سكان جنوب غزة معرضون للموت خلال رحلة البحث عن الطحين

سكان جنوب غزة معرضون للموت خلال رحلة البحث عن الطحين

سكان جنوب غزة معرضون للموت خلال رحلة البحث عن الطحين


كاتب ومترجم فلسطيني‎
09/12/2024

يخاطر السكان النازحون جنوب قطاع غزة بحياتهم من أجل الحصول على القليل من الطحين ورغيف الخبز، في ظل تفشي مجاعة كبيرة ومقلقة بين النازحين، على إثر النقص الحاد في

الطحين وإنتاج الخبز، وهو الأمر الذي دفع بأعداد كبيرة من النازحين للمخاطرة بحياتهم  من أجل الحصول على القليل من الخبز، خاصة في الوقت الذي بدأ فيه الضعف والبؤس يخيم على وجوه وأجساد المواطنين، بسبب شح الغذاء وسوء التغذية.

وتصدرت مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد تجمهر المواطنين بالمئات أمام المخابز من أجل الحصول على الخبز في ظل عدم توفر الطحين، حيث يخرج المواطنون إلى تلك المخابز من ساعات الفجر لأخذ مكان في الطوابير الطويلة، ويحصل القليل من المواطنين على الخبز  بسبب شح الكميات اليومية، وقد بدأت الأزمة تشتد بعد توقف برامج التوزيع على المواطنين من قبل المنظمات الإغاثية الدولية من مناطق وسط وجنوب غزة مطلع تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وكانت النساء تنتج الخبز بعد الحصول على الطحين، لكن اليوم وبعد أن بات الحصول على كيس الطحين حلم كل مواطن في الجنوب، يحاول المواطنون اللجوء إلى المخابز. 

وتجد وكالة الأونروا ومنظمة الأغذية العالمية صعوبة في عودة برامج توزيع الطحين على المواطنين في مناطق جنوب قطاع غزة، بسبب النقص الحاد في إمدادات المستودعات بالطحين والعديد من أصناف المواد التموينية الأخرى منذ فترة زمنية طويلة، ويعود ذلك إلى عمليات السطو التي يقوم بها قطاع الطرق الذين يعتدون بالقوة وتهديد السلاح على شاحنات الطحين والمساعدات أثناء مرورها على مقربة من تواجد الجيش الإسرائيلي شرق مدينة رفح، وهذا ما شكل عجزاً كبيراً في إمدادات المعونات، وبالتحديد الطحين الذي يشكل نقصه أزمة خطيرة ومقلقة ويفرز مجاعة كارثية.

تجد وكالة الأونروا ومنظمة الأغذية العالمية صعوبة في عودة برامج توزيع الطحين على المواطنين في مناطق جنوب قطاع غزة

وتفتقد مناطق واسعة من القطاع للأمن والانضباط بسبب غياب أجهزة الأمن منذ بداية الحرب، وهو الأمر الذي عكس حالة من الفوضى في مختلف مناطق القطاع، فعلى صعيد التكدس الهائل بآلاف المواطنين على أبواب المخابز، يحاول مسلحون مدنيون يعملون بشكل شخصي لضبط حالة الفوضى أمام المخابز، لكنّ المواطنين لا يلتزمون بأوامر عناصر الأمن، وبالتالي تحدث مشادات، وتنتج في غالبية الأحيان عن ذلك إصابات وحالات قتل، وهو الأمر الذي حدث قبل أيام أمام أحد المخابز. 

ويقول المتحدث باسم الأمم المتحدة في غزة ستيفان دوجاريك: يعاني جنوب قطاع غزة من نقص حاد في الطحين بفعل الإجراءات الإسرائيلية وسرقة اللصوص شاحنات الطحين أثناء مرورها من معابر الجانب الإسرائيلي مع غزة، كما أنّ جميع الناس في وسط وجنوب القطاع يكافحون من أجل الحصول على رغيف خبز، وخطر المجاعة بات يهدد أكثر من مليون مواطن ونازح، مشيراً إلى أنّ الجانب الإسرائيلي يعمل بشكل متعمد ضمن سياسة تجويع القطاع من خلال تقنين كميات المساعدات المدخلة، إلى جانب السماح لقطاع الطرق بالسطو على الشاحنات وسرقتها، وهذا تسبب بعجز في إمدادات الطحين.

في مقابل ذلك يُحمّل مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية عن المجاعة الكارثية وحالة الفوضى وانعدام الأمن داخل قطاع غزة، بعد أن شرع الاحتلال في تشكيل عناصر من داخل القطاع لزعزعة الأمن وسرقة المساعدات، وفرض مجاعة بين المواطنين، وهو الأمر الذي زاد من معاناة المواطنين بعد النقص الحاد في الطحين، وقلق السكان من حدوث مجاعة خطيرة إذا استمرت هذه الحالة خلال الأيام والأسابيع المقبلة.  

المواطن صدقي رجب يعاني من صعوبة في الحصول على الطحين منذ أسابيع، ويخرج يومياً عند الساعة الرابعة فجراً تحت أزيز الطائرات الحربية الإسرائيلية والظلام الدامس، من أجل الوصول إلى أحد المخابز في منطقة البلد وسط مخيم النصيرات، ليأخذ دوره قرب نافذة المخبز والحصول خلال ساعات الصباح الباكر على ربطة خبز، لا تكاد تكفي أسرته مع حلول مساء ذات اليوم.

ويقول في حديثه لـ (حفريات): "هناك مجاعة حقيقية يمر بها السكان في كافة مناطق جنوب ووسط القطاع، بعد أن توقفت الأونروا عن توزيع الطحين منذ أشهر، بسبب العجز في إمدادات الطحين إلى مخازنها، واستمرار هذا التوقف أرهق السكان والنازحين، وبدأ الناس يبحثون هنا وهناك من أجل الحصول على الطحين لسد رمق جوعهم، خاصة أنّ الأسواق تشهد شحاً حاداً في المواد التموينية، في ظل حرب التجويع التي تمارسها إسرائيل ضد سكان قطاع غزة".

ولفت إلى أنّ "محاولات الحصول على ربطة الخبز ربما لا يمكن أن يتحقق في كثير من الأحيان، وهذا يعود إلى التكدس الكبير للمواطنين، وحدوث مشاكل وعنف وإطلاق نار في بعض الأحيان، عدا عن الكميات المحدودة من الخبز التي تنتجها المخابز يومياً مقارنة بأعداد من يحتاجون الحصول على الخبز".

أمّا المواطن سمير نجم، فقد بات مجبراً على شراء كيس طحين وزن (25) كيلو غرام بمبلغ (400) شيكل، بعدما كان يصل إلى (20) شيكل، لتفادي المشاكل التي تحدث عند المخابز، والتي تؤدي إلى حدوث إصابات وقتلى في صفوف المواطنين الذين ينتظرون ساعات طويلة للحصول على الخبز.

المواطنون في قطاع غزة يعانون من صعوبة في الحصول على الطحين منذ أسابيع

ويشير في حديثه لـ (حفريات) إلى أنّ "رحلة البحث عن لقمة العيش في غزة خطيرة ومرهقة وتكلف الإنسان حياته، فتارة يستهدف الاحتلال تجمهر المواطنين أمام المخابز، وتارة أخرى تشكل الفوضى الداخلية مشكلة خطيرة للمواطنين، نتيجة التدافع أمام المخابز والعراك بالأيدي بينهم".     

أمّا السيدة ريهام محمود، فإنّها تخرج على مدار أيام مع حلول الصباح إلى أحد المخابز وسط مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة من أجل الحصول على ربطة خبز لا تزيد عن (20) رغيفاً، تسد بها جوع أسرتها التي تواجه مجاعة منذ أسابيع بفعل نقص الطحين.

وتوضح في حديثها لـ (حفريات) "أنّها لم تفلح في الحصول على الخبز بسبب ازدحام المواطنين الهائل على المخبز القريب من خيمتها، وقد تعرضت مرات عديدة للإصابة بحالات إغماء بسبب الازدحام وتدافع المواطنين أمام المخبز". 

وتشير إلى أنّ "توقف عمل التكيات القريبة من خيمتها بسبب النقص في المواد التموينية وارتفاع أسعار ما هو متوفر في الأسواق، زاد من معاناة أسرتها التي تعاني من الجوع وعدم توفر الطعام، كما أنّ المساعدات التي تحتوي على مواد تموينية لم تحصل عليها منذ أشهر، وتشتكي المؤسسات من سرقة اللصوص تلك المساعدات".

وتتواصل أزمة نقص الطحين والمجاعة في مناطق جنوب قطاع غزة بفعل استمرار عمليات السطو والنهب للمساعدات من قبل عصابات قطاع الطرق، ويهدد استمرار عمليات السرقة بفقدان أرواح العشرات من المواطن، في الوقت الذي  يتكدس فيه أكثر من مليون نازح  في جنوب ووسط القطاع، بعد أن أجبروا قسراً على النزوح بداية الحرب، وهم يعيشون في ظروف هي الأسوأ على الإطلاق.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية