كيف تعمل مافيا المولّدات الكهربائية في قطاع غزة؟

قطاع غزة

كيف تعمل مافيا المولّدات الكهربائية في قطاع غزة؟


11/05/2020

تغريد علي
في ظل الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي في قطاع غزة، وعدم مقدرة محطة توليد الكهرباء الوحيدة على تزويد سكان القطاع بالطاقة الكهربائية اللازمة؛ ظهرت ما تسمّى "مافيا المولدات الكهربائية"، التي تتكون من الذين يستثمرون أموالهم في شراء مولدات كهربائية كبيرة لتزويد المنازل والمحال التجارية والمؤسسات بالطاقة الكهربائية.

الحلّ الأمثل حالياً هو تأسيس جمعية لأصحاب المولدات الكهربائية للضغط على أصحاب هذه المشاريع بتخفيض أسعارهم

ويتقاسم أصحاب المولدات الكهربائية المناطق في قطاع غزة، وكأنّهم دولة على الأرض، لتوزيع شبكات الكهرباء بداخلها واستغلال المواطنين والتحكم والتلاعب في أسعار الكهرباء، في ظلّ عدم وجود لوائح أو قوانين حكومية تنظم عمل المولدات الكهربائية في قطاع غزة، وتقوم على تحديد الجهة المسؤولة عن إدارتها والإشراف عليها، ومنحها التراخيص اللازمة ومتابعتها والرقابة عليها.

ويعاني قطاع غزة من أزمة الكهرباء منذ عام 2006، وبدأت أزمة انقطاع التيار الكهربائي في قطاع غزة، بعد أن قصفت قوات الاحتلال الإسرائيلي 6 محولات رئيسة في محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع، عام 2006، حتى وصلت مدة توصيل التيار الكهربائي لمنازل المواطنين إلى 4 ساعات وصل، مقابل 16 ساعة قطع يومياً، ويحتاج قطاع غزة إلى 500 ميجا واط بشكل يومي، في حين الموجود هو 140 ميجا واط فقط.

يتقاسم أصحاب المولدات الكهربائية المناطق في قطاع غزة

ويعتمد القطاع على الطاقة الكهربائية من ثلاث جهات هي: محطة توليد الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة، والتي تنتج 60 ميجا واط فقط، و120 ميجا واط يتم توريدها من قبل الاحتلال الإسرائيلي، و30 ميجا واط يتمّ شراؤها من قبل سلطة الطاقة الفلسطينية من جمهورية مصر العربية، وهي بمجموعها تشكّل 210 ميجا واط.

اقرأ أيضاً: كيف تحوّلت غزة من مصدّر للورود إلى مستورد لها؟

ونتيجة للعجز المستمر والمتزايد في كمية التيار الكهربائي؛ تمّ البحث عن بدائل متعددة للتخفيف من حدة هذه الأزمة، فلجأ السكان بداية إلى استخدام المولدات الصغيرة والشموع، التي تكبدوا بسببها خسائر مادية وبشرية كبيرة، أدّت إلى وفاة 32 مواطناً، من بينهم 25 طفلاً وسيدة واحدة، خلال الفترة من العام 2010 وحتى العام 2018، نتيجة اشتعال الحرائق جراء الشموع أو انفجار المولدات الكهربائية، وفق إحصائية صادرة عن مركز الميزان لحقوق الإنسان.
وبعد زيادة توجه السكان في قطاع غزة نحو الحصول على التيار الكهربائي من المولدات التجارية، فقد زاد معدل استيراد المولدات الكهربائية بشكل متلاحق؛ حيث دخل القطاع 4160 مولداً بأحجام مختلفة، خلال العام 2014، ويستهلك المولد الكهربائي بقدرة (200 كيلو واط) ما يقارب 45 لتراً من السولار في الساعة الواحدة، ويبلغ سعر اللتر الواحد (5 شيكل) دولار ونصف أمريكي؛ أي إنّه في حال عمل المولد لمدة 8 ساعات متواصلة في اليوم الواحد فإنّه يستهلك ما يقارب 1790 شيكلاً، (510 دولار أمريكي).

اقرأ أيضاً: هل يفتك كورونا بالنسيج الاجتماعي في غزة؟

ويقدر عدد المولدات الكهربائية التجارية في قطاع غزة 200 مولد تبيع الكهرباء، لحوالي 50 ألف مشترك، ويوزع المولد الواحد الطاقة الكهربائية من 150 إلى 300 مشترك، وتقدر الطاقة الإنتاجية لهذه المولدات بـ 100 ميجا واط من الكهرباء، وتباع الكهرباء من خلالها للمنازل والمؤسسات والمحال التجارية، إما بالكيلو واط أو عبر عدادات خاصة، ويتراوح سعر الكيلو واط الواحد 4 شيكل، أو إيصال كمية محدودة من الكهرباء تقدر من 2 إلى 6 أمبير، بأسعار تتراوح بين 200 إلى 600 شيكل (170 دولار أمريكي), وهي أسعار تفوق سعر الكيلو الطبيعي بثمانية أضعاف.

غالبية المشتركين في المولدات الكهربائية يشتكون من ارتفاع رسوم الاشتراك في المولد الكهربائي

وتبلغ تكلفة الاشتراك في هذه المولدات لعائلة تسعى لإضاءة منزلها لمدة 12 ساعة، ما يقارب 350 دولاراً أمريكياً شهرياً في مجتمع يبلغ متوسط دخل الفرد فيه 3 دولارات يومياً، وهي من النسب الأقل عالمياً، وهذا من شأنه أن يزيد من هذه المعضلة والأزمة اقتصادياً.

حلول بديلة
ولمعرفة طبيعة عمل أصحاب المولدات الكهربائية؛ قابلت "حفريات" المواطن نضال أبو موسى (45 عاماً)، أحد المستثمرين في مشاريع المولدات الكهربائية التجارية، الذي قال: "خلال العام 2015 اشتريت مولدَين كهربائيَّين، بقيمة 95 ألف دولار أمريكي، وتمّ تحديد سعر الكيلو واط الواحد بمبلغ 3.5 شيكل (دولار أمريكي واحد)، يتم من خلالها توفير الكهرباء لمنازل المواطنين وللمحال التجارية والورش الحرفية على مدار الساعة، وبشكل منتظم، دون أيّ انقطاع، بهدف إيجاد حلول بديلة للانقطاع المستمر للكهرباء في قطاع غزة".

اقرأ أيضاً: سيدات في الحجر الصحي بغزة: غياب الخصوصية وانعدام النظافة

ولفت أبو موسى إلى أنّ "غالبية المشتركين في المولدات الكهربائية يشتكون من ارتفاع رسوم الاشتراك في المولد الكهربائي، خاصة مع سوء الأحوال الاقتصادية يوماً بعد يوم"، مبيناً أنّ "هذا الارتفاع في الأسعار تواجهه مصاريف تشغيلية عدة؛ فأسعار المحروقات في تزايد مستمر، في ظلّ احتياج المولد الكهربائي الواحد إلى 3 آلاف لتر من السولار شهرياً، ويقدر سعر اللتر الواحد (5 شواكل)، إضافة إلى تكلفة تصليح الأعطال التي تواجه المولدات، والتي تتجاوز 4000 شيكل شهرياً (1200 دولار أمريكي)، علاوة على مصاريف الموظفين التي تقدر بـ 2400 شيكل شهرياً (700 دولار أمريكي)".

اقرأ أيضاً: أطباء يعتلون منابر المساجد في غزة للتوعية بفيروس كورونا

وتابع: "معدل وصل الكهرباء بواسطة المولدات الكهربائية إلى 600 مشترك لديه تتجاوز 480 ساعة شهرياً"، مستدركاً أنّ هذه المولدات ساهمت في التخفيف من أعباء انقطاع التيار الكهربائي المستمر عن الموطنين".

أسعار الاشتراك في المولدات الكهربائية مرتفع جداً

أسعار مرتفعة

من جانبه، يرى المواطن رامي أبو سمعان (38 عاماً)، من سكان حي الكرامة شمال مدينة غزة، في حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ "أسعار الاشتراك في المولدات الكهربائية مرتفع جداً، ولا يتناسب مع مقدرته المالية، إلا أنّ الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي دفعه للاشتراك في أحد المولدات منذ عام؛ حيث لا تتوفر الكهرباء إلا لمدة 6 ساعات يومياً، وغالباً ما تشهد هذه الفترة أيضاً بعض التشويشات على خطوط الكهرباء، نتيجة الأحمال الكبيرة على الشبكات في ذلك الوقت، مع الدخول في فصل الشتاء والذي يزيد من استهلاك المواطنين للكهرباء".

المواطن رامي أبو سمعان يقتصر على استخدام التلفاز والإنارة وبعض الأجهزة الكهربائية الخفيفة التي لا تستنزف طاقة كبيرة

وبيّن أنّه يقتصر في منزله على استخدام التلفاز والإنارة وبعض الأجهزة الكهربائية الخفيفة، التي لا تستنزف طاقة كهربائية كبيرة، للتخفيف من الاستهلاك من المولدات الكهربائية، أما بخصوص الأجهزة الكهربائية؛ كالغسالات الأوتوماتيكية والثلاجات والأفران، والتي تتطلب قدرة كهربائية وتحميلية ضخمة، فيتم الانتظار لحين توفر التيار الكهربائي الرئيس من محطة التوليد بغزة".

وأضاف أبو سمعان: "فواتير الكهرباء في تزايد مستمر، وأقوم بدفع مبلغ 350 إلى 450 شيكل شهرياً على الأقل (130 دولاراً أمريكياً)، ثمن استهلاك الكهرباء من المولدات الكهربائية التجارية، إضافة إلى مصاريف أخرى؛ كإيجار المنزل ومصاريف المياه وفواتير شركة الكهرباء الرئيسة، كل هذا لا يتناسب مع الأجور المتدنية التي يستلمها الموظفون العاملون في بعض الوظائف الحكومية، حتى أصبحنا نقتصر في أمورنا المعيشية على احتياجاتنا الأساسية فقط".

فواتير الكهرباء في تزايد مستمر

غياب الرقابة

الكاتب والمحلل الاقتصادي، خليل حبيب، يقول لـ "حفريات": "المولدات الكهربائية باتت مقصداً مهماً لعدد كبير من المستثمرين في قطاع غزة؛ وذلك نظراً للعائد المالي الكبير الذي يعود عليهم من بيع الكهرباء للمواطنين بأسعار باهظة، والتي تتجاوز أحياناً 4 شواكل للكيلو واط الواحد (1.2 دولار أمريكي)، وهو ما لا يتناسب مع شرائح كبيرة في المجتمع من ذوي الدخل المتوسط والمحدود".

اقرأ أيضاً: هكذا تواجه غزة المحاصرة فيروس كورونا

وأشار إلى أنّ "غياب الرقابة من قبل الجهات المختصة جعل أصحاب المولدات الكهربائية يتحكمون بثمن كيلو الكهرباء، فلا تجد أسعاراً موحدة، وبعضهم يقوم بابتزاز المواطنين واستغلالهم في مجتمع يعيش أكثر من 80% من سكانه تحت مستوى خطّ الفقر، ويعتمدون على المساعدات الإغاثية من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" والشؤون الاجتماعية".

وأكد حبيب أنّ "الحلّ الأمثل حالياً هو تأسيس جمعية لأصحاب المولدات الكهربائية يكون من مهامها الضغط على أصحاب هذه المشاريع بتخفيض أسعارهم وتوحيدها ومراعاة الظروف الاقتصادية للسكان، خاصة أنّ سعر كيلو الواط الواحد الذي يرد من محطة توزيع الكهرباء الوحيدة قطاع غزة لا يتجاوز 1.5 شيكل (نصف دولار أمريكي)".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية