فلسطينيون يروون لـ"حفريات" كيف أطفأ الاحتلال الإسرائيلي عيونهم

فلسطينيون يروون لـ"حفريات" كيف أطفأ الاحتلال الإسرائيلي عيونهم


15/09/2020

رسم الشاب معاذ أبو وادي، قبل إصابته في عينه اليسرى خلال مسيرات العودة، على الحدود مع قطاع غزة، صورة لحياة زوجية سعيدة لم تكتمل فصولها، بعد خطوبة استمرت ثلاثة أعوام، لتنقلب حياته رأساً على عقب، بعد رفض عائلة خطيبته استكمال إجراءات الزفاف التي كانت مقررة بعد شهور قليلة من إصابته، وإجباره على ضرورة الانفصال عن ابنتهم، لتستطيع الارتباط بشخص آخر، لا توجد فيه إعاقة جسدية، على حدّ تعبيرهم.

قوات الاحتلال الإسرائيلي وظفت القوة المفرطة، منذ البداية، في مواجهة التظاهرات السلمية، مستخدمةً الأعيرة النارية والمطاطية وقنابل الغاز المسيل للدموع ضدّ المتظاهرين المدنيين العزل

أبو وادي (23 عاماً)، الذي يعاني من تداعيات نفسية وإنسانية صعبة، يتحدث بألم وحسرة، لـ "حفريات"، عن بدايات إصابته، ويقول: "في يوم الجمعة، 14 حزيران (يونيو) الماضي، أثناء توجهي للمشاركة في مظاهرات العودة، بالقرب من موقع ملكة، شرق حي الزيتون، تقدمت باتجاه الشريط الحدودي حاملاً علم فلسطين، وعندها قام قناص إسرائيلي بإطلاق عيار ناري حيّ أصاب عيني اليسرى، فسقطت أرضاً وكنت أصرخ من شدة الألم، وأنا أحاول أن أسحب نفسي للخلف قليلاً، كي يستطيع المسعفون الوصول لي وإنقاذي، وقد نجحوا في ذلك، بعد أن أسعفْت إلى النقطة الطبية الميدانية، فتمّ إجراء الإسعافات الأولية لي ومحاولة وقف النزيف الشديد".

...

ووفق إحصائية صادرة عن مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان "بتسيلم" خلال شهر شباط (فبراير) الماضي، والتي أظهرت أنّ 19 متظاهراً فقدوا البصر في عين واحدة خلال العامين الأخيرين، عندما كانوا يتظاهرون على مقربة من الشريط الحدودي في غزة، وهناك اثنان آخران، على الأقل، فقدا البصر في العينَين.

اقرأ أيضاً: طفل فلسطيني يغني الراب ويعرّي عنصرية إسرائيل: نريد الحب والسلام

وأعلنت وزارة الصحة في غزة، في 30 آذار (مارس) 2019؛ أنّ عدد المصابين من المشاركين في مسيرات العودة بلغ أكثر من 30 ألف مصاب، منذ انطلاقها يوم 30 آذار (مارس) 2018، ومن بين هؤلاء 16 ألفاً تمّ تحويلهم إلى المستشفيات المحلية والخارجية، ومنهم 122 بترت أطرافهم السفلية، و14 بترت أطرافهم العلوية.

ومؤخراً؛ قال منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، جيمي مكجولدريك، إنّ "نقص التمويل للقطاع الصحي في قطاع غزة، يعني أنّه ربما يتعين إجراء عمليات بتر أعضاء خلال العامين المقبلين لنحو ألف وسبعمئة شخص ممن أصيبوا برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي".

حياتي دمِّرت فعلياً

وتابع أبو وادي: "وصلت إلى مستشفى "الشفاء" بمدينة غزة، واستطاع الأطباء إيقاف النزيف من عيني، بعد أن كنت واثقاً في أنني قد فقدتها، ومن ثم تمّ تحويلي إلى مستشفى العيون بغزة، وقد أفادني الأطباء بأنّ هناك تهتكاً كبيراً حصل في شبكية وعصب العين، فقدت إثره البصر بها بشكل كامل، وعليه مكثت بالمستشفى عدة أيام أتناول مسكنات الآلام والمضادات الحيوية بشكل دوري لتجنب أية مضاعفات قد تصيب عيني اليمنى".

اقرأ أيضاً: سلطتان في غزة ورام الله لحكم الفلسطينيين: أما لهذا العذاب من نهاية؟

ويضيف: "بعد أربعة أيام من المبيت في المستشفى أصيبت عيني اليسرى بتورم كبير، وبعد محاولات الأطباء العديدة لمعرفة سبب التورم وعلاجه عجزوا أخيراً، لتكون الصدمة حينها، حتى أنني لم أعد قادراً على التحدث ومخاطبة أيّ شخص، وأصبحت تراودني الأفكار طوال الوقت؛ هل سأفقد البصر في عيني الأخرى، وكيف سأمارس حياتي بعين اصطناعية، وتمّ تحويلي بعد شهر من الإصابة إلى مستشفى "المطلع" بمدينة القدس، وبعد مكوثي عدة أشهر واستكمال فترة العلاج وتركيب عين اصطناعية عدت مرة أخرى إلى قطاع غزة".

وتابع: "حياتي دمّرت فعلياً رغم محاولاتي المستمرة لتغيير واقعي والتعايش مع معاناتي والتغلب على ظروفي الصحية، وما زاد الأمر سوءاً رفض أية عائلة ارتباطي فتاة منها، نظراً لوضعي الحالي، وخوفاً على مستقبل بناتهم، نظراً لثقافة المجتمع، التي تنظر نظرة خاطئة لمبتوري الأطراف العلوية والسفلية، بعد شعورهم بأنّ حياتهم قد انتهت، وأنّه لا مستقبل ينتظرهم".\

الخوف من المستقبل

أما السيدة نجلاء وافي (35 عاماً)، من سكان بلدة خزاعة، شرق خانيونس، وهي أمّ لثلاثة أطفال، تقول في حديثها لـ "حفريات": "بمجرد إصابتي في مسيرات العودة، وتفاقم وضعي الصحي، بعد فقداني عيني اليسرى، قرّر زوجي الانفصال عني وجعل أطفاله في حضانته؛ لأنه لم يعد راغباً بالعيش مع امرأة بعين واحدة، بعد فقداني جزءاً مهماً من شخصيتي وأنوثتي".

...

وتحدثت وافي عن بداية إصابتها، مبينة أنّها "تواظب على المشاركة في مسيرات العودة منذ انطلاقها، في شهر آذار (مارس) 2018، وعند مشاركتها بمظاهرة يوم 27 كانون الأول (ديسمبر) 2019، بالقرب من السياج الحدودي شرق محافظة خانيونس، قام جنود الاحتلال الإسرائيلي بإطلاق وابل من القنابل المسيلة للدموع صوب المتظاهرين، وقبل دقائق قليلة من مغادرتها مكان المواجهات، أصيبت برصاصة مطاطية بشكل مباشر بالعين، وسقطت على الأرض مغشياً عليها، بعد فقدانها وعيها نتيجة قوة الإصابة، حيث لم تستيقظ إلا وهي على السرير في مستشفى غزة الأوروبي في خانيونس جنوب القطاع".

السيدة نجلاء وافي لـ "حفريات": بمجرد إصابتي في مسيرات العودة، وفقداني عيني اليسرى، قرّر زوجي الانفصال عني؛ لأنه لم يعد راغباً بالعيش مع امرأة بعين واحدة

وتابعت: "تفاجأت بفقداني عيني، وهو ما جعلني أعيش في خوف شديد من المستقبل، وكيف ستقبل عائلتي إصابتي، وكيف سأستمر في العيش بهذه الإعاقة، مع شعوري بمضاعفات مستمرة بعد إصابتي؛ كالصداع المستمر وعدم الاتزان عند المشي، واعتمادي على قرص علاجي طويل الأمد، لتجنب تفاقم وضعي الصحي".

حالة نفسية سيئة

أما الفتى تيسير أبو عرب (15 عاماً)، من سكان مخيم البريج، فلم يكن يشكّل أيّ خطر على قوات الاحتلال الإسرائيلي أثناء مشاركته في مسيرة العودة شرق المخيم، في 13 تموز (يوليو) 2018، فقد جاء للمظاهرة بهدوء، حاملاً بيده علم فلسطين، إلا أنّ الجنود لم يرق لهم ذلك المشهد، وقاموا بإطلاق النار بشكل مباشر عليه، ما أدّى إلى إصابته بعيار مطاطي في عينه اليمنى.

اقرأ أيضاً: "كوماندوز".. فريق شبابي يتحدّى البطالة في غزة

ويقول تيسير عن بداية إصابته: "من شدة الألم سقطت أرضاً، وكنت أصرخ بشكل شديد والنزيف يزداد شيئاً فشيئاً، حتى استطاع عدد من المتظاهرين الوصول إلي وحملي إلى سيارة الإسعاف، ونقلي إلى مستشفى شهداء الأقصى، وبعد أن تمكّن الأطباء من إيقاف النزيف تمّ تحويلي إلى مستشفى ناصر في خانيونس، جنوب القطاع، وحينها أخبر الأطباء والدي بأنّ العين في حاجة إلى استئصال بشكل عاجل، وإجراء عملية تنظيف للجرح، ليتم تحضيرها بعد فترة وجيزة لزرع عين اصطناعية".

...

وأكّد أبو عرب أنّ "حالته النفسية تأزمت منذ إصابته، ولم يعد يذهب إلى المدرسة لتلقي تعليمه، وأصبح يعيش منعزلاً عن أهله وأقرانه، ولم يعد يخاطب أحداً"، مبيناً أنّه قد "سئم الحياة بعد أن حُرم من ممارسة هوايته المفضلة، وهي كرة القدم، والخروج برفقة أصدقائه كما كان سابقاً قبل إصابته".

وشارك الآلاف من الفلسطينيين في مسيرات العودة الكبرى، على طول الشريط الحدودي الشرقي لقطاع غزة، خلال الفترة بين 30 آذار (مارس) 2018 و 27 كانون الأول (ديسمبر) 2019 (86 أسبوعاً)، مطالبين بإنهاء الحصار الإسرائيلي، غير القانوني وغير الإنساني، المفروض على القطاع منذ أكثر من 13 عاماً، ومنادين بحقّ العودة للاجئين الفلسطينيين، المكفول في القانون الدولي.

وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قد وظفت القوة المفرطة، منذ البداية، في مواجهة تلك التظاهرات السلمية، مستخدمةً الأعيرة النارية والمطاطية وقنابل الغاز المسيل للدموع ضدّ المتظاهرين المدنيين العزل، الذين لم يشكلوا أيّ تهديد للجنود الإسرائيليين المحميين، والمؤهّلين بالمعدات، والمتمركزين على مسافة بعيدة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية