"فايننشال تايمز" تتحدث عن إيران التي تحلم بالمرسيدس فتصحو على حافلات صينية

"فايننشال تايمز" تتحدث عن إيران التي تحلم بالمرسيدس فتصحو على حافلات صينية


08/09/2020

نُقش على البلاط الأزرق، فوق مدخل وزارة الخارجية الإيرانية في وسط طهران، الشعار الأيديولوجي الذي استُرشد به في سياستها الخارجية منذ ثورة 1979: "لا شرقية ولا غربية؛ [فقط] الجمهورية الإسلامية".

اليوم، ثمة ما يبدو أنه تحول تكتيكي لدولة ثيوقراطية تحت ضغط العقوبات الأمريكية. إيران تأمل في علاقات أفضل مع الدول الكبرى الأخرى، ويعمل قادة إيران على خطة "شاملة" مدتها 25 عاماً ليصبحوا "شركاء استراتيجيين مهمين" مع الصين، بحسب تقرير خاص بصحيفة "فايننشال تايمز".

اقرأ أيضاً: ما مستقبل المشروعين التركي والإيراني في المنطقة مع النظام العالمي الجديد؟

يقول المحللون إنّ الاقتراح الذي وافق عليه مجلس الوزراء الإيراني في حزيران (يونيو) الماضي ولم يتم طرحه بعد على بكين، يعكس محاولة النظام لتحسين وضع نفسه واقتصاده في مواجهة العقوبات الأمريكية، وما يراه جهوداً أوروبية محدودة لإنقاذ الاتفاق النووي لعام 2015. تعثّر الاتفاق منذ أن تخلت عنه الولايات المتحدة في 2018

يعمل قادة إيران على خطة "شاملة" مدتها 25 عاماً ليصبحوا "شركاء استراتيجيين مهمين" مع الصين.

بالنسبة للقوى المحافظة في إيران - المعادية للغرب - تقدم الصين وروسيا ثقلاً موازناً لعلاقات تجارية قوية تاريخياً مع أوروبا. ورسالة إيران السياسية للدول الغربية هي أنّ "إيران ليست وحدها. إذا كان هذا يجعل الغربيين، ولا سيما الأوروبيين، يغيرون نهجهم، فيمكننا حينئذٍ أن نرى كيفية إيجاد الحلول. إذا لم يكن الأمر كذلك، فستواصل إيران لعب هذه اللعبة مع الصين لأنه ليس لدينا خيار آخر".

فايننشال تايمز: إنّ إيران تفتقر إلى الثقة في القوى العالمية، لكنها اعتبرت الولايات المتحدة "ذئباً عملاقاً" والصين "جيش النمل"

الإصلاحيون في إيران، الذين يتحولون عادة إلى أوروبا، ولكنهم يشعرون بخيبة أمل من الاتفاق النووي، يفضلون أيضاً صفقة مع الصين. يقول سعيد ليلاز، المحلل الإصلاحي: "على مر السنين، عززت الصين موطئ قدمها في إيران من دون محاولة التدخل في الاستقرار السياسي والأمن والاستقلال في إيران". ورأيه، فإنّ هذا ما يميز الصين عن الولايات المتحدة وحتى روسيا، وكلاهما يميل إلى التدخل في الشؤون الداخلية لإيران.

وثيقة التعاون

تشير الوثيقة المكونة من 18 صفحة التي اطلعت عليها "فايننشال تايمز" إلى العديد من مجالات التعاون المحتملة بين الصين وإيران، بما في ذلك قطاعات الطاقة والبتروكيماويات والتكنولوجيا والقطاعات العسكرية بالإضافة إلى المشاريع البحرية. على الرغم من تقارير وسائل الإعلام المحلية عن إرسال قوات صينية إلى إيران وإعطاء جزيرة إيرانية لبكين - التي أثارتها جماعات المعارضة التي قالت إن توثيق العلاقات يهدد باستقلال إيران - لم تكن هناك تفاصيل عن ذلك في الخطة، بحسب "فايننشال تايمز".

اقرأ أيضاً: ماذا تريد إيران من التواجد في البحر الأحمر والقرن الأفريقي؟

تعد الصين بالفعل أكبر شريك تجاري لإيران؛ حيث ردع نظام العقوبات الأمريكي المعوق جميع الشركات، باستثناء الشركات الصغيرة التي ليس لديها عمليات أمريكية، من التعامل مع إيران. وبلغ حجم التجارة بين إيران والصين 20.7 مليار دولار خلال العام الإيراني الماضي، الذي انتهى في آذار (مارس)، وفقاً لإدارة الجمارك الإيرانية، وهو ما يقرب من ربع الإجمالي الإيراني. لا يشمل الرقم البضائع الصينية المعاد استيرادها من دول مثل الإمارات العربية المتحدة.

بين السياسة والتجارة

قال رجال أعمال إيرانيون، بحسب "فايننشال تايمز"، إن توسيع نطاق هذه الأعمال إلى المشاريع التي تبلغ تكلفتها مليارات الدولارات والتي تأمل طهران في تحقيقها يتطلب علاقات أفضل مع الولايات المتحدة. لقد غادرت كل من الشركات الصينية والأوروبية إيران في أعقاب العقوبات الأمريكية.

اقرأ أيضاً: مخاطر الطموحات التركية ـ الإيرانية على الأمن القومي العربي

وقال بيدرام سلطاني، رجل الأعمال الذي يتعامل مع الصين، "هذا الاتفاق قرار سياسي بالنسبة لإيران، لكنه قرار تجاري للصين، ما يعني أن الصين لا تستطيع فعل أي شيء جاد مع إيران طالما كانت العقوبات سارية". وأضاف: "لن تخاطر المؤسسات المالية والبنوك الصينية الكبرى والشركات الكبرى بمصالحها في السوق الأمريكية من خلال الاستثمار في إيران."

في تموز (يوليو) 2020، قال تشاو ليجيان، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، إن الصين وإيران تتمتعان بـ "صداقة تقليدية" و"كانتا على اتصال بشأن تنمية العلاقات الثنائية". وقد زار الرئيس شي جين بينغ إيران في عام 2016.

 

تشير الوثيقة المكونة من 18 صفحة التي اطلعت عليها   "فايننشال تايمز" إلى العديد من مجالات التعاون المحتملة بين الصين وإيران

وتنقل "فايننشال تايمز" عن يو جي، الباحثة البارزة في الشؤون الصينية في معهد "تشاتام هاوس" البريطاني، إنّ الموقع الجغرافي لإيران كان "مهماً من الناحية الاستراتيجية" بالنسبة لبكين، لا سيما بالنظر إلى قربها من باكستان؛ حيث تشارك الصين في مشاريع البنية التحتية من خلال ما يسمى بالممر الاقتصادي بين الصين وباكستان المهم في مبادرة "الحزام والطريق" الصينية. وقالت: "ستعمل إيران كنقطة عبور مهمة للغاية بالنسبة للصين".

اقرأ أيضاً: إيران غارقة في 8 أزمات.. نظام خامنئي مرتبك وخوف من الشهور المقبلة

وهناك بالفعل مؤشرات كثيرة على التعاون بين إيران والصين. والصين من أكبر أسواق تصدير الخام الإيراني. يقول محللون إيرانيون إنه بينما تريد إيران سوقاً مضمونة لنفطها، فإنّ بكين تريد ضمانات بالمرور الآمن لناقلات النفط عبر مضيق هرمز-المتوتر أحياناً-إلى الصين. وتنقل الصحيفة عن مدير إحدى شركات الشاحنات الرائدة، لم تسمّه، قوله إنّ الواردات من الصين تضاعفت بالفعل هذا العام، وتوقع أن تزداد أكثر.

المرسيدس والحافلات

وتتفاوض إيران مع الصين بشأن شراء 630 عربة لمترو طهران، وفقاً لتصريحات أدلى بها رئيس بلدية المدينة بيروز حناشي في تموز (يوليو). وفي تعليقه على ذلك يقول المحلل الإصلاحي سعيد ليلاز: "ربما لا تزال شركات الحافلات الإيرانية تحلم بسيارة مرسيدس بنز الألمانية في الليل، لكنها تستيقظ في الصباح على حقيقة أنها تستطيع في أحسن الأحوال شراء حافلات صينية". ويرى محللون إيرانيون أنّ توقيع الاتفاقية مع الصين قد يتم العام المقبل، بغض النظر عن نتيجة الانتخابات الأمريكية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. لكن نطاق التعاون سيتوقف على أي مفاوضات مع الولايات المتحدة. وتنقل الصحيفة عن مصدر إيراني مطلع أنّ الصين "ستواصل هذه اللعبة حتى يتم رفع العقوبات الأمريكية عن إيران، عندها يأملون في أن يكونوا في الصف الأول لجني الفوائد". ويضيف المصدر: "إنّ إيران تفتقر إلى الثقة في القوى العالمية، لكنها اعتبرت الولايات المتحدة "ذئباً عملاقاً" والصين "جيش النمل". وتابع: "كلاهما سيفرغ صوامعنا، لكننا نشعر بالرعب عندما ننظر إلى ذلك الذئب ولكننا لا نخاف من هؤلاء النمل"، وفق الصحيفة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية