لماذا يشعل أردوغان حرباً في شمال سوريا؟

لماذا يشعل أردوغان حرباً في شمال سوريا؟


04/06/2022

رغم إعلان الولايات المتحدة عدم وجود تفاهمات مع تركيا بشأن اعتزام الأخيرة شن عملية عسكرية في شمال سوريا، ورغم تحذير البنتاغون، في بيان رسمي، من خطورة تلك الخطوة التي تعتبرها أنقرة ضرورة لـ"حماية الأمن القومي التركي"، فإنّ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يواصل تهديداته، معلناً أنّه لا ينتظر "إذناً" من واشنطن لتنفيذ عملية عسكرية جديدة بالمنطقة.

تحذير أمريكي

وكشف الرئيس التركي عن نواياه بشأن استهداف منطقتي (تل رفعت) و(منبج) بهدف "تطهيرها من الإرهابيين"، كما نقلت عنه وكالة الأنباء التركية "الأناضول"، وتابع في كلمته أمام كتلة الحزب الحاكم "العدالة والتنمية" بالبرلمان التركي، أنّ الذين يحاولون "إضفاء الشرعية على تنظيم (PKK) الإرهابي وأذرعه تحت مسميات مختلفة لا يخدعون سوى أنفسهم". وأردف: "الجهات التي تقدم السلاح للإرهابيين مجاناً وتمتنع عن بيعه لتركيا تستحق لقب دولة إرهاب لا دولة قانون"، مشيراً إلى أنّ "حلف شمال الأطلسي (الناتو) مؤسسة أمنية وليس مهمتها دعم التنظيمات الإرهابية".

وفور عودته من أذربيجان، نهاية أيار (مايو)، قال أردوغان إنّه "لا يمكن محاربة الإرهاب عبر أخذ إذن من أحد". وتابع: "إذا كانت الولايات المتحدة لا تقوم بما يترتب عليها في مكافحة الإرهاب فماذا سنفعل؟ سنتدبر أمرنا".

الرئيس التركي نفذ ثلاث عمليات عسكرية في سوريا، في الفترة بين عامي 2016 و2019،

الرئيس التركي نفذ ثلاث عمليات عسكرية في سوريا، في الفترة بين عامي 2016 و2019، تسببت في وقوع انتهاكات حقوقية جمّة وصفتها منظمات أممية بأنّها ترقى لـ"جرائم حرب"، بينما ما يزال ما يعرف بـ"الجيش الوطني السوري"، المدعوم من أنقرة، ويحتل أجزاء متعددة في الشمال السوري، يواجه اتهامات مباشرة بالتورط في عمليات الإبادة والتصفية العرقية، تحديداً للأكراد، المكون ذي الأغلبية في تلك المناطق، بالإضافة إلى خروقات حقوقية أخرى، منها التهجير وعمليات التغيير الديمغرافي؛ إذ إنّ الفصائل المدعومة من تركيا تنتمي غالبيتها للتنظيمات الأصولية الإسلامية والجهادية، ويغلب عليها الطابع المتشدد.

ونجم عن الهجوم الأخير (عام 2019)، الذي نفذه أردوغان على المنطقة بالتزامن مع الانسحاب الأمريكي، انتقادات عنيفة في أوساط عديدة، رسمية، داخل الولايات المتحدة، حتى بين دوائر الحزب الجمهوري وحلفاء الرئيس السابق، دونالد ترامب، ما اضطر، وقتذاك، نائب الرئيس (مايك بنس) إلى زيارة أنقرة، وتدشين اتفاق مع أردوغان لوقف القتال. وفي تشرين الأول (أكتوبر) عام 2019، قال بنس في بيان رسمي: "نتوقّع من تركيا أن تلتزم بالبيان المشترك". وأضاف: "نحن ندرك المخاوف الأمنية المشروعة لتركيا على حدودها الجنوبية، لكن أيّ هجوم جديد سيزيد من تقويض الاستقرار الإقليمي وسيعرض للخطر القوات الأمريكية المنضوية في حملة التحالف ضد تنظيم داعش".

مزاعم أردوغان

واللافت أنّ أردوغان الذي يكثف من عملياته في شمال العراق، بحجة استهداف الوجود الكردي المسلح، يضغط على مسألة التهديدات التي تبعث بها التنظيمات التي يعتبرها "إرهابية"، مثل حزب العمال الكردستاني، وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، ووحدات حماية الشعب الكردية. ولذلك؛ أوضح بأنّ هناك حقائق ميدانية لا يمكن تجاهلها خاصة مع الإمدادات العسكرية الهائلة التي ترسلها الولايات المتحدة لهذه التنظيمات، بما يجعل التحرك العسكري التركي المحتمل أكثر إلحاحاً وضرورة. وأضاف أردوغان: "كما أقول دائماً، سنباغتهم ذات ليلة ولا بد لنا من القيام بذلك".

أردوغان نفذ ثلاث عمليات عسكرية في سوريا، في الفترة بين عامي 2016 و2019، تسببت في وقوع انتهاكات حقوقية جمّة وصفتها منظمات أممية بأنّها ترقى لـ"جرائم حرب

ويبدو أنّ هناك اصطفافاً أمريكياً برفض العملية العسكرية التركية الوشيكة، وذلك على مستوى موقف وزارة الخارجية التي رفضت ودانت أي تصعيد جديد، وكذا تصريح الناطق بلسان وزارة الدفاع (البنتاغون)، جو كيربي، والذي قال "فيما يتعلق بتركيا، أعتقد أنّنا قلقون للغاية بشأن إعلان الأتراك أنّهم يعتزمون زيادة نشاطهم العسكري في شمال سوريا".

غير أنّ مجلس الأمن القومي التركي، شدد، في بيان، إثر اجتماع امتد لقرابة أربع ساعات برئاسة أردوغان على ضرورة "العمليات الحالية والجديدة التي سيتم تنفيذها وتهدف إلى تطهير حدودنا الجنوبية من تهديد الإرهاب"، في إشارة إلى الهجمات المسلحة بشمال العراق ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني، والشروع في تنفيذ عملية أخرى ضد وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا.

وفي حديثه لـ"حفريات"، يقول الكاتب والباحث السوري الكردي، بدرخان علي، إنّ الحرب المحتملة على المنطقة والتي يقودها الرئيس التركي تبدو "جدية"، لا سيما أنّ أردوغان "بحاجة إلى الحرب"، على حد تعبيره.

استهداف الوجود الكردي

ويتابع: "المشروع التركي هو الاستيلاء على كامل الشمال السوري، وتشريد الكرد في هذه المنطقة ثم السيطرة على ما قد يتبقى من مجتمع كردي، بالإضافة لتوطين آخرين من غير الكرد، بهدف تحقيق الإرادة التركية ومصالحها السياسية والإقليمية، وذلك من خلال تمكين الجماعات العسكرية والسياسية الولائية التي ستنفذ الخطط السياسية والمجتمعية التي من شأنها الإبادة الثقافية للكرد، وتغيير هوية المنطقة، وتعطيل أي استقرار فيها، ومن ثم، تحقيق هندسة اجتماعية وثقافية شاملة".

بدرخان علي: المشروع التركي هو الاستيلاء على كامل الشمال السوري

يتفق والرأي ذاته، الكاتب في صحيفة "الإندبندنت أونلاين"، بورزو دراغاهي، والذي يرى أنّ العملية العسكرية المحتملة تأتي في "لحظة جيوسياسية مناسبة، بشكل خاص، لأردوغان، حيث تركز روسيا، وهي لاعب كبير في سوريا، جهودها وانتباهها ومواردها نحو قتالها المستمر على أوكرانيا".

ووفق الكاتب السوري الكردي، فإنّ تركيا تنجح في تنفيذ مخططاتها تلك بالتدريج، كما هو الحال على مدار الأعوام الماضية؛ حيث إنّها ستواصل نشاطها المحموم بهدف احتلال مساحة جديدة، لتنفيذ أهدافها في المنطقة، ومنها تدشين "المنطقة الآمنة"، مع الوضع في الاعتبار أنّ "الهجمات بالمدافع والطائرات المسيّرة على مناطق الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية والمدنييّن في مناطق الشمال السوري لم تتوقف يوماً، لكن هذا لا يكفي على ما يبدو ولا يشفي غليل حاكم أنقرة". 

الكاتب والباحث السوري الكردي، بدرخان علي لـ"حفريات": الحرب المحتملة على المنطقة والتي يقودها الرئيس التركي تبدو "جدية"، لا سيما أنّ أردوغان "بحاجة إلى الحرب"

النخبة الحاكمة في تركيا، وعلى رأسها الرئيس أردوغان وحليفه القومي المتشدد دولت بهجلي "بحاجة إلى حرب، وإلى التصعيد العسكري ورفع وتيرة الصراع الأمني بشكل دوري. ومن هنا؛ التهويل المستمر بوجود خطر كردي (مزعوم) على الأمن القومي التركي، والتهديد باجتياح جديد، كل مرّة، لإحتلال وفرض سيطرة ميدانية على مناطق جديدة بحجة القضاء على (الإرهاب) الكردي، وذلك عوضاً عن الانخراط في عملية سياسية جادة وحوار داخلي حقيقي مع ممثلي الكرد والفعاليات الديمقراطية في البلاد، لإيجاد حل سلمي ومُستدام يضع حداً للصراع الدامي والمتواصل منذ عقود، وتقبّل الحقيقة الكردية داخل تركيا وفي جوارها"، يقول علي. 

وتتزامن التهديدات الجديدة مع إعلان الحكومة التركية عن خطة لإعادة اللاجئين السوريين من داخل تركيا إلى الأراضي السورية المحتلة من قبل القوات التركية والعناصر الميلشياوية المدعومة من أنقرة، بحسب المصدر ذاته، والذي يؤكد أنّ "هناك دوافع تركية داخلية وانتخابية قوية وراء ذلك. كما أنّ هناك محاولة جديدة لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من أوروبا الواقعة تحت تهديد أردوغان بورقة اللاجئين السوريين، الأمر الذي يعني، اليوم، تمويل مشاريع الحكومة التركية داخل الأراضي السورية والتي تطلق عليها (المناطق الآمنة) بغية (العودة الطوعية) للاجئين السوريين في تلك المنطقة الممتدة على طول الحدود السورية التركية، وبالمحصلة؛ إغلاق أبواب العواصم الأوروبية أمام العلاقات الناشئة مع الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وقوات سوريا الديمقراطية".

ويردف علي: "يمكن فهم وتفسير "موقف أنقرة المتصلّب من انضمام السويد، على وجه خاص، إلى حلف الناتو، الدولة التي منحت هامشاً لتحركات قيادات الإدارة الذاتية ونشاطاتها، في الآونة الأخيرة، وموقف وزيرة خارجيتها الإيجابي منهم".

وفي رأي الكاتب الكردي، فقد "منحت التطورات المتصلة بالأزمة الأوكرانية الروسية فرصة جديدة للحكومة التركية لاستثمار علاقاتها المتشابكة مع قطبي الأزمة، واشنطن وموسكو، خاصة في ظل تنافس الدولتين الفاعلتين في الملف السوري على كسب أنقرة إلى جانبها. مع الوضع في الاعتبار أنّ موسكو وواشنطن لهما تواجد أو نفوذ عسكري في المناطق المهددة بالاجتياح من قبل الجيش التركي".

وشدد علي: "التهديد التركي جدي للغاية إلا أنّنا في بداية "البازار" ولا ندري كيف ستسير المساومات بين أنقرة وواشنطن وموسكو وطهران".

مواضيع ذات صلة:

تحذيرات دولية واحتجاجات رافضة للعملية العسكرية التركية شمال سوريا.. فهل تتراجع تركيا؟

استثناء شمال سوريا من عقوبات "قيصر" يلزمه ردع تركيا

سجن غويران ومعضلة فلول داعش بشمال سوريا.. ما علاقة تركيا؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية