منذ منتصف كانون الثاني (يناير) الماضي والعالم يحبس أنفاسه، بعد اجتياح فيروس "كورونا" الجديد لعدّة دول في العالم، منطلقاً من مدينة ووهان الصينية، التي تعيش حالة من العزل التام، في محاولة للسيطرة على الفيروس؛ حيث أعلنت السلطات الصحية الصينية، اليوم، ارتفاع عدد وفيات الفيروس في جميع أنحاء البلاد إلى 908، وعدد المصابين إلى نحو 40 ألفاً، مشيرة إلى أنه تم شفاء 3281 مصاباً بالفيروس وغادروا المستشفيات.
اقرأ أيضاً: كورونا بين العقاب والابتلاء
وجاء هذا الحدث بعد انقضاء الحملة الإعلامية الشرسة ضدّ الصين، بعد إفشالهم لمحاولات انفصال الإيغور، إلّا أنّ الإسلامويين كان لهم رأي آخر في انتشار الفيروس.
جنود إلهية
على شاشة قناة "الرحمة" الفضائية، التي يترأسها أحد أقطاب الحركة السلفية في مصر، الشيخ محمد حسان، ومن خلال برنامج "الملف" الذي يقدمه محمد الشاعر، جرى استضافة الشيخ محمد عبد الملك الزغبي، أحد أبرز المؤيدين لحكم الإخوان المسلمين، برئاسة محمد مرسي، في مصر، إلّا أنّه اعتزل السياسة، وقرّر التفرغ للحديث عن الدين.
الإسلامويون، يحاولون دوماً القفز فوق الأحداث وترويضها لصالح أطروحاتهم وشكلوا كتائب إلكترونية تدعو على الصين وأهلها بالهلاك وتتمنى زوالها
القناة خصصت حلقة بعنوان "إنذارات الله في الأرض" ليتحدث فيها عن التجنيد الإلهي لفيروس "كورونا"، الذي جاء نصرة من الله لمسلمي الإيغور، الذين قتلهم الدبّ الصيني، بحسب زعم الشيخ الزغبي، وهم ضعفاء لا حول لهم ولا قوة.
تبدأ الحلقة بسؤال الإعلامي للشيخ عن العلاقة بين فيروس "كورونا" وما حدث مع مسلمي الإيغور، ليردّ الشيخ: "بداية لسنا دراويش"، فيما يستشعر المشاهد أنّ الرجل مدرك أنّ للفيروس سبباً علمياً مادياً، ليتبعها بجملة: "على الجميع أن يعلموا أنّ الله، جلّ وعلا، حافظ لدينه وحافظ للمسلمين"، وأخذ يزيّن خطبته بمزيد من الآيات القرآنية، مختتماً إياها بقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ مُتِمُّ نُوره وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾، ثم برهن الشيخ أنّ الحكومة الصينية، التي اعتقلت مليون مسلم، جاءها جند الله ليحتجزوا البلد بأكمله.
يحاول الشيخ سرد أحداث لا يعلم أحد مدى صحتها أو مصدرها الحقيقي، بأنّ الحكومة الصينية هدمت المساجد، وحرقت المصاحف، ومنعت المسلمين من ممارسة شعائرهم، ويحكي أنّ الجنود الصينين كانوا يعذبون المسلمين ويسألونهم: "أين ربكم الآن؟"، ليردّ الشيخ: "ها هو ربّهم العزيز الجبار، قد أرسل عليكم جنداً من جنده"، يحاول الشيخ استخدام ألفاظ رنانة لإثارة حماسة الناس، وبعيداً عن كلامه غير العلمي، ألم يعلم الشيخ أنّ "حمّى لاسا" انتشرت في نيجيريا وقتلت العشرات خلال أيام معدودة، وهم من المسلمين الفقراء المكتوين بنيران الإرهاب.
اقرأ أيضاً: كيف قاوم رواد مواقع التواصل فيروس كورونا؟!
الإسلامويون، يحاولون دوماً القفز فوق الأحداث وترويضها لصالح أطروحاتهم، لغسل عقول أتباعهم الذين انتشروا على مواقع التواصل الاجتماعي، على شكل كتائب إلكترونية، تدعو على الصين وأهلها بالهلاك وتتمنى زوالها، مؤمنين كامل الإيمان بأنّ الفيروس أتى انتقاماً، ولا يمكن أن يصل إلى بلدان المسلمين؛ لأنّهم محفوظون بإذن الله. وكان الإخوان المسلمون قصّوا من فوق منصة رابعة العدوية لأسابيع، حكاية الملائكة التي تتنزّل إليهم في كلّ ليلة.
أسلمة الفيروسات
على اليوتيوب، توجد قناة باسم "مكافح الشبهات"، يبلغ تعداد مشتركيها قرابة نصف المليون، وفي حلقة بعنوان "ماذا قال النبي ﷺ عن التعامل مع فيروس كورونا الصيني وغيره؟!"، تجاوزت مشاهدتها 700 ألف مشاهدة، يطلّ علينا أحد مشايخ السلفية، طارق السيد، وشهرته "أبو عمر الباحث"، ليكافح الشبهات ويخبر الجماهير بأنّ كورونا، إضافة إلى أنّه جند من جنود الله أرسل إلى القوم الكافرين دفاعاً عن مسلمي الإيغور، فهو أيضاً إثبات لنبوة النبي الكريم ﷺ، ليستشفّ من القرآن الكريم والسنّة سبب انتشار الفيروس وكيفية علاجه، مستهلاً سرديته بقوله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ لينتقل إلى مرحلة حديث الإسلام عن وسائل وتقنيّات التعقيم الطبي قبل 1400 عام، مستشهداً بأحاديث الطاعون، الواردة في صحيح البخاري: "إذا سمعتم بالطاعون في أرضٍ فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها"؛ إذ ربط الشيخ بين الحديث وإجراءات الحجر الصحي التي اتخذتها الصين للحدّ من انتشار الفيروس، في محاولة مستميتة منه لإثبات نبوة النبي الكريم ﷺ، وهو ما يكرره طول الحلقة.
يُعرِّف أبو عمر الباحث، الذي شارف على الأربعين، نفسه من خلال الموقع الرسمي لقناته "مكافح الشبهات"، التي يشرف عليها الشيخ محمد سليمان البُراك، الحاصل على الدكتوراه من كلية أصول الدين بجامعة أم القرى، بأنّه "المسلم الفقير إلى الله، من أهل السنّة والجماعة، وقد خصص حياته للذود عن الشبهات حول الإسلام، ومناهضة المنصّرين"، مستشهداً بقول ابن تيمية، بعد تزييل اسمه بشيخ الإسلام: "فالرَّادُّ على أهل البدع مجاهد، حتى كان يَحيى بن يَحيى يقول: الذَّبُّ عن السُّنة أفضلُ مِن الجهاد".
مزاعم بأنّ الصين اضطهدت مسلمي الإيغور وأنّها تجبرهم على شرب الخمر وأكل لحم الخنزير وممارسة الرذيلة والتخلي عن دينهم
وعلى غرار جماهير قناة "الرحمة"؛ انطلق جماهير الباحث تعليقاً على مواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب، لينشروا أدعية تقي المسلم شرّ فيروس الكورونا، وتتمنى "إبادة كاملة للشعب الصيني الكافر الذي اضطهد دين الله"!
فهل غدا التشفّي في الآخرين سلوكاً عاماً يتميّز به أبناء الجماعات الإسلامية، وهو ما برز في عدة أحداث مؤخراً، أهمّها وفاة الدكتور محمد شحرور، الذي اعتبرته التيارات الإسلامية، على اختلاف درجات تطرفها، محرفاً لشريعة الله، ثمّ عاودوا الكرّة بعد وفاة الناشطة المصرية، نورهان نصار، والتي توفّيت في حادث سير بمدينة لندن، بعد أن أعلنت خروجها عن الإسلام، معتبرين أنّ موتها انتقام من الله؟
اقرأ أيضاً: حتى وباء كورونا لم يسلم من الإخوان
في سياق متصل، وعلى قناة أخرى، بعنوان "المجلة"، تجاوز عدد متابعيها ستة ملايين عُرضت حلقة عن فيروس كورونا، تجاوزت مشاهداتها المليون، يشرح صانع الفيديو أنّ الدولة الصينية اضطهدت مسلمي الإيغور لإسلامهم، مؤكداً أنّها تجبرهم على شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، وممارسة الرذيلة، والتخلي عن دينهم، لذلك فإنّ حرب السماء قد بدأت بإرسال هذا الفيروس إلى الصين، والغريب أنّ تلك القنوات وأصحابها لا يذكرون أنّ المملكة العربية السعودية، هي أول دول المنطقة التي أصيبت بالفيروس، ثمّ الإمارات، فمصر والسودان، ناهيك عن الدول الآسيوية المجاورة للصين، التي لم ترتكب أخطاء بحقّ مسلمي الإيغور، بل تتعاطف معهم، لتعاقب أيضاً بذنب الحكومة الصينية كما يزعم هؤلاء.