في ذكرى احتلال عفرين: أردوغان مستمر في حرب إبادة الأكراد

في ذكرى احتلال عفرين: أردوغان مستمر في حرب إبادة الأكراد


23/03/2021

مثّل احتلال عفرين، الواقعة في شمال غرب سوريا، من قبل القوات التركية، والعناصر المسلحة المحلية المدعومة منها، أحد فصول النزاع الممتد، منذ قرابة عشرة أعوام، في سوريا، وقد تسببت عوامل عديدة أبرزها الصراع الدموي الذي قاده النظام، في دمشق، وشركاؤه والإقليميون والدوليون، في إنتاج الصراعات الطائفية والجهوية، إثر تطييف الاحتجاجات التي كانت تنبذ التكتلات الضيقة والبراغماتية.

اقرأ أيضاً: تركيا: نواب أكراد مهددون بإسقاط عضويتهم .. ما علاقة حزب العدالة والتنمية؟

وبفعل التدخلات الخارجية التي سمح بها نظام "الأسد"، ثم أطراف في المعارضة، سقطت أقدام ملونة ومتباينة على الخريطة الجيوسياسية لسوريا؛ تفرض هيمنتها وتبعث مخططاتها، وتحقق أهدافها، كما هو الحال، بين تركيا وإيران، من ناحية، وروسيا والولايات المتحدة، من ناحية أخرى.   

شيار خليل أثناء المشاركة في إحياء ذكرى احتلال عفرين بباريس

بعد قيام الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في تشرين الأول (أكتوبر) عام 2019، بتنفيذ هجومه العسكري على شمال شرق سوريا، في العملية التي عرفت بـ"نبع السلام"، بالرغم من الاتفاق التركي الروسي على وقف القتال، برزت  حقائق، ميدانية وسياسية، من خلال جملة وقائع لافتة، لاسيما وأنّ العملية الأخيرة كانت قد سبقتها عدة عمليات مماثلة، وقعت في الفترة بين عامي 2015 و2018، من بينها: "درع الفرات" و"غصن الزيتون".

منظمة العفو الدولية: القوات العسكرية التركية، وتحالف الجماعات المسلحة السورية المدعومة من أنقرةا، أبدت ازدراءً مشيناً لحياة المدنيين وارتكبت انتهاكات جسيمة وجرائم حرب

ومن بين تلك الحقائق؛ استهداف أنقرة بواسطة عناصرها الميليشياوية تغيير الطبيعة السكانية والديموغرافية للمنطقة، والتي ترقى إلى أن تكون حرب إبادة، وقد وصفتها المنظمات الحقوقية، المحلية والأممية، بأنّها "جرائم حرب"؛ إذ تنوعت بين التطهير العرقي، والقتل على أساس الهوية، واستهداف المدنيين، ناهيك عن حوادث الاغتصاب والسرقة.

اقرأ أيضاً: هل تنجح الحرب الدعائية التركية ضد الأكراد في ما فشلت فيه البنادق؟

حصيلة الهجوم التركي في العملية المسلحة الأخيرة؛ نزوح 300 ألف شخص، من بينهم 70 ألف طفل، حسبما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان وتقارير أممية، وقتلى بين المدنيين قضى فيها نحو 235 مدنياً، إلى جانب إصابة أكثر من 700 آخرين، إضافة إلى نهب ثروات وممتلكات السوريين العرب والأكراد والسريان، على حدّ سواء، وممارسات عنصرية واضطهاد قومي، طاول العناصر الكردية، على وجه الخصوص.

جرائم حرب

ولذلك؛ يوضح الصحفي السوري، شيار خليل، مدير تحرير صحيفة "ليفانت"، مقرها لندن، أنّ النظام التركي عمد عبر أذرعه السورية في الائتلاف السوري المعارض وما يعرف بـ"الجيش السوري الوطني" الذي يضم عدة ألوية وفيالق ينتمي غالبية عناصرها إلى تنظيمات إسلامية متشددة وراديكالية مثل داعش وجبهة النصرة، المصنفتين على قوائم الإرهاب، إلى "بث الرعب والخوف بين أكراد عفرين لدفعهم للنزوح والهروب من المنطقة، وبالتالي إحداث تغيير ديموغرافي كامل بالمنطقة على حساب المكون الكردي؛ إذ حاولت الميلشيات المدعومة من أنقرة تغيير ديموغرافية المنطقة، خلال الثلاثة أعوام الماضية، بواسطة تهجير السكان وتغيير أسماء القرى والمناطق وممارسة الإرهاب بحقهم".

إذاً، فالأوضاع في عفرين والقرى المتاخمة لها، تزداد سوءاً، بحسب خليل، وذلك بعد الاجتياح التركي الذي أتى مخالفاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، حيث يعتبر ما جرى "احتلالاً" وفق نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وكذا بموجب اتفاقية لاهاي 1907، وجميع معايير القوانين الدولية المتعلقة به، موضحاً لـ"حفريات" أنّه "بعد سيطرة تلك الفصائل على المدينة تم تحويلها إلى كنتونات استعمارية يمارس فيها الاضطهاد القومي والعرقي، بجانب عمليات القتل والسرقة والاغتصاب التي تتم بشكل ممنهج بحق السكان الأصليين".

الصحفي شيار خليل لـ"حفريات": تتعرض الأقليات الدينية في عفرين للاضطهاد، من خلال عمليات التهجير والقتل والتعذيب، وتحويل المراكز الدينية للإيزيديين والعلويين إلى مقرات عسكرية

ويتابع: "ومن بين الممارسات العدوانية التي تمارسها الميليشيات المحلية المدعومة من أنقرة، دفع الأكراد للنزوح والهرب من المنطقة، عبر فرض إتاوت مالية على منازل المدنيين وأراضيهم، وبالتبعية، سرقة محاصيلهم الزراعية، ويضاف لذلك عمليات الخطف مقابل الفدية؛ حيث تصل المبالغ الخاصة بعمليات الخطف إلى 30-40 ألف دولار مقابل الإفراج عن الضحايا، وتوجيه تهم تتعلق بالإرهاب بحق المدنيين، وقد راح ضحية هذا الأمر آلاف المدنيين".

أردوغان وسياسة التتريك

وإلى ذلك، أوضحت منظمة العفو الدولية؛ أنّ القوات العسكرية التركية، وتحالف الجماعات المسلحة السورية المدعومة من تركيا، قد أبدت ازدراءً مشيناً لحياة المدنيين؛ حيث ارتكبت انتهاكات جسيمة وجرائم حرب، بما في ذلك القتل العمد، والهجمات غير القانونية التي قتلت وجرحت مدنيين؛ وذلك خلال الهجوم الأخير على شمال شرق سوريا.

اقرأ أيضاً: تركيا تساوم الولايات المتحدة على الأكراد... ما القصة؟

ووثقت المنظمة، شهادات واقعية وميدانية لــ 17 شخصاً، وذلك في سياق معاينتها للأحداث وتفاصيل ما رصدته، خلال الفترة بين 12 و16 تشرين الأول (أكتوبر) عام 2019، ومن بينهم: عاملون في المجال الطبي، وعمال الإنقاذ، والمدنيون النازحون، والصحفيون، وعاملون في المجال الإنساني المحلي والدولي، ناهيك عن مقاطع الفيديو التي جرى التحقق منها، والتقارير الطبية وغيرها من الوثائق؛ إذ إنّ المعلومات التي تم جمعها، تقدم أدلة دامغة على الهجمات العشوائية في المناطق السكنية، بما في ذلك الهجمات على منزل ومخبز ومدرسة، نفذتها تركيا والجماعات المسلحة السورية المتحالفة معها.

وبحسب كومي نايدو، الأمين العام لمنظمة العفو الدولية: "أدى الهجوم العسكري التركي على شمال شرق سوريا إلى تدمير حياة المدنيين السوريين الذين أجبروا مرة أخرى على الفرار من ديارهم، والعيش في خوف دائم من القصف العشوائي وعمليات الاختطاف، وأعمال القتل الميداني"، لافتاً إلى أنّ القوات العسكرية التركية وحلفاءها أبدوا ازدراء صارخاً لأرواح المدنيين، وشنوا هجمات مميتة غير مشروعة في المناطق السكنية قتلت وجرحت مدنيين.

ميليشيات أنقرة تهدم البنية الثقافية للكرد

ولفت الأمين العام لمنظمة العفو الدولية إلى أنّ تركيا مسؤولة عما تقوم به الجماعات المسلحة السورية التي تدعمها وتسلحها وتوجهها؛ فحتى الآن، منحت تركيا هذه الجماعات المسلحة حرية ارتكاب انتهاكات جسيمة في عفرين، وفي أماكن أخرى.

ويعقّب على ذلك، الصحفي السوري، شيار خليل، بأنّ تلك الممارسات الإرهابية "ممنهجة ومرتبطة بإرادة الاستخبارات التركية لإحداث التغيير الديموغرافي؛ حيث تتبع كافة الفصائل والميليشيات المتواجدة في المنطقة المخابرات التركية، كما تخضع لإشراف الحكومة السورية المؤقتة التابعة للمعارضة التي تمكث في أنقرة واسطنبول، وتأخذ أوامرها من الجهات التركية المختصة".

اقرأ أيضاً: أردوغان يندّد بالإسلاموفوبيا بعدما انقلب على ناخبيه وشيطن الأكراد

ويتابع: "تتعرض الأقليات الدينية في عفرين للاضطهاد، من خلال عمليات التهجير والقتل والتعذيب، وتحويل المراكز الدينية للإيزيديين والعلويين إلى مراكز ومقرات أمنية وعسكرية، فضلاً عن إجبار بعضهم على الصلاة في المساجد التي أقيمت، مؤخراً، في قراهم وداخل مراكزهم الدينية، فيما تعرضت الكنيسة المسيحية الوحيدة بالمنطقة للتخريب وسرقة ونهب محتوياتها، وكل ذلك تحت إشراف وزارة الأوقاف التركية التي تشرف على تحويل المدارس والمراكز الدينية إلى بيئات وحواضن للتشدد والإرهاب، بهدف تنفيذ أجنداتها الإقليمية، من خلال مناهج دينية مؤدلجة، ضمن مخخط التتريك الذي يساهم فيه التركمان الذي يجري توطينهم كمكون قومي وعرقي في مقابل الكرد".

كما هيأت الجهات التركية المجال أمام تلك الميليشيات السورية لسرقة الآثار والمعابد القديمة، مثلما جرى في مقام "النبي هوري"، وقلعة "دير سمعان"، ومعبد "عين دارة" وبيعها في الأسواق التركية، بحسب خليل، بالإضافة إلى حفر الخنادق في المدن والقرى القديمة للحصول على المقتنيات الأثرية، وتدمير هوية المنطقة وتاريخها، مشيراً إلى أنّ "الميليشيات قامت بتدمير المقابر الكردية في المنطقة بحجة أنّها مقابر تابعة لمقاتلي حزب العمال الكردستاني، وتخريب شواهد القبور التي كتبت عليها باللغة الكردية أساء مناضلين في ذاكرتهم وشخصيات كردية معروفة".

ويردف: "تحاول الجهات التركية الاستخباراتية فتح المجال أمام الإسلاميين من عناصر داعش والنصرة والجهاديين إلى القدوم للمنطقة والاستيلاء على منازل المدنيين منها، بجانب فتح المجال لتحويل المنطقة إلى مركز لتخريج المرتزقة وتدريبهم واستخدامهم في الحرب التركية في أرمينيا واليمن وليبيا، حيث فتحت مكاتب خاصة لتلك الميليشيات وبإشراف من العسكر التركي لتسجيل أسماء المرتزقة الراغبين بالقتال خارج سوريا".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية