ما تزال صورة العربي أو المسلم الإرهابي التي أطلّت بمفهومها الأوسع على العالم لأول مرة من على شاشة قناة الجزيرة القطرية بعد أحداث أيلول (سبتمبر) 2011 ماثلة في الأذهان، وهي الصورة التي ساهمت لاحقاً في تبرير معظم الحروب والنزاعات الإقليمية التي تعاني منها المنطقة اليوم، إضافة إلى مواجهة الإسلام لمصطلحات عززتها هذه الصورة؛ كالإسلاموفوبيا، والإرهاب الإسلامي.
المثير للجدل، أنّ قناة "الجزيرة" بعد تلك الأحداث التي شهدها العالم، لم تكتفِ بإظهار أسامة بن لادن ورجالاته من تنظيم القاعدة الإرهابي وهم يلوحون بأصابعهم مهددين العالم بالإرهاب في أي زمان ومكان، خاصة أنّ عمليتهم الأكبر بتفجير برجي التجارة في أمريكا كانت ضد مدنيين؛ بل قدمت القناة برامج صحفية ووثائقية من باب السبق الإعلامي، ساهمت في التلاعب بهذه الصورة لسنوات.
صورة المسلم الإرهابي التي روجتها "الجزيرة"ساهمت بتبرير معظم الحروب والنزاعات الإقليمية التي تعاني منها المنطقة
"سري للغاية"، أحد أبرز تلك البرامج التي سوّقت لهذا التنظيم الإرهابي، وبررت لشبكة معقدة من النزاعات في المنطقة العربية لاحقاً، ولا يوجد مثال أبرز كما حلقته المبثوثة على موقع يوتيوب العام 2008، وهي من جزأين بعنوان: (الطريق إلى 11 سبتمبر وأجراس الخطر)، علماً أن بث البرنامج على شاشة الجزيرة بدأ منذ العام 2002.
يسري فودة، الإعلامي المصري، مقدم البرنامج ومعده، وصاحب قصة شرائط الفيديو الشهيرة لمخططي "غزوة مانهاتن" كما يسميها قادة تنظيم القاعدة الإرهابي، يبدأ الجزء الأول من البرنامج بقوله: " طائرتان أمريكيتان ضربتا مبنيين أمريكيين فيما قيل لنا أنها عملية إرهابية، من يعلم؟".
ويشير فودة إلى أنّ القناة تفتح ملفات لم تفتح من قبل، ثم يتوسع البرنامج في خلفيته الصوتية التي تتنوع بين أناشيد دينية تحث على "الجهاد"، وموسيقى مجردة، إلى أن يأتي على ذكر قصة حياة محمد عطا أحد مخططي عملية تفجير البرجين بدرامية مثيرة للتعاطف، ولينتقل فيما بعد ليعرض محتوى قرص تركه له رمزي بن شيبة أحد قياديي القاعدة، وهو الشريط الذي بُث لاحقاً، بعد القبض على بن شيبة بتاريخ 11 أيلول (سبتمبر) 2002.
فودة: ربما دفعت "الجزيرة" مبلغ مليون دولار مقابل شرائط حصرية لقيادات في تنظيم القاعدة
تعليمات واضحة ومباشرة من بن شيبة لفودة، تطالبه بالحفاظ على سرية أشكال من يقابلهم من شخصيات القاعدة، كما يطلب منه إجراء مقابلة مع الدكتور الكويتي المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين عبدالله النفيسي، إضافة إلى المحلل السياسي الفلسطيني عبد الباري عطوان، ليشاركا في البرنامج عن تنظيم القاعدة، ويعده في النهاية بمقاطع حصرية لأسامة بن لادن زعيم التنظيم.
البرنامج استضاف عطوان بالفعل، وترك له المساحة ليقول: "إنّ منفذي ومخططي هذه العمليات من نخبة المتعلمين العرب، وفي أفضل جامعات العالم، لذا، يجب ألا نقلل من قدراتهم أو نعتبرهم أغبياء، حتى لو اختلفنا مع طريقة تفكيرهم لأن التقليل من شأنهم أمر معيب".
تلقى يسري فودة تعليمات واضحة ومباشرة من بن شيبة تطالبه بالحفاظ على سرية شخصيات "القاعدة" الذين يقابلهم
أما بخصوص شرائط الفيديو الحصرية لقيادات في تنظيم القاعدة، وكانت تشكل لفودة سبقه الصحفي لأجل برنامج سري للغاية وكذلك لقناة الجزيرة، فيورد فودة ضمن كتابه "في طريق الأذى"، الصادر عن دار الشروق المصرية العام 2015، أنّ قناة الجزيرة، "ربما دفعت مبلغ مليون دولار "، وذلك بناء على طلب "مجاهدين" أخفوا الشرائط، وأعلنوا أنهم يحتاجون إلى الدعم المادي في ظل ظروف الجهاد الحرجة.
ويشير فودة في الكتاب نفسه إلى أنّ المبلغ ربما تم دفعه، كما يقول إنّه لم يشك أبداً في أنّ تنظيم القاعدة هو من خطط "لغزوة مانهاتن"، وأنه (أي فودة) أول من وصل إلى المخططين، وعرضهم للعالم من خلال قناة الجزيرة، ثم يضيف في عبارة ربما تحمل بعض المبالغة: "كنت أتنقل هنا وهناك، ألتقيهم وأحصل على المعلومات، فيما مخابرات العالم تضرب أخماساً بأسداس".