توحيد "الحزام الأمني" شمال سوريا.. أردوغان يجدد سياسة "الهروب إلى الأمام"

توحيد "الحزام الأمني" شمال سوريا.. أردوغان يجدد سياسة "الهروب إلى الأمام"


09/08/2022

رغم التحذيرات الدولية، تواصل تركيا انتهاكاتها في سوريا، وما يزال الرئيس رجب طيب أردوغان يصر على شن عملية عسكرية جديدة في الشمال السوري، يقول إنّها تأتي لضمان الأمن على الحدود الجنوبية التركية.

وخلال خطاب ألقاه، أمس، في مؤتمر السفراء الأتراك الـ13، المنعقد بالعاصمة أنقرة، أكد الرئيس التركي، عزم بلاده الربط بين المناطق الآمنة في الشمال السوري قريباً.

وقال أردوغان في هذا الخصوص: "قريباً سنوحد حلقات الحزام الأمني بتطهير المناطق الأخيرة التي يتواجد فيها التنظيم الإرهابي (واي بي جي/بي كي كي) في سوريا".

وأضاف أنّ بلاده ستواصل مكافحة الإرهاب، وأنّ قرارها بشأن تأسيس منطقة آمنة على عمق 30 كيلومتراً عند حدود تركيا الجنوبية، ما يزال قائماً.

وأكد أنّ تركيا تُركت بمفردها في مكافحة تنظيم "غولن" أيضاً وليس "بي كي كي" فحسب.

تهديدات متكررة

وهذه ليست المرة الأولى التي يؤكد فيها نية بلاده استكمال "الحزام الأمني" الذي تعمل على إقامته على طول حدودها مع سوريا في أسرع وقت ممكن.

وكان أردوغان قد صرح خلال كلمة عبر اتصال هاتفي وجهها إلى فعالية أقيمت بمناسبة مرور ألف يوم على اعتصام الأمهات والأسر ضد الإرهاب في ولاية "دياربكر" جنوب شرق يوم 29 أيار (مايو) 2022، قال أردوغان إنّ الحكومة التركية تعمل على استكمال كفاح الأمهات في "دياربكر" والولايات الأخرى، عبر العمليات التي تطلقها خارج الحدود.

أشار أردوغان إلى أنّ انضمام عناصر جدد لصفوف "بي كي كي" قد انتهى تقريباً

وأشار إلى أنّ انضمام عناصر جدد لصفوف "بي كي كي" قد انتهى تقريباً وأنّ كفاح الأمهات كان له دور فعال في هذا الصدد بقدر العمليات العسكرية والأمنية، وشدّد على أنّ تركيا أصبحت تنهي وجود التنظيم في الأماكن التي كان ينشط فيها، ولم يعد الأخير قادراً على خداع الأطفال وإقناع مسلّحيه على البقاء في صفوفه.

وأضاف: "بمشيئة الله سنستكمل الحزام الأمني البالغ عمقه 30 كيلومتراً والذي نعمل على إقامته خطوة بخطوة على طول حدودنا مع سوريا، في أسرع وقت ممكن".

وتواصل مجموعة من الأمهات اعتصاماً أمام مقر "حزب الشعوب الديمقراطي" في "دياربكر" متهمة إياه بمساعدة تنظيم "بي كي كي PKK" على تجنيد أطفالهن.

هل اقتربت العملية العسكرية؟ 

وكان مجلس الأمن القومي التركي، قد أكد مطلع تموز (يوليو) الماضي أنّ العمليات العسكرية الجارية على الحدود الجنوبية للبلاد والأخرى التي ستُنفذ، ضرورة للأمن القومي، وأنها لا تستهدف سيادة دول الجوار.

وأعلن أردوغان عقب ترؤسه اجتماعاً للحكومة: "سنبدأ قريباً باتخاذ خطوات تتعلق بالجزء المتبقي من الأعمال التي بدأناها لإنشاء مناطق آمنة على عمق 30 كيلومتراً على طول حدودنا الجنوبية (مع سوريا)".

قال أردوغان إنّ بلاده ستواصل مكافحة الإرهاب، وأنّ قرارها بشأن تأسيس منطقة آمنة على عمق 30 كيلومتراً عند حدود تركيا الجنوبية ما يزال قائماً

وأشار إلى أنّه ليس هناك داعٍ للاستعجال في شن عملية عسكرية محتملة في شمال سوريا سبق له الإعلان عنها في أيار (مايو) الماضي. وفي الوقت ذاته، واصل الجيش التركي الدفع بتعزيزات عسكرية لقواته هناك، وفق ما أوردته وكالة "الأناضول".

وأضاف، في تصريحات لصحافيين رافقوه في طريق العودة من مدريد حيث شارك في قمة قادة دول حلف شمال الأطلسي (ناتو): "قد نأتي على حين غرة ذات ليلة"، في إشارة إلى أنّ العملية قد تنفذ فجأة.

اعتبرت أماني السنوار، الباحثة في العلاقات الدولية المقيمة في إسطنبول، أنّ التصريحات الرسمية التركية وبعض التحركات الميدانية على الأرض تشي بارتفاع حظوظ عملية عسكرية من هذا النوع، تركز على شرق الفرات وتحديداً منطقتي منبج وتل رفعت.

وبحسب حديثها لـ "سبوتنيك"، تهدف تركيا من عملية كهذه إلى تحقيق ما عجزت عنه في عملية "نبع السلام" في السابق لصالح إنشاء منطقة آمنة ما بين الحدود التركية والسورية بعمق 30 كيلومتراً، من أجل إيقاف الهجمات وتهريب الأسلحة والمقاتلين عبر الحدود، بالإضافة إلى ذلك تهدف أيضاً إلى توفير منطقة مستقرة وآمنة تسهل عملية إعادة توطين قرابة مليون لاجئ سوري من المقيمين على الأراضي التركية حالياً في منطقة الشمال.

أماني السنوار: التصريحات الرسمية التركية وبعض التحركات الميدانية على الأرض تشي بارتفاع حظوظ عملية عسكرية تركز على شرق الفرات

وترى السنوار أنّ هدف إعادة توطين اللاجئين السوريين اكتسب زخماً خلال الشهور القليلة الماضية، وخرجت الكثير من التصريحات الرسمية، بعضها على لسان الرئيس التركي أردوغان تتحدث عن هذه الفكرة، وهي طبعاً فكرة مفهومة اليوم بمتابعة السياسات الداخلية التركية وارتفاع حساسية ملف اللاجئين والاحتقان الذي يسببه هذا الملف على الصعيد الداخلي لا سيما مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي بعد عام من الآن.

تحذيرات دولية

ورغم تحذيرات الولايات المتحدة وروسيا من خطر أي تحرك عسكري تركي في شمال سوريا، وتهديدات النظام السوري بالتصدي لأي هجوم للجيش التركي، واصل الجيش التركي الشهر الماضي الدفع بتعزيزات إلى قواعده ونقاطه المنتشرة في ريف حلب الشمالي.

واحتجت سوريا في رسالة بعثتها وزارة الخارجية إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، ومجلس الأمن، على نية تركيا شن عملية عسكرية داخل أراضيها.

  احتجت سوريا في رسالة بعثتها وزارة الخارجية إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، ومجلس الأمن، على نية تركيا شن عملية عسكرية داخل أراضيها

واعتبرت الخارجية السورية أنّ أي عمل عسكري تنفذه تركيا داخل الأراضي السورية هو "عمل من أعمال العدوان ونشاط استعماري".

وتابعت: "تركيا تدرك جيداً أنّ الحرب في أوكرانيا يمكن أن تخدم أهدافها في سوريا فهي ترى بأنّ روسيا اليوم تركز أكثر على الملف الأوكراني، ما يخلق نوعاً من الفراغ تستطيع تركيا أن تتحرك خلاله بما يحقق أهدافها التي تخص الأمن القومي التركي، كما تدرك أنّ الملف الأوكراني أيضاً ساعدها في تقوية أوراق قوتها في مقابل الجانب الأمريكي والكتلة الغربية بشكل عام من خلال الدور الحيوي الذي تلعبه في الوساطة ومن خلال أيضاً الفيتو الذي تفرضه داخل حلف الناتو".

أردوغان ينتهج سياسة "الهروب إلى الأمام"

بدوره، قال الدكتور أسامة دنورة، الخبير السياسي والإستراتيجي السوري، إنّ أردوغان يقرأ في الظروف الدولية الحالية فرصة مؤاتية ليصيب عدة أهداف بحجر واحد، فعلى الصعيد الداخلي يسعى لإحراز نقاط ترفع شعبيته في المواجهة الانتخابية المقبلة، فهو يدرك حجم تأثير أزمة اللاجئين على الرأي العام التركي، لاسيما في ظل التدهور الاقتصادي، ويدرك أنها ورقة رابحة بيد المعارضة، ومضرة للغاية لشعبيته ولشعبية حليفه الرئيس حزب الحركة القومية.

وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، الحديث عن إعادة مليون لاجئ إلى سوريا يعني أنه بصدد حل المشكلة التي أنتجها عقد من سياساته الداعمة للاقتتال في سوريا، من جانبٍ آخر فإنّ عملية عسكرية ضد الأكراد لطالما كانت رافعة لشعبية وحظوظ أي سياسي تركي يقوم بتنفيذها، لاسيما لدى القاعدة الشعبية المتشددة قومياً.

ويضيف أردوغان يدرك جيداً أنه ليس مطلق اليد في العملية التي يهدد بها، ولكنه مضطر في المقابل إلى تحصيل أية مكاسب تساعده في النزول عن شجرة التهديد بالعملية العسكرية والمنطقة الآمنة، وهنا يكون السيناريو الأقرب ترجيحاً لتفادي المواجهة هو انتشار جديد للجيش السوري في مواجهة جيش نظام أردوغان، وإذا رفضت أمريكا ومعها قسد فسنرى على الأغلب عملية عسكرية محدودة ترفع موقف أردوغان التفاوضي من موقع القوة، وقد يتلوها عندئذٍ نوع من الحلول الوسط التي يمكن أن تجنب كل الأطراف مواجهة أكثر اتساعاً من حيث العمق والشدة.

 دنورة: النظام التركي يريد مجدداً الهروب إلى الأمام، بدلاً من أن يتبنى مفهوم الأمن الجماعي غير القابل للتجزئة في المنطقة، وأن ينهي دوره في زعزعة الاستقرار السوري

وأكد أنّه في البعد الاصطلاحي لا يتفق مفهوم "المنطقة الآمنة" المزعومة مع مفهومها الطبيعي؛ فالأماكن التي يحتلها الجيش التركي ومرتزقته هي النقيض الفعلي والتام للاستقرار والأمان، والاشتباكات وعمليات القصف والتصفية المتبادلة بين الميليشيات الإرهابية المدعومة من الأتراك.

وبحسب الخبير السوري، هذا يعني أنّ النظام التركي يريد مجدداً الهروب إلى الأمام، بدلاً من أن يتبنى مفهوم الأمن الجماعي غير القابل للتجزئة في المنطقة، وأن ينهي دوره في زعزعة الاستقرار السوري، فتلك المقاربة هي الوحيدة الكفيلة بتحقيق الأمن على جانبي الحدود عبر العودة إلى اتفاقية أضنة أو أي صيغة تكون مطورة عنها، بحيث تحقق احترام السيادة السورية، وتساهم في إعادة مسؤولية ضبط الحدود بالكامل إلى الدولة السورية ومؤسساتها السيادية.

 

مواضيع ذات صلة:

تحذيرات دولية واحتجاجات رافضة للعملية العسكرية التركية شمال سوريا.. فهل تتراجع تركيا؟

استثناء شمال سوريا من عقوبات "قيصر" يلزمه ردع تركيا

سجن غويران ومعضلة فلول داعش بشمال سوريا.. ما علاقة تركيا؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية