عند أردوغان يتناسون.. إخوان تونس: حقوق الإنسان حاضرة داخلياً فقط!

عند أردوغان يتناسون.. إخوان تونس: حقوق الإنسان حاضرة داخلياً فقط!

عند أردوغان يتناسون.. إخوان تونس: حقوق الإنسان حاضرة داخلياً فقط!


28/05/2023

فيما ترتفع أصوات الإخوان في تونس مندّدة بـ"خرق حقوق الإنسان" والمطالبة بالعدالة وحرية التعبير وغيرها من الحقوق، فإنهم في الوقت نفسه يمجّدون الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حليفهم وحاميهم وممولهم، ويؤيدون ترشحه للانتخابات الرئاسية التركية الحالية ويدعون لانتخابه باعتباره "السلطان" كما يسمونه، وباعتباره يمثل الجزء الإسلامي الخيّر من العالم في مواجهة جزء آخر "صليبي"، كما يضفون عليه هالة من التقديس تنتشر بين أتباع حركة النهضة وتظهر بمجرد أن تتصفح حسابات الآلاف منهم على صفحات التواصل الاجتماعي بوصفه "فاتحاً لكنيسة آيا صوفيا" و"إماماً عادلاً لن يخذله الله لأنه ينصر الإسلام بصدق" و"يؤذن الفجر في الناس" على حد تعبيرهم، فهل إن هذه الصّورة المثالية حقيقية؟ ولماذا يؤيد الإخوان في تونس أردوغان هذا التأييد الأعمى؟ وهل إن "انتصارهم" لحقوق الإنسان حقيقي ومبدئي أم إنه مجرد شعارات يضيقون بها الخناق على السلطات التونسية ويصمتون عنها خارجها؟

ذكر موقع "مراسلون بلا حدود" في تقرير حديث عن وضعية الصحافة والإعلام وحالة الحريات الصحافية في تركيا أنّ 39 صحافياً تركياً يقبعون رهن اعتقال السلطان بالإضافة إلى متعاون مع وسائل الإعلام. ويقول التقرير إنّ 90% من وسائل الإعلام تقع تحت قبضة السلطة الحاكمة برئاسة رجب طيب أردوغان الذي يضيق الخناق حولها بمنعها من الإشهار.

ويؤكد التقرير ذاته أنه "مع اقتراب موعد انتخابات 2023، لا يتوانى نظام رجب طيب أردوغان عن مهاجمة الصحفيين للتعتيم عن التراجع الاقتصادي والديمقراطي للبلاد من جهة، وتعزيز قاعدته السياسية في المجتمع من جهة ثانية. فلا الرقابة شبه المنهجية على الإنترنت ولا الملاحقات القضائية المفرطة لوسائل الإعلام الناقدة ولا تحويل المحاكم إلى أداة في يد أردوغان مكنت هذا الأخير من استعادة شعبيته حتى الآن، علماً أنه متورط في قضية كبيرة تتعلق بالفساد والمحسوبية السياسية".

مع اقتراب موعد انتخابات 2023، لا يتوانى نظام رجب طيب أردوغان عن مهاجمة الصحفيين

ويستعمل النظام شتى الوسائل للتضييق على عمل الصحافيين ومنعهم من ممارسة مهنتهم كما تضمنه لهم كل المواثيق الدولية، كحرمانهم من الحصول على البطاقة المهنية في ممارسة تمييزية للتضييق عليهم، وفرض الرقابة على المقالات والمواد الصحافية المتداولة على الإنترنيت، "في حين يساهم المجلس الأعلى للقطاع السمعي البصري في خنق القنوات الناقدة خنقاً مالياً، من خلال فرض غرامات تعجيزية عليها. كما اضطرت بعض الصحف اليومية إلى خفض عدد صفحاتها بسبب سعر الورق"، حسب التقرير ذاته.

هذا زيادة عن الملاحقات الأمنية والقضائية بتهمة "الإهانة"، والتساهل مع المجموعات المتطرفة بالمقابل لتعريض الصحافيين للشتم والهرسلة والعنف والملاحقات وغيرها من وسائل الترهيب، وهو ما يعرقل عملهم ويمنعهم من إنتاج مواد عالية الجودة.

ترتفع أصوات الإخوان في تونس مندّدة بـ"خرق حقوق الإنسان" والمطالبة بالعدالة وحرية التعبير وغيرها من الحقوق، وفي الوقت نفسه يمجّدون أردوغان ويؤيدون ترشحه للانتخابات الرئاسية التركية الحالية رغم قمعه الحريات

وفي تقرير سابق يعود إلى العام 2016 ذكرت منظمة العفو الدولية أنّ "ثلث الصحفيين، والعاملين في المجال الإعلامي، والمسؤولين التنفيذيين في المهنة يقبعون في سجون تركيا، علماً بأنّ أغلبية كبيرة منهم ينتظرون تقديمهم إلى المحاكمة" زيادة عن إغلاق السلطة 180 وسيلة إعلامية.

أما حالياً، فقد تعرض تقرير المنظمة الذي يغطي العامين 2022 و2023 للحالة التركية، وذكر أنه "في تشرين الأول/ أكتوبر، قدم البرلمان تعديلات على عدة قوانين ضمن رزمة أُطلق عليها اسم "قانون الرقابة". وتضمنت الإجراءات إضافة جريمة جنائية جديدة، وهي "نشر معلومات مضللة علناً"، مما أسهم في زيادة سلطات هيئة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لإرغام شركات وسائل التواصل الاجتماعي على إزالة المحتوى، أو توفير بيانات المستخدم، أو دفع غرامات وتقليص نطاق التردد بشكل حاد؛ وتوسيع نطاق المتطلبات الصارمة المفروضة على شركات وسائل التواصل الاجتماعي، بإضافة مسؤوليات جنائية وإدارية ومالية".

يعتمد الإخوان مسألة حقوق الإنسان والحريات العامة ورقة ضغط على السلطة في تونس لتضييق الخناق عليها لاستعادة الحكم، والصمت عن الممارسات ذاتها في الخارج ودعم مقترفيها وتأييدهم وتلميعهم

وهو قانون يسهّل على السلطات قمع الحريات وملاحقة الصحافيين وترهيبهم، وقد كان الصحافي سنان أيغول أول من حوكم بهذا القانون في كانون الأول (ديسمبر) الماضي على خلفية تغريدة تتعلق بمزاعم إساءة جنسية غير مؤكدة، واعتقل لمدة 12 يوماً وفق تقرير المنظمة.

كما أكد التقرير سعي السلطات إلى ضرب حرية التجمع بتضييق الخناق على الجمعيات والناشطين من تنظيم عشرات التظاهرات و"استمرت السلطات في حرمان مجموعة أُطلق عليها اسم أمهات السبت (Saturday Mothers/People)  من حق عضواتها في حرية التجمع السلمي في ميدان غلطة سراي، حيث ما برحن يتجمعن هناك بصورة منتظمة للاحتجاج على عمليات الإخفاء القسري في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. وفي حزيران (يونيو)، منعت شرطة الشغب الاعتصام السلمي رقم 900 للمجموعة، واحتجزت محامييْ حقوق الإنسان أوزتورك تورك دوغان، وإرين كسكين، وعدد من أقرباء ضحايا عمليات الإخفاء القسري.2 وفي آب (أغسطس)، منعت الشرطة احتجاجاً نظمته مجموعة أمهات السبت بمناسبة اليوم الدولي لضحايا الإخفاء القسري في مقبرة ألتينشهير واحتجزت 14 شخصًا.

ووفق التقرير استمرت المحاكمات التي لا أساس لها لـ 46 شخصاً بسبب مشاركتهم في تجمع رقم 700 في آب (أغسطس) 2018. وفي أيلول (سبتمبر)، منعت الشرطة المجموعة من الإدلاء ببيان للصحافة أمام مبنى محكمة تشاغلايان قبل عقد جلسة الاستماع الخامسة، واحتجزت 16 شخصًا، من بينهم ثلاثة محامين".

هذا زيادة عن قمع تكوين الجمعيات والأحزاب، وأكبر دليل على ذلك إغلاق ثاني أكبر حزب معارض في 2021 (حزب الشعوب الديمقراطي) وحظر أكثر من 400 سياسي وناشط من قيادييه والمنتمين إليه لمدة 5 أعوام.

ويذكر التقرير أيضاً ما يتعرض له ناشطو حقوق الإنسان والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني الناشطة في هذا المجال من ملاحقات وتضييقات مثل عثمان كافالا وصلاح الدين ديمرتاش الّذين رفضت السلطات تنفيذ أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بتدخل من الرئيس التركي نفسه الذي ادعى أن قراراتها غير ملزمة لتركيا، ويقول تقرير منظمة العفو الدولية "إن عدم إطلاق سراح عثمان كافالا من السجن بما يتماشى مع الحكم الصادر في عام 2019 دفع مجلس أوروبا، في فبراير/شباط، إلى البدء بالإجراءات الخاصة بالمخالفات القانونية ضد تركيا. وهي المرة الثانية التي يتم فيها استخدام هذا الإجراء ضد دولة عضو".

إنّ كل ما سلف، وغيره كثير، لا يمثل سوى نزر من صورة قاتمة للرئيس التركي بوصفه أنموذجاً للحاكم الدكتاتور والمستبد المنتهك لحقوق الإنسان، وهي ملامح تفند تلك الصورة الطهورية التي يسوقها لنفسه ويساهم الإخوان في تونس في ترويجها كما أسلفنا في بداية التقرير، وهي حقيقة تكشف تناقضاتهم وزيف ادعاءاتهم المناصرة ظاهرياً لحقوق الإنسان والحريات العامة التي لا تُسمع مناصرتهم المزعومة لها إلا متى فقدوا السلطة. فلطالما كان الشارع التونسي خلال "العشرية السوداء" التي حكمتها حركة النهضة الإخوانية يطالب بوقف الاعتداءات على الحريات وحقوق الإنسان، ولم يكن يسمع لهم صوت سوى التخندقِ في مربع السلطة للدفاع عن خياراتها وتوجهاتها ومهاجمة المتظاهرين الذين يتعرضون إلى العنف من قبل عناصر الشرطة، ويؤيدون السحل الإلكتروني للصّحافيين والناشطين السياسيين وناشطي حقوق الإنسان والمعارضين وهرسلتهم وتهديدهم بالقتل والاعتداء عليهم بالعنف المعنوي والمادي (الاعتداء على الصحافي زياد كريشان رئيس تحرير جريدة "المغرب" مثالاً لا حصراً). أما اليوم فإنّ أصواتهم ترتفع مناهضة لما كانوا يؤيدونه بالمس، والفرق هو فارق امتلاك السلطة لا أكثر.

تركيا مصنفة ضمن "القائمة الرمادية" لمجموعة العمل المالي الحكومية الدولية، وتسمح للإخوان بغسيل الأموال والتحرك بِحرية والحصول على الدعم الإعلامي والتمكين السياسي في تونس تحت غطاء الجمعيات الخيرية والمشاريع الوهمية

زيادة عن هذا فإنّ تأييد الرئيس التركي والتسويق لصورته الطهورية على غير حقيقته الاستبدادية، والشكوى في الوقت نفسه من الممارسات نفسها في تونس يؤكد أنّ مسألة حقوق الإنسان والحريات العامة لا مبدأ فيها بل إنّ الإخوان يعتمدونها ورقة ضغط على السلطة في تونس لتضييق الخناق عليها لاستعادة الحكم، والصمت عن الممارسات ذاتها في الخارج ودعم مقترفيها وتأييدهم وتلميعهم.

أما تأييد الإخوان لأردوغان فلأسباب يطول شرحها قد نكتفي بالإشارة إلى أنّ تركيا مصنفة ضمن "القائمة الرمادية" لمجموعة العمل المالي الحكومية الدولية، وتسمح للإخوان بغسيل الأموال والتحرك بِحرية والحصول على الدعم الإعلامي والتمكين السياسي في تونس تحت غطاء الجمعيات الخيرية والمشاريع الوهمية التي سنخصص لها تقريراً منفصلاً، وبالمقابل يبيعون البلد للنفوذ التركي اقتصادياً إذ تسيطر تركيا على ثلاثة أرباع قيمة التبادل التجاري وتكتفي تونس بالربع المتبقي، وفق تقارير صحفية.

موضيع ذات صلة:

هجوم جربة يجدد إثارة شكوك اختراق الأمن التونسي... ما علاقة حركة النهضة الإخوانية؟

أي تداعيات لـ "هجوم جربة" على المشهد التونسي؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية