"ظلال" سيد قطب.. هل ينجح "شمهورش" الإخوان في "جلب الحبيب"؟

"ظلال" سيد قطب.. هل ينجح "شمهورش" الإخوان في "جلب الحبيب"؟

"ظلال" سيد قطب.. هل ينجح "شمهورش" الإخوان في "جلب الحبيب"؟


31/12/2022

طارق أبو السعد

انقطع على ما يبدو حبل الود بين الشعوب العربية وجماعة الإخوان الإرهابية ليفقد التنظيم "عرش السلطة"، ذلك الحبيب الذي طالما سعى لنيله بعد أن اختبر في بيئات مختلفة وأثبت فشله.

ومع انفضاض الشعوب في الشرق الأوسط عن الجماعة، ورحيل كبار مفكريها، تحتاج الجماعة إلى "عمل" بالمعنى الحركي أو ربما أيضا بالمعنى الدارج في أدبيات المشعوذين، لكي يتمكن جيل جديد من "دجاليها" من النجاة في ظرف ربما لم تعهده الجماعة على مدار تاريخها منذ تأسست في مدينة الإسماعيلية شرق العاصمة المصرية في أواخر عشرينيات القرن المنصرم.

وقبل أيام قام عصام تليمة أحد تلاميذ قطب الإخوان الراحل يوسف القرضاوي بإعادة طبع الطبعة الأولى من كتاب "في ظلال القرآن الكريم" لسيد قطب.

وقطب الذي أعدم في مصر في ستينيات القرن الماضي يعد أبرز منظري الإرهاب التكفيري، وعراب التنظيمات الوحشية من القاعدة إلى داعش.

وقد ثار العديد من قيادات وكوادر الإخوان بعد تلك الخطوة، واعتبروها تجاوزا في حق الكاتب الذي تنازل عما خطت يده في الطبعة الأولى من الظلال، ونقحها وأضاف إليها حتى وصلت إلى وضعها الحالي فيما وصف بخلاصة فكره، الذي تأسس عليه لاحقا جيل جديد من التكفيريين.

وأطلت تساؤلات خجولة على ألسنة الإخوان عن الدافع الحقيقي وراء إعادة إنتاج "الظلال" في ثوبه القديم، فما الحكمة من تغيير طبيعة الكتاب بما يحتويه من أفكار واضحة وضوح الشمس تميل لتكفير المجتمعات والحكام واستباحة دمائهم؟

هل هي خطوة ضمن مشروع فكري جديد بدأ في "منتدى كوالالمبور" لإعادة إنتاج الظلال القديم ضمن مشروع تحسين الصورة الذهنية عن الإخوان بطرح نسخة غير منقحة للكتاب المتهم باحتوائه على أفكار تكفيرية؟ هل هي محاولة للتشويش على الكتابات البحثية ضمن خطة مراوغة؟

أم أن ما قام به تليمة مجرد خطوة فردية يبحث من خلالها عن دور في مسار الجماعة التنظيري ليحتل موقع أستاذه القرضاوي بعد رحيله، واعتزال محمد أحمد الراشد بعد احتراقه في الخلافات بين الجبهات المنشقة، وعدم قدرة الإخوان على استدعاء كتب سعيد حوى بعد إعلانه قبل سنوات مغادرة الجماعة وانتقدها وانتقد أفكارها، كذا كتب فتحي يكن صاحب كتاب "المتساقطون على طريق الدعوة" بعدما ترك هو الدعوة، ووسم بالمتساقط وفصلته الجماعة.

من المؤكد أن الجماعة المتصدعة في حاجة لكاتب جديد يقوم بمهمة الغزالي في السبعينيات ويوسف القرضاوي في الثمانينيات وما بعدها، ولم يكن من الممكن استكمال إطارهما الفكري بدون الأسس التي قامت عليها الجماعة، سواء فيما قدمه المؤسس حسن البنا أو سيد قطب أو أبوالأعلى المودودي، غير أن هذه الأسماء وتلك الأفكار قد اهترأت من كثرة نقدها، وأصبح الاعتماد عليها في مرحلة تحسين الصورة الذهنية للإخوان وارتداء قناع السلمية من جديد مهمة مستحيلة، ومما زاد المأزق صعوبة أنهم أعادوا استخدام أفكار سيد قطب في مرحلة التجهيز لـ"اعتصام رابعة العدوية" شرق القاهرة إبان صراعهم على السلطة في 2013، ولحمل السلاح في مواجهة المؤسسات العسكرية الوطنية.

وكان لا بد من الخروج من المأزق ليس باستبعاد أفكار قطب، ولا التنصل من شخصه، ولكن تفتق ذهنهم عن استعادة الأديب والكاتب وإعادة الظلال بدون الحاكمية والجاهلية وبدون فقه الخروج عن وعلى المجتمع والعداء للجميع، وإن بشكل مؤقت ومرحلي لحين أن تنطلي الخديعة على الناس ويتم التسويق لقطب الأديب، وبعدها يمكن إعادة قطب الحقيقي والظلال الحقيقي الذي أخرج لنا أجيالا متوحشة تقتل وتسفك الدماء مستندة إلى أفكار قطب والبنا والإخوان.

إن عرض رحلة إنتاج كتاب "في ظلال القرآن" عبر تتبع المحطات الرئيسية التي مر بها الكاتب سيد قطب نفسه، تكشف لنا سر إعادة الظلال في ثوبه القديم قبل التنقيح، فالظلال هو سيد قطب وسيد قطب هو الظلال، على ما يذهب طيف واسع من الخبراء.

المحطة الأولى.. "شمهورش"

ولد صاحب الظلال في 9 أكتوبر/تشرين الأول 1906، في قرية موشا بمحافظة أسيوط جنوب القاهرة، لأب متزوج من امرأتين.

وكانت أمه هي الزوجة الثانية، وقد فرضت على قطب الابن الذي بدد والده ثروته، عدم مخالطة أقرانه فنشأ في عزلة تركت أثرها في نفسه.

لكنه ذات يوم اشترى كتاباً يستخدمه الدجالون في كتابة التعاويذ والتمائم التي يتعلق بها البسطاء لتحقيق أملهم في الزواج والحب والثروة، فعرف حينها كيف يداعب أحلام البسطاء وينتزع مكانة له في مجتمعه حتى لو على درب المشعوذين.

ووقع قطب في حب إحدى الفتيات التي استعانت بخدماته، وبعد حصوله على شهادة الابتدائية عام 1918 تزوج بها وانتقل إلى القاهرة.

المحطة الثانية.. ذوبان في العقاد

أقام قطب عند انتقاله للقاهرة في منزل خاله أحمد الموشي، في حي الزيتون شرقي القاهرة، وقد كان صديقا للكاتب عباس محمود العقاد.

ووجد قطب في العقاد ضالته ليعوضه عن غياب والده ويفتح له أبواب العمل في الصحافة، حيث نشر أشعاره في مطبوعات الحياة الجديدة، وكوكب الشرق والوادي والمصور، وبعد تخرجه من مدرسة عبدالعزيز للمعلمين الأولية التحق بتجهيزية دار العلوم عام 1925، ثم التحق بالكلية عام 1929، حيث بدأت سماته الشخصية في الظهور ككاتب حاد الطبع سليط اللسان قاس في أحكامه.

ونشر قطب بحثا بعنوان "التصوير الفني في القرآن" لفت أنظار الوسط الثقافي، كما ألقى محاضرة بعنوان "مهمة الشاعر في الحياة وشعر الجيل الحاضر" كرست حضوره على الساحة في ذلك الوقت.

وعقب تخرجه عمل قطب مدرسا في وزارة المعارف بمدرس الداوودية في القاهرة عام 1933، وفي تلك الفترة كتب رواية "أشواك" كتجربة ذاتية بعد علاقة حب من طرف واحد مر بها.

ونشط قطب كصحفي إلى جوار عمله كمدرس، كما أصدر ديوانه الأول "الشاطئ المجهول" في يناير/كانون الثاني عام 1935, لم يلق الديوان أي تجاوب من الأدباء ولا حتى من العقاد، ما ترك أثرا سلبيا عليه.

المحطة الثالثة.. الزلزال

وفي عام 1945 أصدر قطب كتاب "التصوير الفني في القرآن" الذي كان يأمل في أن يقدم له مرشده العقاد، لكن نجاح الكتاب والترحيب الذي قوبل به جعل غضبه يخبو إلى أن قرظ العقاد كتابا لمحمد خليفة التونسي، ثم عملا آخر للكاتب عبد الله القصيمي.

وحينها شعر قطب على ما يبدو أن مساره مع العقاد ينتهي بعد أن تجاهل أعماله لو بدعمه في الوسط الثقافي.

وبحلول يناير/كانون الثاني عام 1948، اقترب سيد قطب من جماعة الإخوان، التي وجد فيها تعويضا عن فقدانه لدور العقاد في حياته.

والتقى قطب محمد حلمي المنياوي، وهو قيادي إخواني وصاحب دار الكتاب العربي الذي قرر أن يمول "مجلة الفكر الجديد" الأسبوعية على أن يتولى قطب الإشراف عليها وإصدارها واستكتاب الكتاب فيها.

المحطة الرابعة.. أمريكا

وفي منتصف 1948 قررت وزارة المعارف إرسال بعثة إلى الولايات المتحدة دون أن تحدد لها مدة بعينها أو مهمة محددة ولم تكن إلى جامعة بعينها ما جعل الأمر كله مثار ريبة.

وفي أثناء وجود قطب في أمريكا طبع كتابه الإسلامي الثالث "العدالة الاجتماعية في الإسلام"، عام 1949، ثم يحسم أمره فقرر الانقطاع كليا عن النقد والدراسات النقدية والابتعاد عن دنيا الأدب والأدباء، وقد أعلن ذلك هناك في رسالة بعث بها إلى أنور المعداوي في مارس/آذار عام 1950 قال له فيها "أتنتظر عودتي لأخذ مكاني في ميدان النقد الأدبي؟ أخشى أن أقول لك إن هذا لن يكون، وإنه من الأولى لك أن تعتمد على نفسك (..) إنني سأخصص ما بقي من حياتي لبرنامج اجتماعي كامل، يستغرق أعمار الكثيرين، ويكفي أن أجدك في ميدان النقد الأدبي لأطمئن إلى هذا الميدان".

وعاد قطب إلى القاهرة في20 أغسطس/آب 1951، واستلم عمله في وزارة المعارف، كمراقب مساعد، بمكتب وزير المعارف وقتها إسماعيل القباني، ثم كتب كتابه الإسلامي الرابع "معركة الإسلام والرأسمالية"، ولم يكد العام ينتهي إلا بإصداره كتابه الخامس "السلام العالمي والإسلام".

المحطة الخامسة.. مولد الظلال

 في هذه المرحلة كان الإخوان يتواجدون في المجتمع المصري بموافقة ضمنية، لمواجهة الشيوعية والاشتراكية التي تفشت في المجتمع بعد الحرب العالمية الثانية.

روج الإخوان لكتابات قطب، وأصبح كاتبا لامعا بينهم، قبل أن يحصل صالح عشماوي القيادي الإخواني المعروف على رخصة "مجلة الدعوة" فكتب فيها قطب بعضا من مقالاته الاجتماعية الدينية، وكتب أيضا في صحيفة اللواء لسان حال الحزب الوطني، والمجلة الاشتراكية، لسان حال الحزب الاشتراكي الذي أسسه أحمد أمين.

وفي مجلة "المسلمون" التي أسسها سعيد رمضان زوج ابنة حسن البنا، كتب مقالا شهريا، في تفسير القرآن الكريم، واختار له عنوان "في ظلال القرآن"، كان في شكل خواطر تفسيرية بسيطة تعبر عن رغبته الأدبية في تناول سياق الآيات القرانية وجزالة اللغة العربية المستخدمة، ولم يكن قد وصل لمرحلة التطرف.

وبعد ثورة يوليو/تموز عام 1952 تحالفت الجماعة مع تنظيم الضباط الأحرار أثناء أزمة ما عرف حينها بـ"الديمقراطية"، وفي هذه الأجواء جمع قطب مقالاته في مجلة "المسلمون" ليصدر كتابه في ظلال القرآن في صورته الأولى.

وانضم سيد قطب إلى صفوف الإخوان رسميا وتنظيميا في 1953، بعد الثورة وأثناء العلاقة الحميمة بين ضباط يوليو والإخوان، وأسند إليه قيادة الأعمال التثقيفية في الجماعة، مثل إصدار جريدة "الإخوان المسلمون"، وإلقاء أحاديث الثلاثاء في المركز العام للإخوان، وإلقاء المحاضرات الإسلامية في المناسبات المختلفة التي كان ينظمها الإخوان، قبل الصدام بين الجماعة السلطات المصرية بعد حادث المنشية الذي تعرض فيه الرئيس جمال عبدالناصر لمحاولة اغتيال اتهم بتدبيرها الإخوان وحكم على قطب بالسجن 15 عاما.

المحطة السادسة.. اكتمال الظلال

وخلال سجنه قام قطب بتنقيح الطبعة الأولى لكتابه الظلال، وركز على المعاني والتوجيهات الحركية والجهادية، وضخ تصورات متطرفة، فاضل فيها بين مجتمع الإيمان ومجتمعات الجاهلية، وخرج بنظريته القاتلة التي تعتمد على ثلاثية ( جاهلية المجتمع – الحاكمية – التغيير بالقوة) وهي النظرية التي يتبعها كل التكفيريين والمسلحين والارهابيين الاسلامويين في العالم

 ومن صفحات الظلال خرج للمطبعة كتاب مثير كان له أكبر الأثر في تكوين جماعات العنف فيما بعد ألا وهو كتاب "معالم في الطريق" الذي طبعه في عام 1964 بعد خروجه من السجن بعفو صحي.

تشكلت أفكار سيد قطب في ظل السجن ولمعت ذاته الإسلاموية أكثر وأصبحت مصطلحاته الجديدة التي يؤصل لها شرعا تلق رواجا في السجن وخارجه، حتى أصبحت المحرك الأول لكل منظري الإرهاب الإسلاموي في العالم، وتتلخص أفكاره عبر مفاهيم "الجاهلية والحاكمية والعزلة الشعورية أو اعتزال الجاهليين وتكفير المجتمعات المسلمة".

وخط قطب قبل إعدامه في أغسطس 1966 طاقم المفاهيم الرئيسية التي سيستثمرها جيل جديد من المتطرفين لصياغة مشروع عنيف إقصائي لا مجال فيه للآخر يعتمد الرصاص بديلا للحوار.

عن "العين" الإخبارية

الصفحة الرئيسية