هل يفتك كورونا بالنسيج الاجتماعي في غزة؟

كورونا

هل يفتك كورونا بالنسيج الاجتماعي في غزة؟


12/04/2020

تغريد علي

ما إن أعلنت وزارة الصحة بغزة تسجيل أول إصابتين بفيروس كورونا "كوفيد-19" حتى تفشّى الذعر والخوف لدى المواطن تيسير أبو دقة وعائلته، التي تسكن في حي الجنينة بمدينة رفح جنوب قطاع غزة، الأمر الذي دفعه للتهافت على إحدى الصيدليات في الحي لشراء مجموعة من الكمامات الطبية والسوائل المطهرة والمعقمة، وكذلك تأمين احتياجات أسرته من المواد الغذائية من أحد الأسواق الشعبية القريبة من مكان سكنه. ويخشى كثيرون أن يفتك الوباء بالنسيج الاجتماعي لدى أناس تعودوا على الترابط والتزاور ومشاركة العادات مع سواهم من أفراد المجتمع.

مطالبات لسكان غزة باتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية، والتقليل من الازدحام غير المبرر في المناسبات الاجتماعية، كالأفراح والأتراح

وبيّن أبو دقة ( 43 عاماً)، الذي يعيل عائلته المكونة من خمسة أفراد؛ أنّه تخوفاً من حدوث أزمة صحية كبيرة في القطاع، وكإجراء احترازي لتفشي كورونا، بعد أن أصاب مناطق واسعة في الضفة الغربية، تسبّب ذلك في تغيير عاداته وسلوكياته وتحديداً بعد وصول الفيروس للقطاع؛ حيث قام بإلغاء التجمعات والزيارات العائلية، وتجنب زيارة الأقارب، والاكتفاء بمشاركة مناسباتهم في الأفراح والأحزان هاتفياً، وكذلك التقليل من الذهاب إلى الأماكن المزدحمة، كمراكز التسوق، بينما تمّ الاقتصار على أداء الصلوات الخمس في المنزل، وعدم الذهاب إلى المسجد، خوفاً من إصابته بالفيروس.

عشرات العينات ما تزال دون فحص

وفي سياق التطورات التي تثير الهلع، قال الناطق الرسمي باسم وزارة الصحة في قطاع غزة، أشرف القدرة، أواخر الأسبوع الماضي، إنّ المختبر المركزي توقف عن إجراء الفحص المخبري لفيروس "كورونا"، جراء نفاذ المواد الطبية المخصصة لذلك.

وأشار إلى أنّ "عشرات العينات ما تزال دون فحص"، حيث إنّ نفاد هذه المعدات، يؤثر على إجراءات إنهاء الحجر الصحي لمئات الحالات المشتبه في إصابتها.

اقرأ أيضاً: تقرير: كورونا لم يبطئ إرهاب طهران وحروبها بالوكالة

وقال، كما أفادت "الحرة": "عدم توفر مواد الفحص المخبري لفيروس كورونا يشكل عائقاً أمام وزارة الصحة لمواجهة الوباء، ويؤثر على إجراءات إنهاء الحجر الصحي لمئات المحجورين في المراكز الصحية".

وعن الأدوية، كشف المسؤول الحكومي في القطاع، نفاد 44 % من الأدوية الأساسية و31% من المعدات الطبية و65% من لوازم المختبرات.

وطالبت وزارة الصحة في القطاع، المؤسسات الدولية والإغاثية بتوفير الأدوية الأساسية الناقصة والمستلزمات الطبية ولوازم المختبرات ومواد فحص فيروس كورونا و 100 جهاز للتنفس الصناعي و140 سرير للعناية المركزة.
وحتى صباح الجمعة، سجلت فلسطين 266 إصابة بكورونا، بينها 13 في قطاع غزة، والبقية بالضفة الغربية، حسب بيانات رسمية.

اقرأ أيضاً: رمضان في زمن كورونا: ماذا سيبقى من طقوس الشهر الفضيل؟

ومع بداية انتشار الفيروس، جابت مركبات تابعة لشرطة المرور بغزة، شوارع قطاع غزة لتوجيه إرشادات إلى المواطنين عبر مكبرات الصوت للوقاية من فيروس كورونا، كما قررت الشرطة إغلاق المقاهي والمطاعم، وصالات الأفراح، والأسواق الشعبية، ومنع إقامة بيوت العزاء، والحفلات الأسبوعية، وتعطيل صلاة الجمعة، وذلك في جميع محافظات قطاع غزة، اعتباراً من 22 آذار (مارس) وحتى إشعار آخر.

تجهيز مستشفى ميداني في معبر رفح البري مع الجانب المصري

وقامت وزارة الصحة في قطاع غزة، في 12 آذار (مارس)، بتجهيز مستشفى ميداني في معبر رفح البري مع الجانب المصري، وذلك للتعامل مع تطورات فيروس كورونا، ويضمّ المستشفى الميداني 33 سريراً للحالات الطبية غير الخطيرة، و8 أخرى "للعناية المركزة"، بهدف وضع الحالات الخطيرة فيه، ومختبراً للفحص.
خوف حقيقي

وتابع أبو دقة في حديثه لـ "حفريات": "في بداية الأمر لم تكن الإجراءات الاحترازية المتبعة بهذه الصرامة والشدة، وكانت الحياة تسير بشكلها الطبيعي في داخل القطاع ولم يشهد أيّ تغير عليها، مع اتّباع الإرشادات والتوصيات التي يتم تعميمها من قبل الجهات المختصة، إلى أن تغيّر الأمر فجأة، بعد ظهور إصابتين بفيروس كورونا في غزة، ليزداد الأمر سوءاً بين المواطنين، بعد إغلاق معظم المحال التجارية أبوابها، وإلغاء الأفراح والمناسبات، والتزام الناس لمنازلهم خوفاً وتوخي الحيطة والحذر من نقل العدوى بالفيروس إليهم".

اقرأ أيضاً: ولاة الفقيه والحريدم معاً: الرب يكفينا كورونا

ورأى أنّ "مظاهر الحياة بغزة تغيرت بشكل ملحوظ، وهناك خوف ورعب حقيقي بين الناس، بعد انتشار حملات واسعة لتعقيم المساجد والمركبات والأسواق، كما تجنّب السكان المصافحة بالأيدي فيما بينهم، والبعض الآخر يحاول أن يترك مسافة لا تقل عن متر بينه وبين المارين بجواره، ويلتزم كثيرون بالتواجد داخل بيوتهم، ولا يتم الخروج منه إلا في حالات الطوارئ، وشراء المستلزمات الطبية والمواد الغذائية".

سلوكيات جديدة

بدورها، تقول المواطنة سمية البلبيسي (41 عاماً)، من مخيم جباليا شمال غزة، لـ "حفريات": "الحياة في غزة شبه متوقفة في معظم المناطق، التي تشهد اكتظاظاً كبيراً، وأصبح الناس يعتمدون في التواصل والحديث فيما بينهم عبر الهواتف وشبكات التواصل الاجتماعي في أحيان كثيرة، لتجنّب السير في الشوارع والطرقات، تجنباً لانتقال العدوى بالفيروس إليهم"، مبينة أنّ "الأمور أمست غير معروفة ومجهولة حتى اللحظة، وهناك حالة من القلق تنتاب صفوف المواطنين".

الصيدليات والمحال التجارية بغزة تشهد حركة كبيرة لشراء الكمامات ومعقمات اليدين

وتابعت: "الصيدليات والمحال التجارية بغزة تشهد حركة كبيرة لشراء الكمامات ومعقمات اليدين والمواد الغذائية، كما خلق الفيروس سلوكيات وعادات جديدة نتيجة لحالة التخبط والقلق التي نعانيها، فيتمّ اختبار درجة حرارتي وزوجي وأبنائي في فترات قريبة بواسطة ميزان الحرارة، والذي يعدّ من أهم ما نملكه في المنزل، إضافة إلى المداومة وتكثيف تنظيف المنزل والأسطح التي يتم لمسها مراراً وتكراراً مرتين خلال اليوم بالمواد المطهرة".

اقرأ أيضاً: هلوسات بصدد "كورونا"

وبينت البلبيسي: "أتجنّب استقلال المركبات العمومية، وألجأ لقضاء مهامي، والتي لا تبعد كثيراً عن مكان سكني مشياً على الأقدام، وطالبت عائلتي والمقربين مني بعدم زيارتي بالمنزل، حتى أنّني امتنعت عن الذهاب لصالونات التجميل، خوفاً من أن تكون الأدوات التي عادة ما يتم استخدامها لأكثر من سيدة ملوثة بالفيروس".

تهديد الروابط الاجتماعية

وترى المواطنة خلود أبو شاويش من حي الشجاعية شرق غزة؛ أنّ "إعلان الصحة بغزة ظهور إصابات بفيروس كورونا زاد من الضغط علينا، كمعظم السكان في القطاع، والمعلومات المتاحة عن الوباء وسرعة انتشاره تعزز الخوف في نفوسنا، والتحول إلى سلوكيات غريبة لم نرغب في أن تحصل أو أن نلجأ إليها في يوم ما، والتي من شأنها أن تهدد الروابط الاجتماعية ما لم يتم تفهمها من قبل الآخرين، فلم يعد الجار يثق في جاره المقابل له، ويتجنب الاحتكاك والتعامل بشكل مباشر معه".

العلاقات الاجتماعية في قطاع غزة لا تستطيع تحمل القطيعة وهو ما من شأنه أن يهدد نسيج العائلة الواحدة

وتضيف أبو شاويش (34 عاماً)، في حديثها لـ "حفريات": "قمت باتخاذ عدة إجراءات وسلوكيات استجابة لقرارات الجهات الحكومية المختصة، لتجنب الإصابة بفيروس كورنا، ومن بينها اعتذاري من جميع أقاربي لعدم قدرتي على استقبالهم في منزلي، كما طالبت كلّ من يقابلني بعدم مصافحتي وتبادل القبل والأحضان، لحماية نفسي وأسرتي من مخالطة الآخرين؛ حيث أفرز هذا الفيروس لدي ولعائلتي الاهتمام بتناول الأطعمة الصحية وممارسة الأنشطة الرياضية".

وتمنّت أبو شاويش أن تحدث هذه التغييرات الاجتماعية تأثيرات إيجابية في طبيعة العلاقات بين السكان، وما من شأنه أن ينعكس على المجتمع ككل، وأن يتفهم الجميع ويراعوا كافة الإجراءات الوقائية التي تتخذها العائلات الفلسطينية، باعتبارها متطلباً ضرورياً في ظلّ الأوضاع الطارئة التي يمر بها القطاع، للحدّ من انتشار فيروس كورونا".

لن يؤثر كورونا على سلوكياته
وكان للمواطن يوسف أبو نادي (29 عاماً)، من حي الزيتون جنوب شرق غزة، رأي مختلف أثناء حديثه لـ "حفريات"، يقول: "فيروس كورونا لن يغيّر أسلوب حياته حتى إن ازدادت أعداد الإصابات بالقطاع"، مضيفاً أنّ "السكان في غزة اعتادوا الحركة والتنقل ومعايشة الحروب والأزمات والطوارئ"، رافضاً حالة العزلة التي تعيشها معظم العائلات الغزية من خلال مقاطعة المناسبات الاجتماعية، والبقاء في منازلهم خوفاً من انتقال العدوى بالمرض إليهم.

اقرأ أيضاً: أبعد من مرض.. وباء كورونا يهدد لقمة عيش الملايين

وبيّن أنّ "العلاقات الاجتماعية في قطاع غزة لا تستطيع تحمل القطيعة التي تحصل حالياً، وهو ما من شأنه أن يهدد النسيج الاجتماعي داخل العائلة الواحدة"، مشيراً إلى أنّه "يجب عدم التهويل أو الاستهتار بالفيروس، وكذلك أخذ التعليمات الصادرة عن الجهات المختصة على محمل الجد، لكن دون أن يؤثر ذلك في ثقافة وعادات وتقاليد المجتمع الغزي، التي نشأنا عليها منذ عشرات السنين".

وطالب أبو نادي سكان غزة باتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية، والتقليل من الازدحام غير المبرر في المناسبات الاجتماعية، كالأفراح والأتراح، التي من الممكن أن تقتصر، على سبيل المثال، على تقديم واجب العزاء لعائلة المتوفى عند دفنه فقط، دون أن يتم فتح بيت أجر لتجنّب استقبال مقدّمي العزاء؛ حيث لا تخلق تلك التصرفات أيّة حالة من الخوف والهلع، لكن كإجراء وقائي لمنع انتقال ونشر العدوى بالفيروس بين السكان.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية