سكان شمال غزة يبحثون عن الحياة بعد عودتهم إلى منازلهم المدمرة

سكان شمال غزة يبحثون عن الحياة بعد عودتهم إلى منازلهم المدمرة

سكان شمال غزة يبحثون عن الحياة بعد عودتهم إلى منازلهم المدمرة


كاتب ومترجم فلسطيني‎
06/02/2025

عاد سكان شمال قطاع غزة إلى بيوتهم المدمرة بعد انتظار دام أكثر من عام على التوالي من حرب الإبادة والتطهير والتهجير، ولم تكن غالبية السكان تعلم أنّ مناطق واسعة من غزة قد تحولت إلى كومة من الرماد، وغابت الخدمات الأساسية عن المناطق التي بقيت مأهولة بالسكان وحجم الضرر فيها أقلّ، حتى أنّ أصحاب البيوت المدمرة الذين يعيشون في المخيمات التي أقيمت لإيوائهم يواجهون معاناة كارثية في ظل نقص الإمدادات والخدمات الإنسانية اللازمة. 

العديد من الخدمات الأساسية باتت مفقودة، بالرغم من الاتفاق بين أطراف التفاوض على توفيرها خلال فترة التهدئة ويصعب على السكان توفيرها، وأبرز ذلك عدم توفر التيار الكهربائي، وصعوبة الحصول على المياه سواء مياه الشرب أو مياه الاستخدام المنزلي، ويزداد قلق السكان العائدين من عدم وجود رؤية واضحة من قبل جهات الاختصاص لإعادة مد قطاع غزة بالكهرباء، وعلى إثر ذلك توقفت محطات المياه التي تعمل مضخاتها بالكهرباء، كما أنّ شبكة الإنترنت مقطوعة عن مناطق واسعة من مدينة غزة التي عاد إليها مئات الآلاف، وهذا ما زاد من معاناة أوضاع السكان الذين يفقدون أهم الخدمات في حياتهم اليومية.

استياء واسع

النقص الحاد في تلك الخدمات ضاعف من معاناة السكان الذين عادوا من جنوب القطاع ووجدوا منازلهم كومة رماد، وقد عبّر آلاف المواطنين عن غضبهم البالغ من حجم الدمار الذي ارتكبه جيش الاحتلال بحق المدنيين العزّل بتدمير منازلهم بشكل متعمد، لا سيّما ما حصل في مخيم جباليا من تدمير المدينة ومحيطها بالكامل، بالإضافة إلى معاناة انقطاع الكهرباء والمياه التي أثرت على سير حياة السكان يوميّاً، وسط غياب دور الجهات الحكومية المختصة والمعنية بتوفير الخدمات للسكان.

العديد من الخدمات الأساسية باتت مفقودة، في كافة أنحاء القطاع

في مناطق شمال قطاع غزة، وبالتحديد مخيم جباليا وبيت لاهيا، كانت المدينتان تضمان أعداداً كبيرة جداً من السكان، ولكن بعد الدمار الكبير الذي حل في شمال القطاع ضمن خطة الجنرالات التي كانت تهدف إلى إفراغ سكان الشمال وهدم منازلهم، عاد السكان ولم يجدوا مأوى ولو جزئيّاً، ولجأ البعض إلى المدارس والعيادات الصحية ليعيشوا فترة نزوح جديدة، بينما أقدم آخرون على نصب الخيام بجانب منازلهم المدمرة، وجميع هؤلاء يقضون أيامهم في ظروف صعبة وسط انعدام الخدمات الأساسية، أمّا باقي المناطق السكانية التي لم تتعرض لضرر كبير وتشهد ازدحاماً وتكدساً كبيراً من قبل المواطنين للعيش فيها، فإنّ تلك المناطق تشهد أيضاً شحاً كبيراً في إمدادات الخدمات الأساسية، لأنّ طريق تمديد كافة الخطوط سواء الكهرباء أو الماء أو الاتصالات تمرّ من المناطق الشرقية والشمالية للقطاع، وجميع تلك المناطق تعرضت البنية التحتية فيها للتخريب والتجريف.

الاحتلال تعمّد التخريب

لقد تعمّد الاحتلال الإسرائيلي خلال العملية البرية على مختلف مناطق قطاع غزة تدمير كامل البنية التحتية من كهرباء وخطوط مياه وخطوط اتصالات، وما يزيد الطين بلة أنّ إمكانية تصليح تلك الأعطال بشكل سريع أمر صعب، في ظل الشح الحاد في المعدات بعد الدمار الكبير الذي لحق بالمستودعات، إلى جانب منع الاحتلال إدخال تلك المعدات والنواقص لدى الجهات المختصة، وهذا يعيق وصول الخدمات للسكان بشكل عاجل.

في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة يشهد هذا المخيم تكدساً كبيراً في أعداد السكان بشكل كبير عمّا كان سابقاً، نتيجة توجه سكان مناطق شمال القطاع المدمرة إلى نصب خيامهم واستئجار منازل داخل هذا المخيم الملاصق لتلك المناطق ولم يتعرض إلى دمار واسع، لكن كافة الخدمات باتت مفقودة داخل المخيم ولم يجد السكان حلّاً للمعاناة، وبات الحصول على جالون مياه أمراً في غاية الصعوبة، ولكن من يملك عدة ألواح من الطاقة الشمسية يمكنه الحصول على الكهرباء، أمّا الحصول على الإنترنت فهذا أمر صعب، ويتوجه سكان هذا المخيم إلى مناطق بعيدة من أجل الحصول على الإنترنت وقضاء مصالحهم.

بين مؤيد ومعارض

في أحاديث منفصلة لمراسل (حفريات) تباينت آراء النازحين العائدين إلى شمال قطاع غزة، بعد أن قضوا على مدار عام ونصف عام فترة نزوح قاسية في مناطق مختلفة من جنوب القطاع، فمنهم من تفاجأ بمشاهد الدمار وانعدام الخدمات بشكل شبه كامل، ولا يرغب في العودة حاليّاً، والبعض الآخر يرى أنّ عودته بمثابة كنز، ولو كان هناك دمار، بدلاً من البقاء في جنوب القطاع وعدم معرفة مصير النازحين، وبالتالي إفشال مخطط التهجير بعد سياسة التطهير العرقي التي انتهجها الاحتلال في الشمال، ودفع السكان إلى النزوح تحت تهديد السلاح جنوباً.

يقول المواطن طارق منصور الذي يسكن في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة: صحيح كنا نعد الأيام والساعات بانتظار لحظة العودة إلى بيوتنا، لكن لم أتوقع أن يكون حجم الدمار في البنية التحتية بهذا الشكل، فقد عدنا إلى المخيم ولم نجد المياه ولا الإنترنت، حتى أنّ كوابل الكهرباء لم تعد موجودة وإمكانية إصلاحها يحتاج إلى أشهر طويلة، وهذا يضاعف معاناتنا كسكان بحاجة إلى توفير خدمات أساسية.

 يشهد مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، تكدساً كبيراً في أعداد السكان بشكل كبير عمّا كان سابقاً

ويشير إلى أنّ الحياة بالنسبة إلى النازحين في جنوب القطاع كانت قاسية، لكن كان هناك خدمات متوفرة من مياه وإنترنت، والمواطنون يقضون مصالحهم بما هو متوفر من خدمات، لكن هنا في مناطق الشمال الدمار واسع وحياة السكان توقفت في ظل نقص الخدمات، والأصعب من ذلك هو غياب دور المؤسسات المختصة التي لم تأتِ إلى المخيم وتساعد السكان في إصلاح الأعطال ومحاولة تخفيف معاناتهم.    

أمّا المواطن زاهر عبدو، فهو يعتبر عودته إلى بيته في المخيم أكبر إنجاز تم تحقيقه خلال حرب الإبادة، وإصرار الاحتلال على تهجير كافة سكان الشمال حتى تهجير سكان الجنوب، وبالرغم من غياب كافة الخدمات الأساسية، فكل شيء مع مرور الوقت سيعود مع تدفق السلع عبر المعابر وإدخال كافة المعدات اللازمة.

ولفت المواطن زاهر إلى أنّ الاحتلال الإسرائيلي سمح بعودة السكان إلى شمال القطاع، ولكن عمل على تدمير كل الخدمات الضرورية، وعمل جاهداً على جعل مناطق شمال القطاع ومدينة غزة مناطق غير صالحة للعيش، بعد تدمير آبار وخطوط المياه وتدمير شبكات الكهرباء والاتصالات والإنترنت، وهذا بالفعل أثر على حياتنا، لكن علينا أن نتحمل ونصبر إلى أن يعود كل شيء على ما يرام.  

أمّا السيدة المسنّة أم عامر، فهي تحضّر نفسها للعودة إلى جنوب قطاع غزة بعد أن عادت إلى منزلها في حي الشيخ رضوان وسط مدينة غزة ووجدته مدمراً جزئياً، ولا تجد مصدر مياه ولا كهرباء والحياة معدومة، وهي تفضل العودة إلى مدينة خان يونس حيث يوجد في المدينة خدمات أفضل من مدينة غزة التي تعرضت لدمار مروع، وحال المسنّة بات حال عشرات المواطنين الذين يرغبون في الرجوع إلى جنوب القطاع إلى حين عودة الحياة إلى طبيعتها في مدينة غزة.

يُذكر أنّ الاحتلال الإسرائيلي سمح لسكان مدينة غزة وشمالها بالعودة إلى منازلهم، بعد أن هجّرهم تحت وابل القصف في أعقاب حرب الإبادة مطلع تشرين الأول (أكتوبر) 2023، لكنّ الاحتلال سرق الفرحة من السكان الذين عادوا ووجدوا منازلهم مدمرة.  




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية