صراع الهوية في اليمن.. الحوثيون أسرى المشروع الإيراني

صراع الهوية في اليمن.. الحوثيون أسرى المشروع الإيراني


19/04/2022

سلّط مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية الضوء على صراع الهوية الوطنية في اليمن، وممارسات ميليشيات الحوثي الإرهابية التي تُعتبر التهديد الأول للهوية الوطنية في اليمن بسبب محاولة استنساخ نظام الخلافة الإيراني.

وقال المركز في الدراسة التي أعدها الباحث أحمد عليبة بعنوان "حرب بلا تسوية... معركة الهوية في اليمن"، أنّ مؤتمر الحوار الوطني اليمني في الرياض مؤخراً المنعقد في الفترة من 29 آذار (مارس) – 7 نيسان (أبريل) 2022 كشف جوهر المعضلة اليمنية المركّبة الأبعاد والمتعددة الأزمات، حينما أشار بوضوح إلى أولوية مشروع "استعادة الدولة الوطنية"، باعتبارها "الفريضة الغائبة" في ظل مآلات الحالة اليمنية، معتبراً أنّ اليمن يخوض معركتين متوازيتين: الأولى هي معركة "السلاح"، والثانية هي معركة "الهوية".

وأضاف الباحث أنّه يصعب الفصل بين المعركتين؛ وبالتالي فإنّ فرضية إنهاء الصراع المسلح عبر تسوية سياسية ستظل فرضية منقوصة إن لم تحسم معركة "الهوية"، بل ستقود في الأخير إمّا إلى تسوية مهددة، وإمّا "تمكين" الهويات المتصارعة على الهوية الوطنية.

ممارسات ميليشيات الحوثي الإرهابية تُعتبر التهديد الأول للهوية الوطنية في اليمن بسبب محاولة استنساخ نظام الخلافة الإيراني

وأوضحت الدراسة أن "ثمّة إشكالية أخرى تتعلق بالمنظور الجهوي للصراع اليمني، حيث يتم اختزاله في الصراع الشمالي الحوثي، علماً بأنّ انهيار النظام في اليمن (2011) أعاد طرح دورة الهويات التاريخية التي تقلب عليها اليمن شمالاً وجنوباً، كـ"الدولة الإمامية"، و"الدولة الجنوبية" بطبعتها الأخيرة، ودولة "الجنوب العربي"، وصولاً إلى مساعي إعادة إحياء ثقافات وتراث سلطنات غابرة في إقليم حضرموت على سبيل المثال".

ويعكس هذا السياق، وفق الدراسة، "مؤشراً غاية في الخطورة، فعبارة "تجريف المشروع الحوثي لهوية الدولة الوطنية في اليمن" ربما من أكثر العبارات تردداً على منصة مؤتمر الرياض، في حين أنّ واقع اليمن كاشف عن أنّ فكرة الدولة الحديثة العابرة لهويات ما قبل الدولة لم تتجذر في الثقافة اليمنية عموماً، وبالتالي لا يقتصر الأمر على الحوثيين فقط، بل يمكن القول إنّ الواقع الحوثي هو ارتداد طبيعي لما جرى في لحظة سقوط النظام وانهيار أدواته القابضة على السلطة، وهو سياق له سوابقه التاريخية أيضاً".

 

اليمن يخوض معركتين متوازيتين: الأولى هي معركة السلاح، والثانية هي معركة الهوية

 

واستدرك الباحث في الدراسة: "لكن ما لم يحدث من قبل في هذا الصدد، هو التزامن ما بين هذه المشروعات، فللمرة الأولى يتصادف الصراع من أجل إعادة إحياء دولتين في اليمن: الأولى في إطار المشروع الحوثي في الشمال الذي يقاتل على حدود جغرافيا "الدولة الإمامية"، ويعتبر مواصلة القتال حتى استعادة تلك الحدود عقيدة لا يمكن التراجع عنها، والثانية في إطار مشروع المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي أصبح له محاربون يحملون السلاح تحت راية "دولة الجنوب" ودفاعاً عن جغرافيتها. وكافة المعارك التي شهدها الجنوب مع الحوثيين ثم مع قوات محسوبة على الشرعية إلى أن جرى توقيع اتفاق الرياض (2019) تؤكد هذا السياق"، لافتاً إلى أنّ هناك تباينات عديدة ما بين المشروعين، لكنّها تظل فوارق شكلية في حدود الآليات والوسائل والخطط وليس الأهداف الاستراتيجية. لكن من المتصور أنّ المشروع الجنوبي قابل للاحتواء على نحو ما جرى في الحوار الوطني الأخير في الرياض، حيث أصبح الانتقالي أحد أبرز مكونات "الشرعية الجديدة" المتمثلة في "المجلس الرئاسي اليمني"، لكنّ استمرار عملية احتوائه ستتوقف على إحباط المشروع الحوثي في الشمال.

 

نقطة الضعف الرئيسية في الطبعة الحوثية وتطورها المرحلي أنّها أصبحت أسيرة المشروع الإقليمي الإيراني الداعم لها سياسياً وعسكرياً

 

وحول أبعاد معركة "الهوية" في المشروع الحوثي، أوضح الباحث أنّ الميليشيا الحوثية تعتبر أنّها هزمت خصومها من "السلفيين" في معركة "دماج" 2013، و"الإخوان المسلمين" عندما أطاحت بالشرعية في صنعاء في انقلاب 2014، والتي كان الإصلاح – الذراع السياسية للإخوان - يهيمن عليها، وبالتالي أزالت الخصوم في معقلها السياسي في صنعاء والديني في صعدة، إضافة إلى أنّ تحالفها مع الرئيس الراحل علي عبد الله صالح نقل لها سريعاً ما تبقى من إرث نظامه ودولته. لكنّ التحدي الأكبر في طريق التمكين للمشروع الحوثي هو الهيمنة على "الزيدية" نفسها، باعتبارها الحاضنة التي يتعين على الحوثي التمدد فيها، وهي نقطة إشكالية في سياق تعدد المناظير، فثمّة منظور يرى أنّ الحوثي تمكن بالفعل من تطويع "الزيدية"، ودلالة ذلك أنّه لا توجد مقاومة تذكر من الأخيرة للمشروع الحوثي.

تنامت المظاهر المذهبية في صنعاء وخارجها، خلال شهر رمضان الجاري

وتابعت الدراسة: فكرة أعداء الأمّة التي أصَّل لها الحوثي حديثاً تقاطعت بطبيعة الحال مع النهج الإيراني مبكراً قبل خوض الحروب الـ6 في اليمن (2004 – 2010) بل إنّ البعض يضعها في سياق تاريخي يلي قيام الثورة الإيرانية مباشرة، في إطار مشروعها لتصدير الثورة. وهنا يطرأ المنظور الآخر، وهو منظور إشكالي حول هوية المشروع الحوثي، باعتباره "طبعة إيرانية"، فالمشروع آل في الأخير إلى الحاضنة الإيرانية، وليس إلى الحاضنة "الزيدية".

ومن المتصور أنّ هذه الجزئية قد تكون نقطة الضعف الرئيسية في الطبعة الحوثية وتطورها المرحلي، لا سيّما أنّها أصبحت أسيرة المشروع الإقليمي الإيراني، الداعم لها سياسياً وعسكرياً، كما يمكن القول إنّ الحوثية لها مرجعية وربما "حوزة" تتمثل في حسين الحوثي لكن ليس لها أئمة فعلياً، فإمامها الحالي شقيقه الأصغر- عبد الملك- ليس لديه أدوات يمكن أن تُشكّل قيمة مضافة لمشروع الحركة الفكري، فهو ليس أكثر من صدى أعلى صوتاً من شقيقه المُؤسس، خاصة مع هيمنة الحركة على المنابر ووسائل الإعلام والتواصل المختلفة.

 

"تجريف المشروع الحوثي لهوية الدولة الوطنية في اليمن" ربما من أكثر العبارات تردداً على منصة مؤتمر الرياض

 

ووفقاً للدراسة، فقد تمدد المشروع الحوثي بمظاهره المذهبية على مدار (8) أعوام تقريباً منذ انقلاب أيلول (سبتمبر)، وتنامت هذه المظاهر تصاعدياً، وكثيراً ما يشير مراقبون يمنيون إلى مقاربة "الإمامة والجهل"، وأنّ المشروع الحوثي لإحياء "الإمامة"، بطبيعة الحال، هو مشروع ظلامي لمن قدموا من كهوف "صعدة" وليس لديهم القدر أو الحد الأدنى من التعليم التقليدي، ويرون في مشروعهم الإيديولوجي "المسيرة القرآنية" بديلاً للعلم والمعرفة.

وينوّه الباحث إلى أنه في النتيجة هناك أكثر من مليوني طفل في سن التعليم خارج المدارس وفقاً لأحدث تقارير اليونيسيف، بسبب الحرب وتداعياتها، وبالتالي هم أدوات جيدة في خدمة المشروع الحوثي، يدفع بهم إلى جبهات الحرب، ويعبؤون فكرياً بالمنهج الحوثي في الوقت نفسه. وفي واقع الأمر لا يوجد فارق جوهري بينهم وبين من التحقوا بصفوف الدراسة، فالمناهج التعليمية ما هي إلا انعكاس للفكر نفسه، وقد تحوّلت المدارس إلى أحد مصادر تجنيد المقاتلين من الجنسين، حيث يتم إلحاق البنات بدورة "الزينبيات" ويتم تأهيل الكثيرات منهنّ للقيام بدور في هذا المشروع، وانتقل الأمر من المدارس إلى الجامعات، التي أغلق البعض منها، فيما أخضع البعض الآخر لخدمة المشروع الحوثي، وبالتالي أضاعت هذه الحرب جيلاً كاملاً، وهو ما سيكون له آثاره الكارثية في المستقبل، بغضّ النظر عن نهاية الحرب من استمراريتها.

 

مؤتمر الحوار اليمني في الرياض أعاد الاعتبار لفكرة الدولة الوطنية، وهي خطوة أوّلية تظل بحاجة إلى البناء عليها

 

واستطرد الباحث: "من اللافت أيضاً تنامي المظاهر المذهبية، وفرضها بقوة السلاح، في صنعاء وخارجها، خلال شهر رمضان الجاري، حيث منعت صلاة "التراويح" في العديد من المساجد، وأحدها شهد معركة مسلحة، وأجبر الحوثيون أئمة المساجد على تأخير موعد أذان المغرب عن توقيته الطبيعي، حتى زوال حمرة الشمس عند الغروب، وهي وغيرها مظاهر مرتبطة بالمذهب الشيعي، هذا فضلاً، بطبيعة الحال، عن فرض دروس الحوثي كوجبة دينية يومية تذاع في المساجد وعبر الإعلام جبراً، وتقوض هذه المظاهر، من دون شك، السلام الاجتماعي والتعايش في اليمن الذي كان ينظر إليه على أنّه نموذج يصعب فيه التفرقة المذهبية ما بين "الشافعية" و"الزيدية".

 المشروع الحوثي يتأسس على نمط النظام الإيراني

وتحت العنوان الفرعي "تحدي "الدولة الوطنية" في سياق مؤتمر الرياض" أوضحت الدراسة إنه المؤتمر، على الأرجح، قدّم عنواناً مهماً حول فكرة الدولة الوطنية، لكنّه لم يؤسس لها من خلال مضمون كافٍ، خاصة أنّه جرى الانتقال إلى عملية إعادة هيكلة السلطة، باعتبارها يمكن أن تمثل خطوة على طريق استعادة الدولة، وهي مقاربة تتماشى مع الخبرة اليمنية "السلطة هي الدولة"، فالمسألة تتعلق بـ"استعادة الدولة الوطنية" في اليمن، وليس بناء أو تأسيس الدولة الوطنية أو الدولة الحديثة العابرة للهويات الأوّلية. وعَكَس الحوار اليمني في الرياض خلطاً واضحاً حول ما هو المقصود بالدولة الوطنية، فتارة يتم التأكيد على النظام الجمهوري- ولا شك أنّ المشروع الحوثي عابر لهذه الإشكالية فعلياً، خاصة أنّه يتأسس على نمط النظام الإيراني "مرشد ورئيس"- وتارة أخرى تتم الإشارة إلى أنّ الهدف هو العودة إلى قواعد اللعبة في عهد نظام علي صالح، ولا شك أنّ هذا أمر غير وارد حتى وإن أصبح لورثة النظام السابق وزن وثقل في الشرعية الجديدة، لكن يظل النظام السابق دورة في عجلة التاريخ اليمني، بل قد تكون دورة عابرة إذا ما قورنت بالمشروعات التي تواجهها.

 

التحدي الأكبر في طريق التمكين للمشروع الحوثي هو الهيمنة على "الزيدية" نفسها، باعتبارها الحاضنة التي يتعين عليه التمدد فيها

 

وأضافت الدراسة: "لكن من الأهمية بمكان القول إنّ مؤتمر الحوار اليمني في الرياض أعاد الاعتبار لفكرة الدولة الوطنية في حدّ ذاتها، وهي خطوة أوّلية تظل بحاجة إلى البناء عليها لصياغة مشروع يمكن أن يقارع المشروعات الأخرى، لا سيّما أنّ القاسم المشترك في نقاط الضعف لكافة المشروعات المطروحة هو أنّها مشروعات جرى استدعاؤها من التاريخ البعيد والقريب، بل إنّ الجدل أو ما يعتبره البعض العصف حول فكرة الدولة في كواليس الحوار لم يكن أكثر من مباراة في الجدل التاريخي، سرعان ما انتهت حينما تم الإعلان عن تشكيل السلطة الجديدة.

وبطبيعة الحال، لا يوجد مشروع مستقبلي يحمل رؤية لدولة معاصرة، فلا بدّ من بناء خبرات جديدة في إطار مشروع بناء الدولة، ممّا يحتاج إلى رؤية وآليات وسياق مختلف، وهو ما يفسر العودة إلى المربع الأول، وهو الحل العسكري، فأغلب القوى المنضوية تحت مظلة الشرعية الجديدة ترى أنّه لا بدّ من إلحاق هزيمة عسكرية بالحوثيين، على الرغم من أنّ مخرجات الحوار أكدت على أولوية الحل السياسي.

مواضيع ذات صلة:

اليمن: كيف سيتعامل مجلس القيادة الرئاسي مع الحوثيين؟

الهدنة مع الحوثيين في اليمن: تكتيك أم رغبة في إنهاء الحرب؟

حزب الإصلاح اليمني والحوثي: فصل من حكاية الإخوان وإيران



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية