سيناريو الحرب الوشيكة بين روسيا وأوكرانيا: الثلج يشتعل

سيناريو الحرب الوشيكة بين روسيا وأوكرانيا: الثلج يشتعل


23/02/2022

في أعقاب التصعيد الروسي الأخير، واعتراف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستقلال منطقتي لوغانسك ودونيتسك الانفصاليتين شرقي أوكرانيا، عقد مجلس الأمن صباح أمس الثلاثاء، اجتماعاً طارئاً لبحث تطورات الأزمة بطلب من كييف وواشنطن والاتحاد الأوروبي والمكسيك.

وحذرت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية روزماري ديكارلو من خطر اندلاع "صراع واسع النطاق"، داعية إلى وجوب العمل على تفادي ذلك، فيما انتقد المندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا، سياسة الولايات المتحدة والغرب تجاه الملف الأوكراني، وقال، إنّ الغرب يلعب دوراً سلبياً في أوكرانيا.

كما اتهم كييف بتدمير اتفاقية مينسك التي أرست وقفاً لإطلاق النار في شرق البلاد منذ العام 2015، مشيراً إلى أنّ نحو 20 ألف مواطن غادروا منطقتي لوغانسك ودونيتسك جراء التصعيد والقصف الأوكراني، معتبراً أنّ "حماية المدنيين" أهم من التهديدات الغربية بالنسبة لبلاده.

اعتراف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستقلال منطقتي لوغانسك ودونيتسك الانفصاليتين شرقي أوكرانيا

أما المندوب الأوكراني سيرجي كيسليتسيا، فطالب روسيا بإلغاء قرار الاعتراف هذا بالمناطق الانفصالية، معتبراً أنّ تلك الخطوة تهدد السلم العالمي، مشدداً في الوقت عينه على أنّ كييف مستعدة للمفاوضات، وحل الأزمة عن طريق الدبلوماسية، مؤكداً أنّ بلاده لن تقع في فخ الاستفزازات الروسية.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيحاول الخروج من هذا الصراع بأكبر قدر من المكاسب، أهمها محاولة التقرب من الولايات المتحدة الأمريكية، تحديداً بعد تراجع العلاقات بين البلدين

على وقع هذه التطورات التي شهدتها الأربع والعشرون ساعة الأخيرة تشتعل الاحتمالات، ويشتعل الثلج أيضاً: هل تكون حرب، أم تنتصر الجهود الدبلوماسية؟

احتمالات الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا ما تزال قائمة وواردة، ويتصاعد التوتر لحدوده القصوى؛ إذ اتهم وزير الخارجية الأوكراني، دميتري كوليبا، موسكو، بانتهاك اتفاقيات مينسك، وقد ألمح إلى وقوع هجمات ينفّذها انفصاليون تدعمهم الأخيرة في شرق أوكرانيا، في حين اتهمت وزيرة الخارجية البريطانية، ليز تراس، الطرف الروسي بأنّه يعمد إلى ترويج "معلومات مضللة" بشأن الأوضاع في أوكرانيا، والتي من بينها إعلان موسكو سحب قواتها العسكرية من الحدود الروسية الأوكرانية، ومن ثم، كشفت تراس تدشين مركز معلوماتي حكومي بغية مكافحة هذا الأمر، وقالت في تصريحات صحفية: "قمنا في نهاية الحرب الباردة بإلغاء هيئاتنا المعلوماتية، لكنّ روسيا لم تلغِ هيئاتها المماثلة؛ لذلك نتعرض لمعلومات روسية مضللة خلال سنوات طويلة".

اقرأ أيضاً: أزمة أوكرانيا وعلاقتها بالسعودية وأوبك+

وتابعت: "ما نزال نعتقد أنّ هناك احتمالاً كبيراً أنّ (الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيهاجم، وعلينا أن نستعد لذلك"، وألمحت وزيرة الخارجية البريطانية إلى وجود "خطط" من جانب الرئيس بوتين لجهة تدشين "حكومة دمية في كييف".

وبالتزامن مع تصاعد التوتر لدرجاته القصوى، تحديداً في شرق أوكرانيا، وقد شهد الرئيس بوتين بالقرب منها تدريبات لقوات الصواريخ النووية الإستراتيجية الروسية، قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، مساء السبت، إنّ "كلّ المؤشرات تدلّ على أنّ روسيا تعتزم شنّ "هجوم كامل" على أوكرانيا.

العالم على حافة الحرب

ووفق وكالة "رويترز" للأنباء، فقد كشف مصدر دبلوماسي أنّ مراقبي منظمة الأمن والتعاون في أوروبا سجلوا عدة وقائع قصف على طول خط التماس بين المتمردين المدعومين من روسيا من جهة، والقوات الحكومية في شرق أوكرانيا، من جهة أخرى، نهاية الأسبوع الماضي، فيما قالت وزارة الدفاع الروسية؛ إنّ "وحدات منطقة الجنوب الفدرالية التي أنهت مشاركتها في مناورات تكتيكية في قواعد شبه جزيرة القرم، هي بصدد العودة إلى قواعدها عبر السكك الحديد".

احتمالات الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا ما تزال قائمة وواردة

وعقّبت وزيرة الخارجية البريطانية على تلك التطورات الأخيرة؛ بأنّه "لا يجب أن يكون لدينا أوهام، روسيا يمكن أن تستمر في هذا الأمر لفترة أطول في حيلة وقحة لأسابيع وربما لأشهر، لتخريب وحدة أوكرانيا وتحدي وحدة الغرب"، كما طالبت حلف شمال الأطلسي بضرورة الحفاظ على استعداد قوي؛ حيث إنّ موسكو لا تحترم سوى القوة، وحذّرت من تراخي همّة الناتو.

اقرأ أيضاً: غزو وشيك أم تراجع؟.. تصريحات موسكو وواشنطن تربك مراقبي المشهد الأوكراني

وإلى ذلك، أوضح قائد القوات الجوية الأمريكية في المحيط الهادئ، الجنرال كينيث ويلسباخ، أنّ الصين قد توظف أزمة أوكرانيا في عمل "استفزازي" بآسيا، لجهة اختبار مستوى ردود الفعل الدولية، وقال ويلسباخ، إنّ بكين انحازت إلى موسكو خلال هذه الأزمة "ما أثار تساؤلات حول نواياها في آسيا".

وعلى هامش معرض سنغافورة للطيران، تساءل قائد القوات الجوية الأمريكية: "هل ستشاهد الصين ما يحدث في أوروبا، وتحاول الإقدام على شيء هنا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ؟" وأجاب: "نعم، حتماً، هذا يشكّل مصدر قلق". وتابع: "لن يكون مفاجئاً إذا أقدمت (الصين) على أمر قد يكون استفزازياً لترى ردّ فعل المجتمع الدولي".

 

اقرأ أيضاً: عملية "العلم الكاذب" إحداها... ما سيناريوهات الغزو الروسي المحتمل لأوكرانيا؟

وبحسب ما أوضح جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي؛ فإنّ الغزو الروسي لأوكرانيا قد يحدث في أيّة لحظة، وتابع سوليفان: "لا نستطيع أن نتنبأ باليوم المحدد، لكننا، منذ فترة، نقول إنّ الهجوم قد يقع، في أيّ يوم، وهذا يتضمن الأسبوع المقبل، قبل نهاية الألعاب الأولمبية".

أبعد من مجرد نزاع عسكري

وذكر بيان صادر عن البيت الأبيض، بأنّ الرئيسَين، الأمريكي جو بايدن ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلنسكي، توافقا على "أهمية مواصلة الدبلوماسية والردع ردّاً على التعزيزات العسكرية الروسية على حدود أوكرانيا"، كما أنّ بايدن عاود التأكيد على جاهزية الولايات المتحدة بتنفيذ ردّ "سريع وحاسم" بالتنسيق مع حلفائها، في حال حصول "عدوان روسي". وقال بايدن إنّ واشنطن "ستردّ بحزم وتفرض تكاليف باهظة وفورية على روسيا إذا غزت أوكرانيا، كما أنّها مستعدة للمحادثات الدبلوماسية، وأيضاً لسيناريوهات أخرى".

 

اقرأ أيضاً: أزمة أوكرانيا: روسيا تراقب بقلق وأمريكا تتأهب.. ما أبرز التطورات؟

وفي حديثه لـ "حفريات"، يقول الأكاديمي الروسي، رونالد بيجاموف؛ إنّ تطورات الصراع الدولي الحالي إنّما تكشف عما هو أبعد من أزمة محدودة أو مؤقتة بين موسكو وكييف، لافتاً إلى أنّ الصراع في أوكرانيا يعدّ بمثابة "نزاع بين موسكو والغرب في حقيقة الأمر؛ إذ إنّ التوتر أو الصدام القائم يبرز وجود مصالح مباشرة لروسيا تجعلها تحاول وقف التهديدات المتمثلة في احتمالية انضمام أوكرانيا لحلف الناتو".

مايكل مورغان: إذا ما تم هذا التدخل العسكري والخشن في أوكرانيا، فسوف يخسر الجميع

ويردف بيجاموف: "لا نستطيع القول إنّ التدخل الروسي نهائي ومحسوم، لكن هو أمر محتمل وسيناريو قائم ووارد، في كل الأحوال. والضغط الشديد القائم على خلفية التهديدات المحتملة في شرق أوكرانيا وإقليم دونباس، ربما يضع الرئيس الروسي أمام الخيار الصعب"، مؤكداً أنّ سيناريو الحرب "كارثي، في كلّ الأحوال، رغم الرؤوس الساخنة في البلدين؛ إذ إنّ الخسائر المترتبة على ذلك الأمر ستكون أكبر من الربح، كما أنّه ليس في صالح روسيا الانخراط في الحرب".

الأكاديمي الروسي رونالد بيجاموف لـ "حفريات": سيناريو الحرب "كارثي، في كلّ الأحوال، رغم الرؤوس الساخنة في البلدين؛ إذ إنّ الخسائر المترتبة على ذلك الأمر ستكون أكبر من الربح

يتفق والرأي ذاته، المحلل والباحث السياسي الأمريكي في مركز لندن للدراسات السياسية والإستراتيجية، مايكل مورغان، الذي أبلغ "حفريات"؛ أنّه في ظلّ مشهد متوتر ومليء بالضغوط والتنافس الجيوسياسي القائم بين روسيا، من جانب، والولايات المتحدة وحلف الناتو، من جانب آخر، فإنّ هناك مخاوف جمّة على خلفية محاولة ضمّ أوكرانيا لحلف الناتو، الأمر الذي يمثّل، من وجهة نظر روسيا، تهديدات عسكرية ملحة على أمنها القومي.

وفي العام الماضي، صرّح العديد من المحللين السياسيين والعسكريين، سواء في الولايات المتحدة أو الغرب، بأنّ ما تفعله روسيا هو نوع من التهديد أو الخداع الإستراتيجي، بحسب مورغان، والذي من شأنه الحصول على امتيازات ومكاسب من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

 

اقرأ أيضاً: روسيا وأوكرانيا و"نورد ستريم 2": كيف تنطفئ أزمة أشعلها الغاز؟

 وأعرب مورغان عن اعتقاده بأنّه "إذا ما تم هذا التدخل العسكري والخشن في أوكرانيا، فسوف يخسر الجميع؛ حيث إنّ الحرب بمثابة خراب على جميع الأطراف، حتى على الطرف المنتصر، والذي قد يخسر العديد من الموارد المادية والبشرية والعسكرية".

تعالت نبرة التهديد من الرئيس الأمريكي تجاه بوتين

وأما ما يخصّ روسيا فقد "تعالت نبرة التهديد من الرئيس الأمريكي تجاه بوتين؛ حيث قال إنّه لو تمّ هذا التدخل سوف يكون هذا بمثابة حرب عالمية شاملة، وهو التصريح الذي قلب وسائل الإعلام العالمي رأساً على عقب، وبالطبع تحذير بايدن من الحرب الشاملة، هذه المرة، هو تحذير جادّ تجاه روسيا، خاصة بعد إصرار روسيا على حشد الجنود والأـسلحة على حدود أوكرانيا" يقول مورغان.

اقرأ أيضاً: ماذا يريد ماكرون من وراء وساطته لحل أزمة أوكرانيا؟.. محلل إيطالي يجيب

وفيما يخصّ التدخل التركي في ذلك الصراع وتوظيفه من جانب واشنطن أو موسكو في الوقت نفسه، يجيب المحلل والباحث السياسي في مركز لندن للدراسات السياسية والإستراتيجية: "أعتقد أنّ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، سوف يحاول الخروج من هذا الصراع بأكبر قدر من المكاسب، أهمها محاولة التقرب من الولايات المتحدة الأمريكية، تحديداً بعد تراجع العلاقات بين البلدين وطرد أنقرة من برنامج تصميم المقاتلة الأمريكية الأكثر قوة "F35"، بعد شراء أردوغان لمنظومة الدفاع الروسي "S 400". بالتالي، أرجّح أنّ الرئيس التركي سيحاول، بشكل أو بآخر، لعب دور الوسيط بين حلف الناتو والاتحاد الأوروبي من ناحية، وبوتين من ناحية أخرى، خاصة بعد التدهور الاقتصادي الكبير في تركيا، ثم إنقاذ ما يمكن إنقاذه عن طريق اقتصاد الحرب، وكذا عن طريق الحصول على تمويلات كبيرة من جانب أوروبا وأمريكا بواسطة تواجد تركيا في حلف الناتو".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية