
في خضم التحولات السياسية والأمنية التي تشهدها سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، برزت جماعة جديدة تحمل اسم "سرايا أنصار السُّنّة"، لتضيف تعقيدًا جديدًا إلى المشهد السوري المضطرب. هذه الجماعة، التي أعلنت عن نفسها في شباط (فبراير) 2025، تبنت خطابًا طائفيًا متشددًا وأفكارًا سلفية جهادية، ممّا أثار مخاوف من عودة التوترات الطائفية وتهديد استقرار المرحلة الانتقالية.
ويهدف هذا التقرير إلى استعراض نشأة الجماعة، وأهدافها، وأنشطتها، وتأثيرها المحتمل على المشهد السوري.
نشأة الجماعة وقيادتها
تأسست جماعة "سرايا أنصار السُّنّة" في 1 شباط (فبراير) 2025 على يد شخصية تُعرف باسم "أبو عائشة الشامي"، وهو انشقاقي عن هيئة تحرير الشام، إحدى أبرز الفصائل المسلحة في سوريا. ووفقًا للمعلومات المتاحة، غادر أبو عائشة هيئة تحرير الشام بسبب ما اعتبره تساهلًا من جانبها تجاه الشيعة والعلويين، وهي اتهامات عكست خطاب الجماعة الطائفي المناهض لهاتين الطائفتين.
منذ إعلان تأسيسها، نفذت "سرايا أنصار السُّنّة" عدة هجمات دامية أثارت القلق بشأن أهدافها ونواياها. في اليوم ذاته الذي أُعلن فيه عن تأسيسها، تبنت الجماعة مسؤولية هجومين كبيرين؛ الأوّل في منطقة أرزة الضبعة، حيث قُتل (12) شخصًا من العلويين، والثاني في تل ذهب، حيث قُتل (5) من أعضاء الأمن التابعين للحكومة البعثية السابقة. كما أعلنت الجماعة مسؤوليتها عن هجوم آخر في حماة أسفر عن مقتل (10) قرويين شيعة.
لم تُنشر تفاصيل دقيقة عن هوية أبو عائشة الشامي أو خلفيته، ممّا يضفي طابعًا من الغموض على الجماعة. ومع ذلك، يُعتقد أنّها استفادت من الفراغ الأمني والاضطرابات السياسية التي تلت سقوط نظام الأسد لتعلن عن وجودها عبر بيان نشرته على تطبيق (تيليغرام)، وهو منصة شائعة الاستخدام بين الجماعات المتطرفة. في هذا البيان اتهمت الجماعة الحكومة الانتقالية الجديدة بـ "الفساد والتسامح مع النصيرية والروافض"، في إشارة إلى العلويين والشيعة، ممّا يعكس خطابها الطائفي المتشدد.
الأنشطة والعمليات العسكرية
منذ إعلان تأسيسها نفذت "سرايا أنصار السُّنّة" عدة هجمات دامية أثارت القلق بشأن أهدافها ونواياها. في اليوم ذاته الذي تمّ فيه الإعلان عن تأسيسها تبنت الجماعة مسؤولية هجومين كبيرين؛ الأوّل في منطقة أرزة الضبعة، حيث قُتل (12) شخصاً من العلويين، والثاني في تل ذهب، حيث قُتل (5) من أعضاء الأمن التابعين للحكومة البعثية السابقة. كما أعلنت الجماعة مسؤوليتها عن هجوم آخر في حماة أسفر عن مقتل (10) قرويين شيعة.
هذه الهجمات، التي استهدفت بشكل واضح أفرادًا وجماعات على أساس طائفي، تُظهر أنّ الجماعة تسعى إلى فرض أجندتها عبر العنف الطائفي. وقد أعلنت صراحةً أنّ هدفها الرئيسي هو "إزالة" الشيعة والعلويين من سوريا، أو إجبارهم على النزوح إلى دول أخرى، ممّا يعكس نهجًا متطرفًا يهدد التعايش المجتمعي في سوريا.
الإيديولوجيا والعلاقة بتنظيمات أخرى
تعتمد "سرايا أنصار السُّنّة" على إيديولوجيا سلفية جهادية، تشبه إلى حد كبير أفكار تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). ومع ذلك، نفت الجماعة في تصريحاتها الأولية وجود أيّ تنسيق مباشر مع تنظيم (داعش)، مع الإشارة إلى أنّها لا تستبعد التعاون معه في المستقبل إذا اقتضت الحاجة، وأنّ أيّ تعاون سيُعلن عنه علنًا.
تشير بعض التحليلات إلى أنّ الجماعة قد تكون بمثابة "واجهة طائفية" لاستقطاب المتشددين الراغبين في الانتقام، أو أنّها قد تكون امتدادًا غير معلن لتنظيم (داعش) في مرحلته "السورية الانتقالية". ويدعم هذا التحليل تزامن ظهور الجماعة مع هجمات منسوبة إلى تنظيم (داعش)، مثل التفجير الذي نفذه التنظيم في بلدة ميدان الشرقية في 18 أيار (مايو) 2025، والذي أسفر عن مقتل (5) أشخاص.
تعتمد "سرايا أنصار السُّنّة" على إيديولوجيا سلفية جهادية، تشبه إلى حد كبير أفكار تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). ومع ذلك، نفت الجماعة في تصريحاتها الأولية وجود أيّ تنسيق مباشر مع تنظيم (داعش)، مع الإشارة إلى أنّها لا تستبعد التعاون معه في المستقبل إذا اقتضت الحاجة، وأنّ أيّ تعاون سيُعلن عنه علنًا.
من ناحية أخرى، يُحتمل أن تكون الجماعة قد استلهمت بعض أفكارها من التيارات السلفية الحركية، مثل التيار السروري الذي أسسه الشيخ محمد سرور زين العابدين، وهو سوري انشق عن جماعة الإخوان المسلمين. لكن، على عكس التيار السروري الذي ركز على العمل الدعوي والسياسي، تبدو "سرايا أنصار السُّنّة" أكثر ميلًا إلى العنف المباشر والمواجهة المسلحة.
التحديات التي تواجهها الحكومة الانتقالية
يُعتبر ظهور "سرايا أنصار السُّنّة" تحديًا كبيرًا للحكومة السورية الانتقالية بقيادة أحمد الشرع، الذي أعلن التزامه بمحاربة الإرهاب وطرد المقاتلين الأجانب من سوريا. يُضاف إلى ذلك التهديد الأمني الذي تمثله الجماعة، حيث يمكن أن تؤدي أنشطتها إلى تقويض جهود الحكومة لتوحيد البلاد وإعادة بناء الاستقرار.
ويُشير الباحث هارون زيلين من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى إلى أنّ عودة تنظيمات متطرفة مثل داعش، أو ظهور جماعات جديدة مثل "سرايا أنصار السُّنّة"، يعكس استمرار التهديد الإرهابي في سوريا، رغم تراجع قوة هذه التنظيمات مقارنة بذروتها السابقة. وتزيد هذه التحديات من الضغوط على الحكومة الانتقالية التي تواجه بالفعل صعوبات في إدارة التنوع الطائفي والعرقي في سوريا، بحسب تقرير نشرته (الحرة) للباحث رامي الأمين.
التداعيات الإقليمية والدولية
يثير ظهور "سرايا أنصار السُّنّة" قلقًا إقليميًا ودوليًا، خاصة في ظل التكهنات بإمكانية تعاونها مع تنظيمات إرهابية عابرة للحدود. وتشير بعض التقارير إلى أنّ إيران، التي دعمت نظام الأسد سابقًا، قد تستغل مثل هذه الجماعات لتحقيق أهدافها في إضعاف النفوذ الأمريكي أو تعطيل المرحلة الانتقالية. ومع ذلك لا توجد أدلة قاطعة حتى الآن تدعم هذه الفرضية.
على الصعيد الدولي، يُحتمل أن يؤدي تصاعد النشاط الإرهابي في سوريا إلى تجديد الدعوات لتشكيل تحالفات دولية لمواجهة هذا التهديد، كما حدث سابقاً مع التحالف الدولي ضد تنظيم (داعش). ومع ذلك، قد يعيق التنافس بين القوى الإقليمية، مثل إيران وتركيا والولايات المتحدة، الجهود الموحدة لمواجهة هذه الجماعات.
وعموماً تمثل جماعة "سرايا أنصار السنّة" تهديدًا جديدًا في سوريا، ليس فقط بسبب أنشطتها العنيفة، بل أيضًا بسبب خطابها الطائفي الذي قد يؤجج الصراعات المذهبية في بلد يعاني بالفعل من الانقسامات. ومع استمرار الفراغ الأمني والتحديات السياسية، يبقى السؤال حول قدرة الحكومة الانتقالية على مواجهة هذا التهديد دون التسبب في مزيد من التصعيد. وتتطلب المرحلة الحالية تعاونًا محليًا ودوليًا لضمان عدم تحول سوريا إلى ملاذ آمن للجماعات المتطرفة مرة أخرى.