فورين بوليسي: إيران تواجه أزمة هوية

فورين بوليسي: إيران تواجه أزمة هوية

فورين بوليسي: إيران تواجه أزمة هوية


22/10/2022

جورج عيسى

رأى الأستاذ المشارك لشؤون الأمن القومي في الكلية البحرية للدراسات العليا أشفون أوستوفار أن إيران تواجه أزمة هوية. وكتب في مجلة "فورين بوليسي" أنه طوال شهر تقريباً، تمرد الناس في الشوارع والأحياء الإيرانية هاتفين بالموت للمرشد الأعلى علي خامنئي وبنهاية حكم نظام ثيوقراطي بلغ من العمر 43 عاماً بعد وفاة مهسا أميني على أيدي شرطة الأخلاق.

تقود الاحتجاجات في الغالب مراهقات وشابات تخلين عن الحجاب الديني الذي فرضته الدولة عليهن في رفض للأساس المنطقي الذي قامت عليه ثورة 1979 والثيوقراطية التي ولدتها.

العائق الأساسي
أوستوفار، وهو مؤلف كتاب "طليعة الإمام: الدين والسياسة والحرس الثوري الإيراني"، لفت إلى أن طبيعة ونطاق التظاهرات دفعا العديد من المراقبين إلى التساؤل عما إذا كانت الاحتجاجات ثورة ثانية يمكن أن تطيح النظام وتستبدله بديموقراطية تمثيلية وليبيرالية. العائق الأساسي أمام تحقيق المحتجين هدفهم هو الحرس الثوري. سنة 1979، كان قرار الجيش الإيراني بإعلان الحياد والتراجع أمام المتظاهرين هو الذي أشار إلى نهاية سلالة بهلوي ووضع إيران على مسار جديد. بالمقابل، تم تصميم الحرس الثوري خصيصاً كي يقف إلى جانب النظام مهما كلف الأمر حتى لو كان معنى ذلك الوقوف بوجه الشعب.

تصعيد الأعمال الوحشية
يشرف الحرس الثوري على أمن النظام وهو الصوت الأكثر تأثيراً إلى جانب صوت المرشد في صناعة القرار الاستراتيجي. جعله هذا الدور الآلية الأساسية لتنظيم القمع داخل البلاد. في حلقات سابقة من الاضطراب السياسي، كتظاهرات الطلاب سنة 1999 أو الاحتجاجات الكبيرة عقب انتخابات 2009 الرئاسية، قاد الحرس الثوري مع ميليشيات البسيج القمع ضد المتظاهرين عبر استخدام القوة الغاشمة والاعتقالات والتعذيب.

أعاد الحرس الثوري مجدداً تفعيل هذا الدور في التظاهرات التي امتدت من أواخر 2018 وحتى 2020 لكنه صعد تكتيكاته في بعض الأماكن إلى رد عسكري كامل مستخدماً الأعيرة النارية الحية والمركبات المدرعة لقتل المحتجين على نطاق أوسع بكثير مما حصل في عمليات القمع السابقة. في مدينة معشور الجنوبية الغربية وحدها، قتل الحرس الثوري ما يقدر بـ180 متظاهراً شاباً خلال أربعة أيام في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 حيث تعرض العديد من الضحايا لإطلاق نار عشوائي ببنادق آلية أثناء بحثهم عن ملاذ.

هجوم على هوية النظام
لقد كان فتك هذه التكتيكات متعمداً وأتى كرد مباشر على التهديدات التي مثلتها تلك الاحتجاجات على النظام. على عكس تظاهرات 1999 و 2009 التي طالبت بالإصلاح، كانت الاحتجاجات التي اندلعت منذ 2018 مناهضة للنظام وما يمثله بشكل واضح. عبر أفعال مثل نزع الحجاب والهتاف بـ"الموت للديكتاتور" وإحراق اللافتات الإعلانية التي تحمل صور قاسم سليماني، حول المتظاهرون أفعالهم إلى سهام وأطلقوها مباشرة إلى قلب هوية النظام. ولا يمكن تمييز هذا الاعتداء عن الهجوم على الحرس الثوري الذي يشكل قوة أمنية تتطابق بدقة مع الطابع الآيديولوجي للنظام الإسلامي.

الفرق بين الحرس وجيش ما قبل الثورة
يوضح الكاتب أن جيش ما قبل الثورة كان جيشاً وطنياً مكرساً لإيران كدولة ذات سيادة أكثر من كونه مكرساً للتاج. لكن الحرس الثوري تأسس، كما يشير اسمه، لحماية الثورة الإسلاموية لا إيران. أبعد من ذلك، هو ينطوي على عمل شبكي لمجموعات أجنبية مسلحة اصطفت إلى جانب المرشد الأعلى تحت ما يسمى بـ"جبهة المقاومة" التي توسع نفوذ إيران السياسي على امتداد الشرق الأوسط. لا تورط المنظمة نفسها في النزاعات الإقليمية خدمة لمصالح إيران القومية بل لتوسيع الثورة وتصدير علامتها التجارية من العقيدة السياسية. من هنا، ينظر الحرس الثوري إلى الاحتجاجات الحالية وتلك التي سبقتها في السنوات الأخيرة على أنها أخطر بكثير من مراحل سابقة من الاضطرابات.

لو سقط المرشد فسيسقط الحرس
عبر تحدي النظام الإسلاموي، يتحدى المحتجون وجود الحرس الثوري. لا يستطيع الأخير أن يكون موجوداً تحت حكم آخر لا تحدده الثورة الإسلاموية. علاوة على ذلك، اختار المرشد الأعلى كبار قادة الحرس بناء على معيار الولاء له. لو سقط المرشد فسيسقطون جميعهم معه. بالتالي، من غير المرجح أن تقف تلك المنظمة جانباً أو تستسلم للمتظاهرين. لو رأت الأمر ضرورياً، ولو طلب ذلك المرشد، فلن يتردد الحرس في استخدام حجم العنف الضروري للقضاء على التهديدات التي تمثلها الاحتجاجات. لكن بصرف النظر عن هذا التصميم والحزم، تفرض التظاهرات الحالية تحدياً فريداً للنظام.

تغذي الشابات هذه الاحتجاجات حيث كان أقوى فعل ثوري لديهن كشف شعرهن ببساطة. لقد ضربت القوى الأمنية الإيرانية وقتلت عدداً كبيراً من المحتجات لإجبارهن على العودة إلى منازلهن لكنها لم تنجح. أشار أوستوفار إلى أن مستوى العنف الضروري لتثبيط هذه الموجة من الشباب الشجاع هو أعظم على الأرجح مما يريد النظام حالياً المخاطرة به.

معضلة النظام
مقامرة النظام مزدوجة حسب الكاتب إذ ثمة مخاوف داخلية وخارجية. على المستوى الدولي، يجب على القادة الإيرانيين القلق من عواقب محتملة بسبب سحق حركة تسعى للمساواة الجندرية. لكن القلق الأكبر هو مفاقمة الأزمة في الداخل. كلما قتلت قوات النظام أناساً في الداخل تصلبت أكثر المشاعر المناهضة له وتجذر أكثر الجيل الشاب. وكلما طلب من القوات ذات الرتب المنخفضة ممارسة عنف أكبر بحق مواطنيها ازدادات احتمالات أن يضعف عزمها. لقد استفاد كبار مسؤولي القوى الأمنية بشكل كبير من النظام الحالي، بعكس العناصر العاديين.

ليست حرباً يمكنه الفوز بها
إن حسابات المخاطر لديهم مختلفة تماماً عن قادتهم وولاؤهم للنظام أكثر هشاشة وسيتعرض أكثر للاختبار كلما طلب منهم قتل وتشويه المواطنين باسم المرشد الأعلى. لم يكن للجمهورية الإسلاموية أي ندم حيال قتل شعبها كما يشهد على ذلك سجلها القمعي الطويل. لكن حين يكون العدو ابنتك أو شقيقتك أو ابنة أختك لن يكون بالإمكان الهروب من حقيقة الوضع. وختم الكاتب: "من أجل الفوز، يجب على النظام الذهاب إلى حرب ضد نساء شابات وفتيات مراهقات. هذه ليست حرباً يمكنه الفوز بها. وهو يعلم ذلك على الأرجح".

عن موقع "24"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية