صحفي مقيم في بروكسل يكشف لـ"حفريات" دور السفير القطري في بلجيكا

صحفي مقيم في بروكسل يكشف لـ"حفريات" دور السفير القطري في بلجيكا


12/08/2020

ما تزال قضية تمويل قطر لحزب الله تبعث العديد من الأسئلة والإشكاليات، على أكثر من مستوى، خاصّة بعد تورّط السفير القطري لدى بلجيكا وحلف شمال الأطلسي "الناتو"، عبد الرحمن بن محمد سليمان الخليفي، في محاولة دفع 750 ألف يورو للعميل الذي حصل على الوثائق التي تكشف الدور القطري، بهدف الضغط عليه وإغرائه، وذلك أثناء اللقاء الذي جمع بينهما، أوائل عام 2019، للتستر على المعلومات الموثقة، بيد أنّ الناتو والحكومة البلجيكية لم ترد، من جانبهما، على استفسارات قناة "فوكس نيوز" التي نشرت الوثائق، كما لم توضح حقيقة دور السفير القطري في القضية.

حقائق جديدة

وظهر، الإثنين الماضي، تسجيل صوتي مسرب بين ضابط مخابرات غربي، من جهة، ومايكل إناكر، المدير التنفيذي لشركة "WMP" للعلاقات العامة، من جهة أخرى؛ إذ اتّضح من خلاله دور السفير الخليفي، أكثر من مرة، وكذا الإشارة لسعيه المحموم لوقف نشر المعلومات الخاصة بدعم الدوحة وتمويلها لحزب الله، بواسطة صفقة مالية، حسبما ورد في الصحف الألمانية، والتي ذكرت أنّ "سفير الدوحة لدى بروكسل، عبد الرحمن الخليفي، عرض مبلغاً من المال على أحد موظفي أجهزة الاستخبارات الغربية، حتى يلتزم الصمت بشأن معلوماته عن دور قطر في تمويل حزب الله".

يصف الكاتب السياسي الأردني، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، والمقيم في بلجيكا، مالك العثامنة، تلك السياسات التي تمارسها الدوحة، بكلّ أجنداتها وأسرارها، بأنّها تجري في خفاء وذكاء شديدين؛ إذ إنّ قطر تمارس لعبة مزدوجة في السياسة الدولية، وعلاقاتها مع أوروبا والولايات المتحدة خصوصاً، وتلك العلاقات نتاج متراكم من خبرة في العمل السرّي والمؤامرات، وكذا بناء جيوب الحلفاء السرية في ثنايا مؤسسات تلك الدول، وكان المال محركاً أساسياً في كلّ ذلك.

تمويل قطر للحركات المتطرفة "الإسلامية" تحديداً، تاريخي وقديم، وأقدم من علاقتها مع إيران، وكان في بداياته يسعى لتأسيس خلايا التطرف الفكري في كلّ مكان بالعالم

وفي تصريحاته لـ"حفريات"، يبدي العثامنة استغرابه الشديد، من الصحوات المتفاوتة، مؤخراً، للكشف عن دور قطر المزدوج والملتبس في دعم التطرف، أو بتعاونها "المستجد" مع إيران بعد عداوة سبقت التحالف؛ حيث يرى أنّه ثمة "بحيرة غاز تريليونية ضخمة في المياه الإقليمية المشتركة بين قطر وإيران، وهذه البحيرة الغازية الضخمة، في عالم تحوّلت فيه أولويات الطاقة إلى الغاز، خلقت مصلحة مشتركة بين الطرفين، وعززها أكثر سيطرة التيار الإخواني على السلطة في قطر، وقد اختطفها منذ أعوام؛ حيث لم تنقطع علاقاته ولا مصالحه يوماً مع نظام الملالي في طهران، وتلك حكاية موثقة تاريخياً، ولا تحتاج إثباتات جديدة. وعودة إلى علاقات سيد قطب مع ملالي إيران، وفقهاء الشيعة المؤسسين لفكرة الثورة الخمينية، ليست ملفات سرية؛ بل متاحة للجميع".

الكاتب الأردني المقيم في بلجيكا، مالك العثامنة

قطر وإيران.. مسار التحالف والصعود

ويعتقد العثامنة أنه "من التجني أن يتمّ تلبيس الفكر المتطرف (الوهابي) لغير قطر، وهي التي تتبنى فكر ابن تيمية التكفيري كلّه في أدبيات تيارها الإخواني المسيطر، كما أنّ قطر، في ظلّ سيطرة هذا التيار، صارت لديها أولوية قصوى بالعلاقة الداعمة لكل سياسات إيران التوسعية، وتمويل تلك السياسات إنما يخدم مصلحة التيار الإخواني المسيطر على السلطة في قطر".

لكنّ أوروبا نفسها، بحسب الكاتب السياسي الأردني، مارست النفاق المزدوج نفسه في العلاقة مع إيران ثم قطر، وذلك عبر مؤسسات اتحادها الأوروبي، لذلك ليس مستغرباً أن تكون بروكسل ميداناً مفتوحاً للصفقات السرية المشغولة بذكاء.

وبسؤال العثامنة المقيم في بروكسل عن دور السفير القطري في بلجيكا، الذي ورد اسمه ضمن الملفات الوثائقية التي كشفت عنها قناة "فوكس نيوز"، وإلى أيّ حدّ توظف الدوحة أدواتها السياسية والدبلوماسية في تمرير أجندتها السياسية والإقليمية، أجاب: "السفير القطري يؤدي دوره المطلوب منه في عاصمة أوروبا، بروكسل، وهي مدينة، بحكم أنّها ناشطة دولياً، مستباحة لمثل تلك الصفقات المشبوهة".

اقرأ أيضاً: سياسيون لبنانيون لـ "حفريات": تمويل قطر لحزب الله جريمة بحقّ الإنسانية

وفي عام ٢٠١٦، بالتزامن مع الاتفاق النووي مع إيران، في عهد الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، أصدر الاتحاد الأوروبي إستراتيجية العلاقة مع إيران، وهي منشورة بكلّ لغات الاتحاد الرسمية على منصته الرسمية؛ ومن خلال تلك الدراسة يمكن فهم النفاق الأوروبي تجاه إيران، حسبما يوضح العثامنة، وذلك في مقابل الصفقات التريليونية المعنية ببناء كامل البنية التحتية في إيران، بعد فكّ الحصار "افتراضاً" عنها، موضحاً: "تلك الصفقات مع الأوروبيين، كانت قطر هي الوسيط المقنع فيها، إلى أن جاءت إدارة ترامب لتقلب الطاولة على الجميع في التفاهمات مع طهران، وكانت إدارة ترامب واضحة في أنّ الاتفاق النووي مع إيران لم يكن مجدياً اقتصادياً لواشنطن، كما كان لأوروبا".

صناعة التطرف بواسطة قطر

الكاتب السياسي المقيم في بلجيكا، يشير أيضاً إلى أنّ تمويل قطر للحركات المتطرفة "الإسلامية" تحديداً، تاريخي وقديم، وأقدم من علاقتها مع إيران، وكان في بداياته يسعى لتأسيس خلايا التطرف الفكري في كلّ مكان بالعالم، غير أنّ أدوات قطر دوماً كانت أدوات ذكية، بحسب توصيفه، ويخططها الإخوان بحكم الخبرة الطويلة في العمل السرّي، مما علمهم تغطية الحقائق بالتضليل، وبشكل متقن.

من التجنّي أن يتمّ تلبيس الفكر المتطرف "الوهابي" لغير قطر، وهي التي تتبنى فكر ابن تيمية التكفيري كله في أدبيات تيارها الإخواني المسيطر

وفيما يتّصل بأهم تلك الأدوات القطرية التي بدأت العمل، منتصف تسعينيات القرن الماضي، كانت الجمعيات الخيرية، فضلاً عن طرق متفاوتة من بينها: "غسيل أموال ناجح بعيد عن الشبهات، بل يتلقى الثناء والمديح، وتمويل خرافي يصل إلى أبعد المناطق في العالم باسم العمل الخيري"، بحسب العثامنة الذي يردف: "لكن لو قامت جهة صحفية محايدة بالتقصي والتحقيق في أسماء الإدارات التنفيذية لتلك الجمعيات القطرية، منذ التسعينيات وحتى اليوم، لوجدت أنّهم أسماء قيادات إخوانية، أغلبهم من تيار الجماعة، في سوريا ومصر، المحكوم عليهم بقضايا، منذ ثمانينيات القرن الماضي".

ومن بين تلك الجمعيات؛ جمعية قطر الخيرية التي قادها وأسسها في التسعينيات، أحد مساعدي ومقربي أسامة بن لادن، بينما عين لإدارة استثماراتها في أكثر من ٦٠ عاصمة في العالم (من بينها أوروبا) واحد من أكبر قيادات صقور الإخوان في سوريا في الثمانينيات، يقول العثامنة.

ومن هنا؛ يحلل الكاتب السياسي الأردني، طبيعة وسياق التقارب القطر الإيراني، والذي يصفه بـ "المصلحي" و"العضوي"، من الناحية السياسية، و"التريليوني"، بحسب القيمة والأهداف الاقتصادية؛ ما يعني السيطرة على العالم من خلال الطاقة؛ حيث يمكن فهم تمويل قطر لأحد أخطر مخالب إيران الشرسة في عمق الشرق الأوسط، حزب الله، بفرعه اللبناني الأقدم، والعراقي الناشئ والصاعد بقوة؛ إذ إنّنا نتحدث عن مليشيات ضاربة ومدربة باحترافية على كلّ عمليات القتال، والقتل الممنهج، والتي لا ينقصها إلا التمويل الجيد للخروج والانتقال بسهولة من جغرافيا إلى جغرافيا أخرى.

اقرأ أيضاً: الكونغرس الأمريكي يضع قناة الجزيرة القطرية في مأزق.. ما القصة؟

ويختتم: "أخطر ما في المرحلة الراهنة، هو الفراغ الموسمي المتكرر كل أربعة أعوام، أثناء فترة الانتخابات الرئاسية في أمريكا، وهي فترة يجمّد فيها العالم نشاطاته، ويترك فراغاً يسمح للجميع بإعادة التموضع لفرض الأمر الواقع، وبناء وقائع جديدة، وبالتالي، يمكن فهم التحركات الأردوغانية التوسعية التي تحاول تثبيت وقائع على الأرض للبناء عليها فيما بعد، وكذا إستراتيجية التوسع الإرهابي على الأرض في العلاقة القطرية الإيرانية، بغية تثبيت مداميك جديدة، يكون من الصعب الرجوع عنها، مما سيضطر العالم إلى التعامل معها"

الصفحة الرئيسية