في مسألة تعظيم قدرات حماس

في مسألة تعظيم قدرات حماس

في مسألة تعظيم قدرات حماس


22/01/2025

أيمن خالد

موجات من التضليل ومحاولات لصناعة وعي مضاد ليحل بديلاً مزيفاً يقصي الحقائق من داخل الوعي الجمعي، هي واحدة من أخطر الإشكاليات التي تواجهنا في العصر الحالي، وتزداد خطورة عندما يتم إلقاء صبغة دينية انتقائية في تفسير الموروث الديني، بحيث تصبح هذه العملية بديلاً ناسخاً للوعي الجمعي الموروث، وسط عملية تفضيلية يكون أبرز معطياتها إحداث شرخ مجتمعي كبير، لأنه يستحيل إحلال الوعي المضاد الجديد، الذي يرتكز على تفسيرات ورؤى مزيفة، من دون حالة من التصادم في البيئة المجتمعية الواحدة، تبدأ بالجدل، وتتجه نحو صورة من التنافر القطبي لم تكن موجودة من قبل.

لم تضع حرب غزة أوزارها بعد، ولم نصل إلى بداية اليوم التالي الذي يحدد ملامح مستقبل غزة، غير أن السابع من أكتوبر تحول إلى جدلية في وسائل الإعلام المحسوبة على الإخوان، الذين يخشون من التوصيف الحقيقي والواقعي لما حدث، لأنه سوف يمثل إدانة لهم، بالتالي هم يزحفون نحو صياغة وتدوين النصوص الشبحية بقصد الوصول إلى وعي شبحي، يصعب انتزاع العقل من بين براثنه، مثال ذلك ما يقال إن حماس فكرة والفكرة غير قابلة للموت! والواقع أن الخوارج فكرة، والإخوان المسلمين فكرة، وكثير من الظواهر التي تم إغراق العقل البشري في تفاصيلها وانتهت كـ فكرة، ما يصبح وعياً شبحياً غير قابل لرؤية الضوء في العالم المعرفي، الذي نعيش فيه، بعيداً عن الأساطير التي أصبحت مادة دسمة في تقديم حركة حماس، بحيث يتم تعظيم وتضخيم صورة حماس إلى مستوى الأسطورة من أجل أن يغفر ذلك للحركة المأساة التي خلفها على حياة المدنيين.

المسألة ليست في اختباء مقاتلي حماس فقط داخل الأنفاق وترك المدنيين في العراء ليدفعوا ثمن الحرب، وليكونوا ساتراً لما تحتها، لكن معاناتهم تلك تتم استغلالها في مسائل عدة، أبرزها إقناع هؤلاء الضحايا بأن ما خسروه إنما لكونهم موجودين في أرض الرباط بحسب توصيف حماس، وبالتالي يتوجب عليهم قبول الواقع الحالي بكل ما فيه من مرارة باعتبارها أقدار ربّانية، ويأتي ما وراء ذلك مسألة يراد منها أن تتبرأ الحركة من المسؤولية تجاه هؤلاء الضحايا ولكيلا تدفع لهم من أموالها.

بمقابل ذلك تكون مسألة تضخيم حماس هو بمثابة رسالة إلى جمهورها، بهدف استمرار تقديمه الدعم للحركة، ولعل أفضل ما يقال في حركة حماس، ليس أنها ليس فقط لم تكترث يوماً للمدنيين، بل إن حركة حماس التي تقدم نفسها حركة دينية هي أصلاً "لا تبني مسجداً واحداً إلا إذا ضمنت أنها ستحصل منه على مزيد من التبرعات".

فما قاله ذات يوم خليل الحية في فيديو مصور "مال حماس لحماس" هو حقيقة واقعة.

المشهد الثاني في معادلة تضخيم حماس، ينطلق من تسويق الحركة عبر منابر الإخوان، على أنها تمثل رأس الحربة في مشروع الأمة، ولهذا هدف خطير آخر، فهنا حماس تتجاوز فكرة المشروع الفلسطيني كما تدعي، نحو رؤية جديدة تتجاوز فيها حماس الأمة العربية، بحيث تصبح حركة أممية تحمل صدارة المشهد الإسلامي، وهو إشكال يعيد طرح دور الإخوان المسلمين في المشهد ودورهم في السعي نحو إسقاط الدولة الوطنية من أجل إنشاء خلافة موجودة في عقولهم فقط، ومدى تحول حماس لتكون واحداً من الأدوات لتلك المهمة تحت شعارات القضية الفلسطينية.

ما رأيناه في خطاب خليل الحية عشية الهدنة جاء يحمل صوة جديدة، فالتقليد الحمساوي المعروف بعد كل معركة يتناول تمجيد دور إيران، لكن هول المصاب على المدنيين يتم إغفاله باستبداله بكلمة صمود المدنيين، وهو بالتأكيد تضليل نوعي فريد، فعندما يتم توصيف معاناة المدنيين بأنها صمود، فهذا يعني أن المدنيين كانوا جزءاً من حركة حماس ويقفون خلفها، وبالتالي هم تحملوا نصيبهم من هذا الاصطفاف، وكانت الخطورة في انزلاق هذا المعنى في وسائل الإعلام، فأصبحت معاناة المدنيين الذين هم ضحايا ما قامت به حماس يتم توصيفها بالصمود.

الخطورة الثانية التي جاءت في خطاب خليل الحية، والذي بدلا من التوجه إلى خطاب تصالحي فلسطيني، ذهب يحيي ما يسمى كتيبة جنين، وهي المجموعة التي تعمل خارج نطاق القانون والتي أدخلت أسلحة ومتفجرات.

واشتبكت مع عناصر السلطة الفلسطينية وكان ولا يزال هدف هذا السلاح إعطاء إسرائيل المبررات الكافية لإعادة احتلال الضفة، وضرب مشروع التسوية السياسية في المنطقة، وهذا كله مترافق مع مشروع الإخوان المسلمين، والذي يجد في قيام دولة فلسطينية مستقلة نهاية لهذا المشروع.

تعظيم قدرات حماس وتحويلها إلى أسطورة يسير نحو التفاف جمهور حماس وراءها وتركهم يغرقون في عالم من الأساطير الموعودة.

العربية




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية