكستانيون مع أفغانستان".

ورغم هذه التصريحات "المتحفظة" من جانب بن لادن أثناء النزاع المسلح الذي دارت رحاه في البوسنة والهرسك بين عامي 1992 و1995، إلّا أنّ نفوذ الرجل ظهر في المنطقة. وطبقاً لتقرير نشرته صحيفة (هافنجتون بوست) عام 2011، فإنّ سفارة البوسنة والهرسك في فيينا أصدرت جوازي سفر لكل من أسامة بن لادن وذراعه اليمنى أيمن الظواهري اللذين سافرا إلى الأراضي البوسنية لتشكيل وحدة من المجاهدين ببلدة زينيتسا ومهمّتها مهاجمة القرى المجاورة التي تعيش فيها أغلبية سكانية من الصرب. وكان وجود بن لادن بعلم وموافقة الرئيس البوسني وقتها علي عزت بيجوفيتش. وظهر دليل على ذلك عام 1994 حين أكد ريناته فلوتاو مراسل مجلة "دير شبيغل" الألمانية أنّه شاهد بعينيه أسامة بن لادن في قاعة الانتظار تمهيداً للقاء الرئيس البوسني علي عزت بيجوفيتش مرّتين.

اقرأ أيضاً: السياسات التركية في البلقان: قوة ناعمة خيّرة أم نزعة استعمارية جديدة؟

بدورها غضّت وزارة الخارجية الأمريكية الطرف عن هذا التعاون بين عزت بيجوفيتش وبن لادن ولم تعلّق على هذا الأمر في أي من المؤتمرات الصحفية اليومية. كما هدّدت مادلين أولبرايت بينما كانت سفيرة للولايات المتحدة لدى منظمة الأمم المتحدة باستخدام حق النقض "فيتو" ضد قرارات المنظمة الدولية التي تدين الانتهاكات التي يرتكبها مسلمو البوسنة، وبحيث يكون الجيش الشعبي اليوغوسلافي وحده هو المسؤول عن جرائم الحرب التي وقعت.

 

 

وخلال تلك الفترة، بثّ تنظيم القاعدة مقاطع فيديو يظهر فيها المجاهدون بينما يلعبون نسخة دموية من كرة القدم بالرؤوس المقطوعة لجنود الجيش اليوغوسلافي. وقد أثارت هذه الممارسات، إضافة إلى المذابح الوحشية، قدراً هائلا من الرعب والهلع حتى بين مسلمي البوسنة "البوشناق".

ومنذ عام 1992، انتقل أربعة آلاف شخص تقريباً من الأجانب الوافدين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا إلى البوسنة للانخراط في الحرب. قوبل هؤلاء المقاتلون بالترحاب من جانب الحكومة البوسنية التي كانت تحصل بدورها على تبرّعات سخيّة من بعض الدول العربية.

اقرأ أيضاً: إرهاب إيران في البلقان

ويقول ريتشارد هولبروك، أحد المشاركين في إبرام اتفاقات دايتون للسلام "اعتقد أنّ المسلمين لم يكونوا ليظلّوا على قيد الحياة بدونهم"، في إشارة إلى هؤلاء المقاتلين الأجانب. وقد نصّت اتفاقات السلام على تفكيك كتائب المجاهدين وعودة أفرادها الأجانب إلى بلدانهم، ورغم ذلك ظلّ نحو 400 منهم في البوسنة.

أما مادلين أولبرايت، التي صارت وقتها وزيرة الخارجية في إدارة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، فقد طلبت وبشكل شخصي إلى الرئيس عزت بيجوفيتش طرد المشتبه فيهم بالإرهاب من البوسنة أو على الأقل سحب جوازات السفر البوسنية منهم. وكانت وثائق السفر هذه تسهّل لحامليها الدخول بلا تأشيرة مسبقة لأي دولة إسلامية. وكان ردّ بيجوفيتش على الأرجح سلبياً وادّعى الرجل أنّ الكثير من المجاهدين تزوّجوا في بلاده ما يمنحهم حق المواطنة كاملة الحقوق. ورغم ترك علي عزت بيجوفيتش للرئاسة عام 2000، لكن الإرهابيين المحتملين استمرّوا في مناصبهم يديرون شبكات خاصة بهم خارج نطاق سيادة القانون، وركّزت هذه الشبكات على حماية الإرهابيين.

كانت تلك الهجرة من منطقة البلقان إلى "دولة الخلافة" ممكنة بفضل آلة الدعاية الناجحة التابعة لداعش

واتّضح مدى تأثير التيار الجهادي بالبلقان في تقرير لجنة الكونغرس التي كُلّفت بالتحقيق في هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001. وقد أشار التقرير إلى أنّ اثنين من خاطفي الرحلة رقم 77 التابعة لشركة "أميريكان إيرلاينز"، التي ضربت مقرّ وزارة الدفاع الأمريكية "بنتاجون"، سبق لهما السفر عام 1995 إلى البوسنة والهرسك حيث شاركا في العمليات القتالية.

وصُوّر النزاع الجديد الذي اندلع في كوسوفو عام 1999 على أنّه جهاد دفاعاً عن الأغلبية المسلمة الألبانية-الكوسوفية. ورفعت حركة "جيش تحرير كوسوفو" أجندة ذات طابع قومي، وهي خطوة كانت نتيجتها في البداية عزوف الجهاديين. لكن بمرور الوقت اكتسب المكوّن الديني في الحرب الكوسوفية مزيداً من الزخم مقارنة بالبداية. وفي 2015 نشر شفقت كرسنيكي إمام المسجد الكبير في بريشتينا عاصمة كوسوفو مقطع فيديو عبر صفحته الرسمية على شبكة "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي يصف نفسه بـ"محارب قديم"، ليعترف وللمرة الأولى بانخراطه في الحرب التي نفّذ أثناءها عمليات قتل "باسم الله"، وفق قوله.

وعقب انتهاء الحرب، ارتحل 200 مواطن كوسوفي تقريباً إلى السعودية للحصول على دورات في الدراسات الإسلامية مستفيدين من منح وفّرتها المملكة. وقد ذهبت الأموال السعودية أيضاً إلى مشروعات أخرى. ووفقاً لفاتوس ماكولي رئيس شرطة مكافحة الإرهاب الكوسوفية، فإنّ المال السعودي اُستخدم لنشر الإسلام وفقاً للرؤية السعودية.

اقرأ أيضاً: طريق البلقان الجديدة..الهجرة بوصفها قطعة من الجحيم
أعلن أبو بكر البغدادي نفسه أميراً للمؤمنين وقيام "خلافته" المزعومة من المسجد الكبير في مدينة الموصل العراقية في تموز (يوليو) من العام 2014. بعدها بقليل، وتحديداً في أيلول (سبتمبر) من العام ذاته، انتشرت أنباء نقلاً عن مصادر من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي إيه" تؤكّد أنّ 30 مواطناً من دولة الجبل الأسود في صفوف تنظيم "داعش"، إضافة إلى 40 آخرين على الأقل من كوسوفو، علاوة على تسعة من مقدونيا، لقوا مصرعهم أثناء العمليات القتالية. وشاع في ذلك الوقت أنّ 350 على الأقل من الجهاديين الوافدين من جنوب غربي إقليم السنجق، الذي تعيش فيه نسبة كبيرة من مسلمي صربيا، ربما سافروا إلى منطقة النزاع في الشرق الأوسط. يُضاف إليهم 150 جهادياً كوسوفياً و140 ألبانياً و20 مقدونياً انتقلوا للهدف نفسه.

 

 

وكانت تلك "الهجرة" من منطقة البلقان إلى "الخلافة" ممكنة بفضل آلة الدعاية الناجحة التابعة لـ "داعش". ففي العدد الحادي عشر من مجلة "دابق" الرقمية والمنشور في أيلول (سبتمبر) 2015 وبالصفحة رقم 57، يُشار وبلهجة انتصار إلى "وجود" التنظيم في "دول أخرى من البقان"، إضافة بالطبع للبوسنة وكوسوفو وألبانيا. كان ذلك تعبيراً عن الدوافع المنطقية بالنسبة للتنظيم للحفاظ على هذا الوجود القوي في المنطقة.

وأشارت "دابق" إلى نشر تيارات من الإسلام ذات مرجعية سلفية.. وطبقا لدعاية "الخلافة" فإنّ هؤلاء "المتحوّلين" كانوا السبب وراء "موجة مستمرّة من المتطوعين" وقد حصلوا على الدعم من "وحدات لوجيستية" مقارها "تركيا واليونان وإسبانيا وإيطاليا". وبالنسبة لـ"داعش" فإنّ تنامي أعداد معتنقي الفكر السلفي  بالمنطقة سمحت له بالحصول على "منفذ آمن إلى دول الاتحاد الأوروبي".

وقد كشف تقرير أعدّه "المركز الكوسوفي للدراسات الأمنية" عام 2015 الأسباب التي دفعت 230 مواطناً كوسوفياً، ومن بينهم قدامى المحاربين في "جيش تحرير كوسوفو"، للانخراط في صفوف الجهاد بعد تأثّرهم بالخطب التي كان يلقيها أئمّة مساجد محلية.

تقرير: انخرط 230 مواطناً كوسوفياً في صفوف الجهاد بعد تأثّرهم بالخطب التي كان يلقيها أئمّة مساجد محلية

كذلك، وضعت منظمة "المبادرة الأطلسية" غير الحكومية ومقرّها سراييفو تقريراً بعنوان "ظلال الحرب السورية: المقاتلين الأجانب" وصدر في 2015 قسّمت فيه هؤلاء المقاتلين إلى مجموعتين منفصلتين وفقاً للأسباب التي دفعت مواطنين يحملون الجنسية البوسنية للنزوح إلى مناطق النزاع في سوريا والعراق. وأدرج ضمن المجموعة الأولى هؤلاء الذين رأوا النزاع السوري-العراقي بوصفه استمراراً للجهود التي انتهت بالنسبة لهم بشكل سابق لأوانها بسبب اتفاقات دايتون عام 1995. أما المجموعة الثانية فقد ضمّت هؤلاء الأفراد الشباب الذين اعتنقوا الدين الإسلامي وسافروا سعياً وراء المغامرات وإثبات ذاتهم، وكذلك الحصول على التقدير من المحيطين بهم.

وفي تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2016، نشرت الآلة الدعائية لـ "داعش" عبر مؤسسة "الحياة ميديا" نسخة باللغة البوسنية من مجلّتها "رومية" التي سبق وأن صدرت بعدة لغات في أيلول (سبتمبر) من نفس العام. ويرى جوران كوفاسفيتش الأستاذ في كلية علوم الإجرام والدراسات الأمنية بجامعة سراييفو أنّ اهتمام "داعش" بالبوسنة والهرسك يُعزي في المقام الأول لكونها دولة ذات أغلبية مسلمة تقع في أوروبا، رغم أنّ تعداد المسلمين يصبح أقلّ إذا ما قورن بكوسوفو أو ألبانيا. كما أنّ إحدى "المميزات" التي كان يراها "داعش" في المرشحين المحتملين من البوسنيين هو التدريب العسكري لا سيما الذي يتمتّع به من سبق لهم المشاركة في النزاع المسلّح بين عامي 1992 و1995. أفراد يحظون بخبرة قتالية ولا يتوفّرون على مصدر دخل قد يعتبرون أنّ انخراطهم في صفوف التنظيم الإرهابي من شأنه أن يضمن لهم تحسين وضعهم الشخصي. وإضافة إلى ذلك لا ينبغي إغفال الشباب الذين يعانون من معدّلات بطالة مرتفعة ما يسهّل تأثرهم بوسائل دعاية "داعش".

وعلى مدار عام 2016، تم القبض في كوسوفو على 14 رجل دين وتوجيه تهم ضم 67 فرداً وإغلاق 19 منظمة إسلامية بسبب عملها بشكل يخالف الدستور والتحريض على الكراهية وتجنيد أشخاص لصالح جماعات متشددة. ويوجد في الوقت الحالي ما يزيد عن 800 مسجد في كوسوفو، منها 240 أنشئت عقب انتهاء النزاع.

 

 

وخلال الفترة بين 2012 و2016، قدّرت السلطات الصربية أعداد مواطنيها الذين سافروا إلى أراضي تخضع لسيطرة تنظيم "داعش" بـ50 فرداً، بينهم نساء وأطفال أيضاً. وقد تم تجنيد الكثير منهم بين أفراد فئة الرومانيين الذين يتعرّضون لقدر كبير من التهميش وآخرين من المسلمين البوسنيين الذين كانوا مقيمين على الأراضي الصربية.

وفي حزيران (يونيو) 2016 نُشرت نسخة جديدة باللغة البوسنية من مجلة "رومية" تحوي مقالاً معنوناً "البلقان: الدماء للأعداء والعسل للأصدقاء". وأورد المنشور "نقسم بالله أنّنا لن ننسى البلقان" وتضمّن تحذيراً هو "قريباً سيتجوّل جنود الخلافة في شوارع بلجراد وزغرب وسراييفو وتيرانا وبريشتينا وسكوبيه ومدن أخرى، يبترون رؤوس ويسفكون دماء الكفّار". كما شمل تهديدات استهدفت الصرب والكروات الذين قاتلوا ضد المسلمين البوسنيين، وامتدّت قائمة التهديدات لتطال جميع "خونة الإسلام" في البوسنة وصربيا وألبانيا وكوسوفو ومقدونيا. ووفقاً لـ"داعش" فإنّ هؤلاء سيلاقون العذاب والتنكيل صنوفاً إذا لم يعتنقوا تأويله للإسلام.

وفي نفس الشهر أنتجت "الحياة ميديا" مقطع فيديو دعائي بعنوان "شرف الجهاد"، أعدّته خصيصاً للبلقان ويظهر فيه الجهاديون الوافدون من البوسنة والهرسك يناشدون مواطنيهم "الهجرة" نحو "الخلافة" أو مواجهة الحكومة البوسنية. كما طالب جهادي آخر، ألباني على الأرجح، بني جلدته بالسفر إلى الأراضي التي يسيطر عليها "داعش" من أجل "تذوّق حلاوة الخلافة".

وقد نشر "سوفان سنتر" وهو مركز دراسات أمريكي متخصص في ملفّات الأمن العالمي، تقريراً في 24 تشرين الأول (أكتوبر) 2017 ذكر عبره أنّ 900 مواطن من دول منطقة البلقان تركوا بلادهم متجّهين إلى جبهات القتال في العراق وسوريا. ويوجد بين هذا العدد نساء وأطفال، وبواقع 148 بوسنياً، و300 كوسوفي. أما عدد العائدين إلى بلادهم فقُدّر بـ250 شخصاً.

وفي أواخر 2019، قال وزير الداخلية في البوسنة والهرسك دراجان ميكتيتش إنّ هناك 260 مواطناً، هم 100 رجل و160 امرأة وطفلاً، يقبعون في مخيمات الاعتقال بسوريا بعد سفرهم للمنطقة بهدف الانخراط في صفوف "داعش". من جانبها، قدّرت السلطات الكوسوفية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019 أنّه لا يزال هناك 30 مواطناً كوسوفياً هناك في سوريا إثر انضمامهم للتنظيم الإرهابي.

إنّ الطرح المغلوط القائل بأنّ خروج السوفييت من أفغانستان كان سببه الوحيد هو المقاتلون الذين يعتنقون الأفكار المتطرفة، مع الإغفال المتعمّد للدور الذي لعبته أطراف خارجية قدّمت مساعدات جمّة، كان الدافع وراء توجّه عدد كبير منهم إلى البلقان لمواصلة حربهم المقدّسة المزعومة. كانت الصورة السائدة هو أنّ هؤلاء يحملون لقب "مجاهدين" ذي البريق اللامع لكن هذا الأمر أدّى لعدم رؤية المشكلة من جميع الزوايا. وبحسب سباستيان هافنر، فإنّ هؤلاء "المجاهدين" كانوا في الحقيقة "جهاديين" لكن أحداً لم يجرؤ على قول ذلك.

 

 

والحقيقة أنّ ضلوع هؤلاء الجهاديين في الحرب لم يكن عاملاً حاسماً لهذه الدرجة، رغم أنّه أسهم في نشر أفكارهم وتجذيرها في المنطقة. وقد كانت هذه الظروف تربة خصبة مهّدت لالتحاق الكثير من مواطني المنطقة بالسفر إلى "الخلافة" بعد قيامها على يد أبو بكر البغدادي.

بيد أنّ مقتل الأخير في 2019 وطرد عناصر التنظيم من الأراضي التي كان يسيطر عليها أجبرت الكثير من مواطني منطقة البلقان على التفكير في العودة لبلدانهم. لكن هذه النقطة تمثّل هي الأخرى مشكلة معقّدة ألا وهي كيفية التعامل مع الجهاديين العائدين. وظهور الحاجة لوضع تصنيف لهؤلاء الأفراد وفقاً لحالتهم سواء الذين يعانون حالة من الصدمة أو الذين يشعرون بالإحباط أو المستسلمين الذين لم يتراجعوا عن أفكارهم بعد.

والواقع أنّ هناك فوارق عديدة بين الفئات الثلاث؛ فالمصدومون على الأرجح عايشوا توتّر النزاعات المسلحة ويعودون بتشوّهات عقلية ونفسية. أما اليائسون فقد اصطدموا بالحقيقة بعد أن ظنّوا أنّهم سيجدون المجتمع المثالي لكن هناك فرصة كي يتراجعوا عن أفكارهم رغم أنّهم يظلون في حالة انتظار للظروف المواتية مرة أخرى. بينما يعدّ المستسلمون هم الفئة الأخطر؛ لأنّ خبراتهم العسكرية قد يجرى استغلال في شنّ هجمات عنيفة، كما أنّهم قد يلجؤون لنقل تشدّدهم إلى الآخرين في محيطهم.


مصدر الترجمة عن الإسبانية:

https://bit.ly/31ExTvR



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية