سوريون يرفعون شعار "الثورة مستمرة" في وجه أردوغان... ما القصة؟

سوريون يرفعون شعار "الثورة مستمرة" في وجه أردوغان... ما القصة؟


13/08/2022

في سياق سلسلة من محاولات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الدؤوبة لترحيل ملايين اللاجئين السوريين إلى بلدهم مرة أخرى، ترددت مؤخراً أنباء عن وساطة روسية يقودها الرئيس فلاديمير بوتين للتوصل إلى تسوية بين أردوغان ونظام الرئيس السوري بشار الأسد، الذي يصرّ الرئيس التركي على عدم شرعيته، غير أنّ تلك المحاولات، على ما يبدو، اصطدمت برفض النظام السوري تطبيع العلاقات مع أنقرة، التي استغلت عدم الاستقرار في سوريا واحتلت في غفلة أجزاءً شاسعة شمالي البلاد، فبعد أن ترددت تقارير عن مكالمة "مرتقبة" بين الأسد وأردوغان، ظهر نظام الأخير المحبّ لـ "الشو الإعلامي" بحديث يتراجع عن ذلك، ويفضل التواصل عبر أجهزة استخبارات البلدين.

محاولات أردوغان واصلها وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو، حين دعا إلى "مصالحة" بين دمشق والمعارضة؛ ممّا أثار غضباً واسعاً بين السوريين، وقد خرج آلاف السوريين أمس في تظاهرات بمناطق سيطرة الفصائل المعارضة بشمال وشمال غرب البلاد، منددين بدعوة أوغلو.

وخرجت تظاهرات متفرقة عقب صلاة الجمعة في كبرى مدن الشمال السوري كإعزاز والباب وعفرين وجرابلس التي تسيطر عليها القوات التركية وفصائل سورية موالية لها تنديداً بتصريحات أوغلو، تحت شعار "لن نصالح"، وشهدت مدينة إدلب ومحيطها الواقعة تحت سيطرة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة) سابقاً، وفصائل أخرى أقلّ نفوذاً، تحركات مماثلة.

 الثورة مستمرة

حمل المتظاهرون لافتات منددة بالتصريحات، جاء في أبرزها "لا تصالح"، و"الثورة مستمرة"، و"عبثاً تحاول... لا فناء لثائر"، و"لا عودة بدون محاسبة الأسد ورموزه"، وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان.

أنقرة استغلت عدم الاستقرار في سوريا واحتلت في غفلة أجزاءً شاسعة شمالي البلاد

ورصد المرصد لافتات أخرى كتب عليها "ضامن، وليس وصيّاً"، وذلك في مدينة الباب، شرقي حلب، في إشارة إلى أنّ الوجود التركي في سوريا هو ضامن لوقف إطلاق النار، وليس وصيّاً على أبناء الشعب السوري ومصيره، كذلك قام بعض المتظاهرين بإزالة العلم التركي من مناطق عدة خلال المظاهرات، على حدّ تعبير المرصد.

وقرب نقطة عسكرية تركية في بلدة المسطومة الواقعة على بعد (7) كيلومترات جنوب مدينة إدلب، تجمع العشرات من المتظاهرين منددين بالتصريحات التركية ومجددين المطالبة بـ"إسقاط النظام" في سوريا.

 تحركات غاضبة

غضبُ سوريّي الداخل استمر حتى الليل، فقد أحرق متظاهرون العلم التركي وأزالوه من مدن عدة، وتجمع العشرات قرب معبر باب السلامة مع تركيا، مرددين هتاف "الموت ولا المذلة".

ورصد المركز السوري احتجاجات شعبية ليلية "عارمة" ضمن مناطق نفوذ الفصائل بمناطق سورية عدة، حيث خرج أهالي وسكان إعزاز وصوران واحتيملات ومناطق أخرى بريف حلب الشمالي، ورأس العين (سري كاييه) بريف الحسكة ومدينة تل أبيض بريف الرقة، ومدينة إدلب، بمظاهرات شعبية تنديداً بتصريح وزير الخارجية التركية أوغلو الذي قال: "علينا مصالحة المعارضة والنظام بطريقة أو بأخرى".

محاولات أردوغان واصلها وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو، فقد دعا إلى "مصالحة" بين دمشق والمعارضة

ووفقاً لمتابعات نشطاء المرصد السوري، فقد شهدت إعزاز شمالي حلب، اقتحام المتظاهرين مديرية الأمن بالمدينة، وتوجهوا إلى مبنى المجلس المحلي وقاموا بإنزال العلم التركي وإحراقه، وسط دعوات لإزالة العلم التركي من جميع المناطق الخاضعة لنفوذ الفصائل، ومنع المتظاهرون مرور رتل تركي على طريق عفرين إعزاز، والدخول إلى مدينة إعزاز، وخطّ المحتجون عبارات على الجدران أبرزها "تسقط تركيا... ويسقط النظام".

وكان وزير الخارجية التركي قد قال خلال مؤتمر صحفي في أنقرة الخميس: "علينا أن نجعل النظام والمعارضة يتصالحان في سوريا، وإلا لن يكون هناك سلام دائم"، ونفى أوغلو وجود أيّ تواصل مباشر بين الرئيس التركي ونظيره السوري في الوقت الراهن، لكنّه أشار إلى عودة التواصل مؤخراً بين أجهزة استخبارات البلدين بعد انقطاع، وكشف عن لقاء قصير جمعه مع نظيره السوري فيصل المقداد في بلغراد في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.

وأمس، أصدر تانغو بيلغيتش المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية بياناً أوضح فيه أنّ بلاده "ستواصل المساهمة بقوة في الجهود الرامية لإيجاد حل دائم" للنزاع في سوريا "بما يتماشى مع توقعات الشعب السوري".

وتحتل تركيا مدينة عفرين السورية في عملية أطلقت عليها "غصن الزيتون" في الأشهر الـ3 الأولى من عام 2018، وأسفرت عن مقتل مئات المدنيين، ونزوح ما يقرب من (300) ألف، تقريباً كل السكان الأكراد في عفرين. ومنذ ذلك الحين، وسّعت تركيا دائرة احتلالها للمدن السورية، فقد اغتصبت، بمساعدة أذرعها الميليشياوية، شريطاً ممتداً من مدينة إعزاز في شمال حلب، وصولاً إلى بلدة تل تمر شمال غربي الحسكة بعمق يصل في بعض المناطق إلى (30) كيلومتراً، وكذلك الحال بالنسبة إلى مدينة الباب في ريف حلب الشمالي الشرقي، وتقطع بلدة عين العرب (كوباني) الواقعة تحت سيطرة "قسد" الفعلية بالتوازي مع وجود عسكري لدمشق، الممر التركي المذكور في منتصفه.

 ترحيل قسري أم طوعي؟

تأتي تصريحات وزير الخارجية التركي بعد نحو (3) أشهر من تراجع الرئيس التركي أردوغان، الذي يحلم بإحياء الخلافة العثمانية ويرى نفسه خليفة للمسلمين، عن تهديد بترحيل اللاجئين السوريين قسراً، غير أنّ خطابه اعتمد على التلاعب اللغوي، فقد قال إنّه لن يرحّل اللاجئين السوريين إلى بلادهم بـ"القوة"، بعد أيام قليلة من إعلان عزمه على توسيع برنامج لترحيل اللاجئين إلى تجمعات سكنية أقامتها هيئات تركية في مناطق بشمال سوريا الخاضعة للاحتلال التركي.

خرجت تظاهرات متفرقة عقب صلاة الجمعة في كبرى مدن الشمال السوري تنديداً بتصريحات أوغلو، تحت شعار "لن نصالح"

ويواجه أردوغان، الذي يخطط للترشح في انتخابات 2023، ضغوطاً داخلية نتيجة لسياساته الداخلية والخارجية المتخبطة والرامية إلى هدف واحد هو أن يصبح خليفة للمسلمين في إمبراطورية عثمانية يسعى لإحيائها على أنقاض دول عربية، ولا سيّما سوريا والعراق، وتلك الضغوط مقرونة بغضب شعبي واسع، يجعل من فوز أردوغان بولاية جديدة مستحيلاً، وسط مخاوف من لجوئه إلى تزويرها.

وتستضيف تركيا أكثر من (3.6) ملايين لاجئ سوري على أراضيها، وبعد أعوام من عمليات فرز للاجئين السوريين على أساس المولاة والمعارضة لحزب العدالة والتنمية التركي، وأردوغان الذي وظف ورقة السوريين لصالحه في انتخابات 2014 بتجنيس بعض السوريين لاستغلال أصواتهم في الانتخابات، شهد موقف أردوغان من اللاجئين السوريين تغيراً جذرياً، حيث بنى الرئيس التركي جانباً كبيراً من دعاياته الانتخابية "البروباغندا" على أكاذيب تتعلق بلاجئي سوريا وتشعل الكراهية ضدهم، بعدما شعر أنّ أصوات السوريين المجنسين قد تفوز بها المعارضة التركية، ولاسيّما في ضوء التمييز والظروف الاقتصادية القاسية التي يعيشها بعض السوريين في تركيا سواء من المجنسين أو غير المجنسين.

تحتل تركيا مدينة عفرين السورية في عملية أطلقت عليها (غصن الزيتون) منذ 2018

واستغل أردوغان قضية اللاجئين السوريين لتبرير الأزمات المتلاحقة التي تضرب الاقتصاد التركي منذ توليه الحكم في 2014، فقد تحوّلت القضية إلى شماعة يعلّق عليها أردوغان فشله في إدارة الاقتصاد واستنزاف موارد الدولة التركية في الإنفاق على العمليات العسكرية، التي تنتهك سيادة الدول العربية في سوريا والعراق بزعم ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، ففي 13 أيلول ( سبتمبر) 2019 زعم أردوغان أنّ "تركيا أنفقت (40) مليار دولار حتى الآن لمواجهة أزمة اللاجئين السوريين في البلاد"، غير أنّ زعيم المعارضة التركية كمال كليجدار أوغلو ردّ عليه في تشرين الأول (أكتوبر) من العام نفسه بتوجيه اتهامات بالفساد وسرقة الأموال وسرقة الأموال المخصصة للاجئين السوريين.

وفند زعيم المعارضة التركية كليجدار أوغلو ادّعاء الرئيس أردوغان، الذي تزامن مع الأزمة الاقتصادية التي ضربت تركيا منذ 2018، بأنّه صرف على اللاجئين السوريين مبلغ (40) مليار دولار، مشيراً إلى أنّه "لو كان الأمر كذلك، لكان كل سوريّ يمتلك خاناً، بينما الحال أنّ السوري يعمل مقابل نصف الحدّ الأدنى من الأجور".

 صدع داخلي

وقّع أكثر من (300) أكاديمي ومثقف تركي بارز، من بينهم شخصيات من حزب أردغان نفسه "العدالة والتنمية"، على عريضة قبل أيام، طالبوا من خلالها الحكومة بالتوقف عن عملياتها العسكرية في سوريا والعراق على حدٍّ سواء، وفقاً لما أوردته قناة "العربية" الخميس الماضي.

وتطالب العريضة أنقرة بالتوقف عن عملياتها العسكرية في سوريا والعراق المجاور، وهي تشبه إلى حدٍّ كبير "عريضة السلام" التي وقّعها أكثر من (1000) أكاديمي تركي في العام 2015، حين طالبوا الجيش التركي آنذاك بوقف هجماته العسكرية في عدد من المدن الكردية جنوب شرقي البلاد، لكنّ الحكومة لاحقاً طردت معظمهم من وظائفهم، وبدأت بمحاكمتهم بذريعة دعم حزب "العمال" الكردستاني.

حمل المتظاهرون لافتات منددة بالتصريحات جاء في أبرزها: "لا تصالح" و"الثورة مستمرة" و"عبثاً تحاول... لا فناء لثائر"

وقالت فاطمة بستان أونصال، وهي مدافعة عن حقوق الإنسان، وواحدة من اللاتي وقّعن على البيان: إنّ "ما يميّز هذا البيان أو العريضة أنّ شخصيات من حزب العدالة والتنمية الحاكم وقّعوا عليها"، وهي موجّهة أيضاً لتحالف المعارضة السداسي الذي يضم حزب "الشعب الجمهوري" وهو حزب المعارضة الرئيسي في البلاد، وقد طالب الموقعون هذا التحالف بألّا يكون شريكاً في العمليات العسكرية لأنقرة في سوريا والعراق.

وتابعت أونصال، التي كانت من بين مؤسسي حزب "العدالة والتنمية" قبل أن تغادر صفوفه وتتفرغ منذ أعوام للدفاع عن حقوق الإنسان: إنّ "رأي المعارضة في البلاد أيضاً مهم، ولذلك طالبنا تلك الأحزاب ألّا تكون شريكة في العمليات العسكرية".

 

وترى الحقوقية التركية أنّ الحكومة ستتراجع عن خططها العسكرية باستهداف سوريا والعراق إذا ما ارتفعت نسبة الرافضين للعمليات العسكرية في صفوف المعارضة إلى أكثر 65%، وهو ما يسعى الموقعون على البيان لتحقيقه عبر التأثير على الرأي العام في البلاد.

وقالت أونصال أيضاً: "على سبيل المثال، في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي وقف حزب المعارضة الرئيسي إلى جانب حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد حين رفض الموافقة على تمديد مذكّرة برلمانية تخوّل الجيش التركي شنّ هجمات في سوريا والعراق"، وهو موقف يحاول الموقعون تعميمه لدى مختلف الأحزاب المعارضة.

مواضيع ذات صلة:

توحيد "الحزام الأمني" شمال سوريا.. أردوغان يجدد سياسة "الهروب إلى الأمام"

لماذا يشعل أردوغان حرباً في شمال سوريا؟

استثناء شمال سوريا من عقوبات "قيصر" يلزمه ردع تركيا



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية