كيف تجنبت روسيا الانجرار إلى الفخ التركي بصراع أرمينيا وأذربيجان؟

كيف تجنبت روسيا الانجرار إلى الفخ التركي بصراع أرمينيا وأذربيجان؟


08/10/2020

تلتزم روسيا ضبط النفس إلى درجة غير متوقعة، فيما تعبث تركيا في منطقة نفوذ تاريخية لموسكو حيث جنوب القوقاز، التي كانت من قبل جزءاً من الاتحاد السوفييتي، فيما تتعامل روسيا كما لو أنّها بصدد أزمة في دولة بعيدة غير ذات أهمية بالنسبة إليها، فتدعو إلى التهدئة وتعرب عن القلق، وتستاء من نهج أنقرة.

اقرأ أيضاً: ماذا قال رئيس وزراء أرمينيا عن الدور التركي في الحرب مع أذربيجان؟

ولا يُعدّ هذا الهدوء وضبط النفس نهجاً تقليدياً لموسكو، التي تلعب أدواراً رئيسية، وتنتقل من الساحة السورية إلى الليبية، في مواجهة تركيا تارة، وفي مهادنتها أخرى.

ولم يكن متوقعاً أن تلتزم موسكو نهج الانضباط والحيادية، في الأزمة التي تُعدّ طرفاً رئيسياً فيها، فهي حليفة لأرمينيا التي تخوض صراعاً مسلحاً منذ 27 أيلول (سبتمبر) الماضي مع أذربيجان حليفة تركيا.

لا يُعدّ هذا الهدوء وضبط النفس نهجاً تقليدياً لموسكو

قرابة أسبوعين مرّا على التصعيد، والخسائر الأكبر تقع في الجانب الأرميني، والدعم التركي لأذربيجان يتواصل، حتى أنّ وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو طار إلى أذربيجان للوقوف على الأوضاع ومواصلة الدعم، فيما يخرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال لقاء تلفزيوني ليصرّح بأنّ بلاده تدعم أرمينيا وملتزمة بالتعاهدات، غير أنّ الحرب الجارية لا تجري داخل أرمينيا.

 

قرابة أسبوعين مرّا على التصعيد والخسائر الأكبر تقع في الجانب الأرميني والدعم التركي لأذربيجان يتواصل

وفي تأكيد على النهج الروسي، ولكي لا تترك تصريحات بوتين سبيلاً للتأويل، خرج المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، معلقاً على تصريحات الرئيس، بالتشديد على أنّ "الالتزامات التي تتحملها روسيا أمام أرمينيا ضمن إطار منظمة معاهدة الأمن الجماعي لا تمتدّ إلى قره باغ المعلنة إقليماً ذاتياً، والمدعومة من قبل يريفان"، بحسب ما أورده موقع "روسيا اليوم".

اقرأ أيضاً: العفو الدولية: أذربيجان تستخدم أسلحة إسرائيلية محرمة ضد أرمينيا

وأضاف بيسكوف: إنّ الالتزامات التي ذكرها بوتين تلزم أطراف المعاهدة بضمان أمن أرمينيا في حال تعرّضها لأيّ عدوان خارجي، مضيفاً: "في هذه الحالة يدور الحديث عن أرمينيا حصراً، وقد فصل الرئيس بكلّ وضوح بين الملفين. لا تمتدّ التزاماتنا ضمن إطار منظمة معاهدة الأمن الجماعي إلى قره باغ".

اقرأ أيضاً: لماذا يحاول أردوغان أسلمة الصراع بين أرمينيا وأذربيجان؟

وأكد بيسكوف أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أجرى اليوم أوّل اتصال هاتفي منذ بدء الجولة الجديدة من التصعيد في قره باغ مع نظيره الأذربيجاني إلهام علييف قائلاً: إنّ الزعيمين بحثا بشكل مختصر المسائل المتعلقة بنزاع قره باغ، وسيتواصل الحوار بينهما لاحقاً.

انتقال القتال والهجمات إلى "أنابيب النفط" غالباً سيدفع الدول الكبرى للتصدّي لأنقرة لوقف التصعيد

وتعزّز التصريحات السابقة ما لوحظ منذ بداية التصعيد من عزوف روسي عن التورط في الفخّ التركي، والمتمثل في الرغبة التركية في إثارة النزاعات شرقاً وغرباً، من أجل استعراض القوة، والتمحور في النظام العالمي قوة فاعلة لا يستهان بها، قادرة على إثارة الأزمات، ومن ثمّ لا يمكن تجاوزها لحلها.

وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو طار إلى أذربيجان للوقوف على الأوضاع ومواصلة الدعم

وعلى خلاف سوريا وليبيا اللتين مثلتا ساحتي صراع عالمي، تتلاقى فيهما الطموحات والتنافس على النفوذ بين روسيا والولايات المتحدة وإيران والاتحاد الأوروبي، بحيث كانتا مؤهلتين ليدفع أيّ تغير فيهما إلى تحرك دولي واسع، وتنافس على كعكعة النفوذ، فإنّ الموقف المفتعل من قبل تركيا جنوب القوقاز لم ينجح حتى الآن في تنفيذ أهدافه، وهي فتح ساحة جديدة لصراع إقليمي.

لم يكن متوقعاً أن تلتزم موسكو نهج الانضباط والحيادية في الأزمة التي تُعدّ طرفاً رئيسياً فيها

وإلى جانب ذلك، فإنّ روسيا، بحسب ما أورده الباحث الروسي ميخائيل سيرغييف، في نيزافيسيمايا غازيتا، ستضطرّ لدفع ثمن باهظ في حال أجبرت على الدفاع عن أرمينيا؛ إذ سيضيف ذلك أعباء إضافية اقتصادية جرّاء فتح ساحة جديدة للحرب على الموازنة الروسية.

ورغم ذلك، يرى سيرغييف، بحسب ما أورده موقع "روسيا اليوم"، أنّه "لم يعد من الممكن لروسيا التمسّك بالموقف السابق كحكم في النزال".

اقرأ أيضاً: تركيا متهمة دولياً بتأجيج الصراع بين أرمينيا وأذربيجان.. ما الجديد؟

فيما رأى الأستاذ المساعد في قسم البزنس الدولي والجمارك في جامعة بليخانوف الروسية للاقتصاد إيغور خميليف، بحسب المصدر ذاته، أنّ "من الصعب بشكل عام تقدير تكلفة الدعم المباشر من روسيا لأرمينيا في الصراع في ناغورني قره باغ اقتصادياً؛ ففي حين يمكن حساب تكلفة الأسلحة والذخيرة والممتلكات، فإنّ التكاليف الاقتصادية لقطع جميع العلاقات مع تركيا وأذربيجان ستكون باهظة. يمكن لتركيا، كملاذ أخير، إغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل أمام السفن الروسية، ووقف الشحنات إلى القاعدة العسكرية الروسية في سوريا".

اقرأ أيضاً: روسيا تقدم عرضاً لتهدئة الصراع بين أرمينيا وأذربيجان... هل تقبله تركيا؟

ولا يعني ذلك أنّ روسيا لا تملك بالمقابل أوراقاً يمكن أن تروّض بها تركيا، في حال دخلت في نزاع معها، وخاصة أنّ المواجهتين السابقتين في سوريا وليبيا تجاوزت فيهما مكاسب الأولى الأخيرة، لكنه يعني عدم رغبة روسيا في الانجرار إلى فخٍّ سيجرّ عليها لعب دور مباشر فيه متاعب أكبر من لعب دور الوسيط.

 استمرار التصعيد العسكري قد يدفع روسيا إلى التدخل

ورغم ذلك، فإنّ استمرار التصعيد العسكري قد يدفع روسيا إلى التدخل، خاصة أنّ تصريحات بوتين ربطت بين تدخل بلاده وانتقال الصراع إلى أرمينيا، وشدّد على أنّ بلاده لم تتخلَّ عن حليفاتها، قائلاً: فيما يتعلق بتنفيذ روسيا لالتزاماتها بموجب المعاهدة، فقد أوفينا دائماً ونفي، وسنواصل الوفاء بالتزاماتنا.. أنا على اتصال دائم مع رئيس وزراء أرمينيا، وليس لدى أرمينيا أيّ أسئلة حول مدى وفاء روسيا بالتزامات الحلفاء".

اقرأ أيضاً: فرنسا وروسيا قلقتان من الصراع بين أذربيجان وأرمينيا لهذه الأسباب

ومن جهة أخرى، فإنّ الدور التركي في أذربيجان، على خلاف التصريحات الأمريكية والأوروبية، قد لا يثير استياءهم في ظلّ رغبتهم في تقليم أظافر روسيا، غير أنّ ذلك لن يستمرّ طويلاً، خاصة مع انتقال القتال والهجمات إلى "أنابيب النفط"، وهو تحوّل سيدفع تلك الدول إلى التصدي لأنقرة لوقف التصعيد وعودة الأطراف إلى طاولة الحوار، وربما ذلك ما تراهن عليه موسكو.

وتكتسب منطقة جنوب القوقاز أهمية حيوية، حيث تمتدّ خلالها أنابيب النفط والغاز التي تغذّي الأسواق العالمية. 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية